تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | أبرز أزمات المغرب وإسبانيا بسبب زعماء البوليساريو خلال حكم الملك محمد السادس

من الثقة في إنهاء نزاع الصحراء خلال شهور إلى استقبال زعيم جبهة البوليساريو

خلال أول أزمة تضرب العلاقات المغربية الإسبانية، بعد عودة الملكية إلى إسبانيا، وبعد المسيرة الخضراء، شخص الملك الراحل الحسن الثاني حال العلاقات بين البلدين، أثناء ندوة صحفية عقدها بإفران يوم 21 شتنبر 1980، قائلا: ((إن العلاقات الإسبانية لا تستقر منذ القديم على حال، حتى في فترات تألقها، فإذا كانت تمة خارطة تحكي في مبناها ومعناها أحوال الجو، لكانت هي خارطة العلاقات المغربية الإسبانية، وذلك من يوم توجه طارق بن زياد لفتح الجبل الذي أصبح يحمل اسمه، وتلك الحال بين مد وجزر إلى يومنا هذا، فلم يا ترى؟ إنه التطابق في الطباع والود المتين، ثم ربما هناك نوع من مثلث مشؤوم يحيط بنا ويدفعنا إلى أن نتنازع لأتفه الأسباب، وكنت أعتقد أن إسبانيا والمغرب بعد توقيعهما على “اتفاق مدريد”، سيدخلان مرحلة تعاون أخوي موضوعي، مرحلة مشاركة بناءة، إلا أن هذا الاتفاق الأمثل لم يكن مسترسلا كما كنت أتمناه، وكما كان يتمنى الملك خوان كارلوس نفسه، وكأنما هناك جهات لا هم لها إلا عوق الاتفاق بيننا)).

أعد الملف: سعد الحمري

    نفس الوصف أعطاه سفير المغرب السابق بإسبانيا خلال حكومة ثاباتيرو، عمر عزيمان، بعد أكثر من ثلاثين سنة، حيث صرح خلال ندوة بعنوان “مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية والرهانات المتوسطية” التي نظمها مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل بالرباط في فاتح نونبر 2011، أن ((علاقات المغرب وإسبانيا فريدة ومعقدة وتتحكم فيها معادلات غير سهلة، وعندما نتحدث عن هذه العلاقات، فإننا نجدها ذات طبيعة متناقضة، فهي علاقات تختلط فيها الصداقة والتقارب مع الصراع والتباعد، ويمتزج فيها التعاون بالحذر والتوجس.. التناقض الذي يحكم العلاقات بين مملكتي مضيق جبل طارق، يؤدي في نهاية المطاف إلى عجز في الرؤية وعدم القدرة على قراءة واضحة للمستقبل، وهو ما يؤدي إلى غلبة التدبير اليومي للأمور بشكل ترقيعي يغيب الرؤية الاستراتيجية ويفرض تحكما للأمور الظرفية في العلاقات الثنائية بشكل يجعل التعاون رديفا للصراع، ويعيد البلدين بشكل سيزيفي إلى نقطة البداية دون قدرة منها على القيام بالقفزة النوعية التي تمكنها من المرور إلى السرعة النهائية والعمل على الاشتغال وفق منطق جديد)).

إن الوصف الذي أعطاه رجلان خبرا العلاقات بين البلدين كثيرا، بل وكانت همهما الأكبر، يثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن العلاقات بين البلدين معقدة عبر تاريخها، إلا أنه منذ سنة 1975، دخلت معادلة جديدة في العلاقات بين المملكتين، تتعلق بقضية الصحراء المغربية، ولعل الأزمة الحالية هي بفعل قضية الصحراء أولا وأخيرا، فقد خلف دخول زعيم جبهة البوليساريو إلى الأراضي الإسبانية، بطريقة سرية قصد العلاج، أزمة بين البلدين.

ونستعرض من خلال هذا الملف، أهم الأزمات بين البلدين بفعل قادة البوليساريو خلال عهد الملك محمد السادس، وخصوصا مرحلة رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو (2004-2011)، الذي عرفت مرحلة حكمه أقوى العلاقات بين المغرب وإسبانيا، وهو الذي كانت تسميه الصحافة المغربية بـ”صديق المغرب”.

وقفة احتجاجية سابقة بكاتلونيا نظمها مغاربة ردا على مناورات البوليساريو في الكركرات

حكومة خوسيه ثاباتيرو.. من الثقة في إنهاء نزاع الصحراء خلال شهور إلى استقبال زعيم جبهة البوليساريو

    أصبحت قضية الصحراء المغربية منذ بداية عهد الملك محمد السادس هي المقياس الأول والأخير في تحديد مسار العلاقات في مختلف الميادين بين المغرب وإسبانيا، وليس أدل على ذلك من أن المستشار الملكي، الطيب الفاسي الفهري، أصبح لا يتردد أمام الصحافيين الإسبان في وصف الملف بأنه ترمومتر العلاقات بين البلدين.

وفي الجانب الآخر، أي في الجارة الشمالية، كانت البلاد على موعد مع تغيير جذري، حيث جرت انتخابات تشريعية سنة 2004، كان من أبرز نتائجها الإطاحة بخوسي ماريا أثنار، رئيس وزراء إسبانيا الأشهر على مر العصور، هذا الأخير كان يوصف من طرف الصحافة المغربية بكونه “الرجل الذي يكره المغرب”.. فقد حدثت في عهد ولايته إحدى أكبر المشاكل بين المغرب وإسبانيا، وهي أزمة جزيرة ليلى سنة 2002، والتي كادت أن تؤدي إلى نشوب نزاع مسلح بين البلدين.

وحول ذكرى الملك محمد السادس حول خوسي ماريا أثنار ومرحلة حكمه، سألته صحيفة “إل باييس” الإسبانية الواسعة الانتشار سنة 2005، خلال واحدة من الحوارات النادرة حول ما إذا كان يحتفظ بذكرى طيبة حول خوسي ماريا أثنار، فأجاب الملك: ((لا يمكنني قول ذلك، سيكون الأمر تبسيطيا جدا.. فكل منا يعمل لصالح بلده، فصحيح أنه كان من الممكن أن تكون العلاقات أفضل، وصحيح أنني لا أحتفظ بذكرى طيبة، لقد أتيحت لي فرصة اللقاء به قبل النزاع الذي باعد بيننا وبين إسبانيا، وأقر أن علاقاتنا كانت عادية كفاية، وما حدث بعد ذلك ألقى بظلاله على هذه العلاقات. لقد أصبت بخيبة أمل لانعدام الثقة إزاء المغرب)).

وعندما صعدت حكومة جديدة لتأخذ بزمام الأمور في قصر “المونكلوا”، وهي التي ترأسها خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو زعيم حزب العمال الاشتراكي الإسباني، ساد تفاؤل كبير في الأوساط المغربية بأن العلاقات بين البلدين ستأخذ مجرى آخر، وهو إيجابي بطبيعة الحال، فعندما سألت نفس الصحيفة الملك محمد السادس عن الفرق بين حكومة خوسي ماريا أثنار والحكومة الجديدة في إسبانيا، أجاب عاهل البلاد: ((ألخص ذلك في كلمة واحدة: الثقة، فالوزير الأول ثباتيرو وحكومته يثقان في جدية المغرب كمخاطب وشريك وجار، وفي الوقت الراهن، تجدد الاحترام المتبادل بيننا)).

ورغم التفاؤل الكبير الذي ساد الجانب المغربي ونظيره الإسباني، إلا أن مهمة الحكومة الجديدة الإسبانية لم تكن سهلة بتاتا، حيث أن حزب ثباتيرو لم يتمكن من الفوز في الانتخابات التشريعية بمقاعد برلمانية من شأنها أن تسمح له بالحكم منفردا، فقد كان مجبرا على التحالف مع حزب اليسار الموحد، وبعض الأحزاب القومية المتشددة إزاء قضية الصحراء المغربية، حيث أنها كانت في مجملها تدافع عن جبهة البوليساريو.

كان ما يمكن أن تشكله أحزاب اليسار في إسبانيا من مشاكل داخل الحكومة إزاء قضية الصحراء المغربية، محط قلق بالنسبة للأوساط السياسية بالمغرب، بل وأيضا على مستوى أعلى الدوائر، فقد سألت نفس الصحيفة الملك محمد السادس، السؤال التالي: “مع مجيء حكومة جديدة في شهر أبريل، عدلت الدبلوماسية الإسبانية مقاربتها إزاء نزاع الصحراء.. ما رأيكم في هذه المقاربة الجديدة؟”، فأجاب الملك: ((أود أن أقول، بادئ ذي بدء، أنني أعرف بأن هناك نوعا من الضغينة داخل بعض الأوساط السياسية الإسبانية بشأن قضية الصحراء، رغم أن هذا الجزء الترابي – ويجب أن أؤكد ذلك – قد استرجع في عام 1975 بصفة شرعية وسلمية)).

ورغم ذلك، فقد عمل ثباتيرو على إعطاء ملف الصحراء نفسا جديدا، بل وأعد مقترحا جديدا لحل القضية التي عمرت عقودا، وعلى هذا الأساس، وخلال أول رحلة له إلى المغرب في أبريل عام 2004، حيث كان المغرب أول محطة خارجية لرئيس وزراء إسبانيا الجديد، خرج ثباتيرو من قصر “المونكلوا” في طريقه إلى المغرب وهو على ثقة تامة بأنه على مقدرة من إنهاء هذا الملف في غضون شهور فقط، حيث أخبر الوفد المرافق له أنه سيحل قضية الصحراء في غضون شهور، وكانت الخطة التي أعدها للدفع بالملف إلى الأمام هي دفع الأطراف إلى الحوار، حيث كان عازما على جمع المغرب والجزائر وفرنسا على طاولة واحدة، وعادة ما توصف هذه الخطة بأنها من وحي وزير خارجيته ميغيل أنخيل موراتينوس.

إلا أنه رغم الحماس الكبير الذي كان يعم الجانب الإسباني، فإنه على صعيد الجانب المغربي، لم يكن التفاؤل هو سيد الموقف، فبمجرد ما سمع وزير الخارجية المغربي محمد بنعيسى بتعهد ثباتيرو بحل الأزمة التي عمرت ما يقارب 30 سنة، في ظرف ستة أشهر، همس وزير الخارجية المغربي في أذن وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، بأن الخطة تعتبر “مجازفة”.

كان المسئول المغربي على حق في وصف المبادرة بالمجازفة، فبعد شروع وزير الخارجية الإسباني في مسعاه، وخصوصا عندما حاول نهج سياسة متوازنة مع الجزائر التي كانت تربطها علاقات اقتصادية وسياسية مهمة مع إسبانيا، وعندما اقترح عقد لقاء رباعي بين المغرب والجزائر وإسبانيا وفرنسا، انكسرت خطته على صخرة الرفض الجزائري للمقترح، إضافة إلى نظرتها بعين الريبة إلى التقارب السياسي الذي أصبح يطبع موقف إسبانيا من قضية الصحراء.

شرح وزير الخارجية الإسباني رؤية مدريد ثباتيرو لقضية الصحراء خلال لقاء صحفي مع جريدة “الشرق الأوسط”، يوم 15 أكتوبر 2004، بقوله: ((الحكومة الإسبانية الحالية تريد الخروج مما يمكن تسميته بـ”الحياد السلبي” من خلال التزام إيجابي بالبحث عن السلام، وعن حل لهذا النزاع الذي طال أمده، فبعد حوالي 30 سنة، ما زالت الوضعية في المنطقة بدون حل نهائي، وفي هذا السياق، أصبحت لدينا مسؤولية التقريب بين وجهات نظر أطراف النزاع، من أجل إيجاد حل لصالح الصحراويين ولصالح المغرب، وللمنطقة المغاربية، ولصالح إسبانيا والاتحاد الأوروبي، والمجموعة الدولية أيضا، وأعتقد أننا مؤهلين لبذل كل الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل للنزاع… وفي سياق هذه المجهودات، أعتقد أنه يجب العمل بإرادة قوية من أجل تكثيف الحوار ومعرفة مواقف هذا الطرف وذاك، وكل ذلك في إطار الأمم المتحدة، لأنه يجب ألا ننكر أن الدور الرئيسي يعود في النهاية لهيئة الأمم المتحدة، ونحن كبلد مهتم بالموضوع ولديه ماض في المنطقة من خلال الروابط الوثيقة التي كانت لديه مع الصحراء الغربية وتلك القائمة مع المغرب ومع سائر دول المغرب العربي، كل ذلك يفرض علينا التحلي بإرادة وتوفير الدعم والتشجيع من أجل إيجاد حل للنزاع.. نريد أن يكون لمدريد وباريس موقف مشترك يتم التعبير عنه سواء في الرباط أو الجزائر أو نيويورك، بنفس الإيقاع ونفس القناعة والغاية)).

ورغم الحماس المنقطع النظير الذي أظهرته حكومة ثباتيرو بخصوص قضية الصحراء، إلا أن الملف ظل يراوح مكانه، وظهر مدى فعالية اليسار الموحد وبعض الأحزاب المشاركة في الحكومة، وهم الذين شكلوا مشكلة حقيقية لحكومة ثباتيرو، حيث بدأ يظهر أن قضية الصحراء مسألة رأي عام في إسبانيا، وأن المدافع عنها الأول هو مكونات اليسار التي ظلت ترسل دعما ماديا إلى تندوف.

ومن أجل ترضية هذا المكون من الحكومة، رضخت حكومة ثباتيرو لضغوطه، وقامت بلفتة قوية تجاه جبهة البوليساريو، وضربة قوية للمغرب، تمثلت في إقدام رئيس الوزراء الإسباني على استقبال زعيم الجبهة محمد عبد العزيز يوم 26 نونبر 2004.. ليكون أول رئيس حكومة إسبانية يقوم بهذه الخطوة، بعدما كان حماسه منقطع النظير في البداية بالدفع في اتجاه حل هذا الملف.

ورغم أن المسؤول الأول الإسباني حاول التقليل من أهمية الحادث، عن طريق استقبال زعيم الجبهة في مقر الحزب، وليس في المقر الرسمي للحكومة الإسبانية، على اعتبار أنه الكاتب العام للحزب وليس رئيس وزراء إسبانيا، وكذلك على اعتبار أن محمد عبد العزيز زعيم لحركة سياسية فقط وليس رئيسا لحكومة دولة قائمة الذات.. إن تحجيم هذا اللقاء حكم عليه بالفشل من أصله، على اعتبار أن مسعى حركة البوليساريو كان يركز أساسا ويطمح إلى لقاء رسمي، غير أن تباثيرو ناور في هذه المسألة خوفا من أزمة دبلوماسية جديدة مع المغرب.

وهكذا.. فقد ظهر أن الحكومة الإسبانية التي كانت متحمسة في البداية لطرح مبادرة جديدة في قضية الصحراء المغربية، أصبحت مرغمة تحت ضغط اليسار الإسباني المشارك في الحكومة، على اللعب على الحبلين والمناورة.. ففي صيف 2004، عندما زار وزير الخارجية الإسباني موراتينوس مدينة أصيلة، لحضور فعاليات المهرجان الثقافي، الذي يشرف عليه محمد بنعيسى وزير الخارجية المغربي، وبالموازاة مع ذلك ومن أجل خلق نوع من التوازن، أرسل في نفس اليوم كاتب الدولة في الخارجية، بيرناردينو ليون، إلى مخيمات تندوف.

روغم سياسة ترضية جميع الأطراف التي أصبحت تلعبها إسبانيا في هذا الملف، إلا أن جبهة البوليساريو والجزائر كانتا أول من أبدوا غضبهم علانية من إسبانيا عندما قال المسمى أحمد البوخاري، ممثل الجبهة الانفصالية بالأمم المتحدة آنذاك: ((لقد وصلنا إلى خلاصة مفادها أن إسبانيا لا يمكنها أن تلعب الدور الذي أردنا أن تلعبه، والقناعة التي تكونت لدينا هي أن إسبانيا قررت لعب الورقة المغربية، لقد فهمنا أنه علينا محاولة لعب الورقة الفرنسية والأمريكية، لأننا بلغنا نهاية الطريق: إسبانيا لن تفعل شيئا)).

أميناتو حيدر

أميناتو حيدر.. من نكرة إلى أزمة بين البلدين

    في شهر نونبر من سنة 2009، كان مطار الحسن الأول بمدينة العيون يستقبل الوافدين من مختلف دول العالم بشكل عادي، غير أنه حدثت في ذلك اليوم واقعة كان لها ما بعدها، وخصوصا على مستوى العلاقات المغربية الإسبانية. فقد توقفت أمام مصالح الجمارك والشرطة بالمطار، امرأة في عقدها الرابع، وبدأت في الإجراءات الروتينية في تسجيل معطياتها الشخصية، وكانت هذه المرأة هي أميناتو حيدر، التي لم يكن يعرفها أو سمع بها من قبل أي أحد، وخلال عملية تسجيل معطياتها، رفضت تدوين جنسيتها “المغربية” في استمارة الدخول، وعلى خلاف ذلك، كتبت أنها متوجهة إلى العيون عاصمة ما أسمتها بـ”الصحراء الغربية”.

والمثير في الأمر، أنه كان برفقتها إعلاميان إسبانيان قدما معها من جزر الكناري، لتغطية مسرحية من تأليف وإخراج المخابرات الجزائرية، لكن السلطات المغربية تعاملت بذكاء مع هذه المسرحية وأجهضتها بطريقة فنية، بعدما سجلت أقوال أميناتو بطريقة قانونية، وأثبتت عدم اعترافها بجنسيتها المغربية وسحبت منها كل الوثائق الوطنية وأعادتها من حيث أتت، مع العلم أنها كانت قد عادت للتو من رحلة قادتها إلى الولايات المتحدة بتنسيق مع السفارة الجزائرية في واشنطن، وتمكينها من الحصول على دعم جمعيات أمريكية ذات صلة باللوبي الجزائري المناهض للوحدة الترابية المغربية.

عادت أميناتو حيدر إلى جزيرة لانثروتي الإسبانية، دون جواز سفرها المغربي، ودخلت في إضراب عن الطعام، وهكذا بدأت ماكينة الإعلام في الدوران، وأصبحت أميناتو حيدر التي لم يسمع بها أحد يوما، بفضل التغطية الإعلامية الإسبانية أولا والمخابرات الجزائرية في رمشة عين، شخصية مشهورة، إضافة إلى دعمها من طرف جيش من الجمعيات والبلديات الإسبانية التي تحركها المشاعر أكثر من الوعي السياسي والتاريخي بالملف.

كان أول من تضرر من هذه القضية التي بدأت ترقى إلى مستوى أزمة، هي إسبانيا، فعلى الفور، حاول وزير الخارجية الإسباني احتواء الأمر في مهده، ووصل به الأمر إلى عرض الجنسية الإسبانية على أميناتو حيدر لتمكينها من جواز السفر الذي يتيح لها العودة إلى العيون، ورغم أن وزير الخارجية الإسباني موراتينوس، كان يعلم جيدا أن هذا المقترح مزعج للمغرب، لأنه سيفهم كدخول للعيون بحماية إسبانية، في حال سمحت السلطات المغربية لها بالدخول، لأن في الأمر إشارة سياسية مزعجة جدا، غير أن أميناتو حيدر كانت لها حساباتها السياسية التي جعلتها ترفض مقترح موراتينوس الذي طار صوابه وعلق قائلا: ((ماذا تريد هذه المرأة، فجواز السفر مجرد وثيقة سفر)).

وفي الوقت الذي كانت فيه الخارجية الإسبانية غارقة في البحث عن حل للأزمة، تحرك المغرب أيضا، ليس عن طريق وزارة الخارجية، بل عن طريق الأحزاب السياسية، فكانت أول مبادرة عن طريق حزب الأصالة والمعاصرة الذي أرسل أمينه العام، الشيخ بيد الله، إلى مدريد للقاء المسؤولة عن العلاقات الخارجية للحزب الاشتراكي الإسباني، إيلينا فالنسيانو، في مقر الحزب المركزي.

وقد كان تصرف المغرب ذكيا في هذه الخطوة، فقد سعى من خلالها إلى إسماع إسبانيا صوت الصحراويين الوحدويين في القضية، وبعد اللقاء، خرجت المسؤولة عن العلاقات الخارجية للحزب الاشتراكي الإسباني لتقول بالحرف: ((إسبانيا لا تستحق ما يفعله المغرب معها بموقفه هذا، فالمغاربة بذلك يضعون موضع خطر كل ما تحقق في العلاقات منذ عام 2004)).

غير أن هذه الأزمة لم تعمر طويلا، بعد تدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في القضية، وقدم نصائح للمغرب من أجل إيجاد حل سريع لقضية حيدر بعدما فشلت إسبانيا في حلحلة هذه الأزمة العابرة، خصوصا وأن المملكة الإيبيرية لم تكن ترغب في الإقدام على إجراء من شأنه أن يغضب المغرب، خاصة وأن الأزمة التي خلفتها زيارة العاهل الإسباني إلى سبتة المحتلة، لم تكن قد مرت عليها سوى سنتان.

وفي يوم 17 دجنبر 2009، أفاد بلاغ لوزارة الداخلية المغربية، أن أميناتو حيدر ولجت إلى التراب الوطني بعد أن استكملت الإجراءات المعتادة لدى مصالح الشرطة والجمارك بمطار الحسن الأول بالعيون، وأوضحت الوزارة في بلاغ نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء، أن ((عودة أميناتو حيدر إلى المغرب جاءت بعد النداءات المتجددة على الخصوص، لعدد من البلدان الصديقة، قصد إيجاد، لاعتبارات إنسانية، مخرج للحالة التي وضعت نفسها فيها بإرادتها، بعد أن رفضت في 13 نونبر استكمال الإجراءات القانونية الجاري بها العمل للولوج إلى التراب المغربي)).

وأشار المصدر ذاته، إلى أن ((المغرب الذي يظل متشبثا باحترام حقوق الإنسان، يجدد التأكيد على أنه لن يتسامح، لأي سبب من الأسباب، مع أي خرق في تطبيق القوانين الجاري بها العمل على مجموع التراب الوطني، ومن باب أولي عندما يكون مرتكبو هذا الخرق يتآمرون مع أعداء المملكة ضد المصالح الوطنية)).

وكانت أميناتو حيدر قد وصلت على متن طائرة طبية خاصة قادمة من جزر الكناري إلى مطار العيون، حيث تم استقبالها من طرف بعض أفراد أسرتها، وقامت بشكل عادي بإجراءات الدخول إلى المطار، وعبأت استمارة دخول تشير إلى أنها “تدخل إلى المغرب” ثم غادرت المطار في سيارة قادها خالها الشيخ محمد بوصولة.

وكشفت وكالة “فرانس بريس”، أن باريس تدخلت في النهاية لحلحلة الوضع على ما يبدو، ومن جانبها، أكدت وزارة الخارجية المغربية، أن ((المغرب لبى طلب بلدان صديقة وشريكة بشأن عودة أميناتو حيدر إلى العيون))، بيد أنه يبقى حازما لجهة ((الاحترام التام للقانون المغربي من قبل الجميع، بلا استثناء وعلى كامل التراب الوطني)).

وهكذا.. فقد شهدت حكومة ثباتيرو التي كانت عازمة على إيجاد حلول لقضية الصحراء، محطتين من الصراع مع المغرب بسبب قادة جبهة البوليساريو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى