تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | الوزير وهبي يتطاول على إمارة المؤمنين وعلماء المغرب

فقهاء ينبهون إلى انحراف وزير العدل

شكلت التعديلات التي يسعى وزير العدل عبد اللطيف وهبي إلى فرضها على مدونة الأسرة، نقاشا كبيرا بين المحافظين والحداثيين، خاصة وأن الوزير يريد فرض أمر أحادي، والاستفراد بالقرار فيما يتعلق بمضامين المدونة، دون الاحتكام إلى ضوابط الدستور واستشارة المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين الملك محمد السادس، وهوية المجتمع المغربي التي ترتكز على الأعراف والمذهب المالكي والفقه الإسلامي الحديث.

إعداد: خالد الغازي

    لا زال الوزير عبد اللطيف وهبي يثير الجدل بخرجاته المعهودة، والتي تمس كثيرا غالبية المغاربة، عندما يتحدث عن تعديل قواعد الأسرة، ومراجعة الإرث، والزواج الشرعي والطلاق والولاية، والسماح بالعلاقات الرضائية والخيانة الزوجية، والاعتراف بالأبناء المولودين خارج مؤسسة الزواج، ومراجعة العديد من الأمور التي تتنافى مع الدين الإسلامي، مما يطرح العديد من التساؤلات لدى المحافظين والفقهاء والباحثين، حول سر إصرار الوزير على مراجعة المدونة بشكل شامل، في ظل صمت وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، والمجلس العلمي الأعلى، وغياب وزيرة التضامن والأسرة المنتمية لحزب الاستقلال المحافظ.

مصطفى بن حمزة

في هذا السياق، يقول الدكتور العلامة مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي ومدير معهد البحث الإسلامي للعلوم الشرعية بوجدة: “إن جميع الناس يتحدثون عن مدونة الأسرة وكل صنف يريدها على النحو الذي يريده، وهناك بعض الناس ليست لهم علاقة بالأسرة، لهذا يجب أن يبتغي الشريعة من النص المنظم للأسرة، وفي هذه المرحلة، نقول للذين يحرصون على الأسرة، أنه لا يمكن أن نترك هذه الأسرة تنزل بهذا الشكل”، وأضاف أن “نسبة الطلاق في صفوف الأسر المغربية ارتفعت بنسبة 80 في المائة، مما يخلف مجموعة من الأطفال الذين ليست لهم أسر حقيقية متماسكة، نحن نتجه في هذا الاتجاه، فلا يجب أن ننظر إلى الأسرة من مجالات الخصومة والاستقطاب أو الانتصار.. هذا شيء آخر، فالمجتمع إذا كان منسجما وكان قادرا على أن يحافظ على الأسرة ويصون الأبناء، فهو في الاتجاه الصحيح، وكل نص لا يتجه في هذا الاتجاه، ستكون النتائج غير جيدة”.

وأوضح الدكتور بن حمزة، في ملاحظاته، أنه “في القديم، لم نكن نعيش في أسر كلها خلافات ونزاعات، على خلاف الحاضر، حيث لم يعد للناس ولاء للأسرة ولا للأطفال حتى أصبحت الأمور كارثية، حيث أن بعض الأمور يحكمها الاستقطاب، أي أن كل إنسان تريد أن تستقطبه يجب أن تقول له سأضمن لك حقوقا حتى لو لم تكن في صالحك”، مؤكدا على “أهمية أن يخرج الحكماء والعقلاء، الذين يعرفون قيمة الأسرة، لقول كلمتهم تفاديا للمس بكل أجزاء الأسرة وحقوق المرأة من خلال الدعوة إلى العلاقات الرضائية حتى تصبح المرأة مبتذلة، عيب أن نتكلم في هذه المسألة”.

واعتبر نفس المتحدث أن طلاق الشقاق هو من الظواهر والكوارث التي ساهمت في المس بتماسك الأسرة واستمرارها، حينما يختلف الأزواج يلجئون إليه، وبالتالي، يصبح الضحايا هم الأبناء، وقد يكونوا ثلاثة أو أربعة أطفال، بينما في الماضي حيث كان الطلاق بطريقة شرعية، يتم تحت نظر القضاء ولا يكون هناك ضرر للزوج ولا للزوجة، منتقدا الدعوة إلى مراجعة الأمور الأخرى من قبيل الإرث قائلا: “الإرث توجه للشريعة بأنها مخطئة، وهذا مشروع لا يتحقق سواء اليوم أو غدا، لأنه حينما نتحدث للناس عن أموالهم فهذا مال الناس وليس مال الدولة، تتدخل في مالي مع أولادي، تسلط على الناس، هذا المال اكتسبه الناس بجهدهم، دعوا الناس ينظمون هذه الأمور حسب ما هم مقتنعون به”.

وتابع: “الآن ليس لنا إلا أن نقول أن المرأة هي مباحة ومن أراد أن يرتبط بها يكفي أن تكون هناك علاقات رضائية، وأن لا يكون ذلك بالإكراه، نذهب إلى تدمير نهائي، نوع خطر يقدم عليه، كان من كان يقول هذا الكلام، صوت الحكمة غائب وهذه النتائج التي نسمع مدمرة للأطفال، نحن الآن نشكو وسوف ينشأ لدينا جيل جديد من الأطفال يتخلى عنهم آبائهم وأمهاتهم، لأن الطلاق لا نعرف نتائجه، والنتائج لن تكون في مصلحة المجتمع”.

حسن الكتاني

بدوره، انتقد الشيخ حسن الكتاني، التعديلات التي يسعى وزير العدل إلى إدخالها على مدونة الأسرة، والتي تمس الأسرة والعلاقة بين الأزواج وغيرها من الأمور التي تنظمها الشريعة الإسلامية، قائلا: “بالنسبة للتغييرات التي يراد إدخالها على مدونة الأسرة، في الحقيقة لا نرى سببا وجيها لتغيير المدونة ولا نرى هؤلاء الذين يغيرونها مؤهلين لذلك، لأن مدونة الأسرة مستنبطة من الشريعة الإسلامية، وكانت عبر قرون من الفقه المالكي بالخصوص، وهو فقه متجدد ومتطور وفيه ثراء في الأقوال والقواعد الفقهية التي تتضمن الكثير من التغييرات، لو أن الدولة استمرت على ذلك الأصل، لكان خيرا، وأن يعبث بهذا القانون من قبل أقوام هدفهم معروف، نحن نرى أن هؤلاء الذين يريدون تغيير قانون الأسرة ليس قصدهم إصلاح القانون وما إلى ذلك، لأن هذا الأمر لا يحتاج إليه، ما دام أنه مستنبط من الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، إنما هدفهم علمنة البقية من الشريعة الإسلامية، وقد صرحوا بأنهم يسعون إلى أن تكون القوانين كلها مدنية لا علاقة لها بالدين ولا بالنصوص الشرعية، وهذا فيه خطر عظيم على ديننا وعلى البقية الباقية من الشريعة الإسلامية في بلدنا، ومن واجب العلماء الحفاظ على الشريعة الإسلامية لأنهم ورثة الأنبياء، والواجب يستدعي الوقوف ضد أي تحريف لدين الله”.

وأوضح الكتاني، أنه لا توجد أي قوانين تظلم المرأة وإنما الظلم في عقول هؤلاء العلمانيين الذين يحاربون الشريعة الإسلامية، ويرون أنها ظالمة للمرأة، إذن، مشكلتهم مع الدين الإسلامي ومع القرآن والسنة النبوية، وليست المشكلة هي إحقاق الحق للمرأة، لأن الإسلام أعطى للمرأة حقوقها التي تناسبها، ولكن هؤلاء الناس لا يؤمنون بهذه الأمور، لذلك يتجاوزونها ولا يقبلون بها”، مضيفا أن “الفقه الإسلامي غني ولسنا في حاجة إلى تدخل خارجي، لأن عدة مواضيع من بينها مسألة الولاية، بينها الفقه بالتفصيل والتدقيق، ومن أراد أن يعرف عليه أن يرجع إليه، والقاضي يجب أن يكون ملما بهذه التفاصيل والأمور حتى يعرف كيف يتصرف”.

واعتبر الشيخ الكتاني أن “الدعوة إلى العلاقات الرضائية دعوة إلى الزنا والفاحشة وانتشار المنكرات في المجتمع، وضياع الدين والعرض والنسب والأسرة، ومن يتبنون ذلك يمشون على نفس خطى الأوروبيين والغربيين، الذين وصلوا بشكل عام إلى مستوى تلاشت فيه الأسرة وأصبح 70 في المائة من الأطفال والشباب أبناء زنا، بدون نسب وبدون آباء شرعيين، ولم تعد للأسرة أي حرمة أو كيان، ولهذا يرفض المغاربة أن نكون مثل تلك المجتمعات الغربية”، ورفض القوانين التي تؤدي للتضييق على الحلال والتيسير على الحرام، وتدفع الشباب للعزوف عن الزواج والإقبال على الحرام، مما سيؤدي إلى انتشار أبناء غير شرعيين خارج مؤسسة الزواج والكثير من النساء المسميات بـ”أمهات عازبات”، وبالتالي، ضياع ودمار المجتمع.

ودعا الشيخ حسن الكتاني المسؤولين في الدولة، إلى التدخل للتصدي لهؤلاء الذين يتجرؤون على الدين وعلى إفساد المجتمع، والقضاء على الأخلاق والآداب، تقليدا للغرب الذي أثبتت الأيام سقوطه في الانحراف وتشتيت الأسرة والمجتمع.

خديجة مفيد

في نفس الإطار أكدت خديجة مفيد، رئيسة مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم وقضايا الأسرة، أن “دين الدولة الذي تتبناه الأغلبية بمنطق الديمقراطية هو الدين الإسلامي، مع وجود أطياف أخرى يعترف لها بحقها، ومنه أي إصلاح يجب أن يراعي الأمور التي تؤطر بالدستور والخطابات الملكية، وآخر خطاب للملك محمد السادس قال فيه: أنا لا أحرم حلالا ولا أحل حراما، وهذا هو الإطار الذي يجب أن يؤطر الحركة الاجتهادية، سواء كانت في القانون أو في الأحوال الشخصية، وجميع أطياف المجتمع تتفق على أن القوانين التي نشرعها وننزلها ونعدلها لا ينبغي أن تلغي الدين، نحن نتمسك بالدين ولا يمكن إزالته من الحياة الاجتماعية والأسرة بالأخص، لأن هذه الأخيرة تماسكها وقيمها تكمن في التشريعات الإسلامية والدين يشرع للمسلمين”.

وتساءلت ذات المتحدثة: ما السبب وراء المس بالمدونة التي تنظم حياة المسلمين؟ ولماذا لا نتحدث عن تعديل مدونة اليهود التي تنظم حياتهم الاجتماعية بالمغرب بمدونة دينية؟ هؤلاء يريدون إلغاء الدين من مدونة الأسرة التي تنظم حياة المسلمين، والمحاكم المغربية هي شرعية منذ بدايتها، إذا كانت هناك اجتهادات لتحسين أوضاع الناس، فيجب أن تظل في هذا الإطار والموضوع، أما إذا كانت اجتهادات لإلغاء الدين من الحياة الأسرية والاجتماعية، فهذا موضوع آخر، دستوريا هذا أمر يعاقب عليه القانون لأنه جريمة في حق دستور المغاربة، فلا يمكن أن يقوم أي شخص بالاجتهاد بالفوضى، أصلا في تاريخ المغرب وزير العدل يكون متخصصا في الشريعة ثم في القانون، بقينا نتطور حتى جاءنا وزير للعدل جاهل على الشريعة، على حد تعبير أحمد الريسوني، “انتقل من الجهل بالشريعة إلى الجهل على الشريعة”.

وانتقدت خديجة مفيد خرجات الوزير عبد اللطيف وهبي الداعية إلى تقنين والتطبيع مع العلاقات الرضائية، وشرعنة الزنا وهدم الأسرة، التي هي عماد المجتمع والرأسمال غير المادي الاجتماعي، معتبرة أن الدافع الذي يجعله يذهب في هذه المسألة هي العقلية الذكورية التي ليس لها التزام ديني ولا التزام زواجي، تريد أن تفسد أعراض نساء المغاربة، فهو يريد أن يفسد أعراض المغاربة دون أن يتحمل أي مسؤولية ودون أن يكون له التزام زواجي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يشجع على هدم مؤسسة الزواج، ويشجع على انتشار الأبناء خارج مؤسسة الزواج، وهؤلاء يشكلون خطرا على الأمن الاجتماعي بالإحصائيات والرصد الذي قمنا به حول وضعية الأسرة بالمغرب”.

وأكدت المتحدثة نفسها على ضرورة احترام الهوية الدينية للمغاربة، وشددت على ضرورة تدخل المجلس العلمي الأعلى لكي يعلن عن موقفه في موضوع مدونة الأسرة، ولكي يقول رأيه في الاختيارات التي يريدها المغاربة في حياتهم الاجتماعية، لأن الدين يشرع لحياتنا بشكل عادل تحفظ فيه إنسانيتنا وكرامتنا، ومؤسسة الزواج هي مؤسسة ضامنة للاستقرار الأسري والأمن الاجتماعي والنفسي، أما من يشجع على العلاقات الرضائية وإنجاب أطفال خارج مؤسسة الزواج، فإنه يشجع على تزايد أطفال الشوارع، وعلى عدم الالتزام الزواجي وتحمل المسؤولية، مؤكدة على ضرورة احترام الهوية الدينية للمغاربة، لأن المغرب رغم دخوله في العهد الدولي والتزامه بمجموعة من المواثيق الدولية، فإن له حق التحفظ ولديه حق مراجعة التوقيعات، ولا يمكنه أن يذهب نحو مسار إلغاء الدين من حياة المغاربة ومن الحياة الاجتماعية والأسرية على وجه الخصوص، خاصة وأن المواثيق الدولية بشأن الأسرة خرجت عن الفطرة السليمة، ودفعت العقلاء في العالم إلى تغيير مواقفهم والتراجع عن الاعتراف بالشذوذ والعلاقات الرضائية.

عمر الحدوشي

فمدونة الأسرة مرتبطة بالقضاء الأسري الذي يستند في أحكامه وقراراته منذ عهد الاستقلال، إلى أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالزواج والطلاق والإرث والتركة، وغيرها من الأمور التي عاش في ظلها المغاربة، سواء قبل الاستقلال أو بعده، بحيث ظل الدين هو الأساس المنظم للعلاقات الاجتماعية والأسرية داخل المجتمع، في هذا الاتجاه أكد الشيخ عمر الحدوشي، على أن مشروع تعديل مدونة الأسرة من المسائل التي لابد فيها من العلم والمعرفة والاستقراء التام لا الجزئي، حتى يمكن أداؤها على الوجه المطلوب شرعا، وهذه المسائل التي أثارها الوزير وهبي ليست وليدة اليوم، بل هي مسبوقة من طرف الشيوعيين واللادينيين، وأيضا هذه المسائل ليست في درجة واحدة من المتانة والصلابة والقطعية، أو الاجتهادية، فمنها القطعي الذي لا يتغير ولا يتبدل ولا يقبل الاجتهاد لا داخل النص ولا خارجه، وهذا لا يعرفه الأخرق الذي يريد أن يطير ولم يريش، وهي صيحة غربية قديمة قِدم عداوتهم للإسلام، وهي مسائل كثيرة، أذكر منها بالخصوص قضية الإرث وقسمة الأنصبة على أصحابها، فقضية الإرث لم يوكلها الله إلى ملك مقرّب، ولا إلى نبي مرسل، بل قد تولى الله سبحانه وتعالى قسمتها بنفسه، ومن حاول تبديلها أو تغييرها بأي حجة بالية علمانية، أو بأي مسوغ شيطاني أخرق، يكون صاحبه على خطر عظيم وفي ضلال سحيق.

وقال نفس المتحدث: “محاولة الوزير وهبي هي محاولة فاشلة داحضة، والقصد منها التلاعب في الدين، وهدم عشوائي له، والهدم العشوائي لا يحسنه كل أحد، فالمدعو وهبي لا يعرف قليلا ولا كثيرا ولا قبيلا ولا دبيرا في العلوم الشرعية، وما شم رائحتها ولو من بعيد، لكنه أبدى ما كان يخفيه في صدره من سوء الطوية، وما تخفي صدورهم أكبر، عن قريب سيموت وهبي وكلنا سنموت ونشرب من نفس الكأس، لا نتشفى بمرضه الذي لم يتعظ به، كما لا نتشفى بالموت، ويبقى الدين شامخا رافعا قامته وهامته، لأن ديننا كلما ضرب اشتد وقوي، أشفق يا وهبي على رأسك المريض شفاك الله حسا ومعنى ولا تشفق على الجبل”، مذكرا بمحاولات الاشتراكيين في السنوات الماضية لهدم هوية المغاربة والتي باءت بالفشل أمام صلابة ثوابت المغاربة.

وانتقد الحدوشي سكوت وصمت العلماء الذين لم يقولوا أي شيء بخصوص التعديلات التي يسعى الوزير وهبي إلى فرضها على المغاربة، والتي تمس الدين الإسلامي والشريعة، قائلا: “أما العلماء الرسميون، فلا ننتظر منهم صراخا ولا انتصارا لمقدساتنا، لأنهم يتلجلجون، ولا يتكلمون إلا إذا سُمِح لهم بالكلام آنذاك ستسمع عويلا وزويلا وكأن دين الله لا يعنيهم في شيء، لم نسمع لهم حسا ولا ركزا في قضايا كبيرة اهتز لها العالم شرقا وغربا”، داعيا العلماء الأحرار أن لا يسكتوا على هذا الطيش وهذا التلاعب العلماني المائع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى