الرأي

مراكش تشارك وزراء الداخلية العرب نشوة الانتصار

     كانت مراكش (الحضارة والتاريخ) خلال الأسبوع الماضي كعادتها جميلة، متفتحة، مضيافة، فضاء للقرارات الصائبة والتوصيات الهامة، لم يفتها أن تشارك وزراء الداخلية العرب نشوة الانتصار على الخلافات المصطنعة، بعد خيبة كل الذين تنبأوا بتسمم الأجواء بسبب أزمة مجلس التعاون الخليجي، النشوة التي تحققت بفضل جهود المغرب، وسعي وزير الداخلية حصاد ومبادراته الرائدة التي أثبتت بكل جلاء بأن الأحداث المتواترة والمتسارعة في المحيط العربي لم تكن إلا مسهلة ومهيئة للخروج من الأزمة (الغامضة)، نظرا لحسن النوايا والهدف الأسمى والقبول بالجلوس إلى الطاولة من أجل مواجهة العدو الطاغي والمشترك، ألا وهو الإرهاب.

فتحت المدينة الخالدة ذراعيها للضيوف الكرام (وزراء الداخلية العرب والوفود المرافقة)، وهيأت لدورتهم الـ31 ظروفا مريحة للتمكن من معالجة الملفات المطروحة بصورة آنية، وفي سياق يرمز إلى المسار الديمقراطي أو النفق المضاء كما سماه أحد المشاركين الذي تنهجه جل الدول العربية، في إطار مراجعة نسقها وعمق تحاليلها للرهانات الجديدة والمتصلة بالأمن (خاصة الفكري) والحريات، وكيفية التنسيق من أجل القضاء على الآفة الكبيرة والخطيرة المهددة لكل استقرار، وكأنها بذلك (أي المدينة) تجس كما قال صاحب الجلالة محمد السادس “الالتزام القوي للمغرب بدعم العمل العربي المشترك وخاصة بين المسؤولين عن قطاع الداخلية، اعتبارا للدور الحاسم الذي ينهضون به، وذلك من خلال تعزيز آليات التشاور والتنسيق والرفع من قدراتهم على بلورة استراتيجية خلاقة كفيلة بمواكبة تغيرات الظرفية الراهنة”.

لقد تعامل وزراء الداخلية في دورتهم التي ستبقى راسخة في الأذهان مع مشكلة الأمن كقضية مرتبطة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وبالحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وهو تعامل أبان عن تصور شمولي ومتكامل لمفهوم الأمن مخالف تماما لما كان سائدا وشائعا، وأكيد أن المغرب النموذج الذي استحسنه الكل يسير في هذا الاتجاه ويشتغل على هذا المنوال، لأنه بفضل ربط حماية الدولة بالحفاظ على حرية المواطن وعدم المساس بها، ذلك المواطن الذي ألح صاحب الجلالة محمد السادس في الكلمة التي ألقاها وزير الداخلية المغربي في الدورة على اعتبار “الدور الحاسم الذي يقوم به كشريك أساسي في ضمان الأمن والاستقرار وفي العمل التنموي على حد سواء”، وهو دور فعال ومحوري داخل مجتمعنا، وعلى كل المستويات دون استثناء كما قال أحد المتدخلين، لأن المواطن المغربي سواء أكان مثقفا أو فلاحا أو عاملا أو حتى عاطلا بقدر ما يهدف إلى تطور البلاد ومحاربة الفساد، واستعمال كل الوسائل المسموح بها قانونا بقدر ما يتطلع كما أشار إلى ذلك صاحب الجلالة “المساهمة في خلق المناخ الاجتماعي السليم، المتشبع بالديمقراطية وحقوق الإنسان”، وهي مساهمة كما نعلم جميعا لم تأت من فراغ أو عن طريق الصدفة، بل جاءت نتيجة “التأسيس لمفهوم جديد للسلطة، يرتكز على حفظ وتوسيع فضاء الحريات وصيانة كرامة وحقوق الإنسان، في إطار دولة الحق والقانون، وترسيخ ديمقراطية القرب والمنهجية التشاركية في تدبير الشأن العام” انتهى كلام صاحب الجلالة.

إن الأمن الذي أصبح الاعتزاز به مؤسساتيا باديا للعيان والحاجة إليه ماسة (خاصة الأمن الفكري الذي تم إنشاء مكتب عربي خاص به في الدورة الحالية) تصعب حمايته من الانزلاقات إذا لم تتوفر تنمية شاملة كما ورد في كلمة الملك محمد السادس، ولذلك أضحت تلك الحاجة متجددة، ومتعطشة إلى نفس جديد للداخلية ولمفهوم الأمن، وإلى وضع تخطيط ملائم لطريق سيار وصحيح مقام على طائفة من الملاحظات السابقة التي وثقتها الدورات الماضية وتضمنتها الاتفاقيات العربية، والقرارات الصادرة عن مجلس جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي، خاصة ما يتعلق منها بالإرهاب، الذي أدانه مجلس وزراء الداخلية العرب، وأدان معه الأحداث الإرهابية التي استهدفت رجال الأمن في تونس، والجزائر، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والعراق، والتي ذهب ضحيتها الآلاف من الأمنيين، وندد في نفس الوقت بكافة أشكال دعمه وتمويله والتحريض عليه، مذكرا برفضه القاطع لعمليات الابتزاز والتهديد وطلب الفدية من الإرهابيين، في إشارة واضحة إلى الأحداث التي عاشت ألمها بعض الدول مؤخرا نتيجة سيادة التطرف والفكر الظلامي.

لقد ساهمت الأجواء العامة والتنظيم المحكم والترتيبات العالية، وسهر المسؤولين على إنجاح الدورة التي كانت كما قال صاحب الجلالة “بمثابة انطلاقة جديدة لمجلس وزراء الداخلية العرب”، قلت ساهم كل ذلك في كسب نقطة حسنة، زيادة طبعا على الكلمة السامية وما حملته من خطوط عريضة (كانت بمثابة إنارة الطريق) وتوجيهات نيرة بطعم خاص وأهمية بالغة، أشاد بها الجميع في مأدبة العشاء التي أقيمت بفضاء مفعم بالتاريخ والحضارة وقوة السلاطين (المنارة).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى