تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | داء السكري.. القاتل الصامت الذي يهدد حياة ملايين المغاربة

أكثر من 3 ملايين مصابون بالسكري

كشفت الإحصائيات الرسمية أن أكثر من مليوني شخص مغربي من الذين يزيد سنهم عن 18 سنة، مصابون بداء السكري، إذ تؤكد الأرقام أن 50 في المائة من المصابين بهذا المرض في المغرب يجهلون إصابتهم بهذا الداء الخطير، بينما يصل عدد الأطفال المصابين به في المملكة إلى 15 ألف طفل.

وحسب معطيات وزارة الصحة، فإن داء السكري يتميز بخطورة ومضاعفات صعبة، إذ يعد السبب الرئيسي للفشل الكلوي والإصابة بفقدان البصر وبتر الأطراف السفلى، كما أنه يظل هاجسا للوفاة، لذلك جعلته الوزارة أحد أولوياتها في السنوات الأخيرة بهدف تقليص نسبة الوفيات والمضاعفات الناتجة عنه، لتخفيف الأعباء المادية والمعنوية عن الشخص المصاب وأسرته وعلى المنظومة الصحية.

الرباط. الأسبوع

    يعد داء السكري من الأمراض التي تستأثر بالنصيب الأكبر من تكاليف علاج الأمراض المزمنة، إذ يمثل لوحده 11 في المائة من هذه المصاريف، ويشكل اليوم العالمي لداء السكري مناسبة لتعبئة جميع المسؤولين ومهنيي الصحة والمجتمع المدني والشركاء المعنيين، للتحسيس بخطورة مضاعفاته.

وهناك نوعان رئيسيان من مرض السكري: النوع الأول الذي يظهر في الغالب خلال مرحلة الطفولة أو في بداية البلوغ، بينما يظهر النوع الثاني من السكري، وهو الأكثر شيوعا، بشكل رئيسي عند البالغين، وينتج بشكل كبير عن زيادة الوزن والتغذية غير السليمة وقلة النشاط البدني.

حمدون الحسني

في هذا السياق، يقول الدكتور حمدون الحسني، رئيس الجمعية المغربية للغدد وداء السكري: “مرض السكري أصبح معروفا لدى الجميع، فهو ارتفاع نسبة السكري في الدم، لهذا على الناس أن يعلموا أنه منذ عشرين سنة تحدد سقف معدل السكر في الدم والذي لا يجب تجاوزه لكي لا يعتبر الشخص مصابا بالمرض، وهو 1.26 غرام في الدم خلال الصيام وأكثر من 1.80 غرام بعد الأكل، ويمكن القول أنه إذا وصل لهذه الأرقام فهو مصاب بداء السكري، في بعض الأحيان ما يسمى بالخزان، وهو تراكم السكر الذي يكون في الدم، والسكر الذي يظل مرتفعا لمدة يتراكم في مادة تسمى “ليموغلوبيل”، هي التي تقوم بتخزين السكر، عند الإنسان العادي تكون 5.8 وأقل، وعند الإنسان الذي بدأ يصاب بالسكري والسمنة فإنها تفوق هذا المعدل، لهذا فإذا وصلت النسبة 6.5 في المائة يصبح الإنسان مهددا بالمرض، وإذا تجاوز 6.6 في المائة، نعتبره مصابا بداء السكري دون الانتباه لمعدل السكر في الدم”.

وأوضح المتحدث، أن من بين الأعراض المعروفة لدى المصابين بداء السكري، كثرة شرب الماء والعطش الكثير، وفي بعض الأحيان النحافة وفقدان الوزن، ولكن المؤسف، هو تجاوز هذه المراحل والاصطدام مع المضاعفات، مضيفا أنه بالنسبة لأنواع السكري وما هو معروف ويجب أن يعرفه الجميع، هو النوع الأول، الذي يتطلب أخذ جرعات الأنسولين، ويصيب الأطفال واليافعين والشباب، ويمكن أن يحدث في أي وقت، فإذا أصيب جهاز البنكرياس لم يعد يؤدي وظيفته، ثم النوع الثاني، الذي يستوجب تناول الأقراص، وربما مع مرور الأيام ومع التقدم في البحث يمكن اللجوء للأنسولين، لأن الأقراص تساعد البنكرياس الذي إذا استنزف مدخراته من الأنسولين يصبح عاجزا، وبالتالي نضطر للالتحاق بالعلاج بالأنسولين، وهناك أنواع أخرى ناتجة عن الأدوية أو عملية جراحية أو أشياء أخرى تدخل في الجينات يبقى الطبيب المختص هو من يحدد نوع السكري المصاب به المريض، وخلاصة القول: هناك عدة أنواع تتطلب التشخيص، لأنه في النوع الثاني نكتشف أمراضا أخرى، لهذا تبقى الاستشارة الطبية ضرورية لتحديد نوع داء السكري.

وأكد الدكتور الحسني أن من أسباب تفشي مرض السكري بين الناس، هي الوراثة، حيث أن هناك عائلات كلها مصابة بداء السكري بدوافع وراثية، ومن بين الأشياء التي يمكن أن تعجل بظهور السكري، الإفراط في التغذية غير المنتظمة، كالأكل المفرط وتناول السكريات بكثرة، إضافة إلى الإدمان على الكحول، وبعض العمليات الجراحية، والصدمات النفسية، والخمول والسمنة المفرطة التي تتزايد في المغرب، خصوصا عند اليافعين، مشيرا إلى أن من الأشياء التي يمكن أن تؤخر داء السكري عند أي شخص، هي اتباع حمية منتظمة وممارسة الرياضة ومراقبة الوزن.

ارتفاع أعداد المصابين بالسكري منذ سنة 1991

    وكشف الدكتور الحسني، أن عدد المرضى بداء السكري ارتفع على الصعيد الوطني منذ الثمانينات، حيث كان لا يتعدى 500 ألف، أما اليوم فقد فاق 3 ملايين شخص، ينضاف إليه عدد آخر مصابون بالمرض ويجهلون ذلك، لهذا نصطدم خلال الفحوصات الطبية باكتشاف داء السكري والمضاعفات في نفس الوقت، بسبب عدم التزام الشخص المصاب بالمراقبة وبقياس معدل السكر في الدم إلا عندما يشعر بآلام في العين أو القلب أو القدمين، موضحا أن هذه الحالات تكون مصابة منذ مدة طويلة، حيث أن الخزان يكون مرتفعا لدرجة 14، بينما المعدل الطبيعي يجب أن يكون أقل من 7، لتفادي المشاكل الصحية والمضاعفات، وهذه من بين الأشياء التي يجب مراقبتها والتعامل معها بجدية، لأن أعداد المصابين هو في ارتفاع، خاصة لدى دول العالم الثالث، لأن تغذيتهم غير متوازنة، فهم يأكلون النشويات والدهنيات والأملاح بكثرة.

وأبرز أنه منذ سنة 1991 ونحن في صراع مع المرض الذي يسجل ارتفاعا كبيرا، قائلا: “يجب أن نعترف أننا في صراع مع شركات المأكولات والتغذية غير المتوازنة، والخمول والكسل، ويمكن في السنوات المقبلة، إذا كانت هناك توعية صحية وأن يلتزم الإنسان بالتغذية المتوازنة وممارسة الرياضة، الولوج للعلاج، الذي قد يكون بأثمنة غالية وباهظة قد لا يتحملها المريض ولا الدولة، فبعدما كنا في علاج بـ 30 درهما في الشهر، هناك اليوم علاجات بـ 2000 درهم وأكثر في الشهر، لهذا إذا لم يحمِ الإنسان نفسه من المضاعفات، قد تصل مصاريف العلاج والأدوية إلى 5 أو 10 آلاف في الشهر”.

وتابع نفس المتحدث بأن “الجمعية المغربية لداء السكري والغدد تقوم بدورها منذ 45 سنة، وتهتم بميدان التكوين المستمر والبحث العلمي والتواصل مع الجمعيات الدولية للاستفادة من الخبرات، وتقدم المساعدة وتنسق مع جمعيات المجتمع المدني التي تساعد المصابين بالسكري، مشيرا إلى أن الجمعية تضم 400 طبيب مختص، وتعمل مع أطباء القطاع العام من أجل تطوير الحقل العلمي، وتوعية المرضى والمجتمع المدني ككل”، وأضاف: “إن أبسط مرض يمكن أن يعالج اليوم هو داء السكري، لكن مع ضرورة عدم إهماله في بدايته، لأنه قد يؤدي إلى مضاعفات أخرى، وقد يتزامن مع مرض آخر مثل ارتفاع الضغط الدموي، وبالتالي، يؤثر على القلب والكلي والعينين، وعلى أي شخص أن يبحث ويقوم بالتشخيص ثلاث مرات ويراقب صحته بشكل منتظم، بالإضافة إلى مشاركة المنتخبين في القرى والبوادي في تنظيم حملات التشخيص المبكرة لفائدة الساكنة القروية”.

خطر الأغذية غير الصحية

    العديد من الناس، وخاصة الأطفال، يحبون الحلويات والأغذية المصنعة، والأكلات الخفيفة العصرية، والتي تؤدي إلى الزيادة في الوزن، كما يكون لها تأثير خطير على الأطفال لأنها تصبح مثل الإدمان، وهذا مشكل كبير وخطير.

حسن بوحديش

في هذا الإطار، يرى الدكتور حسن بوحديش، أن مرض السكري من النوع الثاني هو الأكثر شيوعا في هذا العصر، أسبابه كثيرة متداخلة تلعب الوراثة فيه دورا كبيرا، لكنها ليست حتمية، بمعنى أن الاختيارات الغذائية للشخص وطريقة نمط العيش قد تلغي هذا الدور، وهذا ما يسمى في لغة الطب بـ”ما فوق الوراثة”، أما الأسباب الأخرى، فتتجلى في كل ما يمكن أن يرفع مقاومة الأنسولين، منها: الأكل غير الصحي، خصوصا السكريات المكررة، لأن هذه الأخيرة قد أفرغت من العناصر التي تساعد على تمثيل وتحليل السكر لاستخراج الطاقة منه، مثل “ATP”، و”المغنزيوم” و”الكروم” وفيتامينات المجموعة “باء” وعناصر أخرى، فيلجأ الجسم لاستعارة المعادن المخزنة في العظام، والأنسجة الأخرى لسد هذا النقص، وبالتالي، يفرغ من العناصر التي تساعد الأنسولين على العمل، أما السبب الثاني المهم لهذا النوع من السكري، فهو كثرة الضغط النفسي أو ضغوط العمل، حيث يشتغل الجسم في ظروف يضطر معها لإفراز معدل هرمونات الضغط، مثل الكورتيزون والأدرينالين، هذه الأخيرة من وظائفها رفع سكر الدم لتوفر الطاقة اللازمة لمواكبة وضعيات الضغط، إما للمواجهة أو الهرب من المشاكل، وهناك أسباب أخرى تساهم في رفع مقاومة الأنسولين مثل نقص أحماض المعدة(hypochlorhydrie)  اللازمة للهضم، واضطراب النظام الإيكولوجي لبكتيريات الأمعاء، أي ما يسمى بالميكروبيوتmicrobiote intestinal، الذي يلعب دورا أساسيا في تنظيم مستويات الطاقة في الجسم والتحكم في هرمونات الجوع والشبع مثل هرمون الغريلين (ghreline)، والليبتين (leptine)، وبقية هرمونات الأمعاء(enter hormones) ، وإفراز مواد تضبط معدلات السكر مثل البروتين المشابه للغلوكاغون

(Glucagon like peptide).

وحسب الدكتور بوحديش، فإن “السكري مرض شائع بحكم تغير نمط عيش الإنسان المعاصر واعتماده على أغذية مصنعة، تحتوي على مبيدات وسموم كيماوية متنوعة ولا تفي باحتياجاته من العناصر المهمة مثل الفيتامينات والأملاح المعدنية، مما يربك ميكانيزمات التمثيل الطاقي وعمل الأنسولين”، مضيفا أن “هذا المرض يمكن الشفاء منه نهائيا والعودة إلى الحياة الطبيعية شريطة عدم اللجوء إلى الأدوية الكيماوية، وبدل ذلك الاعتماد على طرق طبيعية وللطب الطبيعي والتغذية المجهرية(naturopathie et micro nutrition) ، التي أثبتت نجاعتها مع العديد من المرضى”، داعيا إلى “الاعتماد على حمية وتغذية مناسبة وممارسة الرياضة دون إجهاد في حدود الإمكانيات البدنية للشخص وتناول طعام صحي ومتوازن”.

أهمية المجتمع المدني

    فاطمة الزهراء السكاك، أخصائية في التغذية، تقول: “النقطة المهمة في مرض السكري هي التغذية، التي يجب أن تكون وفق نظام غذائي متوازن، خاصة بالنسبة لكبار السن، الذين هم في حاجة ماسة للرعاية والصيانة، لأن ذاتهم لا تحتاج إلى نمو ولا إلى أي شيء، بمعنى أن الخلايا التي تموت تتجدد”، وأكدت أن “النظام الغذائي يلعب دورا مهما ليس فقط بالنسبة لمرضى السكري، وإنما لجميع الأشخاص والمصابين بأمراض مزمنة، فهناك نسبة من التغذية التي يجب تناولها في اليوم، لأننا نحتاج إلى سعرات حرارية، وهذه السعرات لا يمكن أن نحصل عليها إذا لم نتبع نظاما غذائيا منتظما في جميع الوجبات، ومرضى السكري عليهم الاحتياط من المواد السكرية، فلا يجب تناولها نهائيا، مع التقليل من المواد التي يمكن أن تزيد من نسبة السكر في الدم”.

وأشارت المتحدثة إلى أهمية التوعية والتحسيس بالنظام الغذائي الصحي وطريقة تحضير الوجبات، لأن معظم الناس لا يحترمون الحمية، فكل ما هو ممنوع هو مرغوب، وبالتالي يجب تنظيم الأكل لأن الضرر يأتي من الطعام غير الصحي، حيث نكثر من الخبز وتناول الفطائر والمعجنات والحلويات”، وأضافت: “على الجمعيات التي تنشط في هذا الإطار، أن تكثر من الحملات التوعوية والتحسيسية فيما يتعلق بالنظام الغذائي، لتلافي السمنة والسكري، فهذا الأخير قد يتحول إلى ضغط دموي يسفر عن أمراض أخرى كالشرايين والقلب”.

الصديق العوفير

وبهذا الخصوص، يؤكد الصديق العوفير، رئيس “جمعية السكري وقاية وتكفل”، على أهمية دور جمعيات المجتمع المدني في توعية المرضى والمصابين بداء السكري، من خلال تنظيم حملات طبية وتقديم مساعدات متنوعة، تتعلق بالمراقبة والتشخيص والمواكبة الطبية، وتحسيس المريض بأهمية مراقبة صحته واتخاذ الاحتياطات اللازمة وكيفية التعامل مع المرض بنظام متوازن، وتغذية صحية سليمة، وقال: “منذ 35 سنة يتعرض الكبير والصغير والضعيف لمرض السكري، وليست له حدود، فهو يتطلب عناية كبيرة وتغذية متوازنة، وتناول الدواء في الوقت المناسب، والمراقبة الذاتية وممارسة الرياضة، لهذا يجب التكفل بالمريض وتحسيسه بأهمية مراقبة صحته، والمرضى الجدد عليهم أن ينخرطوا في الجمعيات ويلتقوا بمرضى آخرين، لكي لا يتأثروا بهذا المرض، ويتواصلوا مع المختصين لكي يستفيدوا من طرق العلاج وكيفية التعامل مع داء السكري”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى