المنبر الحر

المنبر الحر | طريقة تقنية للقضاء على الفقر بالمغرب

بقلم: د. رضوان زهرو

 

    إن التنزيل السليم والعمل الجيد بالسجل الاجتماعي الموحد كآلية تقنية حديثة لتقديم الدعم الاجتماعي، تقوم على الاستهداف المباشر، من خلال معرف رقمي مدني واجتماعي خاص بكل مصرح، عبر سجل وطني للسكان، إلى جانب خلق الوكالة الوطنية للسجلات، بناء على القانون 71/18 الخاص بمنظومة الدعم العمومي، مما سيمكن بلادنا من التوفر على قاعدة بيانات رقمية قوية وصلبة تستطيع من خلالها أن تحدد بدقة لائحة المحتاجين الحقيقيين إلى الدعم العمومي، مع عمليات التتبع والتحقق والمراجعة الدورية لتلك اللائحة كلما تغيرت المعطيات الشخصية المرتبطة بالمصرح باسم الأسرة، وذلك تحقيقا للحكامة الجيدة وتفاديا لكل أشكال الغش والتزوير أو الازدواجية في الاستفادة من الدعم العمومي .

فالمشكل في بلادنا ليس مشكل تضخم ظرفي وطارئ، يمكن التغلب عليه ببرامج وإجراءات أو بخلق صناديق، وإنما هو مشكل بنيوي ومستدام، إنه مشكل الفقر، الذي يتخذ أشكالا متنوعة اليوم، تشمل ليس فقط انهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وإنما انعدام الدخل أصلا، وقلة الموارد الكافية لضمان مستوى معيشي لائق. 

ولمكافحة الفقر أو على الأقل تقليصه، نحتاج إلى استراتيجيات وطنية مندمجة تتعدى مجرد خلق الصناديق، استراتيجيات تعمل على زيادة امتلاك الفقراء للأراضي، خاصة في القرى والبوادي، وتكوين اليد العاملة والزيادة في عوامل الإنتاج المتاحة للفقراء، واستمرار هدف مكافحة الفقر في المخططات الوطنية للتنمية، وذلك في أفق إعادة اعتبار خط الفقر ليأخذ في حساباته احتياجات الحياة الضرورية للمواطنين، من غذاء وغيره، حتى يعكس ذلك حقيقة الأبعاد المتعددة لطبيعة الفقر ونوعية الاحتياجات الأساسية (الغذاء والمسكن والخدمات الأساسية، وخدمات الصحة والتعليم والمواصلات…)، والرفع من فرص المساهمة الإيجابية المتاحة أمام الفقراء ومحدودي الدخل في عملية التنمية الاقتصادية، وكذلك تبني استراتيجية لتوزيع المداخيل في كل السياسات والبرامج التنموية، وأن يكون هدفها الأول هو مكافحة الفقر المدقع وإعادة هيكلة العمالة، وزيادة تنمية الأعمال التجارية والصناعية للأغلبية الفقيرة من السكان، مما قد يفضي في النهاية إلى انخفاض معدلات الفقر وتقليص الفوارق في المداخيل بين المجموعات المختلفة.

بالإضافة إلى كل ما ذكر، وإلى جانب سياسة الدعم المباشر التي تنوي الدولة العمل بها، والتي ستستهدف الفقراء وخاصة الذين هم في وضعية هشة، والتي يجب أن تشمل تقديم إعانة شهرية ليس فقط لمن يعيل أسرة، بل ومن يعيل نفسه بنفسه، أو يعيل شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة وهو غير قادر على العمل لسبب أو لآخر، نقترح الآتي:

1) أن يتضمن النظام الضريبي بعدا اجتماعيا واضحا يستفيد منه الفقراء، وذلك بتأكيد مبدأ التصاعدية في الضريبة على الدخل، بالرفع من الحد الأدنى من الدخل الخاضع للضريبة، وتؤخذ الضريبة بعد خصم أقساط التأمين الصحي، ونسبة عدد الأطفال، وخاصة الممدرسين منهم، وذوي الإعاقة.

2) تنمية الأسر الأشد فقرا، من خلال الأنشطة المدرة للدخل، وبرامج تمويلية تقدم قروضا بدون فوائد للفقراء وبفترات سماح طويلة، وزيادة الخدمات الموجهة للمناطق الفقيرة، بهدف تحسين نوعية الحياة، وإنشاء المساكن للفقراء وترميم بعضها، وتوفير خدمات الماء الصالح للشرب والكهرباء والصرف الصحي والتعليم، وتحسين الربط بالشبكة الطرقية، هنا برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في نسختها الثالثة، يمكن أن تقدم الشيء الكثير من أجل تدارك الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا، ومواكبة الأشخاص في وضعية هشة، وتحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب من أجل الحد من الفوارق المجالية والاجتماعية بالعالم القروي، وتحسين عرض الخدمات العمومية، وفق مقاربة مندمجة ومتكاملة العلاجية.

3) برامج غير حكومية، تنفذها منظمات المجتمع المدني بهدف تقليص الفقر، عن طريق زيادة مداخيل الأسر الأشد فقرا، من خلال تقديم قروض بدون فوائد للفقراء، كما تقدم الحكومة من جانبها، قروضا لهذه البرامج ودائما بدون فوائد، من أجل تمويل مشروعاتها للفقراء، في مجال الزراعة ومشروعات الأعمال الصغيرة، والمتناهية الصغر.

4) تقديم قروض بدون فوائد لشراء مساكن اجتماعية قليلة التكلفة، من خلال صندوق خاص ينشأ لهذا الغرض، تحدد اعتماداته السنوية من الميزانية العامة للدولة، إلى جانب اعتمادات مالية أخرى، تدعم مشروعات اجتماعية موجهة لتطوير القرى والأنشطة الفلاحية الخاصة بالفقراء، الأمر الذي من شأنه أن يخلق طبقة وسطى نشيطة وفاعلة، في القرية والبادية.

5) توفير مرافق البنية الأساسية، الاجتماعية والاقتصادية، في المناطق القروية والجبلية، المعزولة والفقيرة، بما في ذلك مرافق النقل والمواصلات، والمدارس، والخدمات الصحية، والماء والكهرباء.

6) دعم الأدوية التي يستعملها الفقراء، وخاصة تلك المنقذة للحياة، وتقديم خدمات بالمجان لرعاية صحة الحوامل والأطفال.

7) وضع برنامج “قرى ومدن نموذجية بدون فقر”، على غرار برنامج “مدن بدون صفيح”، تعمل فيها الدولة على مكافحة الفقر، وذلك لبلوغ أهداف التنمية.

لقد تعددت البرامج والمخططات التي تهدف إلى القضاء على الفقر والنهوض بالأوضاع الاجتماعية، لكن يبقى تنزيلها على أرض الواقع مشوبا بالكثير من التعثر والارتباك، وهذا أمر طبيعي، لأن الفقر أكبر من كونه مشكلا اجتماعيا، فهو ثقافة وسلوك، وشيوعه داخل المجتمع يعني إحباط أجيال بكاملها، فلا تستطيع الاندماج في القطاعات الأكثر مردودية أو حتى الاستفادة من الخدمات الاجتماعية، من صحة وتعليم وسكن لائق، لأنها تبقى منشغلة أساسا بتلبية حاجياتها الضرورية، وهذا الضعف في الاندماج في الحياة المهنية والمدرسية من قبل الفقراء وأبنائهم، يزيد من حدة الفقر، ويعيق أي مجهود للتنمية الاقتصادية وللسلم الاجتماعي، وبذلك نكون بصدد حلقة مفرغة ليست لها بداية ولا نهاية.

إن أي مقاربة للقضاء على الفقر لا يمكن أن تكون ناجعة إلا بالعمل في اتجاه الحد من النمو الديمغرافي الكبير الذي تعرفه بلادنا، وهذا النمو اليوم في المغرب ناتج بالدرجة الأولى عن الأسر الفقيرة والمحرومة، وهذه هي المفارقة الغريبة، وإذا استمر الوضع هكذا، فهذا يعني إخفاق أي مجهود تقوم به الدولة والمؤسسات التابعة لها، وكذلك منظمات المجتمع المدني، للتخفيف من الفقر، وتحسين مستوى عيش المواطنين، فزيادة التناسل بين الفئات الفقيرة، وعدم تحكمها في معدل الخصوبة، يبقى أكبر عائق أمام نجاعة أي سياسة كيفما كانت أهميتها، لأن استمرار هذا الوضع يعني المزيد من استنزاف الخيرات، ومن تقليص المصادر المتوافرة في بلادنا، البشرية منها والمالية، والاقتصادية والبيئية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى