المنبر الحر

رحلة التشافي من فيروس كورونا (4)…

بقلم : أمل مسعود

(الجزء 4)

كورونا المرآة

 

    السياسي سيهتم بوباء كورونا كحدثا بارزا قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية العالمية ويعيد ترتيب القوى السياسية.

أما أصحاب نظرية المؤامرة، فإنهم سينظرون إلى وباء كورونا كفيروس مصنع هدفه الإقرار بحكومة عالمية تسيطر على شعوب العالم.

أما الاقتصاديون فسيرون في كورونا أزمة جديدة وسيتدارسون تأثيراتها وأبعادها وقد يظهر عبقري منهم يحولها إلى فرصة اقتصادية ملهمة.

أما شركات الأدوية فسترى في وباء كورونا صفقة القرن، وسيبدو لهم هذا الفيروس كأجمل وأحلى فيروس عرفته البشرية.

أما رجال الدين المتشددون، فإنهم سيرون في فيروس كورونا عقاب أنزله الرحمان على عباده وعبيده علهم يتوبوا إليه.

أما رجال الدين الرحماء والمتسامحون فإن فيروس كورونا سيبدو لهم خيرا كبيرا ولطفا من الله أنزله ليدرأ عن البشرية بلاء أكبر وأعظم.

أما محبي البيئة فسيبدو لهم فيروس كورونا كصرخة رهيبة من باطن الأرض وظاهرها جراء ما تعرضت له من اغتصاب وإفساد وتلوث.

أما المهتمون بعلم الاجتماع فإنهم سيرون في فيروس كورونا تفنيدا للكثير من نظرياتهم الاجتماعية حول الطبقيات، ليكتشفوا بأن الإنسان في جوهره مربوط مع بعضه البعض بسلسلة غير مرئية. فبعد أن تغلق الحدود ويتم العزل، سنكتشف بأن فالفقير والغني، العالم والجاهل، القوي والضعيف، الكافر والمؤمن يربطهم مصير واحد مشترك.

أما علماء النفس، فإنهم سيفكرون في التأثير النفسي لفيروس كورونا على البشر، وكيف سيصبح البشر بعد الحجر الصحي الإجباري وتفاقم عدد الموتى.

أما المعلمون الروحيون، فإن فيروس كورونا سيبدو لهم كفرصة جديدة للبشرية للرفع من مستوى وعيهم، وإعادة ترتيب منازلهم الداخلية وكشف ذواتهم الحقيقية.

أما الصوفيون الحقيقيون والعارفون والسالكون، فسيلتزمون الصمت. صمت العارف العاشق للذات الإلهية والمنعتق من شهوات عالم الشهادة.

فالإنسان مهما كان موقعه، ومهما بلغ علمه، فإنه لا يحيط إلا بظاهر من الشيء. أما الله فهو وحده الذي يعرف الظاهر والباطن لكل شيء.

فكل سيتناول فيروس كورونا حسب معتقداته وسلوكياته ودرجة وعيه النفسي وتحصيله المعرفي.

فلو أمعنا النظر إلى فضاء الفايسبوك، حيث الناس تعبر بحرية على ما هي عليه، لاستطعنا أن نميز كيف أن فيروس كورونا أظهر عبر هذا الفضاء الكثير من المحبين ذوي القلوب الطيبة، الذين هرعوا إلى مساعدة الآخرين والعمل بإخلاص رغم الخطر الذي يحدق بهم.

كما أنه أظهر للأسف فئة المتغطرسون المتكبرون الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون وفوق كل الناس، فلا يخجلون من أن يعرضوا حياة آلاف من المغاربة إلى الخطر بعدم التزامهم بتطبيق الحجر الصحي.

ففيروس كورونا، ما هو إلا مرآة لما نحن عليه. فالفيروس لا يهتم بالنصر والهزيمة وليست له مشاعر. ولكن السوء كل السوء يأتي من أنفسنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى