الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة | تقسيم النفوذ.. غلطة السلطان مولاي سليمان

المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية "الحلقة 21"

تفاجأنا في “الأسبوع” بكم هائل من رسائل القراء، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالبنا بالاستمرار في نشر كتابات مؤسس جريدتنا، المرحوم مصطفى العلوي.

وتلبية لطلب هؤلاء القراء الأوفياء المتعطشين لصفحة “الحقيقة الضائعة” التي غابت عنهم هذا الشهر، تعود هذه الصفحة بقلم الراحل مصطفى العلوي لتقديم جزء مما تركه من مؤلفات ذات قيمة تاريخية.

كتاب “المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية” الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة.

بقلم: مصطفى العلوي

    عادت المناورات الأجنبية التركية والليبية تحوم من جديد لدخول مناطق الصحراء الشرقية في عهد السلطان مولاي عبد الله، الذي شكل جيشا كبيرا بقيادة الجيلالي الصفار وبعثه إلى الصحراء الشرقية وكانت عاصمتها “تيمي”، حيث تم فرض النظام وإعادة الاستقرار للنفوس.

وبقيت تيمي عاصمة لعامل السلطان من سنة 1780 إلى 1900، حيث أنها كانت مركز التحركات ومعقل المقاومة وهدف الاحتلال الأجنبي.

وفي سنة 1784، ارتأى السلطان مولاي سليمان أن يقسم المناطق الصحراوية إلى مقاطعات عدة، منها مقاطعة عين صالح، وتيميمون، وعين على رأس الصحراء الشرقية القايد علي بن الجيلالي الصفار.

وكانت سياسة تقسيم النفوذ غلطة ارتكبها السلطان مولاي سليمان، حيث أنها سمحت بخلق مناطق للنفوذ، وشعر السكان بضعف نفوذ الخليفة السلطاني علي بن الجيلالي الصفار، وطلبوا من السلطان تغييره لضعفه، فعين محله القايد محمد بن الحاج العياشي، لكن المناورات القبلية بقيادة أحد الجزائريين ويسمى “الشيخ بن خدا” من قبيلة أولاد أحمد بالشمال، خلقت نوعا من الفوضى دعت السلطان مولاي سليمان إلى إرسال جيش من سجلماسة بقيادة القايد حمو الشرادي، لفرض النظام، وتنصيب أحد سكان المنطقة عاملا على الأقاليم وهو القايد محمد بن الحاج العباس، الذي اضطر السلطان لعزله وتأسيس مجلس يسمى مجلس الأمناء.

وانبرى أحد سكان الصحراء، وهو الحسن بن سيد محمد، وكان يسكن في مراكش، ليعلن أن تأسيس مجلس محلي للأمناء هو ضعف من السلطان، وأعلن نفسه أميرا على المنطقة.

وفي سنة 1808، تيقن السلطان مولاي سليمان بأن الفوضى هيمنت على المنطقة، فقرر المجيء بنفسه إلى الأقاليم، ودخلها دخول الفاتحين، وكانت زيارته سببا في استقرار وعودة شاملة للانتظام.

 

الملك يوحد القبائل الصحراوية والموريطانية

    كان لقبائل أيت عطا البربرية، نفوذ كبير على مناطق الصحراء الشرقية، نفوذ ناتج عن اختلاط في العيش والدم والعلاقات العائلية جعل هذه القبائل تخوض حروبا داخلية ضد قبائل الغنانمة، وكان شيخ قبائل أيت عطا هو الشيخ الحسن باحو، وقد ذكرنا أنه منذ ثمانين سنة عين السلطان مولاي عبد الله القايد باحو، جد الحسن باحو، خليفة له في المنطقة، وكانت الحرب سنة 1816 بين الغنانمة وقبائل أيت عطا في الصحراء الشرقية مدعاة لوساطة السلطان مولاي سليمان، الذي دعاه دهاؤه إلى التفكير في حل يعيد للمتقاتلين وحدتهم وللمتنافرين انسجامهم.

فقد أصدر في بداية الأمر قرارا بمنع الحج عن الناس، وعندما أصبح الحج أمنية كبرى لدى كل المواطنين المغاربة، قرر السلطان مولاي سليمان السماح لسكان المناطق الصحراوية بتشكيل وفد للسفر على نفقته إلى الديار المقدسة على أن يأخذوا طريقا واحدة، ويتجمعوا أولا في بوعلي، ثم يتجهون جماعة إلى “زاوية سيدي بو الانوار” في تيدكلت، المنطقة الجنوبية الشرقية المرتبطة غربا بإقليم شنقيط، حيث يجتمعون بوفد الصحراء الغربية وشنقيط بقيادة الشريف مولاي هبة الله وأولاده، وهناك تقام عدة حفلات يتم فيها التصالح قبل أن يتوجه الجميع نحو الديار المقدسة.

 

الملك يعتزل في توات

    وفي سنة 1821، تنازل السلطان مولاي سليمان عن الخلافة لأخيه مولاي عبد الرحمان كخطوة أولى للاعتزال، وجاء إلى توات ليعتزل بها بعد أن قام بزيارة لتافيلالت، ونزل في تيمي ضيفا مكرما عند الأشراف التواتيين، وإنما جاء للتفكير في طرق مواجهة الأخطار النصرانية التي كانت تتهدد المغرب بعد أن بدأت في احتلالها لإفريقيا السوداء، وكان طبيعيا أن تكون الصحراء المغربية أحق باهتمامه من عرشه في مكناس.

وفي سنة 1827، حاول الأتراك الذين طردهم مولاي سليمان من وجدة، أن يدخلوا المغرب من توات، فاتجهوا إلى بث الفرقة بين القبائل في عهد خليفته السلطان مولاي عبد الرحمان، واستطاعوا إشعال نار الفتنة بين القبائل الصحراوية، مما جعل مولاي عبد الرحمان يخصص ميزانية خاصة لتوزيع الهبات على المواطنين في أقاليم الصحراء حتى يستطيعوا مواجهة المناورات التركية، وتوجد لائحة مطولة بأسماء الزوايا والشرفاء والأعيان الذين توصلوا بهذه الميزانية، وهم موزعون على المناطق التالية: تيمي؛ تامنتيت؛ تامست؛ إيزكمير؛ تيدكلت؛ عين صالح؛ تينركوك؛ أولاد سعيد؛ تيميمون؛ أوكروت؛ إلزوا؛ الشروين؛ دلدول؛ أولاد راشد؛ واد الحجر؛ تيصابيت؛ وبودا.

كما طلب السلطان مولاي عبد الرحمان القيام بإحصاء للشرفاء العلويين المتواجدين في الأقاليم الصحراوية الشرقية، لتخصيص ميزانية لهم، فجاءت اللوائح بأسماء متضمنة للأعداد التالية: شرفاء تيط 60؛ شرفاء أوليف 250؛ شرفاء أولاد الركاني 50؛ شرفاء أولاد عبد الكريم المستور 30؛ شرفاء أولاد بن باحية في تيمي 10؛ شرفاء بريش 40؛ شرفاء سالي وتيلولين 1016؛ شرفاء أولاد حمو الصديق 8؛ شرفاء أولاد حمو بلحاج 1030؛ شرفاء تامست 20؛ شرفاء فنوغيل (أولاد هارون) 120؛ شرفاء تيضماعين 60؛ شرفاء أولاد أحمد برشيد 16؛ شرفاء أولاد مولاي الزوين 30؛ شرفاء تيمي 100؛ شرفاء تيمنتيت 6؛ شرفاء الهبلا 1130؛ مجموع الشرفاء العلويين: 3976.

كما طالب بلائحة للشرفاء الأدارسة الذين يتهددهم أيضا الخطر العثماني في المناطق الصحراوية الشرقية، فأسفر الإحصاء عن الأرقام التالية: الشرفاء الأدارسة في تيمي 57؛ الشرفاء الأدارسة في بودا 12؛ الشرفاء الأدارسة في الخشيبة 30؛ الشرفاء الأدارسة في شاراوين 160؛ الشرفاء الأدارسة في أكنتور 30؛ الشرفاء الأدارسة في كالي 40؛ الشرفاء الأدارسة في الطالعا 30؛ مجموع الشرفاء الأدارسة: 359.

وبلغ الدعم المالي الذي أرسله السلطان للسكان في المنطقة، ألفي مثقال.

وفي 16 أكتوبر 1837، أصدر السلطان مولاي عبد الرحمان قرارا بوضع المنطقة كلها تحت حكم قاضي واحد، قاضي تيمي السيد عبد العزيز.

وفي سنة 1861، وصلت لكورارة فيالق فرنسية مدعمة بعدد من المرتزقة من عرب وهران تحت قيادة الضابط الفرنسي، كولونيو بوران، فشعر سكان المنطقة بالخطر النصراني وسارعوا إلى طلب النجدة من السلطان بعد أن طالت مناورات الغزاة الفرنسيين على حدودهم لمدة سنوات، وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى قصور السكان وأسواقهم.

وفي 19 مارس 1864، جاءتهم رسالة من السلطان محمد بن عبد الرحمان، هذا الذي أصبح يواجه أخطار الاحتلال الفرنسي المكشوف بعد معركة “إيسلي” واحتلال وجدة، متأكدا من الأطماع التوسعية الفرنسية في الصحراء الشرقية والإسبانية في الصحراء الغربية، فكتب لسكان الصحراء الشرقية يقول:

((لقد وصلتنا رسالتكم واطلعنا على محتواها.

وهكذا اطلعنا على محاولات بعض من أرادوا النيل منكم فرفضتموهم، لأنهم أرادوا جركم إلى حرب مع جيرانكم الروميين الذي يريدون اختراق أراضيكم والسلوك فيها وهي التي كانت مسدودة في وجوههم لحد الآن.

ولقد طلبتم منا دعوتكم إلى النفير والوحدة والوقوف صفا واحدا، فكونوا يدا واحدة في وجه أصحاب هذه المحاولات، وسنقوم بالواجب ليقف كل واحد عند حدوده. ونرجو الله التوفيق لنا ولكم)).

كان السلطان محمد بن عبد الرحمان قد فتح عدة واجهات عسكرية ودبلوماسية لمواجهة الأطماع الفرنسية والإسبانية، بعد أن أصبح التدخل الأجنبي في المغرب مكشوفا واضح المعالم والأساطيل الأجنبية حول الشواطئ المغربية.

وفي سنة 1866، أتبع السلطان محمد بن عبد الرحمان رسالته لسكان الصحراء الشرقية بالعمل، فعين قائدا عسكريا على المنطقة هو القائد منصور، ووجه معه رسالة هذا ملخصها:

((وبعد:

لقد وصلتنا رسالتكم التي تخبرونا فيها بوصول رئيس الفرنسيين بوران من منطقة “كيريفيل” (التي كان الفرنسيون قد استقروا فيها بالجزائر)، وأنه جاء إلى بلغازي مرفوقا ببوبكر بن حمزة (كان الفرنسيون يقومون دائما بمحاولاتهم مرفوقين بعملاء جزائريين)، ولقد وجهنا أحد خدامنا على طنجة للاستفسار عن أسباب هذا التطاول، وأخذ البيانات من ممثل الحكومة الفرنسية، وأجابنا المندوب الفرنسي بأن بوران إنما جاء على رأس بعثة للقيام بدراسة جغرافية للمنطقة دون الإساءة لأحد.

لهذا نأمركم بمعاملتهم على هذا الأساس وابتعدوا عن التعامل معهم أو الاتجار معهم أو مع أعوانهم، وإذا ما راجت في أسواقكم سلع من عندهم، فاحجزوها ونهنئ قايد تيمي الحاج امحمد، وسنجازيه أحسن الجزاء.

وإننا نكلف القايد منصور بحمل هذه الرسالة إلى كل المناطق حتى عين صالح)).

 

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى