تحقيقات أسبوعية

متابعات | الترحال السياسي.. لعبة “ضامة” المفضلة لدى البرلمانيين والمنتخبين

أكبر سقوط أخلاقي للبرلمان

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، تتنافس الأحزاب السياسية على استقطاب بعض الأسماء البارزة لدى أحزاب أخرى، للمشاركة بقوة في الاستحقاقات الانتخابية التي ستنظم شهر شتنبر القادم، مما أعاد ظاهرة “الترحال السياسي” بقوة إلى واجهة المشهد السياسي.

فظاهرة الترحال السياسي عادة قديمة، لكنها عادت من جديد مع حلول موعد الانتخابات الجماعية والتشريعية، حيث يشتد التنافس بين الأحزاب التقليدية لضم كبار المرشحين والأعيان في المدن والقرى، الذين لديهم نفوذ وسيطرة في المناطق التي اعتادوا الترشح فيها لسنوات طويلة.

بالرغم من النداءات وخطابات السياسيين في قبة البرلمان، والتي تدعو للحد من الترحال السياسي والتصدي لهذه الظاهرة التي تمس بصورة البرلمان وبالديمقراطية، وتزيد من فقدان الثقة لدى المواطنين، إلا أن الترحال السياسي، أو الحزبي، ازداد في الفترة الأخيرة، خاصة بين الأحزاب الكبيرة والمتوسطة، مما يضع هذه الأحزاب أمام مسؤولية كبيرة تجاه المواطنين والناخبين.

فقد تحول الترحال السياسي إلى إشكالية حقيقية للعملية الانتخابية، فهل يسمح قانون الأحزاب بانتقال البرلمانيين لأحزاب أخرى مع انتهاء الولاية التشريعية؟ وهل تصويت المواطنين يكون على برامج الأحزاب، أم على الأشخاص؟ وكيف تؤثر انتقالات المرشحين بين الأحزاب على العملية الديمقراطية؟

إعداد: خالد الغازي

    اعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي عثمان الزياني، أن ظاهرة تقديم مجموعة من البرلمانيين للاستقالة من أحزابهم، من أجل الترشح باسم أحزاب أخرى عند اقتراب المحطات الانتخابية، يعبر عن سلوكيات سياسية غير مسؤولة وغير أخلاقية في ظل حرب مستعرة حول الحصول على التزكيات، وذلك بفعل وجود فراغ تشريعي يمنع ذلك، لأن النص القانوني هنا يقتصر فقط على منع حالة الترحال أثناء فترة الانتداب ولا يمتد إلى تنظيم وتأطير حالات تقديم الاستقالات الطوعية.

وأضاف أن ضعف الالتزام السياسي والحزبي يؤشر على أن علاقة المترشح / البرلماني بالحزب ضابط إيقاعها الأساسي يتلخص في المصالح الضيقة، وهنا تتقاطع إلى حد كبير رهانات الحزب الذي يبحث عن المقاعد البرلمانية، والمترشح الذي يبحث عن الوجاهة الاجتماعية وتحقيق منافع ومكاسب وامتيازات مادية ومعنوية، وهذا ما يفسر جليا معضلة تواري المناضل الحزبي عن العين، والذي تحركه نوازع ودوافع شخصية بدرجة أولى، ولا يهمه اللون الحزبي أو الانتماء الإيديولوجي بقدر ما يهمه المنصب البرلماني الذي يتعامل معه بمنطق الغنيمة، وينظر إلى التزكية الحزبية كممر يسلكه للحصول عليه حتى وإن كانت التكلفة هي التضحية بالمبادئ والأسس المعيارية والأخلاقية التي تؤطر العمل الحزبي الجيد.

وأوضح الزياني، أن سيكولوجية العديد من المترشحين /البرلمانيين، غالبا ما تحكمها نزعة البحث عن السلطة والنفوذ والارتقاء الاجتماعي، إذ يعتبر كرسي البرلمان مغريا من حيث الامتيازات التي يوفرها، لكونه يعبّد الطريق للولوج إلى دوائر السلطة للحصول على النفوذ والجاه والارتقاء الاجتماعي، ويكون الرهان الأكبر هو التقرب من السلطة لنيل الحظوة والعطايا والامتيازات المتنوعة، مشيرا إلى أن البنية النفسية للكثير منهم يطبعها نوع من الاضطراب في الشخصية، إذ تحكمهم النرجسية، وهو ما يجعلهم يسلكون النزعة التدميرية لكل القيم الأخلاقية، فأمام نرجسيتهم التدميرية، يهون كل ما له قيمة إنسانية وحضارية، ويمتثلون للمبدأ الذي أسسته الميكيافيلية: “الغاية تبرر الوسيلة”.

وأبرز نفس المتحدث، أن طبيعة النخب البرلمانية الموجودة، نجد تقريبا الكثير من الوجوه تعاود الترشح من أجل ضمان الاستمرارية، حيث تحكمها من الناحية السيكولوجية والسلوكية نزعة البقاء ليس في الحياة، أي بالمعنى البيولوجي فقط، وإنما أيضا في المناصب السياسية، فكرسي البرلمان وامتيازاته تحدث نوعا من المؤانسة والألفة والرباط النفسي والعاطفي والوجداني، وبالنسبة لأي مترشح، من الصعب تقبل مسألة التخلي عنه.

عثمان الزياني

ثغرة قانونية

    استمرار الترحال السياسي يؤكد وجود ثغرة في القانون المنظم للأحزاب، لأنه لم يحسم في مسألة الاستقالات من البرلمان خلال السنة الأخيرة من الولاية التشريعية، حيث يتم استغلال هذه الثغرة من قبل البرلمانيين لمغادرة أحزابهم قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية والجماعية، بل يلجأ بعضهم إلى تغيير انتماءاتهم السياسية، من خلال الاستقالة من أحزابهم والانتقال إلى أحزاب أخرى، بسبب عدم تزكيتهم من قبل أحزابهم الأولى، أو لاعتبارات أخرى..

فقد منع المشرع المغربي ظاهرة الترحال السياسي بين الأحزاب، ووضع عقوبة فقدان المقعد البرلماني إذا ما ثبت تخلي الشخص عن انتمائه الحزبي، وهذا المبدأ تم تنزيله وتكريسه في باقي القوانين التنظيمية الأخرى المتعلقة بالانتخابات، بحيث ينص الفصل 61 من الدستور على أنه ((يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها))، وتنص المادة 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية كما وقع تغييرها وتتميمها، على أنه ((لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية، التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة))، كما تعطي المادة 22 من قانون الأحزاب الحق لكل عضو في حزب سياسي، وفي أي وقت شاء، أن ينسحب منه، شريطة الالتزام بالإجراءات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحزب في هذا الشأن مع مراعاة أحكام المادة 20.

الاستقالات وسيلة للترحال الحزبي

    مع اقتراب المحطة الانتخابية الجديدة، ارتفعت وتيرة الهجرة الجماعية والفردية من حزب إلى آخر، وزادت نسبة الطلاق مع الأحزاب من قبل وجوه سياسية وانتخابية معروفة في المشهد السياسي، مما يزيد من قوة التنافس بين الأحزاب من أجل استقطاب المرشحين من خلال اللجوء إلى الترحال السياسي، الذي يسهل عليهم عملية تبديل اللون السياسي.

فقد شهد مجلس النواب خلال الأسبوع الحالي، استقالة ثمانية برلمانيين من المجلس، ينتمون إلى أحزاب مختلفة، وذلك بهدف الترشح في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بأسماء أحزاب أخرى، ويتعلق الأمر بكل من عبد الله بيلات من حزب الأصالة والمعاصرة، مصطفى الزيتي من العدالة والتنمية، حمدي ويسي من الاتحاد الاشتراكي بعد انضمامه للتجمع الوطني للأحرار، والبرلماني عبد الفتاح أهل المكي الملتحق بالأحرار، محمد الزكراني الذي استقال من الاتحاد الدستوري بعد التحاقه بالاستقلال، وخالد الشناق الذي استقال من الأحرار ليلتحق بحزب الاستقلال بدوره، كما استقال محمد بوبكر عن الأصالة والمعاصرة وانضم لحزب التقدم والاشتراكية، بينما التحق البرلماني “البامي” مصطفى توتو بحزب الأحرار.

كما عرف مجلس المستشارين بدوره استقالات لمستشارين من حزب الأصالة والمعاصرة، قرروا مغادرة “الجرار” صوب أحزاب أخرى، على رأسهم عادل الباراكات، محمد ودمين، الحسن بلمقدم، ومحمد الحمامي، كما استقال كل من فاطمة الزهراء بنطالب، مبارك حمية، محمود عبا، رحال المكاوي، وعمر مورو، عزيز موناكيف، وأحمد الشد، وقرر المستشار البرلماني محمد غياث بدوره الرحيل عن “البام” والانضمام إلى حزب الأحرار، حيث حضر اللقاء التواصلي لحزب التجمع الوطني للأحرار بالدار البيضاء رفقة مجموعة من القياديين التجمعيين، مما يؤكد أنه يعتزم الترشح برمز “الحمامة”.

وأعلن البرلماني الاتحادي عبد الوهاب بلفقيه بدوره عن استقالته من الاتحاد الاشتراكي، وانتقاله إلى حزب الأصالة والمعاصرة لخوض الانتخابات المقبلة بجهة كلميم واد نون رفقة مجموعة من رؤساء الجماعات الترابية بالجهة.

ميثاق أخلاقي في خبر كان

    وقعت أحزاب سياسية بارزة على “ميثاق أخلاقي” على أساس ألا يستقطب أي واحد منهم من الآخر، وذلك بعد اجتماع أمناء هذه الأحزاب، وهي الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، التقدم والاشتراكية والتجمع الوطني للأحرار، وقد اتفقوا بموجبه على عدم اللجوء إلى استقطاب الأعيان وكبار المرشحين في الانتخابات، والذين يحققون الفوز بسهولة في مناطق نفوذهم الانتخابية، وذلك للحد من ظاهرة الترحال الحزبي بعدما تبينت صعوبة تطبيق القانون في حق البرلمانيين والمنتخبين الرحل.

ويهدف هذا الميثاق الذي تم الاتفاق حوله مع بداية السنة الجديدة، إلى منع الترحال السياسي و”سرقة المنتخبين” بين الأحزاب الأربعة، حيث تم الاتفاق بين زعماء الأحزاب على عدم تزكية أي عضو برلماني دون نيل موافقة حزبه، وعدم تزكية أي عضو من الأحزاب الأخرى المنافسة، والتصدي لترحال المنتخبين حتى على صعيد الجماعات والمقاطعات والمجالس المنتخبة.

وكانت الأحزاب الموقعة على الميثاق، تعتزم إشراك جميع الأحزاب المنتمية للأغلبية فيه، لتنظيف الممارسة الانتخابية، والقطع مع الترحال السياسي وانتقالات المنتخبين “الانتهازيين” الذين يبحثون عن مصالحهم فقط، ويساهمون في العزوف السياسي.

واعتبر العديد من الفاعلين السياسيين، أن “الميثاق الأخلاقي” يشكل سابقة في المشهد الحزبي الوطني، وقد يساهم في التقليل من ظاهرة الترحال السياسي، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات، تخلت أحزاب المعارضة وأحزاب الأغلبية عن هذا الميثاق، الذي كان يشكل أرضية للتنافس المقبول فيما بينها، حيث أضحى كل حزب يقوم بعملية استقطاب للمرشحين الكبار، أو يوافق على طلبات التحاق برلمانيين وسياسيين من نفس الأحزاب الموقعة على الميثاق.

 

تعديل القانون

    حسب العديد من المحللين، فإن النواب الرحل يستغلون الفراغ التشريعي القائم من أجل تقديم استقالاتهم طواعية، والانتقال إلى أحزاب أخرى، حتى لا يطبق عليهم القانون التنظيمي للأحزاب السياسية الذي يمنع البرلماني من الترشح لولايتين في حال تغيير اللون الحزبي.

ويعتبر المحللون أن النواب يلجؤون للتحايل لاقتناص فرصة الحصول على التزكية من أحزاب أخرى، رغم عدم انتهاء المهلة القانونية للبرلمان، وخاصة في ظل التنافس والتسابق الكبير بين المرشحين الكبار على التزكيات، مما يقتضي، حسب المراقبين، تعديل بعض بنود القانون التنظيمي للأحزاب مستقبلا من خلال إضافة مادة جديدة تمنع تقديم النائب لاستقالته قبل 6 أشهر من نهاية الولاية التشريعية، وفي حال تقديمها، يمنع من الترشح.

في هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي عثمان الزياني، أن هذه الممارسات المعوجة دائما ما تعيد إلى الأذهان عمق أزمة العمل الحزبي في المغرب في مقام أول، وترشدنا إلى القول بأن نسق العمل الحزبي بمختلف مكوناته، يعد مرتعا لتشكل نخبة حزبية تشتغل بمنطق الزبائنية، سواء في علاقتها مع الدولة أو في علاقتها مع الانتماء الحزبي، حيث أصبحنا في أمس الحاجة لإحداث تعديل قانوني يقنن هذه الممارسة المعيبة، ويقهر هذه البنية السيكولوجية المرضية، ويحصر هذه الممارسات المعتلة (فوضى الاستقالات والترحال) في سياقات معقولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى