تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | تفاصيل حوار اجتماعي تكلفته صفر درهم

بين أخنوش والنقابات

وقعت الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية على اتفاق اجتماعي يوم 30 أبريل، قبل حلول فاتح ماي (عيد العمال)، وذلك لامتصاص غضب الطبقة العاملة التي تعاني الهشاشة وظروفا اجتماعية صعبة، بسبب تداعيات جائحة “كورونا” وارتفاع الأسعار.

 

الرباط. الأسبوع

 

    وجهت انتقادات لاذعة وكثيرة إلى الاتفاق الاجتماعي الذي وقعت عليه النقابات مع الحكومة، لكونه لا يرقى للطموحات ويحقق جزء بسيطا من الملف المطلبي، ويهمش فئات اجتماعية أخرى متضررة، مثل المتقاعدين، والأساتذة المتعاقدين، وعمال المناجم والنظافة والنساء العاملات في الضيعات الفلاحية.

وانتقد نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التنازلات التي قدمتها النقابات خلال الاتفاق الأخير، الذي لا يوازي المطالب التي أعلنت عنها سابقا ورفضها العرض الحكومي عقب أول جلسة للحوار الاجتماعي، مستغربين مشاركة مركزيتين نقابيتين بعد رفضهما التوقيع، لأن مشروع الاتفاق ضعيف ولا يرقى لانتظارات الشغيلة، رغم أن العرض لم يتحسن.

وأكد النشطاء أن الاتفاق لا يرقى إلى الحد الأدنى من انتظارات عموم الطبقات الكادحة والمتوسطة، ولم تلامس بنوده الهموم الحقيقة لغالبية العمال والمأجورين، وبالتالي، فهو خيب آمالهم في ما سمي “الحوار الاجتماعي”، معتبرين أن أهم بنود الاتفاق مكررة، حيث سبق التوقيع عليها في اتفاقي 2011 والذي يليه، دون أن تكلف الحكومتان السابقتان نفسيهما عناء تفعيل هذه الاتفاقات.

ويشمل الاتفاق الذي وقعت عليه النقابات، الزيادة في الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص بنسبة 10 في المائة على دفعتين ابتداء من سنة 2023، ورفع الأجر الأدنى بالقطاع العام إلى 3500 درهم صافية، بالإضافة إلى حذف السلم السابع بالنسبة للموظفين المنتمين إلى هيئتي المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، وتوحيد الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي مع الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة في أفق سنة 2028، ورفع التعويضات العائلية من 36 درهما إلى 100 درهم بالنسبة للطفل الرابع والخامس والسادس.

محمد النحيلي

    في هذا السياق، اعتبر محمد النحيلي، نقابي وعضو المكتب التنفيذي للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن اتفاق 30 أبريل هو اتفاق مخيب لآمال وطموحات الشغيلة، والطبقة العاملة بشكل عام، لأنه لم يأت بجديد يحتسب لهذه الحكومة، خاصة بعد ولايتين حكوميتين سابقتين عجاف لم تتحقق فيها أية آفاق ملموسة على أوضاع الشغيلة، وأن هذا الاتفاق جاء في سياق اجتماعي يعرف غلاء مهولا ومتزايدا في أسعار المحروقات والمواد الأساسية، وغلاء فواتير الماء والكهرباء، إلى غير ذلك من المتطلبات المعيشية، التي جعلت الطبقة العاملة غير قادرة على مواجهة أساسيات الحياة الكريمة، خاصة وأن المستوى المعيشي يتطلب أن يكون الحد الأدنى للعيش ما بين 5 آلاف إلى 6 آلاف درهم حتى يستطيع المواطن مواجهة تكاليف العيش.

وأوضح أن هذا الاتفاق المبرم بين النقابات والحكومة، عوض أن يجيب عن الانتظارات ويعالج نسبيا آلام المواطنين، في مواجهة متطلبات العيش، نجد أنه اتفاق كلفته صفر درهم، حيث لا يوجد فيه أي انعكاس مادي على الطبقة العاملة وغارق في التسويفات، لهذا “نحن نتوخى أن تكون زيادة واضحة في الأجور والحفاظ على المكتسبات للطبقة العاملة، واسترجاع ما أجهز عليه في هذا الجانب”، محذرا من الإجهاز على مكتسبات الحق في التقاعد، والتي وقعت خلال الهجمة الأولى التي حصلت مع حكومة بن كيران، والآن يتم التمهيد لهذه المسألة من خلال استهداف آخر لتقاعد الأجراء.

اتفاق دون المستوى

   أكد النحيلي، أن هذا الاتفاق لا يخدم الشغيلة، لأن هناك نقابات مطعون في تمثيليتها، خاصة وأن هناك طعونا مقدمة لدى المحكمة الدستورية في حق بعض منتخبي وممثلي هذه النقابات لم يتم البت فيها، مشيرا إلى وجود خيبة أمل واسعة لدى الشغيلة والموظفين تجاه النقابات الموقعة على هذا الاتفاق، وغيابها عن احتفالات فاتح ماي يعكس السخط العارم لدى الشغيلة التي كانت ستعبر عن موقفها من الاتفاق الذي لا يمثلها.

ودعا نفس المتحدث، جميع الأجراء والموظفين، إلى دعم النقابات الجادة التي توازي طموحاتهم وآفاقهم، وفتح نقاش حول الدور الحقيقي للأداة النقابية، متسائلا: “كيف يعقل أن شخصا مليارديرا يترأس نقابة عمالية أو عضوا فيها؟ ومن يملك شركات وأسهم فيها، كيف يعقل أن يظل داخل نقابة ويتحدث باسم العمال، أو من لديه مسؤوليات سياسية تنفيذية؟”.

عبد الإله دحمان

    بدوره، عبد الإله دحمان عضو نقابة الاتحاد الوطني للشغل، اعتبر أن الاتفاق الاجتماعي دون المستوى ولا يستجيب لانتظارات المواطنين والشغيلة، لأنه لم يقدم أي جديد ولا أي حلول واقعية، سواء على مستوى الأجور أو التعويضات بأنواعها أو على مستوى جوانب أخرى.

وأضاف أن مضامين الاتفاق ضعيفة، سواء من حيث السقف المطلبي مقارنة مع الاتفاقيات التي تم رفضها، أو الاتفاقات السابقة مع حكومتي العدالة والتنمية، خصوصا وأن العروض التي أعطيت تلك الفترة رفضها البعض واليوم يوافق على أدناها، وقال: إن الحكومة كانت مطالبة بأن تكون في مستوى ما يشهده المجتمع من تغيرات كبيرة على المستوى المعيشي لحماية القدرة الشرائية، غير أن ذلك لم يتم، معتبرا أن الاتفاق الهدف منه هو إخراجه كيفما كان وبأي ثمن كان.

اتفاق لا يرقى للانتظارات..

أمين السعيد

    يرى الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أمين السعيد، أن الاتفاق الاجتماعي يعد خطوة للأمام رغم أنه لا يرقى لانتظارات الجميع، بحيث أنه على مستوى علاقة المجتمع بالحكومة، هناك نوع من عودة السياسة وحول ما سيقدمه الفاعل السياسي والنقابي بعد ترقب كبير وتسريبات، وحوارات على مستوى التواصل الاجتماعي حول ما هي الحلول التي تقدمها الحكومة في مجتمع لا يتفاعل معها وفقد الثقة في منظومة الوساطة، وقال: “هناك مجهودات بهذا الشأن، لذلك لا ينبغي أن نبخس هذا الاتفاق رغم أنه لا يرقى إلى انتظارات المجتمع بشكل عام والطبقة الشغيلة، هناك بعض الإيجابيات، ويبقى السؤال الرئيسي والمطلب الجوهري، هو الرفع من منظومة الأجور، لكن الحكومة لم تستطع أن تتجاوب معه، لأنه مرتبط بالعديد من الاختلالات والتوازنات المالية والتداعيات الخارجية والمتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك المرتبطة ببعض الاختلالات البنيوية التي تعاني منها بعض المنظومات، كصناديق التقاعد التي تعاني من اختلال بنيوي عميق وتاريخي يجر بحمولته وعمقه العديد من المشاكل، وبالتالي، فنحن أمام مفارقة فيها ثلاثة أطراف، كل طرف بإكراهاته وقيوده: طرف الحكومة كمدبر سياسي، واتحاد مقاولات المغرب يريد أن تراعى مصالحه، ثم طرف المركزيات النقابية التي تريد الدفاع عن المطالب”.

وأوضح أنه عند قراءة مخرجات الحوار الاجتماعي والجولات الماراطونية التي كانت من قبل، فإن الاتفاق يعد خطوة نحو الأمام، لأن العديد من المتتبعين كانوا يظنون أن مسلسل الحوار الاجتماعي سيفشل، على اعتبار العديد من التشنجات والخلافات والتطاحنات، إلا أن المركزيات النقابية ظلت متمسكة بمطالبها الأساسية، وأهمها الرفع من الأجور.

التمثيلية والإقصاء

    فضلت الحكومة توقيع الاتفاق الاجتماعي مع مركزيات نقابية لها تمثيلية في البرلمان، بينما تم استبعاد النقابات الشعبية الأخرى، والتي تتوفر بدورها على قاعدة جماهيرية مهمة، مما جعل هذه الهيئات النقابية تهاجم مخرجات الحوار الاجتماعي وتعتبره لا يلبي طموحات الطبقة العمالية، وترفض معيار التمثيلية الذي اعتمدته الحكومة في التعامل مع الهيئات النقابية.

في هذا الإطار، انتقد محمد النحيلي لجوء الحكومة إلى مسألة التمثيلية في الحوار الاجتماعي، والتي يلفها غموض كبير وتحرم مكونات نقابية من التعبير عن موقفها ورأيها بسبب سياسة الإقصاء لهذه الهيئات، وخاصة المنظمة الديمقراطية للشغل بسبب مواقفها الممانعة التي تنتصر لحقوق الطبقة العاملة، مؤكدا أن هذا الإقصاء ليس له أي مبرر قانوني، بل هو “سطو على حق المكونات النقابية في التعبير عن رأيها وخاصة النقابات الجادة منها، في إطار احترام التعددية، لا سيما بعدما أصبحت الحكومات لديها أغلبية في البرلمان ثم نقابات موالية، ليصبح الحديث عن الاستقلالية بعيدا عن أرض الواقع، وأصبحت فقط هناك تبعية حزبية عمياء لهذه الحكومة، التي أعضاؤها هم أرباب العمل، وبالتالي، النقابات تابعة لهم”.

وأوضح ذات المتحدث، أن الطبقة العاملة تعيش ظروفا اجتماعية صعبة، وغارقة في الديون والقروض الاستهلاكية، سواء من أجل السكن أو مواجهة مصاريف بعض المناسبات المعينة، سواء السفر أو العطلة أو الأعياد أوال دخول المدرسي أو من أجل التطبيب وغيرها، معتبرا أن رقاب هذه الطبقة العاملة مرتبطة بمؤسسات القروض الصغرى والأبناك، ومن الصعب إيجاد ارتياح عام في مواجهة غلاء المعيشة.

غموض قانون النقابات

    تطالب النقابات بفتح حوار اجتماعي معها حول قانوني الإضراب والنقابات، وذلك لمناقشة هذا المشروع الذي تم إعداده في عهد الحكومة السابقة بشكل أحادي دون مقاربة تشاركية معها، لكن حسب النحيلي، فإن هناك اتفاقا بين الحكومة والنقابات من أجل تمرير قانون الإضراب الذي يحتاج إلى نقاش عميق بمشاركة الجميع، للحفاظ على حقوق الشغيلة والمكتسبات، مضيفا أن قانون النقابات لا يوضح المبادئ المؤطرة ولا يعالج الأزمة الموجودة في المشهد النقابي، والمتمثلة في تسلط بعض المتقاعدين على تسيير شؤون النقابات العمالية، بالإضافة إلى غياب الحكامة المالية لدى النقابات.

من جهته، قال الدكتور أمين السعيد، أن الحوار الاجتماعي حدد أجلا للمنظومة القانونية، بحيث حدد أجلا للنظر في قانون الإضراب لغاية شهر يناير 2023، والقانون المتعلق بالنقابات في يوليوز 2023، ثم القوانين المتعلقة بكيفية الانتخابات المهنية، مبرزا رفضه لهذا الطرح، لأنه ينبغي ألا يتم تحديد أجل لهذه المنظومة القانونية، سواء المتعلقة بالقانون التنظيمي للإضراب أو بمدونة الشغل أو تلك المتعلقة بقانون النقابات، موضحا أن هناك قوانين قد تحتاج إلى أسبوع وبعضها تحتاج إلى خمس سنوات، والسلطة التقديرية للمشرع لا يمكن تقيدها بزمن، لأن هناك مواد قانونية تحتاج إلى نقاش وجدل وحوار مجتمعي، وهناك إطارات قانونية لا تحتاج إلى مدة زمنية.

بن كيران يظهر معزولا في احتفالات فاتح ماي

بن كيران يهاجم النقابات

    اعتبر عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن الاتفاق الذي وقعت عليه النقابات، سبق أن اقترحته حكومته في سنة 2016 وتم رفضه من قبل المركزيات النقابية، متهما النقابات العمالية بأنها أصبحت متعاونة مع الأحزاب، وبأنها تحولت إلى “نقابة عمالية للباطرونا”.

وأبدى رفضه للمنطق الذي اعتمدته الحكومة في الحوار الاجتماعي، بعد إقصائها لنقابات فاعلة في الميدان على غرار الاتحاد الوطني للشغل، الذي يعتبر من النقابات الأكثر تمثيلية في القطاع الخاص، مستنكرا استبعادها وعدم الاجتماع مع ممثليه خلال المشاورات التي جرت مع المركزيات الأخرى.

ووصف بن كيران نقابة الاتحاد المغربي للشغل بـ”الخائفة والهشة”، بسبب اعتذارها عن الاحتفال بعيد الشغل لتزامنه مع مناسبة عيد الفطر، داعيا أتباع هذه النقابات إلى “الاستيقاظ” والانسحاب منها لكونها أصبحت تتعاون مع “الباطرونا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى