الرأي

الرأي | فرنسا نحو المجهول

بقلم: د. خالد الشرقاوي السموني

مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية

    أظهرت نتائج الانتخابات المحلية الفرنسية المجراة شهر يونيو 2021، خسارة حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، وأيضا خسارة حزب أقصى اليمين الذي تقوده مارين لوبان، في اقتراع يشكل اختبارا تمهيديا قبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية، أي أن المرشحين الرئيسيين لرئاسة الدولة في ربيع 2022، وهما إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، ستكون لهما حظوظ ضعيفة للوصول إلى قصر الإليزيه .

فقد أفرز الاقتراع الذي جرى في دورتين، يومي 20 و27 يونيو المنصرم، يمينا متطرفا ضعيفا، وأغلبية غير موجودة، ويمينا مطمئنا إلى حد ما، ويسارا لا يزال يبحث عن نفسه، حيث سجل اليمين المتطرف الفرنسي “التجمع الوطني الفرنسي” بقيادة مارين لوبان، تراجعا في هذه الانتخابات، وخاصة بمنطقة “بروفانس ألب كوت دازور” التي تعد ساحة تنافس رئيسية في الجنوب ونقطة انطلاق مهمة للانتخابات الرئاسية القادمة، كذلك لم يحقق حزب الرئيس إيمانويل ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” نتائج جيدة، ويمكن تفسير ذلك كعقاب له على سياساته التي لم تجد حلولا سريعة وواقعية وفعالة لعدد من المشاكل، خاصة الاجتماعية، كالإصلاح المثير للجدل لنظام المعاشات التقاعدية.

ومما يثير أكثر من تساؤل، أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات كانت أقل من 30 في المائة، ويؤكد ضعف المشاركة هاته، سواء في الدورة الأولى أو الثانية من الاقتراع، تراجع اهتمام الفرنسيين بالسياسة، وعدم ثقتهم في الأحزاب السياسية .

فظاهرة الامتناع عن التصويت بفرنسا قد تسير في اتجاه أن تصير ظاهرة مكرسة سياسيا، لأنه تبين من خلال هذه الانتخابات حجم عدم اللامبالاة لدى عامة الناس بها، وقد شهدت الانتخابات المحلية مستوى قياسيا من الامتناع عن التصويت بنسبة بلغت 66.72 في المائة، حسب الأرقام الرسمية، في بلد يعد عن حق، واحدا من قلاع الديمقراطية الغربية .

يبدو أن فرنسا تمر بأزمة.. والطبقة السياسية لا تكترث بما يحدث للمجتمع الفرنسي الذي أصبح يسير في طريق وعر نحو المجهول، وهذا قد يؤدي ببلاد الأنوار إلى انفجار سياسي سيؤدي بدوره إلى وصول قيادة إلى الإليزيه العام القادم، بدون مشروع سياسي واقتصادي جاد، وسيتحالف الرئيس الجديد مع قوى شديدة البعد عن بعضها في الأفكار والسياسات الاقتصادية.

وكما قال أدوي بلينل، صاحب “ميديا بارت” (Mediapart): “إنه انحدار نحو الضياع.. نحو هاوية الخوف والكراهية والأكاذيب والعنف، نحو تراجع الحريات ونحو رفض المساواة..”

فرنسا تراجعت سياسيا واقتصاديا، وحتى ثقافيا، علما بأن مكانة فرنسا في أوروبا تمنحها أهمية خاصة في التاريخ والحضارة، لأنه من عمق الفكر والتجربة الفرنسية خرجت أهم الأفكار التي شكلت مبادئ الليبرالية الغربية قبل الولايات المتحدة، ومنها خرجت العديد من المبادئ الدستورية والقضائية، كما شكلت فرنسا خلال القرن الماضي، منبعا للفكر والأدب والثقافة الغربية بمختلف روافدها.

وإذا ما تراجعت فرنسا، سيكون لذلك تأثير خطير، ليس فقط على المشروع الأوروبي، ولكن على فكرة الليبرالية نفسها، وعلى مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، وبالتالي، ستكون نهاية الجمهورية الفرنسية الحالية وبدء مرحلة جديدة، تصعد خلالها التيارات الشعبوية والقومية المتطرفة، المضادة لتوسيع الحريات وإقرار المساواة.

ولذلك، على الفرنسيين ألا يبقوا متفرجين على الانهيار الوطني والهلاك الأخلاقي الذي ينخر بلدهم، وعلى النخبة المثقفة أن تقوم بدورها في حماية مبادئ الجمهورية التي ناضل من أجلها الفرنسيون قرونا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى