تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | الاكتشافات البترولية بين الملك الحسن الثاني والملك محمد السادس

قام المغرب بمجهودات كبيرة منذ سنة 2000 من أجل التنقيب عن الثروات الطبيعية في باطن الأرض، ومنح العديد من الشركات العملاقة عدة رخص من أجل التنقيب عن المادتين الحيويتين البترول والغاز الطبيعي، وكان الحديث عن هذا الموضوع نادرا ما تتطرق له وسائل الإعلام.

أعد الملف: سعد الحمري

    ابتداء من نهاية شهر أكتوبر 2021، تاريخ إعلان الجزائر عن قطع علاقاتها مع المملكة المغربية من جانب واحد، والذي أعقبه قطع إمدادات أنبوب الغاز المار من المغرب إلى إسبانيا، الذي كان يستفيد منه المغرب، بدأ الحديث حول ما توصلت إليه عمليات التنقيب الذي تقوم به الشركات التي منحت لها الرخص، يشغل حيزا مهما من الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام، بل وانخرطت حتى الشركات التي منحت لها الرخص، حيث دأبت على نشر بيانات بين الفينة والأخرى، والتي تحمل أخبارا سارة حول وجود كميات مهمة من الغاز الطبيعي، وأنه سيتم قريبا الشروع في استغلالها، وفي المقابل، يلاحظ صمت حذر من الجهات الرسمية داخل المملكة في التعاطي مع هذا الموضوع، حيث لا يتم تأكيد هذه الأخبار أو نفيها، بل يجري التأكيد من قبل المسؤولين عن أن الأمر ما يزال يحتاج للوقت.

ويبدو أن سكوت المسؤولين المغاربة، أو تريثهم بخصوص هذا الموضوع، له ما يبرره، على اعتبار أن للمغرب تاريخا غير موفق في هذا المضمار، حيث يسجل التاريخ أنه في حالات كثيرة تم الإعلان عن اكتشاف الغاز الطبيعي أو البترول من طرف أعلى سلطة في البلاد من خلال خطابات رسمية، ويخلق التفاؤل بين أوساط الشعب بغد أفضل، غير أن الأيام تكشف أن الأمر يتعلق بمجرد وهم وسراب.

ويحاول هذا الملف الوقوف عند بعض المحطات التي أعلن من خلالها عاهل البلاد بشكل رسمي عن وجود الغاز الطبيعي أو البترول في المغرب، واتضح فيما بعد أن الأمر كان عكس ذلك، سواء تعلق الأمر بسوء تقدير حجم الثروات، أو بنصب واحتيال من بعض الشركات التي تحاول الرفع من قيمة أسهمها في البورصات العالمية.

الحسن الثاني

عندما أعلن الحسن الثاني عن وجود البترول في المغرب وحدد تاريخ استخراجه

    ظل الحديث عن وجود النفط وثروات باطنية أخرى في المغرب، قويا أثناء مرحلة الحماية الفرنسية والإسبانية بالمغرب، أو خلال العقود الأولى التي تلت الاستقلال، غير أنه خلال مرحلة السبعينات من القرن الماضي، أصبح الحديث عن هذا الموضوع بشكل رسمي، وخصوصا بعد الأزمة البترولية لسنة 1973، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغاز بشكل صاروخي، فقد عاش المغاربة، ملكا وشعبا، على وقع الأماني خلال هذه الفترة، حيث تضاعف الأمل بوجود النفط في باطن أرض البلاد، والذي كان معناه تحول المغرب إلى شبيه بدول الخليج أو أكثر، نظرا لتنوع اقتصاده بين فلاحة وسياحة وخدمات..

وبعد المسيرة الخضراء، أصبح الحديث بقوة عن اكتشاف المغرب لحقول مهمة من النفط، وكانت أول محطة رسمية أعلن فيها الملك الراحل الحسن الثاني، عن وجود النفط في البلاد، هي سنة 1978، وذلك خلال خطاب ألقاه يوم 13 أكتوبر بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية لمجلس النواب، حيث قال وبلغة اليقين: ((.. وهكذا يمكنني أن أقول لكم: إن يوم ثالث مارس المقبل إن شاء الله – يوم عيد العرش – سنكون بعد باسم الله الرحمن الرحيم، قد وضعنا أول معول في الأرض وسنكون قد استخرجنا منها ما أعطانا الله من كميات نفطية أقل ما يمكن أن يقال عنها، والأقل بالتشاؤم الأكبر، أنها سوف تسد ولا شك حاجياتنا وحاجيات الاستهلاك الداخلي)).

وتابع الحسن الثاني كلامه في الموضوع قائلا: ((أما إذا نحن اكتشفنا أكثر، فإنني أرجو منكم أن تحلموا معي شيئا ما، وفي بعض الميادين الحلم واجب، فلنفرض أننا وجدنا من الكميات ما يكفينا وما سيمكننا من التسويق، فانظروا إلى الخريطة.. يمكننا أن نقول أن المغرب حر ونفطه حر سيكون نفطنا حرا من الناحية الاستراتيجية والجغرافية، حر بالنسبة للتسويق لأوروبا ولأمريكا))، وختم هذا الجزء من خطابه الذي خصصه للحديث عن وجود البترول في المغرب بالتالي: ((فعليكم حضرات السادة أن تتصوروا هذه الصورة وتتخيلوها، فإذا لم تقع، سنكون قد قضينا مدة سعيدة مع خيال سعيد، وإن هي أصبحت حقيقة، سوف لا نفاجأ بوسائل كبيرة وتفكير قصير، لذا حضرات السادة أريد أن تروا مستقبل المغرب، وبالأخص أن تنظروا إلى هذه السنة بالنظرة الآتية: حملة فلاحية حتى نتمكن من استغلال أرضنا استغلالا كاملا كانت الأمطار كافية أو لا، وهذا في الإمكان إذا نحن استعملنا ما يسمى “داري فارمر”، وانظروا بعد ذلك إلى شهر مارس وانتظروا ما سيأتي به الله، فإذا نحن جندنا أنفسنا للعمل الحقيقي ووطدنا عزائمنا لاستقبال ما سنستقبل من الوسائل، ولكن كل وسيلة هي في الحقيقة عبء، فلا يعني أن الوسائل أو الأرزاق هي بمثابة لعبة الأرزاق والغنى عبء وخطر في آن واحد، عبء لأنه علينا أن نعرف كيف نصرف خيراتنا، وخطر لأن الحساد كثيرون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم كثر حسادنا”)).

لقد شغل هذا الخطاب الذي تحدث من خلاله الملك الراحل الحسن الثاني، بلغة اليقين عن وجود النفط في المغرب، ليس الرأي العام المغربي فسحب، وإنما مختلف وسائل الإعلام الدولية، ولم تخل أول مناسبة لحديث الملك الحسن الثاني لوسائل الإعلام الدولية عن طرح هذا السؤال عليه، من أجل التأكد من حقيقة ما صرح به خلال خطاب رسمي.. فقد عقد الملك حوارا صحافيا مع محطة “فرانس أنتير”، يوم 31 أكتوبر 1978، وكان من بين القضايا التي أثيرت خلال هذه الندوة، موضوع النفط المكتشف في المغرب، حيث بادره محاوره بالسؤال التالي: “هناك أخبار لم يعلق عليها كثيرا، لأنه في هذا المجال يتم التزام الحذر، ذلك أن المغرب سيتوفر قريبا على البترول، وهذا يبدو مهما، فهل هذا حقيقة أم مجرد مشاريع؟”، فكان جواب الملك في هذه المناسبة أيضا بلغة اليقين، حيث قال لمحاوره وبثقة كبيرة ما يلي: ((لا، إنه الحقيقة، ويمكن أن أقول، وهذا ما أكدته لصديقنا الرئيس بني، لقد كنت المدافع عن هذا البلد، وحرصت على إقامة أسسه مع والدي، ولقد بذل هذا المدافع من أجل هذا البلد أكثر مما في طاقته))، وتابع الحسن الثاني جوابه قائلا: ((لقد أتى إلينا هذا الشخص الفاضل بمن ينقب ويعثر على البترول، لقد قابلت مرتين السيد كيومان، وهو شخص جدي ولدينا احتمالات كبيرة – إن لم نقل أكيدة – أننا نعرف أين يوجد البترول، لكن المشكل بالنسبة لنا هو هل سيسد حاجياتنا؟ وهذا لا بأس به في حد ذاته، لأنه سيعادل على الأقل مردود محصول غير جيد، لكن إذا استطعنا تصدير البترول، فإن هذا سيغير خريطة إفريقيا، لأن هذا سيكون بترولا غير ملغوم بخلاف بترول الخليج وبترول شرق إفريقيا، ولن يكون محاصرا في رأس الرجاء الصالح، لأنه في يوم ما يستغل الوضع هناك. إذن، فهو بترول من المنتج إلى المستهلك فهو ليس سوى على بعد 6000 كلم من الشواطئ الأمريكية و1000 كلم فقط من الساحل الفرنسي، ومن الأكيد أن هذا سيغير مظهر هذه المنطقة)).

وحول مستقبل المغرب، ونظرة الملك المستقبلية لبلاده بوجود النفط، طرح عليه السؤال التالي: “هل بدأتم في تغيير مخططاتكم تبعا لذاك؟”، فأجاب الملك: ((لن أغير شيئا، سأفعل كما لو لم أجد البترول، لكن عندما يتعلق الأمر بتوازن أحسن في الميزانية، فإن ذلك يجعلني أنام مرتاح البال بعض الوقت)).

وقد مر تاريخ 3 مارس 1979 الذي حدده عاهل البلاد خلال خطاب 13 أكتوبر 1978 بأنه سيكون هو بداية استخراج النفط من باطن أرض المغرب، دون أن يستخرج ولو برميلا واحدا، وتم طي هذا الموضوع، وظل الأمر على حاله، ليتبين فيما بعد أن الأمر يتعلق بالصخور النفطية، التي اتضح أن استخراجها واستغلالها عادة ما يكون مكلفا.. فقد طلبت الحكومة المغربية من شركة “تيسكو” الأمريكية، تقديم دراسات حول الصخور النفطية في منطقة تمحضيت، وبدأت الشركة في العمل سنة 1984، حيث تم بناء معمل تجريبي في تمحضيت مول بقرض من البنك العالمي، وفي تلك السنة، قام المعمل باستخلاص النفط من 2500 طن من الصخور، لكن هبوط أسعار النفط التقليدي في الأسواق الدولية طيلة الفترة الممتدة بين منتصف الثمانينات ونهاية التسعينات، أدى إلى تراجع الدراسات والتجارب والأبحاث، فأعلنت “تيسكو” عن توقف أنشطتها، ومنذ ذلك التاريخ توقف الحسن الثاني عن الحديث حول وجود البترول في المغرب من عدمه.

كارثة سنة 2000 أبعدت الملكية عن إعلان وجود ثروات طبيعية في البلاد

    تزامن مطلع الألفية الثالثة مع بداية حكم الملك محمد السادس، وكان المغرب يتطلع إلى بناء نموذج تنموي وبناء اقتصاد وطني قوي، حيث دب حماس قوي في أوساط الشباب، وكانت المفاجأة أن أعلن العاهل الجديد، بعد سنة واحدة فقط من توليه الحكم، عن اكتشاف النفط في منطقة تالسينت، حيث قال في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب: ((إنه ليسعدنا في غمرة الاحتفال بالمناسبتين المجيدتين، أن نزف إليك شعبي العزيز، بشرى اكتشاف النفط والغاز من النوع الجيد في منطقة تالسينت في الأقاليم الشرقية، بكميات وافرة))، وقد شكل هذا الخبر صدمة وفرحة زرعت تفاؤلا كبيرا بغد أفضل.

وفي اليوم التالي للخطاب الملكي، حققت بورصة الدار البيضاء ارتفاعا تاريخيا فاق 5 % وواصلت أداءها الإيجابي لأيام عديدة، في حين سادت أجواء في الشارع العام على غير العادة وتصريحات المواطنين عبر وسائل الإعلام، بأن البترول المكتشف هو بمثابة العصا السحرية التي ستنقل المغرب من التخلف إلى النهضة، ومن الدول المتخلفة إلى الدول الغنية.

وعلى وقع هذا التفاؤل، عاشت البلاد طيلة أسابيع عدة على إيقاع الأمل بفضل البترول والغاز، وانتهاج خطة كشف عنها العاهل المغربي في الخطاب نفسه، حيث تقوم هذه الخطة على ((اعتبار البترول والغاز وقودا لتفعيل النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وتسريع وتيرتهما))، غير أنه لا شيء من ذلك تحقق.. فقد ساد بعد ذلك صمت مطبق في البلاد بشأن الاكتشافات البترولية التي زف نبأها الملك محمد السادس في خطاب رسمي، وظلت هذه القضية عصية على النقاش والفهم من قبل المسؤولين ووسائل الإعلام لأكثر من ثلاث سنوات قبل أن تصدر مقالات في أكثر من صحيفة وطنية، تتحدث عن وقوع المملكة المغربية ضحية نصب من طرف الشركة الأمريكية التي ادعت توصلها إلى اكتشاف البترول في المغرب لإنعاش أسهمها في البورصة، وتجاوز أزمة مالية خانقة كانت تهددها بالإفلاس، ومنذ ذلك التاريخ، أصبح المسؤولون المغاربة يتعاملون مع موضوع اكتشاف البترول من عدمه بحذر شديد.

أمينة بنخضرا

استيعاب الدروس المريرة السابقة

    منذ الإعلان عن قطع العلاقات بين المغرب والجزائر، دأبت الشركات المنقبة عن الغاز الطبيعي في المغرب، وخصوصا البريطانية، على إصدار بيانات تشير إلى اكتشاف حقول مهمة للغاز الطبيعي، خاصة في منطقتي تندرارة شرق المملكة، والعرائش، إلا أن الجهات الرسمية في البلاد تقابل ذلك بالصمت، كما أصبح المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، الذي توجد على رأسه أمينة بنخضرا، هو الجهة المخولة للحديث في هذا الموضوع، وهذا الأخير لوحظ عنه الحذر في الآونة الأخيرة، ويبدو أنه استوعب درس السنوات الماضية، وقد أصبح عادة ما يلجأ إلى التريث قبل تأكيد أو نفي ما تعلن عنه الشركات الأجنبية العاملة في المجال، بالنظر إلى أن أغلب الاكتشافات تظل فقط في خانة التوقعات، على الرغم من تواتر أخبار الإعلان عن تقديرات مهمة من الغاز الطبيعي في حقول ضخمة، بل إن وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بنعلي، قللت من أهمية اكتشافات الغاز بالمغرب وقالت خلال اجتماع لجنة برلمانية في 13 أبريل الماضي: ((الاحتياطات المؤكدة للغاز الطبيعي المكتشف حاليا في المغرب، لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب)) وأوضحت: ((المستوى المطلوب هو 30 سنة على الأقل من استغلال واستخدام الغاز المكتشف من أجل تأمين احتياجات التنمية المستدامة)).

وفي ذات السياق، أصبح الخبراء المغاربة في هذا المجال على علم بألاعيب الشركات الأجنبية المنقبة عن الغاز، حيث أصبح هناك شبه إجماع بينهم على أن هذا النوع من الاكتشافات لا يطمئن، ولا يكشف حقيقة وجود الغاز بكميات تجارية إلى حين تحقيق إنتاج بشكل واسع، لأن الشركات الأجنبية العاملة في المغرب لطالما ادعت – منذ عقود – أن هناك حقول نفط هائلة في المغرب، ليتضح فيما بعد أن الأمر فقط هو مناورات من أجل تحقيق الربح السريع.

غير أن الأهم من كل هذا، هو أن الملكية أصبحت بعيدة عن الإعلان أو الخوض في هذه الاكتشافات، وأن الرأي العام المغربي ليس مندفعا، بل أصبح هو الآخر متريثا أمام هذه الأخبار إن لم نقل الإشاعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى