تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | لماذا سكت العلماء المغاربة عن محاولة ترويج “دين جديد” ؟

"الديانة الإبراهيمية" تخلق جدلا عالميا

لم يعد يمر يوم دون أن تثير وسائل الإعلام، وطنيا ودوليا، بعض المصطلحات من قبيل “الاتفاقات الإبراهيمية” و”الديانة الإبراهيمية” و”بيت العائلة الإبراهيمية”، وغيرها من المصطلحات التي تتم إثارتها بمناسبة الحديث عن “صفقة القرن” أو “اتفاقات التطبيع مع إسرائيل”، ورغم أن المغرب حصن اتفاقه للتعاون مع إسرائيل باشتراطه عدم التخلي عن القضية الفلسطينية، فضلا عن الاقتصار على توقيع اتفاق للتعاون الثلاثي مع كل من أمريكا وإسرائيل، إلا أنه ليس بعيدا تماما عن نقاشات من هذا النوع، فماذا يقصد بـ”الإبراهيمية”؟

 

إعداد : سعيد الريحاني

 

    لم تهتم الصحافة الوطنية كثيرا بتعريف “الإبراهيمية”، لكن جدلا كبيرا يرافق هذا المفهوم على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام العالمية، لا سيما بعد تنامي ردود الفعل الرافضة للحديث عن “دين جديد” بغطاء “الإبراهيمية”.

فـ((ليس هناك إعلان رسمي حتى الآن لقيام ما يعرف بـالديانة الإبراهيمية الجديدة، إذ ليست لها أسس أو أتباع أو كتاب، وإنما هي مشروع بدأ الحديث عنه منذ فترة، أساسه العامل المشترك بين الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، باعتبارها أديان إبراهيمية، نسبة إلى النبي إبراهيم، والهدف المعلن للمشروع هو “التركيز على المشترك بين الديانات والتغاضي عما يمكن أن يسبب نزاعات وقتالا بين الشعوب”، وقد بدأ الترويج للفكرة فعلا في إطار “إقامة السلام بين الشعوب والدول بغض النظر عن الفروقات”)) (المصدر: وكالات).

وكان أقوى تركيز لمشروع ترويج “الإبراهيمية” قد حصل من خلال “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي وقعها الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في أبوظبي يوم 4 فبراير 2019، برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تم الترويج بعدها لبناء “بيت العائلة الإبراهيمية” المقرر تدشينه في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، ويضم كنيسة ومسجدا وكنيسا يهوديا تحت سقف صرح واحد..

غير أن واحدا من كبار مؤسسي هذا المشروع (بيت العائلة الإبراهيمية)، خلق الحدث من خلال رفض الترويج لـ”دين إبراهيمي جديد”، حيث بات يقول شيخ الأزهر أحمد الطيب، بأن الدعوة إلى جمع الأديان السماوية تحت ظل “الديانة الإبراهيمية” المزعومة هي “أضغاث أحلام”، و((قال الطيب، خلال احتفالية “بيت العائلة المصرية”، اليوم الأربعاء: “إن الدعوة إلى جمع الأديان السماوية تحت ظل الديانة الإبراهيمية المزعومة مرفوض، وهو مصادرة للحرية الدينية والاختلاف في الاعتقاد وحرية الإنسان في الاختيار، وهي دعوة بعيدة عن الإدراك”، وأضاف شيخ الأزهر: “يستحيل الاجتماع على دين واحد، وذلك بناء على الفطرة التي فطر الله الناس عليها من اختلاف في الألوان والعقائد والعقول واللغات، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)، وهذا الاختلاف باقٍ في الناس إلى يوم القيامة”، وتابع: “هذه الدعوى مثلها مثل دعوى العولمة ونهاية التاريخ والأخلاق العالمية وغيرها، وإن كانت تبدو في ظاهر أمرها كأنها دعوة إلى الاجتماع الإنساني وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته.. إلا أنها هي نفسها دعوة إلى مصادرة أغلى ما يمتلكه بنو الإنسان، وهو حرية الاعتقاد، وحرية الإيمان، وحرية الاختيار”)) (المصدر: عدة وكالات).

البابا فرانسيس خلال زيارته للمغرب والتي توجت بتوقيع “نداء القدس”

ولا يقف الأمر فيما يتعلق بردود الفعل، عند شيخ الأزهر، بل إن كلا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء المسلمين، ورابطة المغرب العربي، عبروا عن موقف موحد إزاء ما اصطلح عليه “الديانة الإبراهيمية”، من خلال بيان مشترك يتضمن عدة نقط، رأوها كفيلة بدحض وجود هذا الدين وهي:

((- أولا: إن القرآن الكريم هو أعظم كتاب احتفى بإبراهيم عليه السلام، وفي القرآن سورة باسمه، وسور بأسماء آله، وبعض بنيه، والمسلمون مأمورون باتباع هَدْيه، وهَدْي سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ﴾ (سورة الأنعام: الآية 90)، ولذلك، فإن أَوْلَى الناس بإبراهيم عليه السلام هم أهل الإسلام والإيمان، قال سبحانه: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة آل عمران: الآية 68).

– ثانيا: إن علماء المسلمين مع التعاون الإنساني، والتعايش القائم على الحرية والعدل، وعدم ازدراء الأديان أو الأنبياء، ومع الحوار الإنساني لبناء المجتمعات، ولكنهم يقفون متحدين ضد تحريف الإسلام، وتشويه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا هو دين المسلمين، قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (سورة الأنعام: الآية 161).

– ثالثا: إن أساس أن فكرة الدين الإبراهيمي يقوم على المشترك بين عقيدة الإسلام وغيره من العقائد، هي فكرة باطلة، إذ الإسلام إنما يقوم على التوحيد والوحدانية، وإفراد الله تعالى بالعبادة، بينما الشرائع المحرفة قد دخلها الشرك، وخالطتها الوثنية، والتوحيد والشرك ضدان لا يجتمعان.

والزعم بأن إبراهيم عليه السلام على دين جامع للإسلام واليهودية والنصرانية، زعم باطل، ومعتقد فاسد، قال سبحانه: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (آل عمران: الآية 67).

– رابعا: إن السعي لدعم “اتفاقات أبراهام” للتطبيع والتَّركيع عبر تسويق لدين جديد يؤازر التطبيع السياسي، هو أمر مرفوض شكلا وموضوعا، وأصلا وفرعا، ذلك أن الأمة المسلمة لم تقبل بالتطبيع السياسي منذ بدأ أواخر السبعينيات من القرن الميلادي الفائت، ولن تقبل اليوم من باب أَوْلَى بمشاريع التطبيع الديني، وتحريف المعتقدات، وقد قال تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ (آل عمران: 83).

– خامسا: إن طاعة أعداء الملَّة والدين في أمر الدين المبتدع، والقبول به، والدعوة إليه، هو خروج من ملة الإسلام الخاتم الناسخ لكل شريعة سبقته، ولن يفلح قوم دخلوا في هذا الكفر الصُّراح! قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ (سورة آل عمران: الآية 100)، وقال جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ (آل عمران: 149).

– سادسا: على الأمة أن تعي أن أوهام السلام إنما يُبددها اليهود أنفسهم، وقد صرح رئيس وزرائهم في 28 يونيو 2020، في مؤتمر جمعية “مسيحيون موحَّدون من أجل إسرائيل”، بأن اتفاقية “صفقة القرن” قد قوضت ما أطلق عليه: “أوهام حلّ الدولتين”، كما أن وزير خارجية أمريكا الحالي، قال في الكونغريس في يناير 2020: “إن الحل الأمثل للنزاع، هو التعايش السلمي، وتماهي الطرفين مع بعضهما بعد إنهاء أسباب الخلاف!”، وعلى رأس ذلك، العقيدة الإسلامية بطبيعة الحال، قال الله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ (سورة البقرة: الآية 109).

– سابعا: يحذر العلماء الحكومات الإسلامية، من الاستجابة لهذه الدعوات المغرضة، لما تمثله من عدوان سافر على عقيدة شعوبها، وضرب للثقة التي منحتها الشعوب لحكوماتها، وإشعال لنار الخلاف والفتنة بين المسلمين، مما يؤدي إلى إضعاف أمة الإسلام، وتمكين عدوها منها، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(9)﴾ (سورة الصف: الآيات: 7-9).

– ثامنا: يجب على مسئولي وزارات التعليم والإعلام في العالم العربي والإسلامي، الكف عن العبث بمناهج تعليم الإسلام، وتقديمه من خلال القرآن والسنة، والتأكيد على ثوابت العقيدة والشريعة، وتحصين الناشئة من الانحرافات والشبهات الفكرية والعقدية، فالشباب أمانة بين أيديكم وفي أعناقكم، وسوف تسألون عنها يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (سورة الأنفال: الآية 27).

– تاسعا: يدعو المؤتمرون العلماء، وطلبة العلم، والدعاة، وسائر المفكرين والكتاب المسلمين، إلى القيام بواجبهم نحو دينهم، ومواجهة فتنة تبديل الدين، وتوعية الأمة بهذا الخطر الداهم، وتحرير المقالات والكتب، وإقامة الندوات والمحاضرات، والخطب التي تشرح عقيدة التوحيد، وتُبيِّن ما يناقضها، وتحذر من فتنة هذه البدعة الضالة، وأنه ليس هناك من إكراه أو تأويل في قبول هذا الباطل)) (المصدر: بيان مشترك صدر بتاريخ 21/2/2021).

ورغم الجدل الذي تطرحه “الإبراهيمية”، فقد تجنب العلماء المغاربة الخوض رسميا في هذا الموضوع، لا سيما بعد تكريس التعاون المغربي الإسرائيلي، باستثناء حالات نادرة كما هي حال الشيخ حسن الكتاني الذي يقول أن:

1) مصدر “الديانة الإبراهيمية الجديدة” مراكز بحثية ضخمة وغامضة، انتشرت مؤخرا في ربوع العالم، وأطلقت على نفسها اسم “مراكز الدبلوماسية الروحية”.

2) تلك المراكز تعمل على تمويلها أكبر وأهم الجهات العالمية، مثل: الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأمريكية.

3) الرؤية والرسالة الظاهرية لتلك المراكز البحثية، تعتمد على تأكيد أن الأديان هي السبب الرئيسي والجوهري لإشعال أشد الصراعات عنفا على مر العصور، والسبب هو عدم تقبل الآخر بسبب عدم فهم نصوص ديانته.

4) الهدف الرئيسي من هذه البدعة، هو القبول بالاحتلال اليهودي لأرض فلسطين وعدم رؤيته شيئا أجنبيا)) (المصدر: حوار الشيخ حسن الكتاني مع وكالة الأنباء التركية).

ولا يمكن الحديث عن “الديانة الإبراهيمية” التي تنهل من “وثيقة الأخوة الإنسانية” دون الحديث عن “نداء القدس”.. فرغم التشابه بين المبادرتين، إلا أن المبادرة المنبثقة عن لقاء أمير المؤمنين والبابا فرانسيس، تعد أكثر واقعية في التعاطي مع القضية الفلسطينية، علما أن المغرب لم يوقع “اتفاقا إبراهيميا مع إسرائيل”، بل وقع “نداء للقدس” جاء فيه: ((إننا نؤكد أهمية المحافظة على مدينة القدس الشريف، باعتبارها تراثا مشتركا للإنسانية، وبوصفها، قبل كل شيء، أرضا للقاء، ورمزا للتعايش السلمي بالنسبة لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ومركزا لقيم الاحترام المتبادل والحوار.. ولهذه الغاية، ينبغي صيانة وتعزيز الطابع الخاص للقدس الشريف كمدينة متعددة الأديان، إضافة إلى بعدها الروحي وهويتها الفريدة، لذا، فإننا نأمل أن تُكفل داخل المدينة المقدسة حرية الولوج إلى الأماكن المقدسة، لفائدة أتباع الديانات التوحيدية الثلاث، مع ضمان حقهم في أداء شعائرهم الخاصة فيها، بما يجعل القدس الشريف تصدح بدعاء جميع المؤمنين إلى الله تعالى، خالق كل شيء، من أجل مستقبل يعم فيه السلام والأخوة كل أرجاء المعمور)).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى