تحقيقات أسبوعية

دراسات | البصمات.. معجزة من معجزات الله في النفوس البشرية

إعداد: د. عبد الرحيم بن سلامة *

البصمة هي معجزة من معجزات الله في النفس البشرية، ولقد أودعها الله سبحانه وتعالى وميز بها بني البشر بعضهم عن البعض، ولا يوجد اثنان على وجه الأرض منذ أن خلق الله آدم حتى الآن، يتشابهان في بصماتهم حتى ولو كان هذين الشخصين توأما.

هكذا تتجلى الحكمة الإلهية في اختلاف الناس، أي في بصماتهم، ورغم أن علماء الوراثة أثبتوا أن كل الصفات الوراثية، بما فيها الصفات الجسمانية والمرضية والطباع والميول وكل شيء يورث، فإن علم الجينات يؤكد أن البصمات لا تورث أبدا، بل إن هناك أنواعا أخرى من البصمات لا تورث  أيضا مثل بصمة الفك، وبصمة العين، وبصمة الشفاه، وبصمة الأذن، وبصمة الصوت، وبصمة الرائحة.

البصمات وأشكالها بجسم الإنسان

 

    لقد كان المعتقد حتى وقت قريب، أن البصمة تقتصر على أطراف الأصابع والكفين والقدمين فقط، ولكن بتقدم العلم وتطور الأجهزة، تمكن العلماء من اكتشاف أنواع أخرى من البصمات، منها بصمة الفك، وبصمة الشفاه، وبصمة الأذن، وبصمة الصوت، وبصمة العيون، وبصمة الرائحة، هذا بالإضافة إلى بصمة الشعرة الوراثية أو ما يسمونها “بصمة الجين”، التي تمكن علماء الهندسة الوراثية من اكتشافها حديثا.

يقول الدكتور أحمد عيسى ياسين، أستاذ الوراثة الخلوية بالجامعة المصرية: “لو تعمقنا في بصمات أطراف الأصابع، لوجدناها من الدقة، بحيث يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع، وتصنف البصمات على حسب وجود زاوية ومركز، فإذا لم توجد الزاوية والمركز في البصمة، كان هذا هو النوع الأول ويسمى بالنوع البسيط، أما إذا وجدت زاوية ومركز في البصمة سمي هذا النوع بالنوع الجيبي، والنوع الثالث هو النوع الحلقي، وهو الذي يتميز بوجود زاويتين ومركز، هذه هي الأنواع الثلاثة الرئيسية لبصمات الأصابع.

فهل يا ترى، لمجرد وجود ثلاثة أنواع من العشرة أصابع تختلف البصمات من شخص لآخر؟

كلا، فبداخل هذه الأنواع من الاختلافات ما لا يمكن حصره، على سبيل المثال لا الحصر، سمك الخطوط، وبعد الخطوط على بعضها، وانفراج أحد الخطوط ليكون خطين في أي مكان ثم الانفراج، وعدد الخطوط غير المتقطعة، وعدد الخطوط المتقطعة، وعدد الدوائر، والمثلثات والمربعات الموجودة بين الخطوط وبين أي خطين تتواجد قبل هذه الأشكال، ثم عدد الخطوط من الزاوية إلى المركز في العشرة أصابع، وهكذا يوجد عدد من المعطيات التي يصعب بها على العالم المتخصص في علم الإحصاء أن يجد أي دليل على تشابه البصمات في شخصين، ليستسلم في النهاية ويقول: سيحدث التشابه في ما لا نهاية من حيث الشكل المجازي فقط.

هذا فيما يخص بصمة الأصبع، فماذا لو تعمقنا في بصمة الكف، وبصمة القدم، وبصمة الفك، وبصمة اللسان، وبصمة الشفة، وبصمة الأذن، وبصمة الصوت.

والبصمة كلمة تركية يدل معناها على الطباعة، علما أنها لا تستعمل في هذه اللغة بنفس الأدلة العربية، ويشابه معنى البصمة كلمة “دمغة”، وتعرف بصمة الأصبع باللغة الانجليزية “Fingerprint”، وهي علامة مميزة لكل شخص أثبتها العالم الإنجليزي وليام هرشل، ويعتمدها في التعرف على هوية الشخص، وعادة تكون بصمة الإبهام.

وأول من اكتشف البصمة هم الصينيون، حيث كان أباطرة الصين يوقعون على الوثائق المهمة ببصمات إبهامهم، وفي سنة 1877، ابتكر هنري فولدز طريقة تصوير البصمة على ورقة باستخدام حبر المطابع الأسود، لكن العالم الإنجليزي فرانسيس غالتون، هو أول من أثبت أنه لا توجد بصمتا أصبعين متطابقتين، وذلك في عام 1892، كما أكد أن صورة البصمة لأي أصبع، تبقى كما هي طوال حياته.

وفي سنة 1901، طبقت شرطة التحقيقات نظام التعرف على المجرمين من خلال بصمات أصابعهم، لأنه لا يوجد شخصان في العالم كله لهما نفس التعرجات التي تظهر على أصابع الجنين وهو في بطن أمه، عندما يكون عمره بين 100 و120 يوما، ويتم تكوين بصمات البنان عند الجنين في الشهر الرابع وتظل ثابتة ومميزة له طوال حياته، وقد قال الله تعالى في سورة القيامة: ((لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة، أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه، بلى قادرين على أن نسوي بنانه)). لقد أثارت الآيات الكريمة من سورة القيامة انتباه المفسرين ودهشتهم، حيث أقسم الله تعالى باليوم الآخر وبالنفس الباقية على فطرتها التي تلوم صاحبها على كل معصية أو تقصير، والإيمان ببعث الإنسان بعد موته وجمع عظامه استعدادا للحساب والجزاء، ثم بعد أن أقسم الله تعالى على ذلك، بين أن ذلك ليس مستحيلا عليه، لأن من كان قادرا على تسوية “بنان الإنسان” هو قادر أيضا على جمع عظامه وإعادة الحياة إليها.

ولكن الشيء المستغرب من أول نظرة تأمل، هو القدرة على تسوية البنان، والبنان جزء صغير من تكوين الإنسان لا يدل بالضرورة على القدرة على إحياء العظام وهي رميم، لأن القدرة على خلق الجزء لا تستلزم بالضرورة القدرة على خلق الكل..

وبالرغم من محاولات المفسرين إلقاء الضوء على البنان وإبراز جوانب الحكمة والإبداع في تكوين رؤوس الأصابع، من عظام دقيقة وتركيب الأظافر فيها، ووجود الأعصاب الحساسة وغير ذلك، فإن الخطوط الدقيقة الموجودة على البشرة تختلف من شخص لآخر، حيث توجد ثلاثة أنواع من هذه الخطوط، فهي تكون إما على شكل أقواس أو دوائر أو عقد، أو على شكل رابع يدعى “المركبات”، وذلك لتركيبها من أشكال متعددة.

لذلك، تعد بصمات الأصابع من الأثار المادية الخفية التي يخلفها الجاني دون أن يحس بذلك، لهذا بات من الضروري أن يتم التعامل مع الأثار المادية التي توجد في مسرح الجريمة، ومحاولة الاستفادة منها في تتبع المجرم واكتشافه، وفك الغموض الذي يحيط بالجريمة بطريقة معقلنة وممنهجة من شأنها أن توصلنا إلى نتيجة إيجابية في الكشف عن وقائع الجريمة.

وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 57 من قانون المسطرة الجنائية المغربي، نص على أنه ((يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي يشعر بحالة تلبس بجنحة أو جناية، أن يخبر النيابة العامة فورا، وأن ينتقل في الحال إلى مكان ارتكاب الجريمة لإجراء المعاينات اللازمة، وعليه أن يحافظ على الأدلة القابلة للاندثار، وعلى كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة، وأن يحجز الأسلحة والأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة والتي كانت معدة لارتكابها، وكذا جميع ما قد يكون ناتجا عن هذه الجريمة، ويعرض الأشياء المحجوزة على الأشخاص المشتبه في مشاركتهم في الجنحة أو الجناية قصد التعرف عليها، ويقوم ضابط الشرطة القضائية عند الاقتضاء بأخذ البصمات من مكان ارتكاب الجريمة، وله أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك، كما يمكنه أن يطلب إجراء خبرات عليها وعلى أدوات الجريمة والأشياء التي تم العثور عليها، وخاصة البصمات وحجزها بمكان ارتكاب الجريمة ولدى المشتبه فيهم بارتكابها)).

 

* أستاذ باحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى