جهات

حديث العاصمة | “الفيلاج الإفريقي” المنتظر

بقلم: بوشعيب الإدريسي

    كورنيش نهر أبي رقراق وكورنيش ساحل الرباط، هما هبة أقرهما المشروع الملكي مع غيرهما من الأوراش التي حققت الريادة والمكانة الرفيعة للعاصمة في القارة الإفريقية، ولا زلتم تذكرون بشاعة وأخطار المرور من الطريق الساحلي ومن الدواوير المحيطية به، والمنازل المهددة بالانهيار، و”البراريك”، و”الجوطيات” المقابلة للبحر حتى اشتهرت الرباط عالميا بالمدينة الفريدة التي تم ليّ عنقها في اتجاه غربها وكأنها على خصام مع بحرها وشاطئها، ولم يكن ذلك  من صنع الطبيعة ما دامت اشتهرت في القرن 19 بمينائها الدولي الذي كان في ذلك الوقت الوحيد في كل تراب المملكة، ولكن كان من تخطيط لوبيات العقار الذين أضافوا أراضي شاسعة إلى المدار الحضري وفصلوا لها تصاميم عمرانية الغاية منها “تهريب” أغلبية الساكنة من الواجهة البحرية إلى الواجهة الداخلية، ومحاولة إفراغ تلك الواجهة والمركز من قاطنيها، وقد لوحظ بالفعل هذا الإفراغ  في التسعينات، مما أثر على ديموغرافية المنطقة التي تراجعت بشكل ملفت واضطرت معه عدة مؤسسات تعليمية إلى إقفال أبوابها، وكادت الواقعة تقع لولا الإنقاذ الذي أنقذ به المشروع الملكي مدينة الرباط، التي أصبحت جوهرة العالم الإفريقي وانتعشت الأحياء التي كانت مستهدفة، بعمران جديد وشاطئ راقي، وساحلين ومرافق سياحية عالية، وطرق ممتازة وإصلاح جذري للحي العتيق… إلخ. هذه باختصار ظروف ميلاد الكورنيشين.

أما “الفيلاج الإفريقي”، فقد اقترحناه على الجماعة منذ 5 سنوات وجددنا طلبنا مع صعود المجلس الجماعي الحالي، وربطناه بورش برج محمد السادس الذي يعد الأعلى في القارة السمراء، حتى يكون على ضفة أبي رقراق، ومن جهة شالة، موزع على بلديات العواصم الإفريقية بناء على رغبتها في إقامة مرافق بتصاميم هندسية محلية لمعالم تراثها، من طبخ وصناعة تقليدية وفلكلور محلي، وقد سبقتنا العاصمة القاهرة سنة 1986 في تنفيذ فكرة طلب العواصم الإسلامية ببناء حدائق على الطراز التقليدي لكل عاصمة في وسط المدينة، ونجحت الفكرة وكانت الرباط الأولى التي دشنت ونفذت المشروع بإنشاء حديقة على الطراز الأندلسي وبمواد جلها مجلوبة من الصناعة التقليدية الرباطية، وافتتحها آنذاك رئيس الجمهورية وسميت بـ”حديقة المغرب” ووصفت بـ”جوهرة الحدائق الإسلامية”، ولم تكن هذه المبادرة الأخوية هي الأخيرة، بل ساهمت الرباط في تقديم المساعدة اللازمة للعاصمة صنعاء سنة 1988، بإحداث حدائق تحت إشراف تقنيين رباطيين ومن تنظيم مصلحة حفظ الصحة، وفي نفس السنة، نفس الفريق الرباطي تعاون مع بلدية العاصمة الغينية مالابو، لوضع حلول للمشاكل التي أرهقتها، وكلها كانت ناجحة.

إلا أن هذا التعاون المغذي لدبلوماسية الشعوب، توقف مع تقلبات الانتخابات والسياسات المحلية، ونتمنى صادقين إنعاشها من جديد لتغادر قاعة “الغيبوبة” التي لزمتها منذ حوالي 30 سنة، تغيرت فيها المجالس والأفكار والشخصنة المنفعية والعلاقات السطحية الخارجية التي “ركلت” العاصمة إلى الخلف مع المجهولين، والجاهلين لقواعد أسس مسؤولية التنقيب عن كيفية الدفع إلى الأعلى بعاصمة مملكتها رائدة في الدبلوماسية الخارجية، بينما جماعتها لم تتخلص بعد من حصار جدران بنايتها، ولم تستفد أيضا من عقليات ورغبات ساكنيها الحاليين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى