تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | “الموت” يهدد واحات الجنوب الشرقي

في غياب المؤسسات الرسمية والمجالس المنتخبة

تعيش معظم واحات المغرب المتواجدة في إقليم الراشيدية، وطاطا، وكلميم، وورزازات، وزاكورة، وضعية صعبة، بسبب الجفاف وقلة الموارد المائية والحرائق، مما دفع بعض الفعاليات الجمعوية والإعلامية والحقوقية إلى إطلاق عريضة إنقاذ الواحات في مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل تحسيس الحكومة ووزارة الفلاحة بالخطر الذي يهدد مستقبل الواحات والقضاء على أشجار النخيل في مناطق الجنوب الشرقي للمملكة.

وناشد الموقعون في عريضة إنقاذ واحات النخيل، المسؤولين، من أجل التدخل الفوري لإنقاذ ما تبقى من ينابيع المياه في واحات الجنوب الشرقي، ووضع برنامج استعجالي لحماية النظم الإيكولوجية الواحية، وطالبوا بوقف استنزاف الفرشة المائية والاكتفاء بأثقاب جماعية خاصة بكل واحة، والعمل على التوزيع العادل للموارد المائية، والتصدي لعمليات تبذير المياه في الضيعات في الوقت الذي تعاني فيه مناطق أخرى من العطش.

 

إعداد: خالد الغازي

 

    يعد الجنوب الشرقي من المملكة منطقة مهمة تتوفر على منظومة واحية شاسعة، بالنظر إلى ما تكتنزه الواحات من تراث حضاري وثقافي متنوع منذ القدم، لكن الملاحظ خلال السنوات الأخيرة، أن هذه الواحات ظلت تصارع من أجل البقاء في ظل قساوة الظروف الطبيعية، وندرة الإمكانيات الاقتصادية للساكنة، حيث ظلت خارج قطار التنمية وخارج البرامج الفلاحية التي صرفت عليها الملايير في إطار “المخطط الأخضر”، ويظل السؤال المطروح: لماذا يتم إقصاء الواحات من المخططات التنموية الحكومية؟

عزيز بنطالب

    في هذا السياق، كشف الخبير عزيز بنطالب، رئيس المركز الدولي للواحات والمناطق الجبلية، أن “الواحات في المغرب بصفة عامة، توجد في وضعية متأزمة، أولا بفعل الجفاف والتقلبات المناخية، وكذلك التصحر، إضافة إلى العوامل البشرية التي لا تقل أهمية عن العوامل الطبيعية، لأنه في الماضي كانت لدينا زراعات موجهة للسوق الداخلي، ثم حصلت تحولات وأصبحت لدينا زراعات رأسمالية تستهلك الماء أكثر من الواحات التقليدية”، مبرزا أننا أمام نمطين: النمط الأول هو الواحات التقليدية بجوار الأودية، ثم الواحات العصرية التي تستنزف الموارد المائية، مثل زراعة البطيخ الأحمر التي تجتاح الواحات في الجنوب الشرقي ومجموعة من المناطق في المجالات الصحراوية، بحيث نجد مساحات كبيرة من الزراعة تستهلك المياه بكثرة، متسائلا: كيف يعقل أن نزرع منتجات تستهلك المياه باستعمال البيوت البلاستيكية لإعطاء منتوج أكثر أهمية ومردودية، ولكن أكثر استنزافا للتربة وللموارد المائية؟

وقال ذات المصدر: “تعيش الواحات حاليا أزمة كبيرة، إذ أنها تدهورت وتراجعت وتعرضت لزحف الرمال، إضافة إلى مشكل الهجرة، وهو مشكل يتفاقم، فمثلا الساكنة في الواحات تنقص بـ 15 في المائة و20 في المائة، بسبب التصحر والجفاف والتقلبات المناخية، وبسبب أزمة العطش خلال فصل الصيف، حيث أن الجنوب الشرقي من الراشيدية، وورزازات وطاطا، وغيرها، كلها تعيش الهشاشة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وبسبب الفقر يحصل الضغط على الموارد الطبيعية، وبالتالي، يتدهور الغطاء النباتي بسبب المجالات الرعوية واقتلاع النباتات التي تساهم في تثبيت الكثبان الرملية.

 

 ضرورة إصدار قانون للواحة

    أكد بنطالب على ضرورة سن قانون خاص للواحة وتقنين تدبير المياه، لأن من شأن ذلك أن يساهم في بلورة مشاريع ترابية، واحترام خصوصية وهوية الواحة، وسوف يعتمد على تعبئة الموارد الباطنية، وتثبيت الكثبان الرملية وتشجيع سياحة تضامنية مستدامة، قصد المحافظة على الفلاحة المشهدية من أجل استقرار الساكنة المحلية والاعتناء بالواحات، لأن النخيل هو مصدر الثروة والتنوع الإحيائي في هذا المجال، مع ضرورة تشجيع زراعة النخيل في الأراضي السلالية لضمان استمرار الهوية الترابية الواحية النخيلية في هذه المناطق، مشيرا إلى أن المقاربة التقنية المستعملة لا تسمح بمشاركة الساكنة في المشاريع التنموية، والمشاريع التي لديها علاقة بالتأهيل البيئي، قصد المحافظة على التراث وكل المؤهلات التي تتوفر عليها الواحات من أجل تثمينها والمحافظة عليها لخدمة التنمية المستدامة.

وتابع أن مستقبل الواحات مرتبط بالقيام بعدة إجراءات ومشاريع وبرامج، من أبرزها: تعبئة وتدبير الموارد المائية، التفكير في آليات جريئة للحد من الزراعات الأكثر استهلاكا للمياه الباطنية كما هو الحال بسهل “الفيجا” بزاكورة، بناء المزيد من السدود التلية، تشجيع الضخ الجماعي باستعمال الطاقة المتجددة، تثمين منتجات التمر وتحويله إلى عصير في إطار تشجيع الصناعات التحويلية لدى التعاونيات، تثبيت الكثبان الرملية ومحاربة انجراف التربة والقطاع العشوائي للغطاء النباتي، محاربة الفقر وتصميم الرأسمال البشري في ظل الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي الجديد، التفكير في خلق قانون الواحات لحمايتها وضمان استدامة مواردها، التنسيق بين جميع الفرقاء والمؤسسات التي تشتغل في تنمية الواحات، وإدماج منظومة الواحات في عمل مشاريع الجماعات الترابية، ثم القيام بمقاربة تشاركية في تنمية الواحات عوض التركيز على المقاربة الفوقية التقنية للتنمية، وإرسال آلات اقتصاد الماء.

وأشار نفس المتحدث إلى أهمية تشجيع الفلاحات البيولوجية والفلاحات المستدامة، والتفكير في وقف نزيف استغلال الفرشة المائية خارج الواحات، لأن المشاكل التي تعاني منها الواحات تأتي من خارجها على غرار زحف الكثبان، ومشاكل التملح، وتدهور المراعي، لذلك، يجب التفكير في سياسة شمولية لتنمية الواحات.

واحات كلميم مهددة بالانقراض

    تعيش ساكنة واحات جهة كلميم واد نون بدورها ظروفا صعبة، في ظل تزايد الحرائق، خاصة في فصل الصيف الحالي، بسبب انتشار النفايات مثل مخلفات الزجاج التي تؤدي إلى احتراق الأشجار بسبب درجات الحرارة الجد مرتفعة، بالإضافة إلى الجفاف والتصحر ومشاكل أخرى يعاني منها سكان هذه المناطق.

عبد القاسم أقبيل

  في هذا الإطار، أوضح عبد القاسم أقبيل، فاعل جمعوي، أن واحة “تغجيجت” تعد من أكبر واحات الجنوب المغربي التابعة إداريا لإقليم كلميم، تقطنها ساكنة مكونة من الفئات المقيمة وغالبية كبيرة من الرحل، تنتمي إثنيا لقبائل التكنة، وتتوفر هذه الواحة – حسب الإحصائيات – على أزيد من 170 ألف نخلة منها 140 ألف نخلة ولودة، يتجاوز إنتاجها سنويا مئات الأطنان من التمور، وهو القطاع الذي ساهم في عنصر الاستقرار والارتباط بالواحة لدى مختلف الأعمار، إلى جانب باقي الأنشطة الفلاحية كتربية الماشية والزراعة القروية.

وحسب أقبيل، فإن الوضعية الحالية تعرف تدهورا وتهالكا خطيرا لهذه الواحات بالنظر إلى عدة عوامل، أبرزها المشاكل التي تعاني منها الواحات بالمنطقة، وعامل الجفاف الذي عانت منه المنطقة منذ فيضانات 2014 باعتبارها مجالا صحراويا يعاني من ندرة الأمطار، ثم انتشار أمراض النخيل، خاصة “البيوض” الذي أدى إلى موت المئات من أشجار النخيل، وهو المرض الذي لم تفلح الأبحاث في معالجته، مما يزيد من جسامة الوضع، مشيرا إلى أن من المشاكل الأخرى التي تضر بالواحات، هناك عامل الشيخوخة الذي تعاني منه أغلب الأشجار، مما يزيد من قتامة الوضع، وكذا صعوبة الاستفادة من منتوجها لصعوبة تسلقها بالطرق التقليدية خلال عمليات الجني، إلى جانب انتشار بعض الزراعات التي تتطلب المياه بكثرة، كزراعة البطيخ بمختلف أنواعه، مما يستوجب منعها بموجب قوانين عملية تراعي طبيعة هذه الواحات وساكنتها، ثم ظاهرة الحرائق التي تنتشر في فصل الصيف بسبب عوامل بشرية.

وأكد أقبيل على أهمية التفكير في إنقاذ الواحات القديمة وحمايتها من الاندثار والتهالك الذي أصبح يتهددها، وذلك من خلال تثمين وإغناء البرامج البديلة عبر توسيع مجالات الغرس واعتماد التقنيات الحديثة، ومن هنا لابد من الاعتراف ببعض المبادرات والبرامج التي تشرف عليها الوزارة الوصية، لا سيما الضيعات النموذجية، مشددا على ضرورة سن سياسة تعاقدية بين الفلاح والمجالس الترابية وبإشراف من السلطات الوصية، من خلال تسطير برامج تعاقدية تضع الواحات ضمن أولوياتها على غرار باقي البرامج التي تسهر عليها الدولة، إذ أنه إلى حدود الساعة، نادرا ما نجد مكون الواحات ضمن برامج المجالس وأحيانا يبقى حبرا على ورق يتجاوز القدرات العلمية والمادية لمدبري الشأن المحلي.

ودعا نفس المصدر إلى إيلاء أهمية للواحات، من خلال ميثاق تعاقدي بين مختلف الفاعلين والفلاحين الصغار، مبني على المؤشرات الحقيقية والنتائج، ويستحضر الإشكالات المرتبطة بالمياه والري من حيث الموارد والتقنيات، ولم لا يتم التفكير في تزويد الواحات بمياه البحر وربطها بقنوات محطات التصفية، وبناء السدود التلية واستغلال مياه الفيضانات التي تتعرض للضياع، واستعمال الأغراس الطبيعية والمعالجة والمقاومة للأمراض، وتبسيط مساطر الاستفادة من الأراضي أمام الفلاحين الصغار.

 

“الموت” يهدد واحات طاطا

    خرجت العديد من الفعاليات الجمعوية في إقليم طاطا، تناشد المسؤولين من أجل الالتفات إلى الوضعية المزرية التي تعيشها واحات النخيل في المنطقة، والتي تعاني منذ سنوات من التهميش واللامبالاة، وغياب برامج لتقوية الواحات وحمايتها، في حين تركز المخططات والبرامج فقط على تشجيع زراعة الفواكه في ضيعات كبار الفلاحين التي تصدر للخارج وتستنزف الفرشة المائية.

في هذا الإطار، قال سعيد راجا، فاعل جمعوي وحقوقي من جماعة “أقا يكيرن”، أن واحات إقليم طاطا هي نمط عيش الساكنة منذ القدم، وهي الآن مهددة بالزوال بسبب ضعف التساقطات المطرية وتوالي سنوات الجفاف، وقلة الاهتمام بالواحات من الجهات المعنية، مما أسفر عن خسائر كثيرة في معظم الواحات التقليدية، حيث أن النخيل يموت كل موسم بسبب العوامل المناخية، وغياب حلول من قبل الجهات المسؤولة والوصية على القطاع الفلاحي، مضيفا أن الساكنة بدورها تعاني من الفقر وقلة الإمكانيات لتوفير الموارد المائية والسقي في هذه الواحات، لا سيما وأن جميع الواحات التقليدية بالمنطقة تعتمد على “الخطارات”، وهي طريقة سقي متوارثة منذ القدم، وغير كافية للحفاظ على بقاء النخيل وإنتاج الغلة بالشكل المطلوب.

وأوضح راجا، أن ساكنة منطقة “أقا يكيرن” التي تبلغ مساحتها ألفا و100 هكتار، تدق ناقوس الخطر لإنقاذها من الضياع، في ظل موت النخيل وغياب الاهتمام، وهجرة الناس من المنطقة للبحث عن حلول بديلة وحياة أخرى في المناطق الحضرية، وخاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وقلة الماء وتزايد مشكل الحرائق في فصل الصيف، مشيرا إلى أن شباب الجمعيات والمجتمع المدني يقومون بمراسلة بعض المؤسسات الرسمية من أجل تحسيسها بالخطر الذي يحدق بالواحات، مثل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، والغرفة الفلاحية، والمندوبية، وبالرغم من الوعود المقدمة، إلا أنه لحد الآن، لا يوجد أي تدخل من هذه المؤسسات، مما دفع الفعاليات الجمعوية إلى طرق أبواب المنظمات غير الحكومية للنهوض بالواحات.

واعتبر ذات المصدر، أن الجماعات الترابية في المنطقة لا تتوفر على الإمكانيات والموارد المالية للنهوض بالواحات، لكنها تقوم ببعض الحلول المحدودة التي لا ترقى لطموحات الساكنة، داعيا مجلس جهة سوس ماسة، إلى التدخل من أجل إنقاذ واحات إقليم طاطا المهددة بالزوال، عبر برمجة مشاريع تنموية لبناء سدود جديدة للتنمية بالمنطقة والحفاظ على الفرشة المائية، وقال: “رغم الجهود التي تقوم بها المنظمات الدولية، إلا أنها لم تستطع النزول إلى الميدان، باستثناء مكتب محاربة الفيضان الذي قام بمبادرة تسييج بعض الواحات، رغم أن المنطقة في حاجة ماسة إلى إصلاحات أساسية للنهوض بالواحة، ولحد الآن، لم نلمس أي تدخل واقعي للنهوض بواحات المنطقة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى