تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | الساعة الإضافية تعمق أزمة الأسر والتلاميذ

يعاني العديد من تلاميذ المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة، من تأثير الساعة الإضافية التي تفرض عليهم الاستيقاظ قبل طلوع الشمس للذهاب إلى المدرسة، الشيء الذي يجعلهم يعيشون مشاكل صحية نتيجة قلة النوم وعدم التركيز.

فالتوقيت الدراسي في الفترة الحالية يفرض على التلاميذ والطلبة، والعمال، الاستيقاظ مبكرا قصد تحضير اللوازم للذهاب إلى المدرسة أو العمل، الشيء الذي يفرض عليهم الخروج في الظلام الدامس بحثا عن وسيلة نقل أو الذهاب مشيا على الأقدام إلى المدرسة، وخاصة في المناطق النائية والجبلية.

معاناة حقيقية يعيشها التلاميذ والمواطنون في المدن والقرى، الشيء الذي جعل العديد من الأصوات في مواقع التواصل الاجتماعي، تنادي الحكومة بإلغاء الساعة الإضافية على الأقل خلال فصل الشتاء، نظرا للصعوبات التي تعيق حياتهم اليومية، ويظل السؤال المطروح لدى عامة المغاربة: متى تتفاعل الحكومة مع مطلبهم بإلغاء هذه “الساعة المشؤومة” ؟

 

إعداد. خالد الغازي

 

معاناة التلاميذ مع التوقيت الإضافي

    الكثير من الآباء والأمهات في المدن يعانون كل يوم مع أطفالهم الصغار، حيث يضطرون للاستيقاظ على الساعة السادسة صباحا، من أجل إعداد اللوازم المدرسية ووجبات الفطور والغذاء لأطفالهم قبل التحاقهم بالنقل المدرسي، لأنهم مجبرين على الاستيقاظ مبكرا أيضا قبل امتطاء حافلة المدرسة في الساعة السابعة والنصف تحت الظلام.

يقول عبد الله، عضو في جمعية أولياء تلاميذ مؤسسة خاصة، أن التلاميذ الصغار هم أكثر الضحايا للساعة الإضافية، وخاصة الذين يدرسون في المؤسسات والمدارس الخاصة، التي تفرض على كل تلميذ صغير أن يكون جاهزا في وقت محدد قبل وصول حافلة النقل المدرسي، الشيء الذي يجعل الأطفال والبنات الصغيرات يعانون مشكل قلة النوم وانعدام التركيز، منهم من يذهب ويعود للنوم في حافلة النقل المدرسي.

وأضاف: إن الفترة الحالية التي تعرف موجة قوية للبرد، في جميع المناطق، إلى جانب اقتراب أذان الصبح من الساعة السابعة، وظاهرة السرقة صباحا، تخلق ارتباكا لدى الأسر والتلاميذ والعمال، خصوصا وأن الظلام يستمر إلى الساعة الثامنة صباحا، مؤكدا أن هذه الصعوبات تتطلب من الحكومة، إعادة النظر وإلغاء الساعة الإضافية خلال فصل الشتاء الذي يعرف الكثير من حوادث السير بسبب الضباب وتفشي جرائم السرقة.

عبد اللطيف معضوض، أستاذ وعضو في جمعية آباء التلاميذ بمؤسسة خاصة، قال بأن الساعة الإضافية تطرح إشكالية كبيرة، لأن التلميذ يستيقظ بصعوبة في الصباح الباكر للذهاب للمدرسة، ويكمل نومه في الحافلة المدرسية، مضيفا أن المشكل يتضاعف بالنسبة للتلاميذ الذين يقطنون بعيدا عن المؤسسات الإعدادية والابتدائية، بحيث يعاني العديد منهم من تأثير النوم وانعدام التركيز وعدم الانتباه للدروس، ويحصل تأثير على الطاقة الجسدية للتلميذ.

وأوضح أن الكثير من التلاميذ يذهبون إلى المدارس في جنح الظلام خلال هذه الفترة من فصل الشتاء، الشيء الذي يحتم على آبائهم وأمهاتهم مرافقتهم في الطريق خوفا عليهم من التعرض لمشاكل، مشيرا إلى أن تلاميذ القرى يعانون بدورهم كثيرا بسبب الساعة الإضافية والذهاب في أوقات مبكرة وقطع مسافات طويلة للوصول إلى المؤسسة التعليمية.

وأكد أن العودة للساعة الأصلية أصبح مطلبا من طرف الجميع، أولياء التلاميذ والأساتذة والأطر الإدارية، وحتى في قطاعات أخرى، لأن الجميع يعاني من الساعة الإضافية لما لها من تأثير وانعكاس سلبي على تركيز التلاميذ، وخاصة الصغار منهم.

 

تأثير على تركيز الأطفال

    سعيد مفادي، أستاذ مكون في الإرشاد الأسري والتربوي، اعتبر في تصريح للجريدة، أن الساعة الإضافية لها تأثير كبير على صحة الأطفال النفسية والجسدية، بسبب قلة النوم والاستيقاظ يوميا مبكرا للذهاب في الظلام عبر حافلة المدرسة، والوصول إلى القسم في حالة ذهنية غائبة وعدم القدرة على استيعاب الدروس والفهم، وقال: “لا يوجد قرار من الحكومة لإلغاء الساعة الإضافية،  رغم حديث الأحزاب التي تتولى المسؤولية، عن إلغاء الساعة الإضافية والعودة إلى التوقيت العادي، رغم أنهم يقولون بأن هناك اقتصادا للطاقة، لكن العكس هو الملاحظ، لا يوجد اقتصاد بحيث أن مصابيح الإنارة العمومية تستمر مشتعلة إلى الساعة الثامنة صباحا”.

وأوضح مفادي أنه عندما يؤطر بعض الدورات التكوينية في المؤسسات التعليمية الخاصة لفائدة التلاميذ، يلاحظ ظهور العياء عليهم، بحيث يغلب عليهم النوم وغياب التركيز خلال الورشة، بسبب عدم النوم لساعات كافية في الليل، مبرزا أن هذا التأثير ينعكس سلبا على سلوك الطفل الذي يقوم بحركات وتصرفات سلبية، وهي في الحقيقة ردة فعل بسبب الضغط الذي يعاني منه، والتحصيل الدراسي والاستيقاظ مبكرا، وعندما يعود للمنزل يعود للنوم ولا يستطيع القيام بواجباته المدرسية.

وتابع أن الساعة الإضافية تسبب معاناة يومية للتلاميذ الذين يقطنون في المناطق الجبلية والقروية، والذي يضطرون للذهاب إلى مدارسهم سيرا على الأقدام تحت الظلام، مما يعرضهم للاعتداء من قبل الكلاب الضالة واللصوص أو التحرش والاغتصاب، مؤكدا على ضرورة مراجعة قرار الساعة الإضافية وإعادة النظر فيها، لأن لها تأثيرا سلبيا كبيرا على جميع المغاربة.

بدوره، أكد محمد، أستاذ بمدرسة يعقوب المنصور بالدار البيضاء، أن الساعة الإضافية تخلق مشكلة للتلاميذ الذين يأتون إلى المؤسسة بشكل متأخر بدون تناول وجبة الفطور في الكثير من الأحيان، وبدون استعداد للدرس، مبرزا أن لها تأثيرا كبيرا على تركيز الطفل داخل القسم ومنهم من ينام في القسم، وخاصة في المناطق القروية بعدما قطع مسافة طويلة للوصول للمدرسة.

وطالب بضرورة إزالة الساعة الإضافية على الأقل في الفترة من أكتوبر إلى فبراير، لما لها من تأثير وخيم على التلاميذ.

 

مطالب بإلغاء الساعة

    الكثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي طالبوا الحكومة الحالية خلال بدايتها، بإلغاء الساعة الإضافية، نظرا للظروف الاجتماعية والصعوبات التي تعتري الناس في حياتهم منذ اعتمادها، ولاسيما المستخدمين والتلاميذ والطلبة والعديد من شرائح المجتمع.

عبد الواحد زيات، رئيس الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، كتب في تدوينة على حسابه “الفايسبوكي”: “إن إلغاء الساعة الإضافية أضحى أمرا ضروريا، لأن الأثار النفسية والاجتماعية السلبية التي خلفتها الساعة الإضافية على العديد من الفئات، عديدة”، وقال أيضا: “إن أول الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها الحكومة الجديدة، هو إلغاء الساعة الإضافية”، متسائلا: “أين هي نتائج الدراسة الخاصة بالساعة الإضافية؟”.

بدوره أكد الرامي، فاعل جمعوي، في تدوينة بحسابه الرسمي بموقع “الفايسبوك”، أن “تلاميذ القرى والمدن يعانون كثيرا، بعد خروجهم من المنزل في الظلام، حيث يكملون نومهم في حافلة النقل المدرسي، وما يزال في هذه الساعة الظلام يخيم على كامل البلاد، وكل العائلات التي لديها تلاميذ استيقظت وأشعلت الأضواء، وهناك من شغّل السخان الكهربائي نظرا لبرودة الطقس، فعن أي اقتصاد يتكلم أصحاب الساعة الإضافية المشؤومة، علما أن لها تأثيرا سلبيا على صحة المواطنين وتحطيم نفسيتهم وخلخلة توازنهم؟”، وتابع: “نريد ساعتنا لا بديل عن توقيت غرينيتش”.

وقال سعيد، ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي: “المغاربة جميعهم ينتظرون بفارغ الصبر ومنذ مدة، إلغاء الساعة الإضافية والعودة إلى الساعة القانونية العادية، وبالتالي وضع حد لمعاناة التلاميذ وعائلاتهم جراء التأثيرات السلبية لهذا التوقيت على الجوانب النفسية والاجتماعية والصحية والأمنية وحتى المجالية، وكذلك لما تسببه من معاناة مختلفة للمواطنين”.

سؤال برلماني وتجاهل حكومي

    اعتبرت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، أن استمرار العمل بالساعة الإضافية له تأثيرات سلبية على التلاميذ والأسر، خاصة خلال فصل الشتاء، مضيفة في سؤال إلى وزير التربية الوطنية، أن هذه المعاناة تزداد أكثر في العالم القروي، مع غياب النقل المدرسي وصعوبة المسالك الطرقية وبعد المسافة وهشاشة بنيات الاستقبال.

وأكدت وجود معاناة للتلاميذ وأسرهم جراء التأثيرات السلبية لهذا التوقيت على المستويات النفسية والاجتماعية والصحية والأمنية والمجالية، مشيرة إلى أن التلاميذ وأولياء أمورهم يغادرون بيوتهم في جنح الظلام بعد آذان الفجر مباشرة، ويعودون إليها في الظلام كذلك، محملين بإنجاز واجباتهم المنزلية والاستعداد إلى الغد.

وقالت أيضا: “إن الدولة المغربية اعتمدت التوقيت الصيفي، حيث العمل بالساعة الإضافية بشكل دائم تحت ذريعة الاقتصاد والتعاملات التجارية، ومواكبة التوقيت الأوروبي، إلا أن هذا التوقيت أبان عن سلبياته خاصة في فصل الشتاء”.

من جانبه، تجاهل مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، سؤالا خلال ندوته الصحفية، يتعلق بإلغاء الساعة الإضافية، التي أصبحت مطلبا شعبيا من قبل المغاربة، لكنه عوض أن يجيب عن سؤال الصحفية، فضل مغادرة القاعة دون أن يقدم أي توضيحات في الموضوع، بعدما سبق له أن صرح بأن الحكومة تتداول في قضية إزالة الساعة الإضافية والعودة للتوقيت العادي.

هذا، ويطالب عدد كبير من المغاربة الحكومة، بضرورة العودة إلى اعتماد التوقيت القانوني، وخاصة بعد أن كشفت التجربة عن وجود أضرار كبيرة جراء اعتماد الساعة الإضافية، حيث يضطر الجميع إلى مغادرة بيوتهم تحت جنح الظلام ويعودون إليها كذلك تحت جنح الظلام، الأمر الذي تكون له انعكاسات سلبية كبيرة على صحة المغاربة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى