تحقيقات أسبوعية

متابعات | فوضى في أسواق بيع الكتب والأسر المغربية تدفع الثمن مضاعفا

تعاني الكثير من الأسر المغربية مع بداية الدخول المدرسي الحالي، من ارتفاع تكلفة شراء الأدوات والكتب والدفاتر المدرسية التي أصبحت أسعارها تفوق القدرة الشرائية لأولياء التلاميذ بعدما قفزت بنسبة 120 في المائة إلى 150 في المائة، وبالرغم من الدعم الذي خصصته الوزارة للكتاب المدرسي العمومي، إلا أن الأسر التي تدرس أطفالها في المؤسسات التعليمية الخاصة اصطدمت بارتفاع أسعار الكتب المدرسية والتي تضاعفت خلال الموسم الدراسي الجديد.

إعداد : خالد الغازي

    تعم فضاءات بيع الكتب المدرسية فوضى كبيرة – حسب بعض الكتبيين – بسبب غياب المتابعة الميدانية والمراقبة من قبل وزارة التعليم على دور النشر والموزعين، حيث يعرف السوق خصاصا كبيرا يقابله ارتفاع كبير أيضا في أسعار جميع المقررات التي فاقت كل التوقعات، وخاصة التي تحتكرها المدارس الخصوصية، مطالبين بتقنين عملية بيع الكتاب المدرسي وتوزيعه ومحاربة الدخلاء والسماسرة والتصدي لعملية بيع المقررات داخل المدارس الخاصة بدون سند قانوني.

واعتبر مهنيون أن ارتفاع أسعار الدفاتر المحلية الصنع يعود إلى وجود نوع من الاحتكار والمضاربة في السوق الوطنية، واستغلال بعض اللوبيات والوسطاء لبداية الدخول المدرسي لتحقيق أرباح كبيرة، ما تسبب في ارتفاع أثمنة الدفاتر في المكتبات ولدى المدارس الخاصة التي تفرض على أولياء التلاميذ شراء نوع محدد دون غيره.

سميرة الشاعر

في هذا السياق، قالت سميرة الشاعر، رئيسة الجمعية المغربية للكتبيين: “إن الدعم الحكومي خصص فقط للناشرين، بينما الكتاب الخصوصي عرف زيادة بحكم أزمة الورق وارتفاع أسعار المحروقات وتداعيات الجائحة، حيث شهدت المواد الأولية زيادة شملت المستلزمات المدرسية والمحفظات والدفاتر والأقلام”، مضيفة أن “هناك إشكالية أخرى يعاني منها أصحاب المكتبات، تكمن في تغيير العديد من عناوين الكتب المدرسية العمومية خلال كل موسم دراسي وإصدار طبعات جديدة، ما يجعل الكتبيين يتكبدون خسائر في مخزون الكتب المدرسية المتبقية من العام الماضي بسبب تعويضها بمطبوعات جديدة، وهذا يزيد من تدمير القدرة الشرائية للأسر وإثقال كاهلها بمصاريف إضافية، إذ في بعض الحالات تختلف عناوين الكتب داخل نفس المؤسسة العمومية، وحتى بين المدن، ما يخلف خسائر مادية للكتبيين في ظل عدم توحيد الكتاب المدرسي”.

وأكدت المتحدثة ذاتها، أن “الكتب المستوردة المعتمدة في التعليم الخصوصي، وكتب التعليم الأولي والأدوات والمحفظات والدفاتر وباقي المستلزمات المدرسية، لم يشملها أي دعم من طرف الحكومة، بل خضعت لزيادة كبيرة ومكلفة لأولياء أمور التلاميذ”، مشيرة إلى وجود ارتفاع كبير في اللوازم المدرسية منذ أشهر تتراوح ما بين 40 و110 في المائة، وزيادة يومية في ظل احتكار السوق واستغلال الظرفية”.

ضرورة تقنين الكتاب المدرسي

    وأكدت رئيسة الجمعية المغربية للكتبيين، أن المهنيين يعانون بسبب بيع الكتب المدرسية داخل المؤسسات الخاصة التي تنافس الكتبيين في مجالهم، حيث أصبحت الظاهرة منتشرة في جميع المؤسسات الخاصة، التي تتوصل بالكتب المدرسية مباشرة من بعض دور النشر، أو تقوم باستيرادها من شركات فرنسية أو غيرها، ما يجعل أولياء أمور التلاميذ يخضعون لشروط وأسعار المدارس الخاصة، التي تنافس الكتبيين مستغلة غياب قانون منظم لعملية بيع الكتب المدرسية الخاصة، مشددة على ضرورة إخضاع الكتاب المدرسي الخصوصي للتقنين ولمراقبة ومتابعة وزارة التعليم، قصد توحيد الأثمنة وتنظيم مهنة بيع الكتاب المدرسي عوض ترك الفراغ القانوني الذي تستفيد منه المؤسسات الخاصة والدخلاء والسماسرة.

وأشارت سميرة الشاعر إلى أن الكتبيين يعانون خلال كل موسم دراسي جديد من إصدارات جديدة ومنقحة للكتاب المدرسي العمومي، ما يجعل المهنيين يعيشون محنة مع المخزون الذي يتغير كل سنة ويخلق لهم اصطداما مع الزبناء الذين لا يقبلون الطبعة القديمة، مطالبة الجهات الوصية على القطاع، بالتدخل من أجل دعم المكتبة المغربية في محنتها وحمايتها من العشوائية وسوء التدبير، وحماية الأمن الاقتصادي المحلي في إطار مشروع الجهة حفاظا على السلم الاجتماعي والمدرسي.

احتكار السوق وفوضى الكتب الخصوصية

    تقوم العديد من المدارس والمؤسسات الخاصة بفرض كتب ومقررات على أولياء التلاميذ قبل تسجيل أبنائهم في المؤسسة، وذلك بهدف تحقيق أرباح إضافية، إلى جانب أرباح التأمين والتسجيل وغيرها والتي تفرضها لوبيات المدارس الخاصة في غياب إطار قانوني ينظم عملية التسجيل والرسوم.

في هذا الصدد، انتقدت رئيسة جمعية الكتبيين، إقدام المؤسسات الخصوصية على بيع الكتب المدرسية ومستلزمات الدراسة داخل فضاءاتها دون الامتثال والالتزام بالقانون رقم 06-00 المنظم لها، وأرجعت ذلك إلى غياب تقنين تسعيرة الكتاب المستورد المقرر بالمدارس الخصوصية، والذي يعرف زيادة كل موسم دراسي جديد تتراوح من 5 إلى 25 في المائة عند أغلب المستوردين.

وطالبت سميرة الشاعر الجهات ذات الصلة بالكتاب والنشر، بالتدخل لتوفير الكتب المقررة ولوازمها، واعتماد البدائل المناسبة للعناوين المقررة التي لا يلتزم أصحابها بتوفيرها في السوق بالكميات المطلوبة منذ بداية التبضع وبنسب الخصم المتعارف عليها، إلى جانب وضع حد لبيع الكتب المدرسية بالمدارس الخصوصية بقرار وزاري.

زيادات بنسبة 120 في المائة

أحمد الفيلالي الأنصاري

    من جهته، أكد أحمد الفيلالي الأنصاري، رئيس الجمعية المغربية للناشرين، أنه “لا توجد زيادة في الكتب المدرسية العمومية، لأن هناك دعما وتعويضا من قبل وزارتي التربية الوطنية والمالية لفائدة دور النشر، بنسبة تصل لـ 25 في المائة حتى يظل سعر الكتاب العمومي مستقرا مثل الموسم الماضي، وذلك عقب اجتماعات جمعت الجمعية مع لجنة مشتركة من وزارتي التربية الوطنية والمالية”، وكشف أن “الزيادة حصلت بالنسبة للورق بنسبة بلغت 120 في المائة في المواد الأساسية المستوردة، بالإضافة لصناعة الكتاب والتي ارتفعت من 70 إلى 80 في المائة”، موضحا أنه “بالرغم من الزيادات التي يعرفها الورق المستورد وتكاليف الطباعة والتوزيع والنقل والرسوم في كل سنة، إلا أن الكتب المدرسية في التعليم العمومي ظلت في حدود 41 درهما، لذلك جاء الدعم المقدم من قبل وزارة التعليم لفائدة دور النشر حتى يتم الحفاظ على الكتب المدرسية المتعلقة بسلك الابتدائي والإعدادي، أما بالنسبة لسلك الثانوي، فقد ظلت جميع  أثمنة العناوين مستقرة، حيث تم دعم 186 كتابا فقط”.

وقال نفس المتحدث: “إن الزيادات التي حصلت في الدفاتر المدرسية بلغت 120 في المائة، بسبب ارتفاع كلفة الورق المستورد، الشيء الذي تسبب في حصول زيادات في السوق الوطنية، بسبب غلاء الورق وعدم استيراد الدفاتر من تونس والدول الأخرى”، مشيرا إلى أن هناك خصاصا على الصعيد الدولي بالنسبة للورق المستورد بعد حرب أوكرانيا، ما يتطلب تزويد السوق المحلية بالورق بعد أن لجأ الناشرون إلى استيراده من دول أخرى مثل البرازيل وأندونيسيا والهند.

غياب المراقبة وخصاص في الكتب

    حسن المعتصم صاحب مكتبة، قال أن “هناك عدة مشاكل يعاني منها الكتبيون، إذ يتم طبع عدد من العناوين كل سنة، لكن يظل السؤال المطروح: هل هناك مراقبة على أصحاب المطابع والناشرين من ناحية التزامهم بطبع كميات الكتب المطلوبة في السوق، لا سيما وأن الملاحظ هو وجود خصاص كبير في الكتب المدرسية العمومية وعدم قدرة أرباب المكتبات على توفيرها لفائدة الآباء خلال فترة الدخول المدرسي الحالي”، مشيرا إلى أن “الناشرين حصلوا على دعم 25 في المائة من قبل الحكومة، وكمثال على ذلك، كل ناشر مطلوب منه طباعة عدد كبير من الكتب في المستوى الأول ابتدائي (مثلا 25 ألف نسخة)”، متسائلا: هل التزمت المطابع بطباعة الكمية المطلوبة منهم من قبل الوزارة الوصية، أم أنهم قاموا بطباعة عدد أقل من الدعم المتحصل عليه؟

وأوضح نفس المصدر، أن المسألة الثانية تكشف أن الناشرين يحصلون على صفقة أخرى من خلال مبادرة “مليون محفظة”، الممولة من قبل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتي تهدف إلى توزيع الكتب المدرسية العمومية بالنسبة للمستويين الابتدائي والإعدادي على أطفال الأسر الفقيرة، وأطفال القرى والمناطق النائية، بينما لا يستفيد أصحاب المكتبات من هذه المبادرة التي تظل حكرا على دور النشر، مشيرا إلى وجود احتكار أيضا في السوق من قبل تجار الجملة وشركات الطباعة بالنسبة للدفتر المدرسي، حيث يعرف السوق توزيع كميات قليلة من الدفاتر، ما يزيد من ارتفاع أسعارها بنسبة تفوق 100 في المائة.

وأضاف: “هناك خصاص كبير في كتب بعض المواد مثل الفرنسية لمستوى السادس ابتدائي والاجتماعيات والرياضيات، كما تغيب العديد من العناوين في السوق”، معتبرا أن ذلك يؤكد عدم التزام الناشرين مع الوزارة التي حددت الدخول المدرسي يوم 5 شتنبر، لكن الملاحظ أن الآلاف من التلاميذ لم يتمكنوا من الحصول على الكتب لغيابها في السوق.

وتابع ذات المصدر موضحا أن هناك إشكالية أخرى تكمن في هامش الربح، حيث قام أصحاب المطابع والناشرين، بتحديد هامش الربح في 10 في المائة بين الموزع والكتبيين، مع ترك ثمن البيع للعموم مستقرا، منتقدا استفادة الناشرين من هامش الربح المخصص للكتبيين بعدما حصلوا على الدعم المقدم من الوزارة، داعيا الحكومة إلى مراقبة هوامش الربح وعملية توزيع الكتاب العمومي المدعم.

ارتفاع معدل الإنفاق للأسر

    كشفت المندوبية السامية للتخطيط، في مذكرة جديدة، أن معدل الإنفاق السنوي للأسر المغربية يصل لـ 1087 درهما بالنسبة للأطفال الملتحقين بالمدارس العمومية، بينما يصل إلى 7726 درهما بالنسبة للتلاميذ المتمدرسين في التعليم الخصوصي، مشيرة إلى أن الإنفاق السنوي بالنسبة للتعليم الابتدائي يصل إلى 1823 درهما، و1994 درهما للتعليم الإعدادي، و4311 درهما بالنسبة للتعليم الثانوي التأهيلي، حيث تضاعفت نفقات التعليم على المستوى الوطني.

وأوضحت المندوبية أن متوسط الإنفاق السنوي لكل شخص في الأسرة مسجل في المدرسة، وصل 2356 درهما سنة 2019، مبرزة أن هذا الإنفاق يختلف بشكل كبير حسب مكان الإقامة ومستوى الحياة وقطاع التعليم ومستوى التعليم، مسجلة زيادة الإنفاق على التعليم العمومي أكثر من ثلاثة أضعاف بين سنتي 2001 و2019، إذ تضاعفت النفقات بنسبة 3.4 في المائة على المستوى الوطني من 1277 درهما إلى 4356 درهما، كما قفزت في الوسط القروي من 461 درهما إلى 1484 درهما، بينما سجلت في الوسط الحضري 5700 درهم.

 

اللجوء للقروض لمواجهة الغلاء

    تلجأ بعض الأسر إلى القروض البنكية الصغيرة والمتوسطة من أجل تسديد واجبات التسجيل والكتب واللوازم الدراسية، قصد مواجهة الغلاء المتفشي في أسعار الدفاتر والكتب المدرسية الخصوصية خلال هذه السنة، إلى جانب الزيادات التي عرفتها رسوم التسجيل في المؤسسات الخاصة.

وحسب مصادر مطلعة، فقد لجأت المئات من الأسر إلى اقتراض مبالغ تتراوح ما بين 5 آلاف درهم إلى 20 ألف درهم من مؤسسات للقروض الصغرى والأبناك، بهدف تغطية متطلبات الدخول المدرسي.

وعبر العديد من أولياء التلاميذ الذين يدرسون في المؤسسات الخاصة، عن استيائهم من الارتفاع المهول للمقررات الدراسية التي تفرض عليهم بأثمنة تتراوح ما بين 1200 درهم إلى 2000 درهم، حيث تباع بعض كتب اللغة الفرنسية أو الإنجليزية بأثمنة تفوق 300 درهم دون أن يتضمن الكتاب السعر المحدد، كما يقول محمد (عضو في جمعية آباء مؤسسة خاصة)، أن هناك زيادات في الكتب المدرسية الخصوصية فرضتها المؤسسات الخاصة تفوق 50 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، إذ اضطر لتسديد مبلغ 1500 درهم لشراء الكتب من  المدرسة الخصوصية، زيادة على رسوم التسجيل والتأمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى