المنبر الحر

المنبر الحر | من مكر الخونة العملاء إلى عدل العباد الأتقياء

بقلم: ذ. الحسن العبد

    عندما تقرأ للمؤرخين، المغاربة والأجانب على السواء، ومعهم ثلة من الباحثين، وتتفحص بطون الكتب وصفحات الجرائد والمجلات، وكل ما سال من مداد عن تاريخ المغرب الحديث بالورق، ومعه شهادة المسنين الأموات والأحياء باللسان، أي على مجريات الأحداث التي تخص القرن الماضي، وما يرافق تضحيات الرجالات، على العكس من ذلك، بما يصفه الدارسون بعهد الخونة والعملاء، إلى غاية وقتنا الحاضر، أو ما يسمى بالعهد الجديد، بمعنى آخر، عن فترة الحماية وما قبلها بقليل، وعن سنوات الاستعمار وما يليها من أحداث ومستجدات، تجد بأن المغاربة قاطبة، ملوكا وشعبا، وبكل جهات المملكة، قد قاوموا المستعمرين عبر عدة مراحل، بكل الوسائل المتاحة لديهم، لأجل نيل الاستقلال والظفر بالحرية والكرامة، ولا مزايدة على هذه الحقيقة، أو أي ادعاء لأي كان قد يكون له فضل الذود عن حوزة الوطن، أو التفرد بحمايته من جور الأعداء، ولا لأي حزب بعينه من الأحزاب، أو أي جماعة أو مجموعة، أو زعماء بعينهم، ونبذ من سواهم من زعماء مقاومين في السر والعلن، ومعهم رجالات مجاهدين شجعان ضحوا بالمال والنفس لننعم اليوم بالاستقلال التام، وبالسيادة الكاملة التامة على كل أجزاء التراب الوطني.

لقد قاومت مدينة فاس وأعاليها – كمثال على الجهاد – كما يقول جل المؤرخين، قوى الاستعمار وسياسته بكل ما لديها من أسباب المقاومة حتى الدينية منها، وكان مولاي الحسن الأول من أشد سلاطين المغرب فكرا وروحا وعملا في المحافظة على استقلال البلاد، وقد أخذ الفرنسيون يعدون العدة لاحتلال قسم من البلاد، ووقف الإسبان متأهبين في أبواب الريف، فعقد مؤتمر مدريد سنة 1880، وكان الأول من نوعه لاشتراك ممثل عربي في مباحثاته، حيث يذهب أحد المؤرخين إلى القول: “ممثل واحد عربي بين ممثلي فرنسا وإسبانيا وإنجلترا وإيطاليا، ينكر عليهم حق التدخُّل في شؤون المغرب”.. فماذا ينفع الإنكار، وإنْ سجل في وقائع المؤتمر؟ وماذا تنفع وطنية ذلك الممثل المغربي العربي؟ وماذا تنفع حنكته السياسية، وفصاحته العربية؟ لقد كان مغلوبا على أمره وما الغالب غير العدو إلا الله.

فقد قررت الدول الأربع، وهنا ستكون ولادة الخونة العملاء من بني جلدتنا، وللأسف الشديد بعواصم المملكة، خاصة أولئك الذين ينحدرون من أراضي التعايش، لأنهم أخذوا من قوالب النصارى ومكر اليهود ونية “التمسلميت”، ومنها الأندلس، وليس في فترة الاستعمار كما يظن البعض، أو كما يؤكده البعض الآخر، بل في ذلك المؤتمر، حيث أثبتت تلك الدول حق رعاياها في امتلاك الأراضي في المغرب، وحق قناصلها في استخدام مَن يرون فيه “الذكاء” من أهل البلاد، أي العملاء الذين تعلموا مكر ودهاء اليهود بالأندلس، كما أشرنا إلى ذلك، أو هم كذلك، أي كانوا يهودا فأسلموا، ونحن لا ننكر إسلامهم، فالدين عند الله الإسلام، ولا يعلم بالقلوب إلا الله، بل ما يهمنا هو أصل الخيانة وأسباب الفساد ونهب مال العباد… وهي تخص عدة مدن مغربية، ثم أضافت تلك الدول المؤتمرة ما هو أهم من ذلك، وهو أن يمنح القناصل من يريدون من الأهالي، تجارا كانوا أم أكارين، حماية دولتهم، وأن يكون لهؤلاء المحميين ولأولئك الموظفين “الأذكياء”، الحق في أن يحاكموا في قضاياهم المدنية والجزائية في محاكم قنصلية.

لقد كان الأهالي كما يؤكد الدارسون، ولا سيما التجار منهم، يطلبون الحماية الأجنبية ليتخلّصوا من جور الحكومة الشريفية وإرهاقها، فاتفقت مصالحهم ومصالح الدول الحامية، وكان الأجنبي فوق ذلك يشارك الوطني في تجارته أو ملكه لقاء حماية يظفر له بها من قنصل بلاده، فيصبح الوطنيُّ شريكُ الأجنبيّ حماية أجنبية، فيشرك الأجنبي في أرباحه دون أن يكون للأجنبي فلس واحد في رأس المال، وهكذا… والنتيجة هي أنه زادت هذه الحال الطين بلة، فالمحميون شركاء الأجانب أمسوا بيد القناصل أدوات استعمار، يستخدمونها فيما يبتغون تنفيذا لسياسة حكومتهم، وتعزيزا لها، وهذا هو أصل البلاء، فعملاء فرنسا الخونة من المستعمر، ومع المستعمر، وبعد المستعمر، تمكنوا من مواقع القرار في صلب الإدارة المغربية وعمقها، وحال المملكة حال وأحوال مع هذا الجنس الذي لم يترك أي فعلة شنيعة أو دسيسة إلا فعلها، حتى أنه لم يسلم من مكرهم حتى المقاومون الحقيقيون وأبناؤهم وبناتهم، إلى أن حل العهد الجديد، والجديد له جدة، كما يقال، والبالي لا تفرط فيه، بل عليك بفضحه، وذلك ما سنفعله بإذن الله، واليوم تشهد بلادنا محاكمات صارمة، بعدل ونزاهة القضاء، للقضاء على الفساد والمفسدين، ونريدها أن تتعمق، وبقوة الحق والقانون، لتصل إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة منذ فجر الاستقلال، أي إلى أصل البلاء مع تركة وورثة الخونة من العملاء، ليرجع المال ومعه كل شبر من تراب مغربنا تم نهبهم، قديما مع الخونة العملاء الفاسدين، أو حديثا مع الناهبين الجدد المفسدين، لننعم بالعدل مع عباد الرحمن الأتقياء، إلى حين زمن الرشد، ونحن ننتظر نحبنا، ولكن لسنا ممن يكتفي بانتظار المخلص المنتظر، فلنحاسب الفاسدين حتى يسلموا لنا رزقنا، الأحياء منهم (كل من تقلد المسؤولية في هذه المملكة السعيدة، وهو حي يرزق، منذ فجر الاستقلال إلى الآن)، والأموات (يعني ورثة الخونة العملاء الذين ينعمون برزقنا المنهوب إلى الآن)، ولا يخفى على الله منهم أحدا، ثم لا تخفى على عيون السلطات المختصة، وكذا على الباحثين الذين ينبشون في الذاكرة، وفاء لجهاد الكلمة، وسنواصل الطريق بالنبش لنسرد لكم كبار العملاء، فكونوا في الموعد، عساها ترشد الرشدة الأولى، لأنها ترشد عدة مرات، حسب علمنا، فتسعد مملكتنا وتتزخرف وتتزين، كما كل الأرض، قبل يوم الفتح، وهو عما قريب بحول الله برشد كامل، عقيدة وحضارة، أو قل إن شئت، خلافة راشدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى