المنبر الحر

المنبر الحر | هل تسقط إسرائيل سنة 2048 ؟ 

بقلم: نزار القريشي 

 

    إن مواجهة بعض السياسات الدولية وحساباتها بطريقة موضوعية، وربطها بمواجهة بعض الدول لإسرائيل وأمريكا بشكل خاص، يبرز فهم ماذا ترفض هذه الدول؟ ماذا تعارض؟ وماذا تقاوم؟

هنا أو هناك، أسلوب ما، غطرسة ما، أنظمة ما، إلا أن إيجاد أجوبة مركزة لكل هذه الأسئلة، يقتضي بحثا معمقا في أهم مراحل وحقب التاريخ الحديث، إذ أن واقع المسألة الكولونيالية وربطها بسياسة الدول الإمبريالية، ورهانها على تبعية المستعمرات لها، يجعل شعوب تلك الأراضي تراهن أكثر على الاستقلال التام، وعدم متابعة سياسة هادئة في التحرر، نظرا لخصوصيات محيطها العرقي، وتوجهه الديني، واستراتيجيات رموزها.. فلا شك إذن، أن أي استراتيجية كيفما كانت، فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بتطور الحقبة التي هيأتها وتبلورت فيها، لذلك، فإن تأملا للأحداث الكبرى وخلفيات وقوعها في مناطق عدة من العالم، يبرر تطور الاستراتيجيات العامة لتلك الدول.

وبالتالي، فإن غياب التوازن أو وجوده مثلا في منطقة الشرق الأوسط، تحكمت فيه عدة عناصر، أبرزها قيام الدولة العبرية سنة 1948م، ثم وصول جمال عبد الناصر للسلطة سنة 1954م، إذ في هذا التاريخ وجد الاتحاد السوفياتي موقعا بالمنطقة، بعد أن استغل الرئيس السوفياتي خروتشوف تردد الأنجلوسكسونيين في الشرق الوسط، وقد انتهزت موسكو امتناع الغرب عن بيع أسلحة لمصر، وأثير المشكل من جديد، عندما رفض البنك الدولي تمويل سد أسوان، حيث دفع ذلك بعبد الناصر إلى تأميم قناة السويس يوم 20 يوليوز 1956، وموازاة مع ذلك، حصلت تطورات نوعية في الشرق الأوسط، مما خلخل إعادة التنافس الدولي والاستقطاب.

وفي السياق ذاته، إن حرب 67 وانهيار منظمة عدم الانحياز، مرورا إلى تفكيك الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا، وسقوط جدار برلين، وحدث 11 شتنبر، والحرب على العراق، وظهور الجماعات الإرهابية، والحرب في أوكرانيا، والتهديد الصيني لتايوان.. كل هذا يوضح الجديد الذي أنتجته اللاتقاطعات في السياسة الدولية كاستراتيجيات أكثر تعقيدا، ومن جانب آخر، اتضحت الأولويات الاقتصادية في خطوط متقاطعة مع بعض السياسات الدولية، لذلك، فإن بوادر صعود الاقتصاد الصيني بشكل تصاعدي، في أفق العشرين سنة القادمة، وارتباطه بتنامي سياسة حلف “بريكس” داخل مجلس الأمن ومواقع حيوية بالشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، تؤكده تلك اللاتقاطعات في علم السياسة، مما يفسر كيف أن تشديد العقوبات على موسكو ومن قبلها على طهران غير وارد خدمته للأهداف المسطرة، مقابل العملية العسكرية التي قام بها الجيش الروسي في أوكرانيا، والتي حقق فيها كل أهدافه، حيث سيطر على الشرق والجنوب الأوكراني وميناء أديسا، وهو ما أكده هنري كيسنجر في آخر تصريحاته الإعلامية.

من جهة أخرى، فإن فعل العلاقات الدولية تأرجح خلال السنوات الفائتة بين مصلحة أمريكية وإسرائيلية تخللتها مصالح أوروبية، حاولت أن تعاكس تعاون جنوب-جنوب، إذ على مستوى الشرق الأوسط، تم تجميد متعمد للقضية الفلسطينية، فالتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب أفقد منظمة فتح إرثها التاريخي والنضالي تجاه قضيتها وشعبها، وزاد من الشرخ الفلسطيني-الفلسطيني، كما أفقد محمود عباس بعضا من أوراقه كرئيس، وهو ما نبه إليه في وقت سابق خالد مشعل، على أنه مضيعة للوقت، في حين أن إسرائيل فعلا تريد ربح الوقت كما هو شأن الحكومات الإسرائيلية حتى إنهاء فترتها، فإسرائيل لا تملك رغبة في السلام، وهذه هي استراتيجيتها، والناخب الإسرائيلي يختار رجال هذه الاستراتيجية في وقتهم، مما يجعل خط المقاومة في تصاعد مستمر، والضغط على سوريا وإيران ولبنان يسير في نفس المنحى، لأنهم داعمين أساسيين للمقاومة، لذلك، يمكن معرفة أن دخول إسرائيل في حرب جديدة، ستكون فاشلة، لأن رد المقاومة أعلن أنه سيكون على جبهتين أو ثلاث جبهات، وهذا ما حاول الرئيس جو بايدن إبعاده عن المنطقة في هذه المرحلة بعد تقدير للموقف من البنتاغون.

ومن تم، فإن ارتباط العديد من الملفات الدولية وتداخلها مع المطالب بالدعوة إلى تأسيس نظام عالمي جديد، وتنامي الصراع الإيراني-الإسرائيلي، والسوري-الإسرائيلي، واللبناني-الإسرائيلي، ورفض الشعوب العربية للتطبيع، واحتمال قيام انتفاضات فلسطينية، والتضييق على صفقات التسلح العربية، وانخفاض محتمل لقيمة الدولار، أما رغبة بعض الدول في التعامل باليوان الصيني والروبل الروسي، وتعضد الجبهات بين حركة “حماس” في غزة و”حزب الله” في لبنان و”جماعة الحوثي” في اليمن و”الحشد الشعبي” في العراق، واحتمال توحيد التكتلات العربية كمجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي في اتحاد عربي موحد مستقبلا.. كل هذه العوامل المؤثرة والمتداخلة مع السياقات المذكورة، تؤكد جليا أن إسرائيل قد تدخل في حروب جديدة وتنتصر أو تنهزم، لكن من المؤكد أنها لن تصمد في أفق سنة 2048، فالتاريخ غالبا ما يعيد نفسه من خلال الجغرافية نفسها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى