تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | تفاقم أزمة الدواء المسكوت عنها

بعد صراع الصيادلة ووزارة الصحة

طفت فوق السطح خلافات جديدة بين نقابة الصيادلة ووزارة الصحة، بسبب الخصاص الذي تعرفه سوق الأدوية، خاصة في ظل تفشي الأنفلونزا الموسمية وانتشار “كورونا” ومتحور “أوميكرون”، الأمر الذي يزيد من تفاقم ومعاناة المواطنين الذين يطرقون أبواب الصيدليات، والمحلات الشبه صيدلية “بارافارماسي”، بحثا عن أدوية صالحة لنزلات البرد وغيرها.

وقد خلق هذا الخلاف بين الصيادلة والوزارة الوصية نقاشا لدى الرأي العام الوطني في ظل تبادل البلاغات بين الوزارة ونقابة الصيادلة حول الخصاص الحاصل في الأدوية المطلوبة، والمشاكل الموازية المتعلقة بالإنتاج والتوزيع وغيرها.

 

إعداد. خالد الغازي

 

محمد الحبابي

    هذا الوضع يجعل المواطن هو الضحية في ظل تهرب الوزارة من المسؤولية كلما ظهرت إشكالية، سواء تعلقت بالأدوية أو بأثمنة مختبرات التحليلات الخاصة بـ”كوفيد”، أو الأثمنة الغالية التي تفرضها المصحات الخاصة على المرضى المصابين بـ”كورونا” أو غيرهم، مما يطرح تساؤلات عن عدم تجاوب الوزارة الوصية مع القضايا المطروحة بمسؤولية وحلها بدون مناورة وتكذيب.

في هذا السياق، صرح محمد الحبابي، رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، أن بعض الأدوية المنقطعة تم توزيع البعض منها على الصيدليات لكن بكميات جد محدودة، مضيفا أن كل صيدلية تستقبل ما بين 100 و150 مواطنا يوميا ولديها فقط عشرة علب من دواء معين لا يكفي لتلبية حاجيات بقية المواطنين، خاصة في خلال هذه الأسابيع التي تعرف انتشار متحور “أوميكرون”.

وأضاف الحبابي أن “الموزعين لديهم مشاكل لتلبية مطالب الصيدليات، بحيث أن كل موزع يجد نفسه أمام إكراهات وصعوبات، مثلا كيف سيقوم بتوزيع ألف علبة مثلا من فيتامين C ولديه 500 صيدلية، وهي كمية غير كافية لسد حاجيات المواطنين”.

وأكد رئيس كونفدرالية نقابات الصيادلة، أن “الصيادلة هم من يجدون أنفسهم في مواجهة المواطنين الذين يطالبون الصيدليات بتوفير الأدوية، في ظل نفي وزارة الصحة لوجود خصاص، مما يطرح تساؤلات في ظل غياب الحوار وأجوبة مقنعة”.

من جانبه، يرى الدكتور محمد عريوة، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة، أن “النقص الحاصل في سوق الأدوية يعود لإقبال المواطنين على شراء أدوية فيتامين c والزنك المستعملة في علاج كورونا منذ عامين”، معتبرا أن هذه البلاغات بين الوزارة ونقابات الصيادلة مضيعة للوقت، لأن المطلوب هو القيام بمجهودات لتسوية المشكلة، خاصة وأنه لدينا شركات منتجة وتستطيع تزويد السوق بسرعة”.

وأوضح الدكتور عريوة، أن “النقص الحاصل يرجع لأسباب تقنية ولوجستيكية، بسبب استحواذ جهة الدار البيضاء الكبرى وجهة الرباط على كميات كبيرة من توزيع الأدوية، مما يجعل بقية الجهات تعرف الخصاص”، مشددا على “ضرورة تعاون الوزارة والشركات والصيادلة وفتح حوار بينهم لأجل الوصول إلى حلول مرضية للجميع”.

 تصعيد الصيادلة 

    دعت كونفدرالية نقابات الصيادلة، جميع أصحاب الصيدليات بمختلف المدن، إلى حمل الشارة السوداء أثناء مزاولة مهامهم الصيدلانية، وذلك تعبيرا عن الاحتقان الذي يعرفه القطاع، والذي يعكس التجاهل التام لوزارة الصحة لمعالجة القضايا الجوهرية والحيوية التي تهم صحة المواطنين.

وقررت الكونفدرالية التصعيد ضد الوزارة، بعد إغلاقها لكل أنواع التواصل والحوار المؤسساتي المباشر مع التمثيليات المهنية للصيادلة لأزيد من سنتين، الشيء الذي يعرقل التنسيق حول مختلف القضايا المهنية، وأيضا تلك التي تهم صحة المواطنين، منتقدة “لجوء وزارة الصحة لإصدار بلاغات تشكيكية، لإرباك قناعات الرأي العام الوطني حول الوقائع الحقيقية للمنظومة الدوائية، دون أن تكلف نفسها عناء التدخل السريع لحل الإشكاليات التي يتم التعريف بها، وكذا تحمل مسؤولياتها في مأسسة سياسة دوائية فعالة، تدرأ الارتباكات الحاصلة على الكثير من الأصعدة وبفعل العديد من القرارات الارتجالية أحادية الجانب”.

وقالت كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، أنها تتابع بقلق بليغ طريقة تفاعل وزارة الصحة مع الإشكاليات التي يعيشها قطاع الدواء والصيدلة ببلادنا، ولاسيما في الأسابيع الأخيرة التي عرفت انقطاعا غير مسبوق للأدوية في مختلف صيدليات المملكة وعلى مستوى مختلف الشركات الموزعة عبر التراب الوطني.

وأضافت الكونفدرالية أن “هذه الإشكاليات المذكورة، نبهت إليها من أجل تدخل وزارة الصحة على عجل لحل المشكلة، ليتفاجأ قطاع الصيدليات ببلاغ رسمي لوزارة الصحة ينفي أي انقطاع للأدوية في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من أزمة حقيقية جراء انقطاع أدوية موسمية للزكام وبعضها يدخل في البروتوكول العلاجي لكوفيد 19 ومتحوراته”.

تهافت الناس على الأدوية

محمد عريوة

    عبر العديد من المواطنين عن استيائهم من غياب الأدوية في عدة صيدليات، سواء في الرباط أو سلا أو تمارة، وحتى في مدن أخرى مثل القنيطرة، الشيء الذي جعل المواطنين يبحثون عن أسماء أدوية أخرى مشابهة لاستخدامها كبديل للأدوية التي تستعمل في الزكام العادي، أو في أمراض أخرى.

في هذا الصدد، يرى محمد عريوة، عضو الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، أن “بعض المواطنين يساهمون في خلق أزمة الأدوية عبر اقتناء الأدوية بكميات كبيرة (10 علب إلى 20 علبة من فيتامين c مثلا، وذلك بهدف تخزينها للحالات الطارئة، الشيء الذي يحرم مواطنين آخرين من الاستفادة منها”، منبها إلى أن “هذه المسألة تربوية تستوجب تدخل الوزارة لتحسيس المواطنين بعدم التهافت على الأدوية في الصيدليات بشكل عشوائي وحرمان مرضى آخرين من الحق في الحصول عليها”.

وشدد عريوة على ضرورة تحلي المواطنين بقدر من المسؤولية من خلال تغيير هذا السلوك (اقتناء كميات من الأدوية بدون سبب)، الذي يخلق أزمة وطنية في سوق الأدوية ويحرم مرضى آخرين هم في أمس الحاجة لهذه الأدوية التي يكثر عليها الإقبال خلال الجائحة، مشيرا إلى أن المغرب يقترب من الخروج من أزمة “أوميكرون” وسوف يتجاوز هذه المرحلة.

مواطنون يبحثون

    خلال عطلة نهاية الأسبوع، تكثر طوابير المواطنين أمام صيدليات الحراسة، حيث أن العديد منهم يبحث عن الأدوية الصالحة للزكام أو الحمى، في ظل موجة البرد القارس التي تشهدها مختلف مناطق المملكة.

العديد من المواطنين أمام أبواب الصيدليات، أكدوا أنهم لا يجدون الأدوية المتعلقة بالزكام بسبب قلتها، بالإضافة إلى شبه غياب لفيتامين c وبعض الأدوية الأخرى الصالحة لمقاومة الأنفلونزا الموسمية مثل “فيبركس” و”رينوميسين”.

جريدة “الأسبوع” عاينت بعض الصيدليات خلال نهاية عطلة الأسبوع، والتي أكدت أنها لا تتوفر على الأدوية المتعلقة بالزكام، والتي تدخل في البروتوكول العلاجي لفيروس “كوفيد”، بسبب انقطاعها من المصدر ونفاذ المخزون الذي كانت تتوفر عليه الصيدلية.

كما أن بعض الصيادلة يشتكون من عدم توصلهم بالطلبات منذ سنة تقريبا، من الشركات المتخصصة، رغم إلحاحهم باستمرار، حيث يقع بعضهم في موقف حرج مع بعض الأقرباء المرضى أو بعض الزبناء بسبب عدم استطاعته توفير الأدوية المطلوبة لهم، إضافة إلى أن بعض المواطنين يقولون أنهم يبحثون عن الأدوية في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في مواقع الأنترنيت، حيث قد تكون متوفرة لدى بعض الأشخاص أو لدى محلات “باراميديكال”.

شركات الأدوية تتبرأ

    من جهتها، قالت الفيدرالية المغربية لصناعة الأدوية: “لم يتم تسجيل أي انقطاع في الإنتاج أو اضطراب في مخزون الأدوية التي تدخل في البروتوكول العلاجي لكوفيد، لا سيما الكلوروكين والإريثروميسين، والزنك وفيتامين C وفيتامين D، والباراسيتامول والهيبارين”.

وأضافت الفيدرالية، أنها “تعمل بتعاون وثيق وتشاور مع السلطات العامة، من أجل استباق التحديات المستقبلية، لا سيما فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية، وبالتالي، تضمن تزويد السوق الوطنية باستمرار، كما هو الشأن منذ اندلاع الجائحة”.

ودعت الفيدرالية المغربية لصناعة الأدوية كافة الجهات المعنية، إلى “الالتزام بتوفير الأدوية والمنتجات الصحية اللازمة، بمخزون أمان تنظيمي يكفي لمدة ثلاثة أشهر بالنسبة لشركات الصناعات الدوائية، وشهر واحد بالنسبة للموزعين”، وأوضحت أنه “رغم ضعف سلاسل الخدمات اللوجستية الدولية، والولوج إلى الأدوية وارتفاع تكاليفها، فقد تعبأ المصنعون المغاربة والاتحاد المغربي للصناعات الدوائية، على جميع المستويات منذ بداية الجائحة، من أجل تقليص مخاطر العجز بفضل تدبير مثالي لمخزون الأمان”.

وأكدت الفيدرالية، التي تعتبر أول جمعية في القطاع، منذ 35 سنة، التزامها من أجل تثمين الصناعات الدوائية الوطنية، وتزويد السوق المحلية بالدواء اللازم.

الوزارة تنفي كالعادة

    اعتبرت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أن “وجود نقص مفرط في الأدوية المستعملة كبروتوكول لعلاج مرض كوفيد، هو مجرد أخبار مغلوطة من شأنها خلق الذعر والبلبلة في صفوف المواطنات والمواطنين”.

وأوضحت الوزارة في بلاغ لها، أن الأدوية الأساسية الموصوفة للاستعمال ضمن البروتوكول العلاجي لفيروس “كورونا”، ومنها “الكلوروكين، الأزيتروميسين، الزنك، فيتامينc ، فيتامين d، الباراسيتامول، والهيبارين”، موجودة بشكل يغطي الطلب.

وأضافت أنه بالنسبة لبعض أدوية الزكام، هناك العديد من الأدوية الجنيسة التي تصنع محليا كفيلة بتغطية هذا النقص، وذلك في إطار حث وزارة الصحة والحماية الاجتماعية على تشجيع الصناعة المحلية والأدوية الجنيسة.

وأشارت الوزارة إلى أن المخزون الوطني للأدوية في المغرب يخضع لمراقبة مستمرة وصارمة، كما تتم مراقبة مدى احترام المخزون الاحتياطي لجميع الأدوية الأساسية بشكل أسبوعي من طرف المرصد الوطني للأدوية والمنتجات الصحية، التابع لمديرية الأدوية والصيدلة، مما يستدعي التدخل الاستباقي الآني في حالة وجود أي مشكل، خصوصا في هذه الظرفية التي تعرف انتشار متحور “أوميكرون” وموسم الأنفلونزا.

ودعت وزارة الصحة جميع الصيادلة، إلى الإبلاغ في حالة تسجيل أي نقص متعلق ببعض الأدوية الأساسية، والاتصال بموزعيهم أو بالمرصد الوطني للأدوية والمنتجات الصحية لطلب المعلومات.

وتابع البلاغ بأن “وزارة الصحة والحماية الاجتماعية سبق أن أصدرت دورية وزارية تحت رقم DMP/00/ 75 بتاريخ 18 مارس 2020، تحث فيها جميع الأطراف المتدخلة، على الالتزام بتوفير الأدوية والمنتجات الصحية الضرورية بمخزون أمان تنظيمي لمدة ثلاثة أشهر بالنسبة للشركات الصيدلانية الصناعية، وشهر بالنسبة للموزعين”.

الوزير ينفي نفاذ المخزون

خالد أيت الطالب

    من جهته، نفى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد أيت الطالب، وجود أزمة بخصوص الأدوية المتعلقة بالزكام، أو التي تدخل في البروتوكول العلاجي لـ”كوفيد” مثل الكلوروكين والإريثروميسين، والزنك وفيتامين “سي”، وفيتامين “د”.

وأوضح الوزير خلال حضوره بالبرلمان، أن المغرب يتوفر على مخزون من الأدوية الخاصة بالزكام وعلاج “كوفيد”، تكفي لتغطية الحاجيات من 3 إلى 32 شهرا، مشيرا إلى أن الوزارة قامت بتفتيش سبب عدم وصول هذه الأدوية إلى الصيادلة، حيث تبين أن المسألة لا تتعلق بإنتاج الدواء أو التوزيع، بل الأمر يتعلق بتعامل تجاري بين الموزعين والصيادلة لغياب علاقة الثقة بينهما.

وقال أيت الطالب، أن مروجي ادعاءات نفاذ المخزون الوطني من الأدوية المذكورة، لديهم مشاكل مالية وقانونية مع الموزعين الذين يتعاملون معهم، تحول دون تمكينهم من المخزون الكافي لتسويقه في صيدلياتهم، مؤكدا أن المخزون الوطني للأدوية يخضع للمراقبة، كما تتم مراقبة المخزون الاحتياطي لجميع الأدوية الأساسية بشكل أسبوعي من طرف المرصد الوطني للأدوية والمنتجات الصحية التابعة لمديرية الأدوية والصيدلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى