تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | أزمة صامتة في قطاع إنتاج الحليب

هل قطيع الأبقار بخير ؟

عرفت الأسواق المغربية خلال الثلاثة أشهر الأخيرة نقصا كبيرا في مادة الحليب الذي توزعه الشركات أو حليب “العبار” الذي يباع في الأسواق الشعبية، الشيء الذي يطرح تساؤلات لدى المواطنين حول الأسباب الحقيقية وراء نقص كميات الحليب في المحلات التجارية، رغم تطمينات الحكومة التي قالت أنها سوف تتخذ إجراءات لتعويض النقص الحاصل.

والملاحظ لدى المواطنين،أن الحكومة لم تستطع حل مشكل نقص الحليب، بالإضافة إلى صمت وزارة الفلاحة التي يوجد على رأسها الوزير محمد صديقي، قبل أن يصطدم المواطن بزيادة إضافية في سعره بشكل مفاجئ ليصل إلى 4 دراهم، مما خلف استياء كبيرا لدى الجميع بسبب غياب أي تدخل من السلطات الحكومية للحفاظ على تسقيف ثمن الحليب في جميع المحلات التجارية حفاظا على القدرة الشرائية للمواطنين.

الرباط. الأسبوع

    حسب بعض التقارير، فإن نسبة إنتاج الحليب تراجعت بشكل مهول على الصعيد الوطني، بنسبة تصل لـ 60 في المائة مقارنة مع السنوات الماضية، بسبب الجفاف وتراجع عدد قطيع الأبقار على الصعيد الوطني، مما أسفر عن حدوث اضطراب كبير في تسويق وتوزيع هذه المادة الحيوية، وزيادة في ثمنها، مما يزيد من تأزيم وضعية الأسر الفقيرة، التي هي في حاجة ماسة للحليب، وخاصةللأطفال والرضع أو المرضى.

وتدق وضعية قطيع الأبقار على الصعيد الوطني ناقوس الخطر، بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها الفلاح الكساب الذي وجد نفسه بين مطرقتين، الحفاظ على سلالة الأبقار وصعوبة تحمل مصاريف الكلأ والعلف، وغياب الدعم من قبل الوزارة الوصية للنهوض بالقطاع الذي يعاني عدة مشاكل واختلالات.

وبهذا الخصوص، يقول عبد الله الفقير،رئيس تعاونية “الدواغر” لجمع وتسويق الحليب وعضو الغرفة الفلاحية لجهة الدار البيضاء-سطات، أن وضعية الكساب حاليا كارثية، بعدما استبشر خيرا بهطول أمطار الخير في الفترة الماضية، إلا أن  الأزمة مستمرة عند الفلاح بسبب توالي سنوات الجفاف وارتفاع التكاليف، سواء المتعلقة بتربية الأبقار والأغنام، أو الزراعة، مضيفا أن هناك مشاكل عديدة تتجلى في قلة القطيع والتي تراجعت بنسبة تصل لـ 50 في المائة، والسبب الأول في ذلك هو الجفاف، ثم غلاء جميع المنتجات المرتبطة بالقطاع، إلى جانب جشع الشركات العاملة في تصنيع الحليب،فخلال سنوات 2016، 2017، و2018، كانت هذه الشركات لا تأخذ كميات الحليب التي يتم جمعها من الفلاحين عندما كان الحليب متوفرا بشكل كبير، وكانوا يستعملون “الكوطا” ويستوردون الحليب من الخارج، الشيء الذي أثر على المنتوج المحلي.

وأوضح نفس المتحدث، أن هذا السبب دفع الفلاح إلى التخلص من القطيع بشتى الطرق، لأنه أصبح غير قادر على تحمل مصاريف وتكلفة تربية الأبقار والأغنام، في ظل ارتفاع غلاء العلف المركب الذي فاق سعره 5 دراهم للكيلو غرام الواحد، مما لايستطيع معه تعويض الخسارة حتى لو قام ببيع الحليب بـ 5 دراهم للتر، إلى جانب غياب برامج هادفة للنهوض بوضعية الفلاح “الكساب”، رغم الأرقام المسجلة التي يتم ترويجها عبر وسائل الإعلام، إلا أنه لا نتائجعلى أرض الواقع، مشيراإلى أن توزيع قنطار من الشعير المدعم لن يفيد الكساب في شيء بسبب طريقة التوزيع والكمية غير الكافية، والفترة الزمنية التي يستفيد منها الفلاح والتي تظل محدودة وغير قادرة على حل المشكل الذي لا زال مستمرا.

وقال ذات المصدر: “لا توجد برامج هادفة،بل هناك برامج صوريةفقط لتلميع الوجه الإعلامي للوزارة، أما مشاكل الفلاح فلن تحلها الملايين التي يقال أنها وزعت على الفلاحين الصغار، بينما ذهبت إلى جهات أخرى، لأن الفلاح الصغير لم يتوصل بأي شيء منها لمساعدته على تربية أبقاره، حيث أن الفلاح الذي يزود المستهلك في المدينة بالحليب، يتكبد خسائر كثيرة ومصاريف الكلأ، ومن خلال اشتغاله يوميا رفقة أسرته من أجل رعاية الأبقار للحصول على عشرة لترات في اليوم من الحليب وبيعها بثمن 4.60 دراهم للشركة، قبل إرسال كمية من الحليب إلى التعاونية، فحسابيا،مستلزمات لتر واحد من الحليب بالنسبة للفلاح هي في حدود 5.50 دراهم.

 

غياب سياسة وطنية للحفاظ على الأبقار

    حسب نفس المصدر،فإن القطيع في المغرب تناقص بشكل كبير، بسبب غياب سياسة موازية لتربية الأبقار والمواشي والحفاظ عليه، وكذا لكون البرنامج الذي اشتغلت عليه الوزارة الوصية لسنوات من أجل زيادة القطيع واستيراد الأبقار، لم يعطالنتيجة المرجوة منه، فالفلاح عليه أن يوفر الكلأ والماء والعلف لكي يحافظ على قطيع الأبقار، وهذا أمر مستحيل في ظل توالي سنوات الجفاف والتي بلغت 7 سنوات، مما يصعب معه الاحتفاظ ببقرة واحدة، معتبرا أن القرارات المتخذة من قبل الحكومة والوزارة تضر الفلاح من خلال منع حفر الآبار لإرواء القطيع ورعي الأبقار والمواشي، مما يزيد من تعقيد مشاكل الكساب في غياب أي تنسيق بين الوزارات والقطاعات من أجل الحفاظ على هذا القطاع الهام، رغم أن قرار الآبار مرتبط بالحفاظ على الفرشة المائية، إلا أنه سوف يضر بقطاع يوفر الأمن الغذائي للمواطنين ويحمي الفلاح الذي هو في حاجة ماسة لحلول موضوعية للحفاظ على أبقاره.

وتابع نفس التحدث: “الفلاح حاليا لا يستطيع شراء الأعلاف إذ أن ثمنها ارتفع كثيرا: النخالة ارتفعت بنسبة 50 في المائة،والأعلاف المركبة بـ 50 في المائة، والأعلاف المدعمة لا تصل للفلاح الصغير، فالأعلاف سابقا كانت بـ 250 درهماوحاليا وصل لـ 500 درهم أو 480درهما حسب الشركة والجودة، وهذه الزيادات لا تشجع الفلاح على تربية الأبقار، وهنا يظهر أن البرامج تبقى حبرا على ورق فقط للتسويق الإعلامي، فالبرنامج المتعلق بدعم تربية الأبقار يشوبه إشكال كبير (3 بقراتيتم دعمها بـ 4آلاف درهم،ومابين 3 و10 بقرات تدعم بـ 4 آلاف درهم، وفوق 10 بقرات، 50 ألف درهم)، ليس لدينا فلاح يستطيع استيراد عشرة أو عشرين بقرة، فالتعاونية هي التيتقوم بعملية الاستيراد، ما يعني أن الدعم الذي يحصل عليه الفلاح ينخفض لـ 2500 درهم، وهذا غير كاف، خصوصا وأن ثمن البقرة في الخارج فاق 31 ألف درهم بعدما كان ثمنها 26 ألف درهم،كما نسجل غياب الجودة، والسياسة الموازية غير موجودة على المستوى الوطني”.

وأكد المصدرأن وضعية الفلاح الصغير في تدهور مستمر بسبب غياب الدعم وعدم وجود برامج مباشرة يستفيد منها، إلى جانب الحماية الاجتماعية التي زادت من إثقال كاهل الفلاح الذي وجد نفسه بين مطرقة الديون الفلاحية وسندان ديون صندوق الضمان الاجتماعي، بعدما تم تسجيله في الصندوق دون إشعاره بالأمر ليجد نفسه مدينا بـ 1500 درهم، مستغربا من تسجيل فلاحين صغار يتوفرون على بطاقة “الراميد”، ويطلب منهم التوجه إلى الجهة التي قامت بتسجيلهم في الصندوق لحل مشكلتهم، داعيا إلى حل مشاكل الفلاحين عبر الإنصات والخروج للميدان لمعرفة مشاكلهم وتوفير الدعم اللازم لهم.

معاناة الكسابة بسبب المصاريف المتزايدة

    بدوره قال عبد الله، عضو في تعاونية فلاحية، أن القطاع يعيش أزمة كبيرة بسبب قلة الأمطار وغلاء الأعلاف في السوق الوطنية، إلى جانب انتشار الأمراض في بعض ضيعات تربية الأبقار، مما أدى إلى تناقص كمية القطيع بشكل كبير مقارنة مع السنوات الماضية، الشيء الذي كبد الفلاح خسائر مادية كبيرة ووجد صعوبة بالغة في تعويض القطيع الذي فقده، مشيرا إلى أن ثلاث سنوات السابقة التي سادها الجفاف وارتفاع المصاريف، دفعت الكساب لبيع الأبقار قصد تغطية مصاريف وتكاليف أخرى متعلقة بالزراعة، مما أدى إلى تراجع عملية إنتاج الحليب على صعيد التعاونيات بسبب قلة “البقرة الحلابية”.

وأضاف نفس المتحدثأن المشكل الآخر الذي يعاني منه القطيع يكمن في استبدال الكلأ والعلف لدى التعاونيات، بحيث أن البقر اعتاد على صنف معين لكن عند اختفائه من السوق ينزل مستوى الحليب ويتراجع بالتالي الإنتاج، فبعدما كانت البقرة تعطي 30 لترا في اليوم،تنقص الكمية بشكل كبير إلى النصف ولا يحقق أي ربح مادي، مما يدفع الكساب لبيع البقرة وشراء متطلبات أخرى، مؤكدا أن الحليب تناقص بشكل كبير على مستوى التعاونيات بسبب تراجع الثمن وشروط جودة الحليب التي تفرضها الشركات على الضيعة أو التعاونيات قبل نقل الحليب، مما زاد من تراجع مستوى الحليب على الصعيد الوطني، وقال: “تراجع مستوى الحليب بسبب نوع البقر الحلابي، والمشكل له علاقة بالعلف الذي تضاعف ثمنه، لهذا يبيع الكساب بعض البقر لشراء المزيد من العلف للأبقار الأخرى، مما جعل كمية الحليب تتناقص بشكل كبير في السنوات الماضية إلى 50 في المائة على مستوى التعاونيات، وهناك بعض الفلاحين من كانوا منخرطين في التعاونيات لينسحبوا حاليا، بسبب فقدانهم للقطيع وعدم قدرتهم على تربية الأبقار نتيجة التكلفة المادية الكبيرة”.

 

انتشار الأمراض وفقدان المناعة

    يعد الأطباء البياطرة الأكثر معرفة بحالة قطيع الأبقار على الصعيد الوطني، ولهم دور كبير في الحفاظ على السلالة المغربية من خلال عملية التلقيح والمراقبة البيطرية، وقربهم من الفلاحين الصغار، في هذا السياق، يرى البيطري إسماعيل المصباحي،أن المشكل الذي يعاني منه قطيع الأبقار على الصعيد الوطني، يكمن في نقص العلف الذي يتسبب في نقص المناعة، سواء عند البقر أو الغنم، الشيء الذي أسفر عن ظهور بعض الأمراض مثل جذري الأغنام والحمى القلاعية بالنسبة للبقر، مشيرا إلى أنه في الأشهر الماضية حصلت بعض الوفيات ليتم القيام بحملة لعلاج الأمراض والطفيليات للحفاظ على صحة القطيع، موضحا: “المشكل الذي يعاني منه الفلاح هو ارتفاع ثمن الكلأ،وبطبيعة الحال هناك أمراض تنتج عن ذلك، بسبب قلة التغذية لدى القطيع، وهذا الأمر يؤدي إلى ظهور أمراض تؤثر على إنتاج الحليب، فقلة الكلأ لدى الحيوانات والسلالات تزيد من تراجع نسبة القطيع على الصعيد الوطني، بحيث أنه في السنوات الماضية وفي إطار مخطط المغرب الأخضر، كان العديد من الفلاحين يتوفرون على قطيع من البقر يفوق 20، لكن حاليا لا يتجاوز عدد القطيع 5 بقرات، وهذا يدل على تراجع كبير في عدد الأبقار على الصعيد الوطني”.

وأضاف ذات المصدر، أن الفلاح لا يستطيع الاحتفاظ بالقطيع وتربية الأبقار في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر منها، لذلك يضطر إلى بيع البعض منها، الشيء الذي نتجت عنه معاناة على مستوى التعاونيات التي منها من توقفت تبعا لمعاناة الفلاحين مع القطيع بسبب الأمراض أو بسبب ظواهر أخرى، حيث أن بعض البقر يسقط بشكل مفاجئ لأسباب متعددة، منها قلة التغذية والكلأ وضعف الوزن وفقدانهم للطاقة، لذلك يلجأ الفلاح إلى بيع البقرة لكونها تفقد قدرتها على إنتاج الحليب.

وشدد نفس المتحدث على ضرورة القيام بمقاربة ناجعة تضم الدولة والفلاحين وجميع القطاعات المتداخلة والمهنيين، من أجل الحفاظ على قطيع الأبقار على الصعيد الوطني وتخصيص دعم من العلف والكلأ لفائدة الكسابة الصغار، مع ضرورة فتح نقاش وطني بين الوزارة الوصية والغرف المهنية والمالية والتعاونيات للوصول إلى حلول، من بينها ضرورة تسقيف ثمن الحليب، والقيام بدورات تكوينية لفائدة الفلاحين لتطوير الإنتاج وكيفية الحفاظ على القطيع.

تعليق واحد

  1. أزمة صامتة عند الحكومة المغربية بشكل عام ولدى وزارة الفلاحة بشكل خاص، اما المواطنين سواء المستهلكين او ممتهني الفلاحة ومربي الابقار الحلوب هي أزمة بالبرامج والطبل والغيطة ، زيادات شملت الحليب وكل مشتقاته وكذا اثمنة الاعلاف مع حالة الجفاف التي لا تزال متواصلة، نتفهمالتداعيات الاقتصادية والمالية التي تتخبط فيها الميزانية العامة للدولة في إطار تداعيات كوفيد والحرب الروسية الأكرانية (حلف الناتو)، واكراهات سباق التسلح المغربي الحزاءري، لكن تنتقد بشدة ترتيب الاولويات في البرامج الحكومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى