تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | تقييد التجارة الإلكترونية وإغلاق أبواب الرزق أمام آلاف الشباب

ما بعد الرسوم الجمركية

العديد من المغاربة يمارسون التجارة الإلكترونية، سواء على الصعيد الوطني أو الخارجي، من بينهم شباب وفتيات وجدوا في التسويق الإلكتروني المجال الأنسب لتحقيق الربح المادي ومدخول شهري يسد بعض المصاريف والحاجيات، وحسب مختصين في هذا المجال، فإن الغالبية من ممارسي هذا النشاط الاقتصادي من ذوي الشواهد والديبلومات وخريجي الجامعات الذين لم يجدوا أي فرص في الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص، فضلوا ممارسة التجارة الإلكترونية.

 

إعداد : خالد الغازي

 

    يبدو أن قرار إدارة الضرائب والجمارك القاضي بفرض رسوم جمركية على جميع المقتنيات من منصات التجارة الإلكترونية الأجنبية، شكل صدمة كبيرة لممارسي التسويق الإلكتروني، خاصة الفتيات والشباب، الذين يقومون بشراء عدد محدود من المعدات الإلكترونية أو الملابس أو بعض الأجهزة الصغيرة من أجل إعادة بيعها عبر الأنترنيت مقابل تحقيق بعض الربح.

وقد أثار قرار فرض الرسوم على التجارة الإلكترونية جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، وبين ممارسي التجارة الإلكترونية الذين عبروا عن استيائهم من قرار مديرية الضرائب، الذي لم يراع ظروف الشباب الذين يمارسون هذا النشاط التجاري المحدود، خاصة وأن القرار تزامن مع فرض الرسوم الجمركية على ممارسي التجارة الإلكترونية، مع إطلاق مجموعة “أكسال” التابعة لسلوى أخنوش، منصة إلكترونية “وصال” متخصصة في مجال التجارة الإلكترونية.

وقد انتقد العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي قرار مديرية الضرائب ضد ممارسي التجارة الإلكترونية، حيث اعتبر البعض منهم أن هذا القرار يخدم مصلحة زوجة رئيس الحكومة التي أطلقت منصة جديدة متخصصة في التجارة الإلكترونية.

يرى محمد جدري، محلل اقتصادي، أن التجارة الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة، عرفت ارتفاعا في رقم المعاملات بصفة عامة، مما دفع العديد من الناس إلى ممارسة هذا النشاط التجاري، خاصة خلال فترة جائحة “كورونا” التي جعلت الناس تبحث عن أنشطة تجارية مدرة للدخل بعد التوقف الاضطراري للعديد من المجالات، إضافة إلى أن هذه المنتجات والمواد الرائجة في المنصات الإلكترونية رخيصة وفي متناول الجميع ويمكن تحقيق أرباح منها، مضيفا أن التجارة الإلكترونية لا زالت لم تستغل بالشكل الجيد في المغرب، بسبب عدم توفر الجميع على البطائق الإلكترونية الدولية، بالإضافة إلى أن عملية الشراء تتم بشكل محدود ولا يمكن تجاوزها.

وأوضح نفس المتحدث، أن المواطنين غير ملزمين بأداء رسوم جمركية بخصوص مشتريات أو منتجات لا تتجاوز مبلغ 1250 درهما، الشيء الذي دفع العديد من الناس إلى شراء منتوجات متنوعة من منصات إلكترونية تجارية مثل “علي بابا” و”علي إكسبريس” و”أمازون”، لأنها معفاة من الرسوم الجمركية، الشيء الذي يسهل عليم دخول هذا المجال التجاري بسهولة والبحث فيه عن أرباح ومدخول قار، وفي المقابل، هناك أناسا آخرين استغلوا هذه الثغرة القانونية وقاموا بشراء منتجات تساوي 4 آلاف درهم، لكن لكي يتجنبوا الرسوم الجمركية لجئوا إلى تقسيمها إلى أربع “كوليات” كل واحدة لا تتجاوز ألف درهم للحصول على الإعفاء الجمركي.

وأضاف أن بعض الأشخاص تصلهم “كولية” من المنصات الإلكترونية تصل قيمتها 4 آلاف درهم وأكثر، وعندما تصل للمغرب مرفوقة بفاتورة محدد ثمنها في 50 دولارا فقط، بينما المواد التي بداخلها قيمتها تفوق هذا المبلغ، الشيء الذي يمس بخزينة الدولة ويضيع عليها رسوما ضريبية مهمة من بعض المنتجات التي تكون قيمتها باهظة في السوق الداخلية، لكن يتم اقتناؤها من المنصات الإلكترونية بثمن قليل، معتبرا أن ذلك يسبب أيضا ضررا لصاحب الشركة المحلية الذي يصنع نفس المنتوج ويؤدي الضرائب والواجبات ويشغل يدا عاملة، وبالتالي، أصبح لزاما على المشرع التدخل لفرض الرسوم الجمركية، وللتصدي للعمليات الاحتيالية التي تتم من خلال استغلال هذا الإعفاء الضريبي.

وقال نفس المصدر: “بصفة عامة، لن يؤثر بشكل كبير لأن هؤلاء الناس يشترون بأقل من 1200 درهم، مثلا من يشتري 50 دولارا لن يؤدي رسوما كبيرة للجمارك، لكن الأشخاص الذين يقومون بعمليات احتيالية سوف تؤثر عليهم هذه الرسوم، لأنهم يشترون منتجات كثيرة لإعادة بيعها من جديد، وأعتقد أن هذا القرار يصب في اتجاه تقنين التجارة الإلكترونية وهذا هو الهدف من فرض الرسوم الجديدة”.

محمد جدري

التجارة الإلكترونية هي المستقبل

    أكد المحلل الاقتصادي محمد جدري، أن التجارة الإلكترونية ستكون هي المستقبل في المغرب وعلى أبعد تقدير خمس سنوات، لأن العديد من الشركات الكبرى العالمية اليوم بدأت تعتمد على التسويق الإلكتروني عبر المنصات الإلكترونية، ولم تعد تهتم بالمحلات التجارية الكبرى أو فتح محلات جديدة، خاصة في إيطاليا وفرنسا وأمريكا، مشيرا إلى أن تطور التجارة الإلكترونية بالمغرب رهين باستعمال البطائق البنكية وتوفر الأمان والثقة وتسهيلات من قبل مكتب الصرف.

من جانبه، قال وليد بن البودالي، ناشط في هذا المجال، أن “التجارة الإلكترونية وفرت لعدد كبير من الشباب العاطلين فرص شغل من خلال توفير مدخول شهري قار، وهذه التجارة الإلكترونية ليست سهلة أمام الشباب، إذ لا بد من التوفر على مؤهلات تأتي من خلال التعلم في الدورات التكوينية والمشاركة فيها للاستفادة، وقد استبشرنا خيرا من خلال ممارسة التجارة الإلكترونية التي وفرت مجالا مهما للشباب للبحث عن مصدر رزق، في ظل عدم قدرة الدولة على حل مشكل البطالة، سواء الحاصلين على ديبلومات أو شواهد عليا”.

وأكد ذات المصدر، أن قرارات مديرية الضرائب بخصوص فرض الرسوم الجمركية على جميع المشتريات من الأنترنيت ومن المواقع الخارجية بالخصوص، أثرت بشكل كبير على الشباب الممارس لهذا النوع التجاري، وتخدم مصالح لوبيات والتجار الكبار الذين يستوردون السلع والبضائع بكميات كبيرة من الخارج ويتم بيعها بأثمنة مضاعفة بثلاث مرات للمواطنين، خاصة القطع والأدوات الإلكترونية التي تباع بأثمنة خيالية، مثل “كارت غرافيك” التي يصل ثمنها في الخارج إلى ألفي درهم، بينما تباع في المغرب بـ 8 آلاف إلى عشرة آلاف درهم وليس بنفس الجودة، والسبب – حسب التجار – الرسوم الضريبية.

وأوضح المصدر نفسه: “هناك من يصل رقم معاملاتهم لمبلغ كبير ويتهربون من أداء الضرائب، والدولة سابقا كانت تسمح بإعفاء المشتريات التي تقل عن 1200 درهم، ومن يتجاوز هذا المبلغ مفروض عليه أداء الضريبة، ونحن مع هذا الإجراء الذي يتعلق بالأشخاص الذين يشترون موادا أو منتجات تفوق هذا المبلغ أو تصل لعشرة آلاف درهم ويتهربون من أداء الرسوم الضريبية، لكن لا يمكن قبول أداء رسوم جمركية على منتوج يساوي 10 دراهم أو المواد التي تستعمل لغرض شخصي وليست للبيع”.

قرار يخدم لوبيات

    قال وليد بن البودالي، أن فرض الضريبة على المنتجات القادمة من المواقع الصينية، يصب في مصلحة التاجر المحلي الذي سوف يستغل ذلك لاحتكار البضاعة والمنتوج وفرض الثمن الذي يريد على المستهلك، مما سيحرم أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة الذين يشترون بعض المواد والملابس من منصات التجارة الإلكترونية بثمن أرخص، بالمقابل، البضائع الوطنية ثمنها مرتفع وجودتها ضعيفة مقارنة مع الخارج، مشيرا إلى أن أكثر المنتجات التي عليها إقبال في المواقع الإلكترونية هي الملابس، والمواد الإلكترونية ومواد التجميل، حيث أن نسبة كبيرة من النساء يستفدن من هذا النشاط التجاري الإلكتروني.

وأشار إلى أن القرار سيكون له تأثير كبير على الأبناك التي تشتغل في مجال التجارة الإلكترونية مع الشباب والفتيات، حيث أن توقف هذا النشاط وتراجع الشباب عنه بسبب الرسوم الضريبية، قد يدفعهم إلى إغلاق هذه الحسابات البنكية وسحب أموالهم، مما سيكون له تأثير كبير على بعض الأبناك التي تحقق رقم معاملات مهم من خلال التسويق الإلكتروني.

بدوره، أكد ياسين لتبات، مختص في التسويق وصاحب منصة إلكترونية، أن فرض هذه الرسوم الضريبية على الذين يمارسون التجارة الإلكترونية، يخدم فئة تسعى لاحتكار التجارة الإلكترونية على الصعيد الوطني من خلال إطلاق منصات جديدة خاصة بالتسويق الإلكتروني، داعيا إلى فرض الضرائب والرسوم على من يستفيدون من أرباح مالية كبيرة مثل المؤثرين وصناع المحتوى، الذين يحققون ملايين كثيرة دون أن يسددوا أي رسوم ضريبية للدولة من مداخيل الإشهار وغيره.

شباب وفتيات متضررون

    اعتبر ياسين لتبات، أن التجارة الإلكترونية في المغرب مهمة بالنسبة للشباب، لكن فرض الضرائب والرسوم الجمركية سوف يسبب ضررا لفئات كبيرة من الممارسين، وخاصة الفتيات والشابات اللواتي يقمن بشراء منتجات وملابس من منصات أجنبية، أما الشباب، فهم يمارسون التجارة الإلكترونية في الخارج، مؤكدا أن فئة من الطبقة الفقيرة والمتوسطة هي التي تشتري منتجات من مواقع إلكترونية أجنبية، مما سيؤدي إلى تضرر الكثير من الناس الذين يعتمدون على التجارة الإلكترونية كمصدر للعيش.

وأضاف أن بلاغ إدارة الضرائب كان غريبا، لأنه لم يستند على دراسة واقعية أو بحث ميداني حول هذا المجال، كما أن القرار ليس في مصلحة الدولة لأن التجارة الإلكترونية تخلق رقم معاملات مالية كبير على صعيد الأبناك والعملة الصعبة، إضافة إلى رواج اقتصادي كبير لدى فئة عريضة من الشباب حاملي الشواهد الذين وجدوا في التسويق الإلكتروني مجالا للهروب من شبح البطالة والبحث عن آفاق جيدة لمستقبلهم، مشيرا إلى أن دولا أخرى مثل أمريكا وكندا وفرنسا، تشجع على ممارسة التجارة الإلكترونية وتقدم تسهيلات في الخدمات بدون قيود ولا رسوم، بينما المغرب يفرض الرسوم والضرائب على جميع المقتنيات من الخارج حتى الملابس التي يأتي بها الحجاج من الديار السعودية.

ويقول الحسين، تاجر في مجال التجارة الإلكترونية وصاحب محل لبيع الإلكترونيات، أن هذا القرار تسبب للكثير من النشطاء في خسائر مادية كبيرة، خاصة النساء اللواتي يلجأن للمنصات الصينية لشراء الملابس وإعادة بيعها عبر الأنترنيت والتي يقل ثمنها عن ملابس الموضة في المحلات التجارية الكبرى التي تبيعها بأسعار مضاعفة، مشيرا إلى أن الكثير من الشباب في مجال التجارة الإلكترونية يحققون مدخولا لا يتجاوز 2000 درهم شهريا أو 3000 آلاف درهم فقط، من أجل تدبير أمورهم اليومية، وهي أرباح محدودة جدا ولا تحقق الرفاهية.

فوزي لقجع

رقم معاملات بـ 200 مليون دولار

    كشف فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية، أن هناك أكثر من 4 ملايين إرسالية عبر المنصات الإلكترونية بقيمة ملياري درهم (200 مليون دولار) تبين أن أصحابها يتهربون من دفع الرسوم الجمركية عليها، بينما يدفع المستوردون عن طريق الحاويات رسوما بقيمة 68 في المائة عنها، مشددا على ضرورة ضمان المساواة للجميع أمام مدونة الضرائب.

وقال لقجع، أن هذا الوضع أدى إلى ظهور سوق غير مهيكل ينشط من خلال إعادة بيع السلع المقتناة عبر مواقع التجارة الإلكترونية الدولية، معتمدا على الغش في قيمة المقتنيات المصرح بها (نقص الفوترة) أو تجزئة الإرساليات على عدة مستفيدين، رغم أن المشتري الفعلي هو نفس الشخص.

وأشار الوزير إلى أن هذا الإجراء لا يخص الإرساليات التي ليست لها صبغة تجارية والمتوصل بها من أشخاص متواجدين خارج الوطن والتي لا تفوق قيمتها 1250 درهما، حيث ستستمر في الاستفادة من الإعفاء الجمركي طبقا للمرسوم المذكور.

وأكد المسؤول الحكومي، أنه لحماية التجارة والصناعة الداخليتين اللتين تشغلان الملايين من المواطنين، سيتم ابتداء من فاتح يوليوز 2022 استثناء المشتريات المنجزة عبر منصات التجارة الإلكترونية الدولية من الإعفاء عن الرسوم الجمركية عند الاستيراد بغض النظر عن قيمتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى