المنبر الحر

المنبر الحر | عهد جديد للدبلوماسية المغربية

بقلم: الحموتي محمد 

    لقد كان لوزير الخارجية ناصر بوريطة دور بارز في دخول المغرب عهدا جديدا في السياسة الخارجية، ونال المغرب بفضلها احترام المجتمع الدولي، وتقوم هذه الاستراتيجية الدبلوماسية على نهج التضامن والتعاون الدولي، والمساهمة في حل النزاعات وتحقيق السلم والأمن الدوليين.

صحيح أن المغرب شهد تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية كان لها الأثر الكبير في بروز مفهوم جديد للدبلوماسية، والتقطها بوريطة لخدمة المصالح الكبرى للمغرب بعد السنين العجاف التي عاشتها الدبلوماسية المغربية في الحقبة السابقة، ولا بأس أن نعدد بعض الإنجازات الدبلوماسية المغربية.. فبعد مجيء الملك محمد السادس، بدأ التوجه الدبلوماسي يميل إلى القارة الإفريقية وخاصة غرب إفريقيا، على أساس أنها الامتداد التاريخي للمغرب، وبدأت الحنكة الدبلوماسية للمغرب تدرك أهمية هذه المنطقة، فتم تحريك الدبلوماسية الاقتصادية لتقريب وجهات النظر على أساس مبدأ “رابح رابح”، وأصبح المغرب أكبر مستثمر في إفريقيا يزاحم قوى دولية كبرى كالصين وتركيا، وهذا التوجه الجديد نجم عنه سحب العديد من البلدان الإفريقية الاعتراف بالبوليساريو، وعودة المغرب إلى حضن الاتحاد الإفريقي، وبالتالي، بداية تحقيق انتصارات دبلوماسية على حساب الجارة الشرقية التي اعتمدت لزمن طويل على دبلوماسية النفط وشراء ذمم أقطار فقيرة.

صحيح أن المغرب لا يملك المُقَدرات النفطية التي تملكها الجزائر، إلا أنه يعتمد على كفاءات أبنائه وقدراتهم الذاتية للنهوض بالدبلوماسية، والصحراء المغربية هي المحدد الذي تتحرك بموجبه السلطات السياسية، ولتحقيق الفاعلية، فقد اختارت الرباط خطة الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع، ومعبر “الكركرات” خير مثال، فالمغرب لم ينتظر طويلا لطرد المرتزقة واستكمال وحدة أراضيه أمام استحسان المنتظم الدولي، على أساس أن استفزازات شرذمة من المرتزقة وتهديدها للحركة التجارية الدولية كانت محط استنكار دولي، واستغل المغرب هذا التضامن الدولي لتحقيق استرجاع “الكركرات”، وبعد ذلك، توالت رغبة الدول بفتح قنصلياتها في الصحراء المغربية بالخصوص، بعد أن تمكن المغرب من إقناع أمريكا بتأكيد سيادته على صحرائه عبر قرار للرئيس الأمريكي السابق، ترامب، وهذا ما جعل الدبلوماسية المغربية تكسب قوة وثقة أكبر.

والتصعيد المغربي ضد ألمانيا التي حاولت إصدار قرار من مجلس الأمن يرفض الموقف الأمريكي الجديد، وكرد فعل طبيعي من الرباط، تم سحب السفيرة من برلين، ومحاولة حكومة برلين استبعاد أي دور مغربي في القضية الليبية جعل المغرب يتأكد أكثر من النوايا السيئة لألمانيا تجاه بلادنا، وهنا جاء الدور الجديد للسياسة الخارجية والضغط على الألمان للاعتراف بالدور الإقليمي للمغرب على أساس أن الجهاز الأمني كان له الفضل في إنقاذ ألمانيا من هجمات إرهابية وبرلين تدرك هذا جيدا، كما أن ثقة الفرقاء الليبيين في الوساطة المغربية جعلت برلين تعيد حساباتها وتعترف بجدية مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، كما أن إسبانيا لم تكن بمعزل عن رغبة المغرب في إجبارها على تحديد موقفها بشكل واضح، مذكرا إياها بأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وما سحب السفيرة من مدريد إلا دليل على جدية المغرب، وهذا النزاع أخذ أبعادا جديدة، خصوصا بعد حصار المدينتين المحتلتين مليلية وسبتة، وبالتالي، خنقها اقتصاديا، وفتح الباب للهجرة السرية مما أرعب الإسبان، وبالتالي، حاولت حكومة سانشيز التهديد والوعيد، إلا أن الدبلوماسية المغربية كانت أكثر حنكة وهدوءً، وبالنتيجة جاءت الرسالة التي بعث بها سانشيز إلى الملك مؤكدا فيها أهمية الحكم الذاتي في الصحراء المغربية وجديته، مما جعل الأوليغارشية الجزائرية تفقد البوصلة وتتخبط دبلوماسيا وتتهم إسبانيا وتسحب سفيرها مؤكدة للعالم أنها طرفا أساسيا في القضية وليس العكس كما تدعي، مما أكسب المغرب نقاطا مهمة.

العهد الجديد للدبلوماسية المغربية أضحى مضرب الأمثال للنجاحات التي حققتها بصفر خسائر، والمغرب كسب صحراءه بذكائه السياسي، حتى في تعامله مع القوى الكبرى التي تعتبر من الحلفاء التقليديين للجزائر كالصين وروسيا، حيث كان المغرب يستعين بمبدأ الحياد السياسي والتعاون الاقتصادي المشترك حتى يضمن موقفا إيجابيا من القضية الوطنية الأولى، وقد انعكس ذلك من خلال القرارات الأممية التي كانت في صالح المملكة المغربية، مما جعل النظام الجزائري يعيش عزلة تاريخية في ظل الأوضاع الكارثية التي يعيشها على كافة المستويات. 

ونختم بالتأكيد أن المغرب أسس لدبلوماسية جديدة منحته عدة انتصارات إقليميا ودوليا، بالاعتماد على الواقعية وعلى كافة المؤسسات الدستورية في تعاون منسجم بين الخارجية والبرلمان ودبلوماسية الثقافة ودور جمعيات المجتمع المدني في الداخل والخارج.. والنتيجة ما يتحقق كل يوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى