الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة | التجارب النووية لفرنسا بالصحراء وحدودها الحقة

المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية "الحلقة 18"

تفاجأنا في “الأسبوع” بكم هائل من رسائل القراء، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالبنا بالاستمرار في نشر كتابات مؤسس جريدتنا، المرحوم مصطفى العلوي.

وتلبية لطلب هؤلاء القراء الأوفياء المتعطشين لصفحة “الحقيقة الضائعة” التي غابت عنهم هذا الشهر، تعود هذه الصفحة بقلم الراحل مصطفى العلوي لتقديم جزء مما تركه من مؤلفات ذات قيمة تاريخية.

كتاب “المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية” الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة.

بقلم: مصطفى العلوي

الحمد لله

من محمد الخامس ملك المغرب

إلى صاحب الفخامة الجنرال شارل دوغول

رئيس الجمهورية الفرنسية

 

صاحب الفخامة:

تسلمنا يوم رابع أبريل رسالتكم المؤرخة في 29 مارس 1960، التي تخبروننا فيها – بصفة شخصية – بقراركم إجراء تجربة نووية جديدة بالصحراء يوم 31 مارس.

ولا يسعنا بهذه المناسبة إلا أن نذكر – لما بيننا من ود وصراحة – بموقفنا من إجراء تجربة من هذا القبيل. فنحن نعتقد أن التنافس في صنع أسلحة ذرية، وإجراء تجارب لمعرفة قوة فتكها وتدميرها، يشكل تهديدا على البشرية بأسرها، ويقوي الشعور بالخوف في العالم، ويطبع علاقات الأفراد والشعوب بطباع الريبة والحذر.

ومهما كانت قوة التجارب المجراة، والدولة التي تقوم بها، فإننا نستنكرها، لا سيما إذا أجريت في ناحية مأهولة وفي أرض نعتبرها جزء لا يتجزأ من مملكتنا.

وختاما، نرجو من فخامتكم أن تتقبلوا أزكى تحياتنا وتتأكدوا من عواطف مودتنا وتقديرنا.

حرر بالقصر الملكي بالرباط

في 23 شوال عام 1379 الموافق 19 أبريل سنة 1960.

 

الثلاثاء 23 شوال 1379/ 19 أبريل 1960

جواب من جلالة الملك نصره الله

عن رسالة الجنرال دوغول في شأن التجارب النووية بالصحراء

 

عندما أجرت الحكومة الفرنسية، سنة 1960، أول تجربة ذرية لها في صحراء الرݣان، رفع المغفور له محمد الخامس، احتجاجا صارما على الجنرال دوغول على خرق الحكومة الفرنسية للسيادة المغربية بـ((إجراء تجربة نووية على منطقة تعد جزء من التراب المغربي)).

في تلك الفترة أيضا، كان المرحوم علال الفاسي ينشر ملفاته في جريدة “صحراء المغرب” معززة بالخرائط المغربية عن صحراء المغرب الممتدة إلى نهر السنغال جنوبا غربا إلى تمبكتو في الجنوب، وإلى صحراء الهوكار في الجنوب الشرقي.

في تلك الأثناء، كانت نشوة الاستقلال آخذة بلب الحقيقة، وأضواؤه مغشية للأبصار وحلاوته مسيلة للعاب، وكما يسخر السكران المنتشي وهو يقود سيارته بالمنعرج المميت، كانت سكرة النصر سنة 1956 تطوي في غيبوبتها سكرة الموت، ذلك أن المناورات الاستعمارية لم تتوقف بعد حصولنا على الاستقلال، بل الفترة التي أطعمنا فيها دسم الاستقلال محشوا بسم بتر الأراضي المكملة للتراب الوطني.

ولكن الحقيقة كانت مع محمد الخامس، كانت مع علال الفاسي، مثلما كانت مع أولئك الذين سبقوهما لعالم الخلود، أجدادنا الذين كان المغرب بالنسبة لهم يحد غربا بالمحيط الأطلسي وشمالا بالبحر المتوسط وجنوبا بنهر السنغال وشرقا بصحراء الهوكار، مرورا بواد الزيزفونة حتى وجدة.

وليس من الضروري الخلط بين أجدادنا الذين كانوا بالأندلس في أرض احتلوها لنشر الإسلام وأجدادنا في حدود المغرب الطبيعية، فأجدادنا الذين كانوا في تمكبتو والهوكار وتوات والساورة وتيدكلت وشنقيط، هم فعلا آباء آبائنا، وجد الحسن الثاني هو الحسن الأول، الذي كان سنة 1880 ملك المغرب الموحد في حدوده الكاملة المذكورة، مات وهو مطمئن إلى أن المغرب في حدوده الكاملة المذكورة من الهوكار إلى وجدة ومن وادي السنغال إلى طنجة، صاح مجند ضد الغزو الأجنبي.

وقد يدمج هذا الاستنتاج في كراسة المقالات المكتوبة بدافع الوطنية والمغالاة التوسعية وعهدنا منذ أيام امرئ القيس أن مغني الحي لا يطرب، فلا بأس إذن من الاستعانة برأي الأجنبي، فهو لسوء حظنا – وفي كل المجالات – محط ثقة، وقوله منزه عن كل شك وكأنه منزل من السماء.

لنراجع إذن، الخرائط الجغرافية التي كانت متواجدة في ذلك الوقت، قبل سنة 1880 وبعد سنة 1880، وباستثناء الجغرافي المغربي ابن شهبون، الذي رسم خريطة لبلاده سنة 1898 ولم يتهمه أحد في ذلك الوقت بالجنون، لأنه رسم خريطة لبلاده في حدودها الطبيعية، فإن الخرائط المتواجدة كلها من رسم جغرافيين أجانب، وأذكر من بينهم:

– خريطة دوليزل، الجغرافي الأول للمملكة الفرنسية، التي قدمها لملك فرنسا في 18 أبريل 1726، ثلاث وستون عاما قبل الثورة الفرنسية، والتي ترسم بوضوح الحدود بين المملكة المغربية ومملكة السنغال وهي نهر السنغال.

– خريطة القبطان (الضابط) بودوان سنة 1848، التي ترسم حدود المغرب الشرقية.

– خريطة رحلة كيرهارد رولفس الألماني: من طنجة إلى عين صالح سنة 1864.

– خريطة “نورد ويليش إفريقيا” المرسومة للحكومة الألمانية سنة 1871.

– خريطة الرحالة كاميل دولس، من طنجة إلى تيدكلت سنة 1889.

– خريطة لوي رين، سنة 1886.

– خريطة المواطن المغربي ابن شهبون سنة 1898.

– عشرات الخرائط الموجودة في القيادة العسكرية الفرنسية والتي تمثل مراحل الاحتلال الفرنسي للصحراء المغربية من سنة 1880 إلى 1912.

– عشرات الخرائط الموجودة في القيادة العسكرية الإسبانية، والتي تمثل مراحل الحروب المغربية الإسبانية حول سبتة وحول مليلية وفي الصحراء الجنوبية، من سنة 1845 إلى 1912.

والخرائط ليست وسيلة عمل، وإطارا لهيكل معين، وإنما هي تحديد طبوغرافي لمناطق الملكية أو النفوذ، إذ لا يحق لخبير في شؤون تحديد الملكية أن يضيف لملكية زبونه شبرا واحدا من ملكية الجار، وأغلب هؤلاء الذين رسموا خرائط للمغرب إنما كانوا يرسمون للراغبين في احتلال المغرب أو المهتمين بشؤون حدود هذه المملكة التي كانت وقتها أعظم مملكة إسلامية في إفريقيا تفاداها نابليون فتوجه لاحتلال مصر، مثلما تفاداها العثمانيون فتوقفوا عند حدودها.

فما هي هذه الحدود سنة 1880؟ وما هي هذه حدود المغرب في عهد الحسن الأول؟

كان البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي ولا زالا يشكلان الحصن الحصين للحدود الشمالية والغربية، بينما كان نهر السنغال جنوبا هو الحد الفاصل بين المغرب وبين ممالك السود، الذين كانوا يتبادلون مع المغرب دائما علاقات التعاطف وحسن الجوار من طرفهم، وعلاقات التفهم والاقتناع بصلاحية الدين الإسلامي من طرف المغرب، وتمتد الحدود الجنوبية إلى تمبكتو، التي أصبحت اليوم مركزا هاما في دولة المالي، وتتجه منها القوافل المغربية المتكلمة باللغة العربية أو الحسانية في طريق لا زالت أثارها مرسومة لحد الآن على طول المنطقة الخصبة في تلمسي حيث النيجر شرقا ومالي غربا في اتجاه الهوكار كمرحلة أخيرة تقطعها القوافل قبل الوصول إلى مهد الحضارة، عين صالح في منطقة تيدكلت.

وتتجه الحدود شمالا نحو إقليم كورارة المزدهر المكسو بالنخيل التي كان التجار الصحراويون يحتمون بظلها، عبر مركز تيميمون مقر السلطة المركزية للملك الحسن الأول في المناطق الصحراوية، ومن هناك تختار القوافل طريقها ثلاثي الاتجاهات: يمينا نحو حاسي مسعود، وشمالا نحو الاغواط، وغربا نحو إيكلي وتافيلالت.

وستكون الأحداث التي سيرد عرضها لاحقا، أكبر حجة على عظمة الاختيار الإداري والتنظيم الحكومي والتنسيق المتناهي في عهد الحسن الأول بين هذه الأقاليم والسلطة المركزية في مراكش أو فاس، خلال عهد لم يكن يعرف مدلولا للتليفون، ولا يتوقع وجودا للاتصالات البرقية ولا للتنقلات الجوية.

لقد بقيت المسافات التي كانت تفصل بين فاس وتوات، وفاس وتمبكتو سنة 1880، هي نفس المسافات سنة 1980، خير شاهد على شهامة الأرض وضعف الإنسان، واستطعنا سنة 1980 أن نربط الاتصال الهاتفي بين نيويورك وفاس وبين بيروت والرباط دون أن نربط الاتصال الدائب والمباشر بين الرباط وتيميمون، وبين مراكش وتمبكتو، وبين عين صالح وفاس، لأن هذا الاتصال سنة 1980 بقي من باب المعجزات، بينما كان ذلك الاتصال منذ مائة سنة شيئا طبيعيا واتصالا يوميا ستشهد الأحداث الموالية على أنه كان من السهولة بحيث أن الحسن الأول كان يبعث أوامره ومراسيله بصفة يومية لا تدع مجالا للشك في عظمة أجدادنا وعبقرية قائدهم العظيم، الحسن الأول.

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى