تحقيقات أسبوعية

متابعات | الصراع بين إدارة السجون والحكومة والبرلمان

تبادل الاتهامات بين التامك والمسؤولين

برز خلاف جديد بين محمد صالح التامك، المندوب السامي لإدارة السجون، وفريق العدالة والتنمية بمجلس النواب وبعض النواب البرلمانيين، ليعيد الصراع إلى الواجهة، بسبب خلافات حول بعض القضايا المتعلقة ببعض السجناء داخل المؤسسات السجنية، حيث يجد التامك نفسه مضطرا لإصدار سلسلة من البلاغات للدفاع عن إدارته وتكذيب العديد من القضايا المرتبطة بحقوق السجناء، خاصة وأن بعض المنظمات والجمعيات تستغل أوضاع بعض السجناء للهجوم على إدارة السجون وتحملها مسؤولية ما يحصل في المؤسسات السجنية والمضايقات التي يعاني منها بعض السجناء، حسب تقارير هذه الجمعيات الحقوقية.
قضية صراع التامك مع كل من فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، ولجن برلمانية أخرى، ليست وليدة اليوم، فقد سبق أن وقعت خلافات واتهامات بين المندوبية والبرلمانيين، بخصوص قضية معتقلي الريف، والعملية الاستطلاعية للجنة البرلمانية، وبسبب نقاش حول ميزانية السجون، ومشكل الاكتظاظ وحقوق بعض السجناء.

إعداد: خالد الغازي

عودة الصراع

    عاد الصراع مجددا بين مندوبية إدارة السجون والبرلمان بسبب قضية الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي، حيث وجهت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج اتهاما لفريق حزب العدالة والتنمية قائلة: “عمد نفس الفريق النيابي إلى توجيه سؤال برلماني إلى السيد رئيس الحكومة، وإلى تسريبه في الوقت نفسه، وذلك من أجل الركوب على ما يعتبره أعضاؤه ملفا حقوقيا، واستثماره من أجل تحقيق أهداف ضيقة”، نافية أن يكون الإضراب الذي يخوضه الصحافيان له ارتباط بظروف اعتقالهما، مشيرة إلى أن المندوبية حاولت مرارا إقناعهما بضرورة العدول عن هذا الإضراب، وأن الصحفيين المذكورين يتمتعان بالرعاية الطبية اللازمة وبكل الحقوق التي يكفلها لهما القانون.

واستنكرت المندوبية ما اعتبرته “الاستغلال الإعلامي للأسئلة البرلمانية من طرف المجموعة نفسها”، مؤكدة أن “هدف السجينين المعنيين من إضرابهما عن الطعام، لا يمت بصلة لظروف اعتقالهما”، وأنها “حريصة على تمتيعهما بظروف اعتقال مطابقة للقانون، وبالرعاية الطبية اللازمة”، مضيفة أن “نواب البيجيدي أضافوا أصواتهم إلى أصوات أخرى، تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وتطالب بإطلاق سراح السجينين، في تجاهل تام لاستقلالية القضاء، وحقوق الأطراف الأخرى في القضيتين”.

أما فريق العدالة التنمية، فقد رد على المندوب السامي محمد صالح التامك، في بلاغ قال فيه أنه “أصدر بلاغا يفتقد للمهنية، وللغة الرصينة التي يتعين أن تطبع عمل المؤسسات، ويتطاول فيه على مؤسسة البرلمان وعلى نواب الأمة الذين خول لهم الدستور القيام بمهامهم الرقابية، ومتعهم لهذا الغرض بالحصانة الدستورية”.

واعتبر فريق “البيجيدي”، أن “المندوب العام افتقد للياقة واللباقة، وللاحترام الواجب للبرلمان والبرلمانيين، وهي خصال ينبغي أن تحكم تصرفات وخطاب أي مسؤول إداري، لاسيما وأنه يعمل في منصب حساس، فضلا عن أنه تجاوز إطار سؤال لم يوجه إليه أصلا وإنما وجه لرئيسه الذي هو رئيس الحكومة”، منددا بالأسلوب غير اللائق الذي دأب عليه المندوب العام لإدارة السجون في التعاطي مع البرلمان والفريق، والتي يمارسونها انطلاقا من مقتضيات الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، داعيا المندوب العام لإدارة السجون، إلى احترام المؤسسة البرلمانية والالتزام بمبادئ الدستور، على رأسها مبدأ الفصل بين السلط وتعاونها.

مواجهة سابقة

    شكلت قضية إضراب معتقلي حراك الريف عن الطعام، منطلق الصراع بين المندوبية العامة لإدارة السجون وفريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، خصوصا بعد السؤال الكتابي الذي تقدم به الفريق إلى رئيس الحكومة، حيث وصفت المندوبية تسريب الوثيقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة بـ”الانحراف عن الطرق المعمول بها في العمل المؤسساتي”، وأن “بعض المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة خطوا هذه الخطوة (الإضراب عن الطعام) بشكل اختياري”.

وأوضحت أن “هناك سجناء آخرين يضربون عن الطعام بالمؤسسات السجنية من غير هذه الفئة ولم يحظوا بالاهتمام نفسه الذي أولاه النواب البرلمانيون المتقدمون بالسؤال الكتابي لسجناء أحداث الحسيمة المضربين عن الطعام”.

ورفضت المندوبية اعتبار النواب البرلمانيين المعنيين للمطالب التي تقدم بها هؤلاء السجناء “مطالب مشروعة”، وقالت: “هذا ما لن تسمح به إطلاقا المندوبية العامة، لأن فيه استهتارا بالقوانين والأنظمة، وضربا لمبدأ المساواة بين السجناء”.

 

تقرير يغضب التامك

    كشف تقرير للجنة البرلمانية الاستطلاعية حول أوضاع السجون، التي تم تشكيلها من طرف لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب، عن أوضاع مزرية يعيشها نزلاء داخل بعض السجون، وخاصة سجن “مول البركي” بإقليم آسفي، وسجن “تولال” بمدينة مكناس وسجن “عكاشة” بالدار البيضاء.

وكشف تقرير اللجنة البرلمانية تعرض بعض السجناء بسجن “تولال 1” بمكناس، وسجن “مول البركي” بأسفي، لسوء المعاملة، خاصة من طرف بعض الموظفين، عندما يتعلق الأمر بالإجراءات التأديبية التي يُلجأ إليها أحيانا لأسباب بسيطة جدا، أو خلال الوضع في الزنزانة الانفرادية.

كما سجلت اللجنة الاستطلاعية ملاحظات أخرى تتعلق بالاكتظاظ في الأحياء السجنية، وبظروف العقوبة، خاصة مشكل النظافة والتهوية، وعدم قدرة المصحات على استيعاب حاجيات التطبيب بسبب قلة الموارد البشرية المتخصصة، كما جرى تسجيل ضيق المساحات المخصصة للفسحة بالأحياء السجنية.

وانتقد محمد صالح التامك اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول السجون التي يرأسها الاستقلالي عمر عباسي، وتسريب مجمل معطيات تقريرها الذي أنجزته إلى الصحافة، معتبرا أن “نشر العديد من المعطيات التي يتضمنها التقرير في المواقع الإلكترونية غير مقبول”.

التامك يحمل المسؤولية للحكومة

    تعاني الكثير من السجون ظاهرة الاكتظاظ، خاصة في ظل جائحة “كورونا” التي عرفت اعتقالات إضافية للآلاف من الناس بسبب خرق حالة الطوارئ الصحية، أو توقيف لمبحوث عنهم خلال الحملات الأمنية والسدود القضائية، وقد حمل المندوب السامي لإدارة السجون المسؤولية للحكومة بخصوص مشكل الاكتظاظ  وقال أن “الكرة توجد في ملعب حكومة العثماني، التي لا تريد رفع اعتمادات بناء سجون جديدة وتوسيع أخرى، وترفض الرفع من نسبة المناصب المالية رغم تعبه الكبير من طرق أبواب الحكومة والوزراء من العثماني إلى وزير الاقتصاد والمالية، لكن دون جدوى”.

وانتقد التامك تقليص ميزانية المندوبية من قبل الحكومة، حيث خصصت في مشروع مالية 2021، 900 مليون درهم لميزانية السجون، و100 مليون درهم للاستثمار بنسبة تقليص 600 مليون درهم مقارنة مع السنة الماضية، وقائلا: “إن قرار تقليص ميزانية السجون، يعقد مساعي المندوبية في تأهيل السجناء وإعادة الإدماج في ظل الاكتظاظ والحاجة إلى موارد بشرية”.

وأوضح أن “المؤسسة تحتاج على الأقل لـ 4 ملايير درهم لمواجهة أزمة اكتظاظ السجون”، مضيفا خلال تقديم مشروع ميزانية مندوبية السجون بلجنة العدل والتشريع، أن “المندوبية تحتاج لموارد مالية لبناء 25 سجنا بمبلغ يناهز 4 ملايير درهم، خاصة مع الارتفاع المقلق لعدد السجناء”.

وأكد تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية وجود اكتظاظ في السجون التي تمت زيارتها، إلى جانب مشكل النظافة والتهوية وعدم قدرة المصحات على استيعاب حاجيات التطبيب، حيث أن هذا المشكل يقلق المندوب العام الذي دعا الحكومة لبناء سجون جديدة للتقليل من ظاهرة الاكتظاظ.

ولأجل التقليل من الاكتظاظ في المؤسسات السجنية، وجه الوكيل العام لمحكمة النقض ورئيس النيابة العامة، مذكرة إلى مختلف وكلاء الملك والوكلاء العامين، لمراجعة التدابير المتعلقة بإصدار برقيات البحث، حيث أكد على “الحرص على ترشيد اللجوء إلى إصدار برقيات البحث، وعدم توجيه تعليماتكم بتحريرها إلا في الحالات الضرورية التي تستدعي مثول الشخص المبحوث عنه أمام العدالة”.

وتأتي هذه المبادرة، للتقليل شيئا ما من الاكتظاظ الذي تعرفه السجون بسبب ارتفاع نسبة الموقوفين في إطار الاعتقال الاحتياطي خلال العام الحالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى