تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | الحكومة تكرس استغلال خادمات البيوت

القانون العاجز الذي صدر سنة 2018

تعتبر ظاهرة تشغيل الفتيات في المنازل متفشية بشكل كبير في المجتمع المغربي، إلا أن الدعوات الحقوقية والنداءات من أجل الحد من هذا الاستغلال، تبقى ضئيلة مقارنة مع الحملات الرافضة لتزويج القاصرات، رغم أن تشغيل الفتيات قد يعرضهن للاستغلال أو الاعتداء من قبل أبناء بعض الأسر أو تزويجهن في سن مبكرة.

إعداد: خالد الغازي

    الملاحظ أن القانون رقم 12.19 المتعلق بالعمال المنزليين وخادمات البيوت، والذي تم اعتماده منذ أكتوبر 2018، لا يمنع تشغيل الفتيات القاصرات (16-18 سنة) ولا يوفر لهن الحماية الكافية من المشغل، حيث يصعب تطبيقه على أرض الواقع فيما يخص مدة عقد العمل، وساعات العمل، والأجرة، ولا ينصف الخادمات المنزليات مقارنة مع العمال الآخرين، والكثير من الأسر وآباء الفتيات يجهلون وجود قانون ويدفعون بناتهم للعمل مقابل تعويض هزيل.

وحسب بعض التقارير، فإن عدد العمال والعاملات المنزليين المصرح بهم من قبل الأسر المشغلة، يبقى محدودا جدا مقارنة مع العدد الكبير من العاملات لدى الأسر المغربية والأجنبية، لاسيما خادمات البيوت اللواتي يعملن بدون عقود ودون التصريح بهن لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث تحدثت دراسة لمركز الأبحاث والعلوم الاجتماعية، عن وجود أكثر من 200 ألف شخص من العمال والعاملات المنزليين، بينما تشير بعض الدراسات إلى أن 23 ألف فتاة تحت سن 18 يعملن عاملات منازل في الدار البيضاء لوحدها.

في هذا الإطار، ترى فوزية أولكور، رئيسة منظمة “إيلي لحماية الفتاة”، أن تشغيل الأطفال، وبالضبط الطفلات القاصرات، في العمل المنزلي، يتنافى وما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يلزم كل دولة موقعة عليه باحترام مقتضياته، والمغرب طرف في هذا العهد الدولي، كما يتنافى والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، خاصة الاتفاقية 138 المتعلقة بحقوق الأطفال والتي وقعها المغرب وصادق عليها، بل ويتنافى ومقتضيات دستور 2011، الذي ينص على حماية الأطفال من كل أشكال الاستغلال وضمان العيش الكريم لهم، بالإضافة إلى أن القوانين الوطنية، سواء قانون الشغل أو قانون الأسرة، يمنعان استغلال الأطفال ويؤكدان على الحماية الضرورية لهم.

وأكدت أولكور، أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الأطفال (الاتفاقية 182 و189)، إضافة إلى التوصية رقم 201 و290، اعتبرت تشغيل الأطفال في المنازل “جريمة جنائية”، وأن المغرب لجأ إلى تقنين هذا العمل بإصدار القانون 12-19 الخاص بالعمال المنزليين، خاصة بعد التوصيات والإنذارات التي وجهت له بهذا الخصوص من طرف تنظيمات دولية مثل الاتحاد الأوروبي، وأوضحت أنه، من خلال بعض الحملات التحسيسية التي قامت بها منظمة “إيلي لحماية الفتاة”، للتعريف بمقتضيات القانون، سواء في المناطق المصدرة لهؤلاء الفتيات أو المستقبلة لهن، اتضح بأن ظاهرة تشغيل القاصرات تراجعت، بفعل عمل المجتمع المدني ووسائل الإعلام، لكن ليست هناك أرقام حقيقية، لأن هذا العمل يتم في الظل داخل منازل لها حرمتها، ومحصنة بمقتضيات دستورية، فلا مفتش الشغل ولا الأمن ولا المساعدة الاجتماعية، لهم حق الولوج إليها من أجل المراقبة أو التقصي، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة لا يمكن تجفيفها من منابعها، أي لا دخل للأسرة في ذلك، خاصة وأنها تنتمي في معظمها لمناطق المغرب المنسي وتعاني من قلة ذات اليد.

وحسب فوزية أولكور، فإن المسؤولية تقع على عاتق الدولة التي يجب عليها تصحيح الوضع، والوفاء بالتزاماتها الدولية وتقديم بدائل، منها بناء المدارس والداخليات بالعالم القروي، وتشجيع تمدرس الفتيات والحد من الهدر المدرسي مع إيجاد بنيات للتكوين المهني تستفيد منها الفتيات ودور الطالبات، والنوادي النسوية، قائلة أن القانون غير كاف للحد من الظاهرة إذا لم تكن هناك مقاربة تشاركية بين كل القطاعات الحكومية، وكل المعنيين، وإذا لم تكن هناك إجراءات مواكبة قمينة بالحد من الظاهرة.

من جانبها، قالت خديجة الرباح، الفاعلة الحقوقية وعضو مؤسس للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أن قانون الشغل عندما تناول مسألة تشغيل الأطفال، لم يرفع سن التشغيل إلى 18 سنة، وظل قاصرا في هذا المستوى، إذ لم يحسم عمر تشغيل الفتاة في 18 سنة، وبالتالي، سمح باستمرار الفراغ القانوني، مما أدى إلى تنامي ظاهرة تشغيل الفتيات والأطفال أقل من 16 سنة، مضيفة أن قانون العمالة المنزلية 12.19 في حاجة إلى التعديل لكي يوفر الحماية للأطفال من العمل المنزلي، وكذلك لجعل مكانة الفتاة والطفل هي المدرسة وليس الشغل.

وأكدت الرباح أنها مع تعديل القانون الذي سكت عن عدة أمور وأبان عن نقص كبير، وتم انتقاده خلال صدوره من قبل العديد من الفاعلين والحقوقيين، قائلة: “يجب أن تكون للمشرع نظرة على أساس واحد، إذا كان السن القانوني هو 18 سنة، فالطفل أو الطفلة تظل قاصرا إلى غاية أن تصل لسن الرشد، أي أن قوانين الشغل وقانون العمالة المنزلية والزواج في مدونة الأسرة، وغيرها، يجب أن تعتبر الفتاة التي عمرها أقل من 18 سنة غير بالغة، ولا يندرج في إطار السن القانوني، وبالتالي، يجب رعايتها ووضع أسس لحمايتها من خلال القوانين، التي تؤكد على أن مكانة الفتاة القاصر في المدرسة والتكوين المهني ويجب أن تحظى بالرعاية اللازمة، وليس مكانها في الشغل”.

حيار // السكوري

وأوضحت نفس المتحدثة، أنه لا يمكن التحدث عن القانون فقط، بل هناك مسؤولية أخرى تتحملها الأسر التي تدفع بناتها في سن مبكرة وصغيرة للعمل في المنازل، في حين كان من المفروض أن تكون الأسرة هي الضمانة التي توفر الحماية للأطفال القاصرين والفتيات للبقاء في المدرسة وإكمال مسارهم التعليمي، معتبرة أن من أسباب استمرار ظاهرة تشغيل الفتيات، هي الظروف الاجتماعية والفقر والهشاشة والأمية التي تعرفها بعض الأسر، الأمر الذي يتطلب من الدولة العمل على وضع قوانين حمائية للأطفال، ومن المجتمع المدني الانخراط والتعبئة والتحسيس إلى جانب وسائل الإعلام والجامعة والمدرسة، بهدف جعل مكان أطفالنا هو المدرسة وليس الشغل أو العمل في المنازل.

وتنص المادة 3 من القانون 12.19، على ضرورة تشغيل العاملة المنزلية بمقتضى عقد عمل، محدد المدة أو غير محدد، ويتم توقيعه من قبل المشغل والعاملة، شريطة أن تكون مؤهلة للتعاقد وفق مبدأ التراضي، وأن تتم المصادقة على العقد من قبل السلطات المختصة، وأن تحصل العاملة على نسخة من الوثيقة وتودع أخرى لدى مفتشية الشغل المختصة مقابل وصل.

وتؤكد المادة 6 على أن الحد الأدنى لسن تشغيل عاملات المنازل هو 18 سنة، إلا أن القانون سمح خلال خمس سنوات الماضية، بتشغيل الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 16 و18 سنة بصفتهم عاملات، شريطة أن يكن حاصلات من أولياء أمورهن على إذن مكتوب مصادق على صحة إمضائه، قصد توقيع عقد الشغل المتعلق بهن، بحيث يمنع القانون تشغيل الخادمات ليلا، ويمنع تشغيلهن في كل الأشغال التي تشكل خطرا بينا على صحتهن أو سلامتهن أو سلوكهن الأخلاقي، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة.

بدوره، يؤكد الحقوقي والنقابي إدريس السدراوي، أن كل القوانين المرتبطة بالتشغيل في المغرب، لا يتم احترامها لطبيعة هذه القوانين التي لا تتوفر على بنود زجرية رادعة للمنتهكين، سواء في الشركات الكبرى أو في المناطق الصناعية وغيرها، وأكثر من ذلك، عندما يتعلق الأمر بقانون جاء نتيجة ضغوطات دولية كقانون تشغيل العمال المنزليين، أو قانون عدم تشغيل الفتيات أقل من 18 سنة، مبرزا أن العديد من الأوراش والأسر وأصحاب الضيعات يقومون بتشغيل الفتيات في ظل غياب عقوبات رادعة أو غرامات، وأيضا في ظل قصور مفتشية الشغل عن مواكبة ومراقبة ما يحدث من انتهاكات في مجال الشغل، وبالأخص تشغيل الفتيات، مع ينتج عن ذلك من حرمانهن من الدراسة، والاعتداءات الجنسية عليهن واستغلالهن بأجور متدنية.

واعتبر السدراوي أن ظاهرة تشغيل الفتيات يصعب رصدها، لعدة أسباب مرتبطة بالإطار القانوني لاقتحام البيوت، أو بسبب تقبل المجتمع المغربي لهذه الظاهرة التي أصبحت تبدو عادية لدى المغاربة بالرغم من تأثيرها الاجتماعي على الفتيات، لذلك فهذه الظاهرة لازالت مستمرة ولها انعكاسات خطيرة لأنها مرتبطة بالفقر والأوضاع الاجتماعية، بحيث أصبحت الأسر غير قادرة على تكاليف الحياة وتضطر إلى تشغيل فتياتها في العديد من المجالات، وقد وصل اضطر بعضهن للتسول الذي أصبح عملا منظما له شبكات محددة في تشغيل الأطفال والفتيات في عمر الزهور في الشوارع أمام مرأى الجميع، يمارسون التسول والتشرد دون تدخل أي جهة لفتح تحقيق لتحديد المسؤوليات ونقل هؤلاء الفتيات والأطفال إلى دور إعادة الإدماج والتربية وتمكينهم من شهادات مهنية أو تعليمية تفتح لهم أبواب حياة كريمة.

وقال نفس المتحدث، أن “الإشكال يكمن في غياب الآليات لتنفيذ وتنزيل القوانين المتعلقة بتشغيل الأطفال والتسول، بشكل أفضل، حتى لا تبقى حبرا على ورق، فحتى اتفاقية حقوق الطفل تؤكد التمييز ضد المرأة، والعديد من الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، تشدد على عدم تشغيل الفتيات والأطفال، لكن، ورغم ذلك، لا زالت الظاهرة مستمرة وتتفاقم بشكل كبير نتيجة الأزمة الاقتصادية والفقر والهشاشة”.

وفي هذا السياق، أصدرت منظمة “أوكسفام” دراسة دعت من خلالها إلى تحديد سن 18 سنة كأدنى حد لتشغيل العمال المنزليين، وخاصة الفتيات، وذلك انطلاقا من شهر أكتوبر 2023، وفقا للقانون الخاص بالعمال المنزليين، من أجل حماية الفتيات من الاستغلال المفرط والعزل عن الأصدقاء والعائلة، مشددة على ضرورة إصلاح القانون رقم 19.12 الذي لم يصحح المظالم ولم يوفر الوسائل المناسبة للتدخل في حق الفتيات الصغيرات العاملات بالمنازل.

وفي دراستها بعنوان: “التشغيل المنزلي للفتيات: جريمة في حق الطفولة المغربية”، أكدت نفس المنظمة على أن المادة 6 من القانون رقم 19-12 تظل “نقطة سوداء” في المجتمع المدني، وذلك لسماحها بتشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة بصفتهم عاملات أو عمالا منزليين، شريطة أن يكونوا حاصلين من أولياء أمورهم على إذن مكتوب مصادق على صحة إمضائه، قصد توقيع عقد الشغل المتعلق بهم، وأضافت أنه “على الرغم من وضوح هذه الأحكام، فإنه لا يمكن للقانون أن يمر عبر الأبواب لمتابعة البيوت ومراقبتها، وذلك لعدم امتلاك مفتشي الشغل القدرة على مراقبة الأسر، وبالتالي، تظل غير قابلة للتنفيذ إلا في حالة تدخل العدالة، مما يعكس قصورا حان الوقت لتداركه”، مشيرة إلى أن “القانون رقم 19-12 يجرم أي اعتداء على حقوق العمال المنزليين، لكنه في المقابل، لا يمنح المشغلين إلا عقوبة واحدة تتمثل في غرامة مالية تتراوح ما بين 25 إلى 30 ألف درهم، وهذا ما يجعل المشغلين يستفيدون من هشاشة وفقر الأسر، خاصة في المناطق القروية”.

وقالت “أوكسفام” أن العديد من الأسباب والعوامل تدفع أولياء الأمور لإرسال بناتهم للعمل في البيوت، إضافة إلى أن ارتفاع مشاركة النساء في عالم الشغل أدى إلى زيادة الطلب على العمل المنزلي، مؤكدة أن العديد من الأسر والمشغلين يختارون العاملات دون السن القانونية، لأنهن أقل تكلفة وأكثر طاعة لمطالبهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى