تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | الكلاب الضالة.. بين مقاربة جمعيات الرفق بالحيوان و”عدوانية” الجماعات

تعرف العديد من المدن انتشارا كبيرا للكلاب الضالة، حيث تعالت الأصوات المطالبة بمحاربة الظاهرة والقضاء عليها، بينما طالبت فعاليات جمعوية تهتم بالحيوانات بمعالجة الظاهرة بمقاربة بيطرية وإنسانية عبر إطلاق عمليات للتلقيح والتعقيم والعلاج.

وخلقت ظاهرة “كلاب الشوارع” مشاكل كثيرة في بعض المدن، إذ أنها تسبب في حوادث خطيرة للمارة، كما أنها تضر بصورة المناطق الحضرية، مما جعل بعض الجماعات الترابية تطلق حملة واسعة للقضاء عليها، إما باستعمال معدات وأسلحة نارية، يرفضها نشطاء الرفق بالحيوان، لكونها مقاربة غير إنسانية، وفي هذا السياق، رصدت وزارة الداخلية خلال السنوات الأخيرة، ما يناهز 70 مليون درهم من أجل اقتناء سيارات ومعدات لجمع ومحاربة الكلاب الضالة وداء السعار.

الرباط. الأسبوع

    دعت جمعيات الرفق بالحيوان إلى معالجة ظاهرة الكلاب الضالة وفق المقاربة التي تدعو إلى نهج سياسة التلقيح والتعقيم والاهتمام بالحيوانات، وتنفيذ الاتفاقية الموقعة بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة الموقعة سنة 2019، والتي تدعو العمالات والجماعات الترابية إلى تلقيح الكلاب وترقيمها، رافضة سياسة التقتيل التي تنهجها الجماعات والتي تثير استياء الرأي العام.

يرى أحمد التازي، مسؤول جمعية “أدان” المهتمة برعاية الحيوانات، أن هناك مجالس جماعات تقوم منذ سنوات باستخدام وسائل غير إنسانية لمحاربة الكلاب، بتنظيمها لعمليات قتل وإبادة، لكنها لم تؤت أكلها منذ سنوات، متسائلا ما ذنب هذه الكلاب؟ ولماذا لم نتعامل معها بمقاربة إنسانية لأجل مصلحتنا ومصلحتها.

وأضاف ذات المصدر، أن الهدف من هذه الحملات هو منع تفشي الأمراض الخطيرة بين الكلاب وانتقالها إلى الإنسان، مثل الأمراض الطفيلية أو داء الكلب أو ما يسمى السعار، حيث أن هذا المرض لا يمكن محاربته إلا بالطرق العلمية والعقلانية الناجحة، التي أعطت أكلها، مشيرا إلى أن هناك اتفاقية وقعت سنة 2019 بين وزارة الداخلية وهيئة البياطرة و”الأونسا” ووزارة الصحة، من أجل تعقيم وتلقيح الكلاب والحيوانات وإعادة إطلاقها في المناطق التي جاءت منها مع ترقيمها، لأنه أفضل حل لمعالجة الظاهرة والقضاء على جميع الأمراض المتنقلة من الحيوات إلى الإنسان والحفاظ على الصحة العامة.

أهمية التلقيح والتعقيم

    وحسب التازي، فإن هذه الاتفاقية غير مفعلة بالشكل اللازم، بحيث توجد صعوبات على الصعيد الوطني، خاصة على مستوى الجماعات الترابية، رغم تواجد شركاء وفروع في مختلف المدن المغربية يشتغلون بتنسيق مع جمعية “أدان” للدفاع عن الحيوانات، من أجل التعاون وحث الجماعات على تطبيق هذه الاتفاقية المهمة، الأمر الذي يتطلب وقتا ومجهودات إضافية من قبل النشطاء، لاسيما وأن العديد من الجماعات تلجأ لاستخدام القتل والعنف في حق الحيوانات وهو ليس بحل ولن يعطي أي نتيجة أبدا، مبرزا أن دراسة أمريكية لمؤسسة “دوغيس داي” تقول: “إذا نجت كلبة واحدة من حملة التقتيل في غضون 6 سنوات مع أبنائها، تلد حوالي 67 ألف كلب، يعني الطبيعة تكره الفراغ، وتصبح مقاومة أكثر ولا يمكن محاربة الطبيعة بهذه الطرق الوحشية وغير العقلانية”.

وقال التازي: “إن الاختلالات والأخطاء الحاصلة، تكمن في عدم تطبيق الاتفاقية الإطار المتعلقة بالتلقيح والتعقيم، وعدم إعادة الحيوانات إلى أماكنها، وكذا غياب الإرادة الفعلية للتعاون مع الفاعلين الذين يشتغلون في هذا المجال منذ سنوات بصفة مهنية، لهذا لا بد من إعطاء فرصة للمجتمع المدني والمتطوعين للعمل والمساعدة في اعتماد مقاربة ناجعة، عبر التعقيم والتلقيح بتعاون مع البياطرة والمهنيين لمعالجة الحيوانات، مع ضرورة التتبع وإرجاع هذه الكلاب إلى المناطق التي كانت تعيش فيها، للقيام بدورها والمساهمة في الحفاظ على الصحة العامة”.

التعايش مع الكلاب الضالة

    إن وضع الكلاب الضالة في ملاجئ أو مستودعات، يعتبر قرارا غير صائب، لأنه قد يؤدي إلى تدهور صحة هذه الحيوانات، بسبب الجوع والعطش وغياب الرعاية اللازمة بشكل يومي، يقول أحمد التازي، مفضلا أن يكون الحل هو التعايش مع هذه الحيوانات بطريقة سلمية مع إخضاعها بشكل منتظم ومستمر للتعقيم والتلقيح والترميز والمواكبة البيطرية، مع وضعها داخل مستوصفات للرعاية حتى تتحسن وتتعافى ثم إرجاعها للأماكن التي كانت تعيش فيها، لأن حياة هذه الكلاب مرتبطة بالطبيعة وتعيش بين الناس وتقوم بدورها في حماية الحي أو الحارة أو الفضاء الذي تحرسه، ولا يمكن الخوف منها عندما تخضع للتلقيح والتعقيم.

وأكد نفس المتحدث، أن جمعية “أدان” تتعاون مع مجلس جماعة الرباط منذ سنة 2015، من أجل تعميم برنامج تلقيح وتعقيم الكلاب في المستوصف البلدي، حيث يتم بعد عملية الرعاية والمواكبة إطلاقها في الأماكن التي جاءت منها، وذلك في انتظار الانتقال إلى المستوصف الجهوي في المعمورة بناء على اتفاقية مع ولاية الرباط وإدارة المياه والغابات، حيث تم رصد ميزانية 8.5 ملايين درهم لبناء هذا المركز، فقط ننتظر عملية التجهيز ورصد ميزانية لتسييره باتفاق مع وزارة الداخلية والولاية والجماعات الترابية التي ستنخرط في هذا المشروع، وأضاف أن المقر الجديد سيساهم في تغطية جميع مناطق الجهة ورعاية الكلاب بتنسيق مع البياطرة الذين سيقومون بعمليات التلقيح وفق مشروع شامل ومندمج يتضمن حملات تحسيسية مع وزارة الداخلية والصحة، والمجتمع المدني، من أجل تحسيس الناس وتوعيتهم بأهمية هذا الحيوان والتعايش معه.

غياب مراكز الإيواء

    قال زهير البداوي، رئيس جمعية الرفق بالحيوانات بالدار البيضاء، أن “الجمعية تحارب لجوء الجماعات إلى سياسة قتل الكلاب الضالة، لأنه يمكن معالجتها عبر التلقيح والتعقيم وتركيب رمز لها في الأذن”، منتقدا لجوء الجماعة إلى نقلها إلى المستودعات في ظروف غير ملائمة، حيث تعاني الجوع والعطش ويتم التخلص منها عبر السم، بالرغم من الشكايات والمراسلات التي تتقدم بها الجمعية وسائر الجمعيات المختصة إلى العمالات والمجالس المنتخبة، من أجل إيقاف أسلوب القتل ونهج مقاربة صحية أخرى.

وحسب نفس المصدر، فإن هناك مشروعا لا زال في طور البناء، يتعلق بإنجاز مأوى كبير بالدار البيضاء لتلقيح وتعقيم الكلاب، سيشكل فضاء لرعاية هذه الحيوانات الأليفة عوض قتلها والتخلص منها بطرق لاإنسانية وغير مقبولة، مشيرا إلى أن تصرفات مصالح الجماعة في التعامل مع الكلاب خلقت استياء وغضبا كبيرا في صفوف ساكنة الدار البيضاء.

وأضاف البداوي، أن الجمعية تعمل بشكل يومي في حماية الكلاب الضالة والعمل على تلقيحها ورعايتها، وتحسيس تلاميذ المدارس والمؤسسات التعليمية بأهمية الرفق بالحيوانات وحسن التعامل معها، والابتعاد عنها عند ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى تحسيس المسؤولين والمنتخبين بضرورة العمل بشراكة مع جمعيات الرفق بالحيوان من أجل معالجة الظاهرة، مشيرا إلى أن الجمعية تعمل بشكل تطوعي ولا تتلقى أي دعم من الجماعات أو العمالات، وسبق أن تقدمت بمراسلات وبمقترحات وبرامج من أجل إطلاق عملية تلقيح الكلاب  والقطط والعناية بها، ونهج مقاربة سليمة في التعامل مع الظاهرة، إلا أنها لم تتوصل بأي جواب.

فشل الجماعات المحلية في محاربة الكلاب الضالة

    تعرف مدينة الدار البيضاء انتشارا مهولا للكلاب الضالة بمختلف الأحياء، سواء الهامشية أو في المناطق الراقية، الشيء الذي يضع مجلس المدينة أمام نيران الانتقادات بسبب عدم تفاعله مع نداءات وشكايات المواطنين الموجهة إلى رؤساء المقاطعات والمنتخبين من أجل معالجة ظاهرة الكلاب الضالة، التي أصبحت متفشية في جميع المناطق وتضايق المواطنين منها.

في هذا الصدد، يؤكد حسن سلاهمي، مستشار جماعي بمجلس مدينة الدار البيضاء، أن رئيسة المجلس نبيلة الرميلي، سبق أن اعترفت بعدم القدرة على معالجة ومقاربة إشكالية “كلاب الشوارع”، قائلا أن هناك لجنة تم تعيينها من قبل المجلس لمعالجة المشكلة على مستوى كل مقاطعة، وتكليف عدد من المستشارين بهذه المهمة، إلا أنهم لحد الساعة لم يستطيعوا القيام بتدبير الأمر والقيام بجمع هذه الكلاب ونقلها إلى مراكز للرعاية والإيواء، مشيرا إلى أن الظاهرة منتشرة في كل الأحياء وليس في الأحياء الهامشية فقط.

واعتبر سلاهمي أن موضوع الكلاب الضالة يتطلب إرادة سياسية ومبادرة جادة من لدن المجالس المنتخبة لإيجاد حل لهذه الظاهرة، حيث لا توجد أهمية لدى المنتخبين داخل اللجنة التي تم تكليفها، لأن كل عضو يرى تعيينه في هذه اللجنة بمثابة احتقار، رغم أنها تهدف للمصلحة العامة ولخدمة وحماية المواطنين من الأمراض التي قد تنقلها هذه الحيوانات، مضيفا أن المنتخبين يهتمون فقط بلجن الصفقات والطلبات والتعمير والمداخيل، ولا أحد منهم يهتم بمشكلة كلاب الشوارع داخل الجماعة، فلو تحملوا مسؤوليتهم لتم التغلب على الظاهرة ومعالجتها بكيفية سليمة.

وتابع ذات المصدر، أن حل مشكلة الكلاب الضالة يتطلب عملا مشتركا وتنسيقا بين السلطات المحلية ومجالس المقاطعات والمتجمع المدني، من أجل إيجاد طرق ووسائل كفيلة بمعالجة الظاهرة وفق مذكرة وزارة الداخلية بهذا الخصوص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى