تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | حيرة الاتحاد الاشتراكي بين انتظار التعديل الحكومي وممارسة المعارضة

عاد النقاش من جديد وسط الرأي العام حول إمكانية حدوث تعديل حكومي في ظل التقلبات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر منها البلاد، والتي أدت إلى احتقان اجتماعي تجاه الحكومة وأحزابها بسبب عجزها عن معالجة الاحتكار وغلاء الأسعار في الأسواق الوطنية، والتضخم وغياب مقاربة ناجعة للحد من الفوضى التي تعرفها عملية تسويق المنتجات الغذائية والزراعية.

 

الرباط. الأسبوع

 

    بالرغم من الظرفية الاجتماعية الصعبة التي يعرفها المجتمع بسبب سياسة الحكومة، والانتقادات التي توجهها لها المعارضة بسبب فشلها في تدبير وباء الغلاء خلال شهر رمضان وقبله، إلا أن الملاحظ أن حزب الاتحاد الاشتراكي فضل أسلوب المهادنة والمعارضة النقدية عوض استغلال الأزمة للهجوم عليها، الشيء الذي فسره البعض بأنه مؤشر على رغبة الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، في الالتحاق بالأغلبية الحكومية وتحقيق مكاسب عوض البقاء في صفوف المعارضة.

وحسب العديد من المحللين، فإن الاتحاد الاشتراكي اختار تخفيض حدة انتقاده للحكومة خلال الأشهر الماضية، وفضل أخذ مسافة من القضايا التي تطرحها المعارضة، بعدما قاطع التنسيق مع بقية فرقها (الحركة الشعبية، التقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية) حيث كان يقود التنسيق خلال في السنة التشريعية الأولى، وذلك بسبب خلافات قديمة بين إدريس لشكر وعبد الإله بن كيران، مما دفع لشكر إلى مطالبة نوابه بإيقاف التنسيق مع مجموعة العدالة والتنمية، بسبب عدم التزام “البيجيدي” بالاتفاق الذي يجمع مكونات المعارضة.

بهذا الخصوص، يرى المحلل السياسي محمد جدري، أن الحكومة في حاجة إلى نفس سياسي، لأن الطابع التكنوقراطي يغلب على عملها، بل الأكثر من ذلك، لديها مشكل كبير في التواصل، مضيفا أنه بعد نهاية النصف الأول من الولاية الحكومية سيكون هناك مشكل كبير، لأن هناك ثلاثة أحزاب مشكلة للحكومة سوف ترى في نفسها أنها مؤهلة لقيادة الانتخابات والحكومة في نهاية سنة 2026، حيث أن هذا التنافس سوف يؤثر على الانسجام الحكومي وسوف نرى كل الوزراء يجرون المصالح في اتجاه أحزابهم، وهذا ما وقع في عهد الحكومة السابقة بين العدالة والتنمية من جهة والتجمع الوطني للأحرار من جهة أخرى.

وأكد جدري أن دخول الاتحاد الاشتراكي للأغلبية الحكومية يمكن أن يعطي زخما سياسيا جديدا، خصوصا وأن للحزب كوادر تتمتع بحس تواصلي كبير مقارنة مع التجمع الوطني للأحرار أو الأصالة والمعاصرة، وبالتالي، يمكن تقبل مشاركة الاتحاد الاشتراكي خلال هذه الوضعية، خصوصا وأن هذه الحكومة تحتاج لحزب كبير، ولأحزاب متوسطة وأحزاب صغيرة، مشيرا إلى أن هناك ثلاثة أحزاب كبيرة وهذا سيؤثر على عملها خصوصا بعد نهاية النصف الأول من هذه الولاية، إذ من المحتمل أن يكون هناك تطاحن كبير بين الأحرار و”البام” والاستقلال، لأن الأحزاب المتحالفة سترى أن لديها كل الإمكانيات والمؤهلات لقيادة الحكومة المقبلة، وهذا سيؤثر على العمل الحكومي برمته.

حنان رحاب

من جانبها، تؤكد حنان رحاب، عضو المكتب السياسي للاتحاد، في تدوينة لها: “من حقنا أن نوضح أنه باعتبارنا الفريق الأول في المعارضة، سنستمر في نهج المعارضة بعناصرها الموضحة في بياناتنا، إذ ستجمع المعارضة الاتحادية بين عناصر: القوة والمسؤولية والاقتراحية والوضوح”، وأضافت أن “الحزب سيقوم بدوره كمعارضة في البرلمان خلال المرحلة الراهنة، لإبراز الفرق بين ما هو مرتبط بأخطاء في التدبير الحكومي نعارضها، وبين الصعوبات التي هي مرتبطة بإكراهات مناخية أو خارجية نتفهمها ولا نزايد فيها، بل نقوم بدورنا الاقتراحي المسؤول”، مشددة على أن “الاتحاد الاشتراكي ليس طارئا على المعارضة، بل قضى فيها سنوات طويلة أكثر مما قضى في التدبير الحكومي بكثير، حتى إن تاريخ المعارضة البرلمانية يكاد يكون هو تاريخ المعارضة الاتحادية، وأغلب تقاليد المعارضة بالمغرب هي اتحادية في منشئها وتطورها خطابا وممارسة، والتذكير بهذا المعطى هو دعوة للوضوح والمسؤولية”.

ويرى محللون أن تجميد الفريق الاتحادي لنشاطه مع فرق المعارضة، جاء بناء على توجيهات من الكاتب الأول إدريس لشكر، الشيء الذي كان له تأثير بارز على أداء المعارضة في مواجهة الأغلبية الحكومية في مجلس النواب، لاسيما وأن الفريق الاشتراكي يضم نوابا يمتلكون التجربة وكان له دور كبير في تقوية المعارضة خلال السنة الأولى من ولاية الحكومة، إذ رفض تقديم تعديلات مشتركة مع أحزاب المعارضة بخصوص مشروع قانون المالية 2023، ليتقدم بها بشكل أحادي.

فقد بدأت ملامح رغبة الاتحاد الاشتراكي في التقارب مع الأغلبية الحكومية، بعدما قرر في الدورة الخريفية الماضية إيقاف التنسيق مع أحزاب المعارضة داخل البرلمان، ردا على الهجمات التي يتعرض لها الحزب وكاتبه الأول إدريس لشكر من قبل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران، بسبب خلافات سياسية قديمة، وقال رئيس الفريق النيابي للاتحاد عبد الرحيم شهيد: لا يمكن الاستمرار في هذا التنسيق مع الهجوم المتعمد على رئيس الحزب وقياداته من قبل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وفريقنا قرر الانسحاب من التنسيق مع فرق المعارضة بمجلس النواب، لكنه ما يزال في المعارضة ولم يخرج منها، موضحا أن علاقتهم مع باقي فرق المعارضة باستثناء العدالة والتنمية، تبقى هادئة وعادية، إذ تبقى الأغلبية الوحيدة المطالبة بتوحيد صفوفها عكسنا نحن كمعارضة، وأضاف أن التحالفات السياسية، وانطلاقا من الضوابط والأدبيات السياسية، محكومة بميثاق يؤطر شروط العمل الموحد لمكوناتها، فإن هذه الضوابط والأدبيات تفرض في التنسيق السياسي على الأقل الاحترام المتبادل بين مكونات هذا التنسيق، وأن اختيار الانسحاب من تنسيق المعارضة لم يؤثر على أدائنا كفريق نيابي معارض، حيث استمرينا في أداء مهامنا انطلاقا من التزامنا الذي أعلنا عنه منذ بداية الولاية التشريعية، والذي كان مضمونه أننا سنمارس معارضة بناءة ومنبهة ومسؤولة، وهو ما اتضح جليا على مستوى عملنا وتدخلاتنا طيلة هذه الدورة.

وأوضح شهيد، أن الفريق الاتحادي حاول الاستمرار في التنسيق لأطول مدة خلال هذه الولاية، حيث يسجل التاريخ أننا كنا ملتزمين في إطاره على تكريس العمل المشترك والجماعي لجميع فرق المعارضة بمجلس النواب، مشيرا إلى أن عدم احترام العدالة والتنمية لباقي مكونات التنسيق، دفع فريقه إلى الانسحاب منه.

هذا، ويبقى طموح الاتحاد الاشتراكي مشروعا للوصول إلى الحكومة، بعدما فضل الابتعاد عن مبادرات المعارضة ودخولها في مواجهات مع الأغلبية خلال اجتماعات ولقاءات اللجن البرلمانية، أو خلال دعوتها لتأسيس لجنة لتقصي الحقائق حول عملية استيراد الغاز الروسي للبلاد في ظل صمت الحكومة، إذ لم يوقع الفريق الاتحادي على مبادرة التقدم الاشتراكية الرامية لتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق حول القضية، الشيء الذي أسفر عن حدوث ملامح تقارب مع فرق الأغلبية عموما وفريق الأحرار بالدرجة الأولى.

والمثير للانتباه، هو اختيار رئيس الفريق الاشتراكي عبد الرحيم شهيد، الممثل الوحيد من المعارضة، ضمن الوفد الذي رافق رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي إلى اليابان، إلى جانب أحمد التويزي رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، ونور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي، كما ضم نائبين آخرين، هما الحسين أزوكاغ عن حزب الاستقلال، والشاوي بلعسال عن الفريق الدستوري.

وساهمت تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي في مجلس النواب، في طرح إمكانية التحاق الاتحاد الاشتراكي بالأغلبية الحكومية، لاسيما بعدما وصفهم بـ”حلفاء المستقبل القريب”، والتكهنات حول إمكانية إجراء تعديل حكومي يتجاوز حدود التغيير التقني لوزير بآخر، إلى إمكانية إجراء تعديل يمس بنية الأغلبية.

تصريحات وهبي في مجلس النواب جاءت في ظرفية فضل خلالها الاتحاد الاشتراكي تقديم المساندة النقدية للحكومة رغم بعض البلاغات والخرجات التي تهاجم الحكومة تارة، وتنتقد بشكل سلس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنه رغم تداول موضوع المشاركة في الحكومة لدى قيادات الحزب، فإنه لا وجود لمفاوضات واتصالات بين إدريس لشكر والأغلبية الحكومية قصد الالتحاق بها، حسب مصادر مطلعة، معتبرة أن تصريحات وهبي تم إخراجها عن سياقها ولا تعدو أن تكون إلا قفشات، موضحة أن الاتحاد الاشتراكي سيواصل معارضته النقدية للحكومة وأنه لم يتلق أي اتصال بخصوص التفاوض أو الالتحاق بالأغلبية في التعديل الحكومي المقبل، خاصة وأن العديد من المعطيات والمؤشرات تؤكد إمكانية حدوث تعديل طارئ في ظل ضعف بعض القطاعات الحكومية التي لم تحقق المطلوب منها.

فرغبة الاتحاديين في الانضمام إلى الحكومة ليست وليدة اليوم، إذ سبق أن أبدى إدريس لشكر رغبته في المشاركة في الحكومة خلال اجتماعه برئيس الحكومة عزيز أخنوش، وصرح بأن “موقع حزبه داخل الفريق الحكومي، من أجل مرافقة المرحلة المقبلة والعمل على إنجاح النموذج التنموي الجديد”، وأنه “ينتظر العرض السياسي الذي سيقدم له لمعرفة مدى إمكانية مشاركته في الأغلبية الحكومية، الشيء الذي لم يتحقق بسبب تفضيل أخنوش التحالف مع أحزاب قوية في البرلمان، الأصالة والمعاصرة والاستقلال”.

موضوع مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة عاد من جديد بقوة في ظل ظهور العديد من التحديات والمؤشرات التي توحي بإعفاء بعض الوزراء خلال التعديل الحكومي، بسبب تصريحات أغضبت الرأي العام، أو أخطاء مرتكبة، أو السقوط في تضارب المصالح، أو ضعف المردودية وعدم معالجة المشاكل التي تعاني منها القطاعات التي يشرفون عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى