تحقيقات أسبوعية

تقرير | أرقام مهولة لتهريب الأموال المغربية نحو الخارج

أين القانون ؟

يعد تهريب الأموال من العمليات غير المشروعة التي تهدد اقتصاد البلدان وتسبب خسائر كبيرة، وتترك أثارا سلبية على الاقتصاد المحلي والإقليمي، الشيء الذي يؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية ويؤدي إلى اختلالات في الميزان التجاري والناتج الداخلي.

فقد كشفت العديد من التقارير، أن هناك اختلالات كثيرة في مجال الرقابة المالية وعلى مستوى الاستيراد وتحويل الأموال خلال السنوات الماضية، حيث سجلت عمليات لتهريب ملايير السنتيمات من البلد، من خلال التلاعب في الفواتير والمستندات المتعلقة بالتصدير والاستيراد.

وفجر تقرير لمنظمة “غلوبال فاينانشيال أنتيغريتي” الغير حكومية ومقرها في واشنطن، معلومات خطيرة حول فقدان المغرب خلال عشر سنوات فقط، ما بين 2009 و2018، نحو 600 مليار درهم، من خلال التلاعب بفواتير وهمية والتلاعب في قيمة السلع المصرح بها لدى مصالح الجمارك، حتى يتسنى لهم تحويل الأموال بطرق غير مشروعة عبر الحدود الدولية.

ورغم قيام الجالية المغربية المقيمة في الخارج بتحويلات تجاوزت كل التوقعات خلال السنة الجارية، حيث فاقت التحويلات المالية حوالي 16 مليار دولار، إلا أن هناك آخرين يقومون بتهريب الأموال بشتى الطرق، تارة عبر المعاملات التجارية، وتارة أخرى، عن طريق شراء عقارات في فرنسا وغيرها، أو من خلال اللوحات الفنية التشكيلية أو الذهب، وأساليب أخرى.

 

إعداد. خالد الغازي

 

التهريب بالتجارة

    رصدت “غلوبال فاينانشيال أنتيغريتي” في تقريرها الذي يتناول عمليات التجارة والفواتير الوهمية، أن بعض المصدرين والمستوردين يعمدون إلى التلاعب في قيمة السلع المصرح بها لدى مصالح الجمارك، وذلك حتى يمكنهم تحويل الأموال بطرق غير مشروعة نحو مختلف الدول.

وأوضحت المنظمة الأمريكية، أن التجار الكبار يلجؤون إلى التهرب من أداء الرسوم الجمركية وتمويه أنظمة مراقبة الصرف، وتحويل الأموال إلى حسابات بنكية خارجية، وذلك من خلال المبالغة في تقدير القيمة المعلنة للسلع المستوردة أو المصدرة، أو التقليل من قيمتها، حيث يتاح لهم تحويل الأموال بشكل غير مشروع عبر الحدود، عن طريق إخفائها في مدفوعات وأداءات منتظمة للتجارة ضمن نظام التجارة الدولية.

وكشفت المنظمة أيضا، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خسرت من عمليات التجارة الوهمية نحو 58.6 مليار دولار على مدى 10 سنوات، فيما فقدت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، نحو 25.2 مليار دولار، مضيفة أن الدول التي تعرف ارتفاعا في مثل هذه العمليات، هي الصين بنحو 305 ملايير دولار، وبولونيا بنحو 62.3 مليار دولار، والهند بـ 38.9 مليار دولار، وروسيا بـ 32.6 مليار دولار.

إضرار بالاقتصاد الوطني

    يسبب تهريب الأموال، سواء عن طريق التجارة الدولية، أو عبر طرق أخرى، أضرارا كبيرة على الاقتصاد الوطني وعلى الاستثمار، وعلى جلب الحاجيات الأساسية التي تحتاجها البلاد، سواء من محروقات أو أدوية أو مواد أولية للصناعة، بسبب نقص العملة الصعبة التي تعتبر ضرورية للحفاظ على الميزان الاقتصادي لأي بلد.

في هذا السياق، يرى محمد الغلوسي، رئيس جمعية حماية المال العام، أن “ازدياد حجم تهريب الأموال، يعود إلى استمرار نزيف الفساد وسيادة الإفلات من العقاب، وعجز آليات الرقابة والقانون عن ملاحقة المهربين الكبار الذين يتمتعون بنفوذ كبير، فهم بعيدون كل البعد عن الأضواء الكاشفة لمؤسسات الرقابة، بسبب تواطؤ بعض من أسندت لهم مهام وظيفية مع هؤلاء، وهي شبكات نفعية تشتغل خارج الضوابط القانونية ولها كامل القدرة ودون عناء على خرق القانون والإفلات من أي محاسبة”.

وأوضح الغلوسي ذلك قائلا: “إن الوسائل المستعملة في تهريب الأموال (تزوير الفواتير، فواتير وهمية، التلاعب بقيمة السلع، التحايل على أنظمة الصرف والمراقبة، التهرب من الرسوم الجمركية…إلخ)، تؤدي حتما إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني، وضرب المساواة والمنافسة وفتح المجال لانتعاش السوق السوداء، وتكون طبقة ريعية لا تهمها إلا مصالحها لمراكمة الثروة، وهو ما يشكل خطورة على كافة المستويات”.

واعتبر رئيس جمعية حماية المال العام، أن “هذه التقارير تكشف بعضا من أوجه الفساد ببلادنا، وتدق ناقوس الخطر للمسؤولين، وتعتبر امتحانا حقيقيا لكل المؤسسات الرقابية وتلك المكلفة بإنفاذ القانون، وهي تقارير ستكون لها تكلفة على مستوى الاستثمار الأجنبي وتضع صورة البلد وكل الشعارات حول الحكامة والشفافية على المحك، لذلك، لا يجب الاستهانة بها أو الإسراع إلى تسفيهها وكيل الاتهامات لمسؤوليها”، مشددا على “ضرورة مواجهة واقع الفساد والريع وسياسة الإفلات من العقاب بكل حزم وشجاعة، وذلك بفتح تحقيقات معمقة وشاملة حول ما ورد في التقرير وربط المسؤولية بالمحاسبة على ضوء ذلك”.

تهريب مستمر

    كشف تقرير آخر لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، صدر في شهر أكتوبر من السنة الماضية، أن مجموع الأموال التي تم تهريبها من المغرب نحو الخارج خلال عامي 2013 و2014، يناهز 16.6 مليار دولار (حوالي 155 مليار درهم).

وحسب التقرير الصادر بعنوان: “التدفقات المالية غير المشروعة في إفريقيا”، فإن “المبالغ المهربة بطرق غير مشروعة خلال هذين العامين، تتم عبر طرق مختلفة من بينها تزوير الفواتير، وحجة الاستثمارات المباشرة والمعاهدات التجارية، بمعدل سنوي يناهز 8.3 ملايير دولار.

وأوضح نفس التقرير، أن التدفقات المالية غير المشروعة والتي تخرج من المغرب، والتي بلغت 16.6 مليار دولار، تتم عبر بوابة استثمارات المغاربة في الخارج، مشيرا إلى أنها شهدت زيادة بنسبة 48 في المائة ما بين عامي 2016 و2019، ويلاحظ أن تدفق الاستثمارات المغربية المباشرة في الخارج، عرفت زيادة بأكثر من النصف خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2019، حيث بلغت 6.57 ملايير درهم مقابل 2.96 مليار درهم مع نهاية شهر شتنبر 2018.

ويشكل تزوير فواتير المنتجات عند الاستيراد والتصدير، الوسيلة الأكثر استخداما لتهريب الأموال، بحسب التقرير ذاته، بالإضافة إلى استغلال ثغرات في المعاهدات والاتفاقيات التجارية والاستثمارات المباشرة بالخارج.

تقارير غير دقيقة

    يرى بعض المحللين، أن التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية بخصوص عملية تهريب الأموال من المغرب، تفتقد للمصداقية أو تحركها بعض الجهات التي لها حسابات مع المعنيين، لكون مسألة المبادلات والتحويلات المالية من المغرب تخضع لمساطر وشروط معقدة من قبل المؤسسات المالية المسؤولة عن القطاع، مثل بنك المغرب ومكتب الصرف وإدارة الضرائب.

في هذا الإطار، اعتبر المحلل الاقتصادي، المهدي فقير، أن تقارير من هذا النوع غير دقيقة وتبقى تقديرات فقط ومشكوك في صحتها، لأنها لا تستند إلى معايير مضبوطة، متسائلا: ما هي القطاعات التي اعتمد عليها التقرير للحديث عن وجود فواتير وهمية؟

وأضاف أن عمليات الاستيراد والمعاملات التجارية الدولية، تخضع للرقابة من قبل الجمارك، ومكتب الصرف، وإدارة الضرائب التي تبحث في الفواتير وتدقق فيها، مستبعدا حصول تلاعبات في الفواتير، خاصة وأن النظام الرقابي المعمول به بين الأبناك ومكتب الصرف، يتعامل بصرامة مع جميع التحويلات المالية، ويجب أن يكون الملف كاملا حتى ينال المصادقة من إدارة البنك لتحويل الأموال إلى الخارج.

وأكد نفس المتحدث، أن هناك اختلالات ومشاكل بسبب الاعتماد فقط على الاستيراد من الخارج، وعدم الاهتمام بالصناعة الوطنية وتطويرها، الأمر الذي يتطلب القيام بإصلاحات في مجال الاستيراد والتصدير من خلال رؤية النموذج التنموي الجديد، ودعم الصناعة المحلية، وتعزيز المنظومة القانونية.

سويسرا قبلة الأموال

    كشفت منظمة النزاهة المالية العالمية في تقرير لها، أن هناك تدفقات كبيرة من الأموال غير المشروعة خارج المغرب، وأن حجم الأموال التي تم تهريبها من المغرب إلى الخارج، بين عامي 2004 و2013، فاق الـ 41 مليار دولار أمريكي.

وأضاف ذات التقرير، أن سويسرا تعد الوجهة الأولى للأموال المغربية المهربة، بالإضافة إلى الأموال المهربة من البلدان الإفريقية، مبرزا أن ظاهرة تهريب الأموال من المغرب تتزايد بمعدل 11.5 % سنويا.

وأشارت منظمة النزاهة المالية العالمية إلى أن متوسط الأموال المغربية المهربة نحو الخارج، يفوق الأربع مليارات دولار سنويا، الأمر الذي جعل المغرب يتبوأ المركز الـ 34 من بين 149 بلدا شملهم التصنيف العالمي الذي يرصد التدفقات المالية غير المشروعة على مدى عقد من الزمن.

وأرجع التقرير سبب التهريب النقدي، إلى ضعف المراقبة الجمركية التي تساهم بشكل غير مباشر في سهولة تهريب الأموال من المغرب إلى الخارج، وهو ما كشفته منظمة النزاهة المالية العالمية، التي دعت الحكومة المغربية إلى تشديد المراقبة الجمركية وتدريب رجال الجمارك على طرق الكشف عن التلاعب والتزوير في الفواتير، من أجل الحد من تهريب رؤوس الأموال.

وفي سياق ما نشرته هذه المنظمة، نشر المحلل السياسي يحيى اليحياوي، تدوينة يقول فيها أن “التقرير يقول بأن ظاهرة تهريب الأموال بالمغرب تتزايد بمعدل 11.5 في المائة سنويا، وهذه الأرقام والنسب تهتز لها الجبال.. لو اجتهدت الدولة لمحاصرة هذا النزيف، ما مددنا أعناقنا لا لصندوق النقد الدولي ولا للبنك العالمي ولا للأبناك التجارية الكبرى.. كان يكون خيرنا كافي شرنا”.

تعليق واحد

  1. Je trouve très grave le laxisme des gouvernements qui sont passées à la tête du pays comment on peut laisser le pays comme un passoire surtout quand ça touche un point très sensible puisque l’économie financière d’un pays et souveraine et une ligne rouge a ne pas dépasser

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى