الرأي

الرأي | تداعيات “الترمضينة”

حتى لا يبقى الشعب في دار غفلون

بقلم: الحسين الدراجي

    سبق أن تحدثنا عن شهر رمضان عند العرب المسلمين وأكدنا على أن العبادات والسلوك الديني لا يجب أن يكون موسميا، وها أنتم ترون يوم صلاة الجمعة، يتكاثر عدد المصلين الذين يتخذون الأرصفة مكانا للصلاة، لذلك أتساءل هل هؤلاء الوافدين على المساجد في هذا الشهر الفضيل يأتون للقيام بالواجب الديني المفروض على كل مسلم، أم أنهم يطبقون شعار “صلاة القياد تجي نهار الجمعة والأعياد”؟ وهناك ظاهرة أخطر في هذا الشهر، وهي تلك التي تتجلى في كثرة حوادث السير، لأن الصيام يفضح المدمنين على التدخين، حيث يتغير سلوكهم وتعاملهم مع الناس، لأنهم لا يمكن أن يخفوا تأثير السجائر على حياتهم سواء داخل الأسرة أو الحي أو المدينة، حيث نرى بعضهم إن لم يكن جلهم ينفجرون غضبا لأتفه الأسباب، وما يعانيه أصحاب السجائر أخف وطأة على هذه الطبقة من مستعملي الحشيش والمخدرات بجميع أصنافها، فهناك من يزاوج بين تناول السجائر والمخدرات، وهناك طبقات أخرى تتعاطى الكوكايين، وإذا تسلقنا طبقات المجتمع نحو الأعلى، نجد من تمكنهم ثرواتهم من تخدير أنفسهم عن طريق حقن الهيروين وغيرها، وخلال هذه الحلقة سنتحدث عن بعض خصوصيات شهر الصيام.

هو شهر معروف بالإكثار من الصدقات وفعل الخير حيث جاء في القرآن الكريم: ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))، كما أن للصائم فرحتين: فرحته عند إفطاره وفرحته عند لقاء ربه، وقد يتساءل القارئ لماذا خصصنا هذه الحلقة للحديث عن الصيام؟ والجواب، لكونه ركن من أركان الإسلام، بالإضافة إلى ما فيه من منافع صحية لجسم الإنسان، حيث جاء في الحديث: ((صومو تصحّوا)) و((داووا مرضاكم بالصدقة))، ومعلوم أن هذا الشهر يمتاز بالصدقات وأعمال الخير حيث كان المسلمون معروفون بالكرم والجود والسخاء.

ولنبدأ بالرسول المصطفى، الذي خرج وبجيبه 3 “دراهم”، وبعد خطوات اعترضت سبيله امرأة عجوز تطلب الصدقة فأعطاها درهما واحدا مما كان معه، وبعد خطوات، وجد عجوزا يمد يده فأعطاه الدرهم الثاني، ولم يصل السوق إلا وقد نفذ ما كان بجيبه، لأنه وجد طفلا صغيرا وأعطاه الدرهم الثالث، فرجع إلى بيته خاوي الوفاض، ونسوق لكم في هذا الصدد المثل بعثمان بن عفان، الذي خصص جميع ثرواته لتزويد جيوش المسلمين بالأسلحة والمأكل والملبس، كما أنه خامس من آمن برسالة الرسول بعد خديجة وفاطمة الزهراء وعلي ثم عائشة، كما أنه أغنى خلفاء الرسول على الإطلاق وكان أول من بنى الطابق الأول فوق منزله، لذلك استشاط الخوارج غضبا فقتلوه، لأنهم لم يكونوا يؤمنون بتوريث الخلافة، بل كانوا يقولون البقاء للأصلح.

غريب أمر الخوارج الذين كانوا قبيلة قوية وهم الذين قتلوا الخلفاء الثلاثة للرسول: عمر، عثمان وعلي، فمن أين أتوا بهذه الأفكار؟ لأنهم كانوا يعيشون حياة بسيطة وبدوية، وهنا لا بد أن نذكر بما قاله الفاروق سيدنا عمر حين طعنه مجرم بخنجر مسموم، فطلب ممن كانوا حوله أن يوفروا له محاكمة عادلة مبنية على الإنصاف.

كانت القبائل العربية تقوم بحروب طاحنة للاستيلاء على المال والنساء والجاه، لذلك كانت أول مهمة قام بها الرسول (ص)، هي الشروع في بناء أسس الدولة مختارا في ذلك الموقع الذي سمي بـ”مبرك الناقة”، ناقة الرسول، لبناء أول مسجد وهو مسجد قباء، كما أنه حاول أن ينظم ويؤسس قواعد الأمة الإسلامية، فأخذ أولا يبحث عن الحلفاء من بين القبائل الغير مسلمة، كما قام بمفاوضات مع يهود بني قريضة، ولكن هؤلاء ما لبثوا أن نكتوا عهدهم وأخذوا يهاجمون المجاهدين المسلمين، فأمرهم النبي بصد هذه الهجومات، ومن هنا بدأت الفتوحات الإسلامية، حيث نصحهم الرسول بمقاتلتهم مثل ما قاتلوهم، ونصحهم بأن لا يقتلوا امرأة أو عجوزا أو طفلا، أو اجتثاث الشجر والنخل وكل ما يفيد البشر.

وبالعودة إلى حوادث السير في بلادنا، فهذا سائق بحث عن علبة سجائر فلم يجدها، وخلال هذه الهفوة يتسبب في اصطدام كل ما يوجد أمامه من سيارات أو حافلات أو ناقلات، وحين يسأل عما فعله، يجيب أنه كان في حالة غير طبيعية لأنه لم يدخن سيجارته منذ أن خرج من بيته كما تعود على فعل ذلك، وهكذا يتحول شهر البركات والخيرات إلى مقبرة يدفن فيها الضحايا الأبرياء.

وهناك كلمات وتعابير يستعملها المدمنون كقولهم “كان ناقص” أو “مقطوع”، فهل يجب على الدولة بالإضافة إلى منع الخروج ليلا، أن تحرم استعمال السجائر في هذا الشهر الكريم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى