تحقيقات أسبوعية

خاص | قصة الرئيس حسني مبارك والملك الحسن الثاني وحلاق بوتفليقة مع الصحافي مصطفى العلوي

إعداد : سعيد الريحاني

    شيع المصريون يوم الأربعاء المنصرم، رئيسهم الأسبق محمد حسني مبارك، عن عمر ناهز 92 عاما، فيما قالت وسائل إعلام مصرية إن مبارك توفي في غرفة العناية المركزة بمستشفى الجلاء العسكري بالعاصمة المصرية القاهرة.. وكان مبارك قد دخل السجن في آخر أيامه، نتيجة تداعيات “الربيع العربي” التي كان الرئيس المصري أحد ضحاياه، بعد أن وجهت له عدة تهم، من بينها قتل المتظاهرين(..)، ورغم أن الرئاسة المصرية اكتفت بالحديث عن دوره العسكري، فإن ذلك لا يحجب حقيقة أن الراحل حكم مصر لمدة ثلاثة عقود.

هل كان حسني مبارك ظالما أم مظلوما؟ الجواب سيظهره التاريخ، لكن قصة حسني مبارك مع المغرب معروفة، وقد بدأت كما يحكيها قيدوم الصحافيين الراحل مصطفى العلوي، سنة 1963، عند اختطاف مصطفى العلوي بعد نشره لرسم كاريكاتوري في ذلك الزمن المطبوع بحرب “الرمال”(..)، حيث تزامن وجود قيدوم الصحافيين في “دار المقري” مع زيارة خاصة للجنرال أوفقير لعين المكان.

يحكي الراحل العلوي قائلا: ((عندما رآني أوفقير قال لهم: إن مصطفى صحفي، فأبعدوه عن باقي المعتقلين، ليضعوني في غرفة عرفت من ملامسة جدرانها، أنها مزلجة بطريقة تقليدية، وفي اليوم الموالي، اهتزت بي الغرفة في منتصف الليل، ليتم رمي مجموعة من كبار الضباط المصريين، الذين تم اعتقالهم خلال اندلاع حرب الرمال (أكتوبر 1963)، وكان من بينهم الضابط الذي كان يقود الطائرة المحجوزة، حسني مبارك، الذي سيصبح فيما بعد رئيسا لمصر، وهي جزئية رغم المراعاة التي كانت تمنع الصحف من ذكرها، إلا أن الضابط الذي اعتقلهم، الضابط المغربي كرزازي العمري، كتب مذكراته في شكل استجواب مع جريدة “الأيام” (26 دجنبر 2009)، حكى كيف أن طائرة هيليكوبتر نزلت جنبه في “عين الشواطر” ونزل الضابط حسني مبارك ليكلمني بلهجة فرنسية رديئة: هذي العبادلة؟ قلت له: لا هذي عين الشواطر. لتصدر الأوامر من طرف الضابط يوسف الجباري، وحجزنا أسلحتهم وجوازات سفرهم ومن بينهم ربان الطائرة الذي يدعى حسني مبارك، وغطينا الهيليكوبتر بالتبن حتى لا تراها طائرات الاستكشاف الجزائرية قبل أن نسلمهم لعامل المنطقة، حمو الزياني)) (كتاب “الحسن الثاني الملك المظلوم” للراحل مصطفى العلوي).

وكان الراحل مصطفى العلوي قد كذب تصريحات الاتحاديين الفقيه البصري والحبيب الفرقاني في جريدة “المشعل” (عدد 10 فبراير 2011) التي قالا فيها أنهما التقيا مع حسني مبارك في “دار المقري”، لماذا؟ الجواب على لسان مصطفى العلوي، يتمثل في كونها ((الدار التي لا يلتقي فيها أحد مع أحد، ولو لم أكن مسجونا في غرفة معزولة بالدور الأول، سجن فيها معي حسني مبارك ومن معه، وتكلموا فيما بينهم بالمصرية، لما عرفت أن الأمر يتعلق بالرئيس المقبل لمصر)) (نفس المصدر).

ولكن الراحل العلوي، أكد الرواية الشائعة حول كون الضابط المصري حسني مبارك كان واحدا من الضباط الذين أهداهم الحسن الثاني للرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد اعتقالهم في المغرب.. ((الضباط المصريون تم نقلهم أياما من بعد، لأبقى أنا في غرفة اعتقالي، بعد أن قرر الحسن الثاني أن يأخذهم معه إلى القاهرة، عندما توجه لمقابلة جمال عبد الناصر، ليقنعه بخطئه في دعم الجزائريين على عدوانهم ضد المغرب، ويقدم له ضباطه الذين أرسلهم لدعم الجيش الجزائري، كهدية منه للرئيس المصري)).. هكذا تحدث العلوي في كتابه “الحسن الثاني الملك المظلوم.”

ويا لغرابة القصص التي يمكن أن يعيشها صحفي مثل مصطفى العلوي، الذي كان الصحفي المغربي الوحيد الذي غطى حرب أكتوبر في مصر سنة 1973.. فقد كادت مهنة الصحافة أن تقوده في حرب أكتوبر المغربية – الجزائرية وليس المصرية، إلى نهاية حتفه، إذ استمر مسلسل مذكراته مع الحسن الثاني طويلا، بعد أن أطلق سراحه من المعتقل الوجدي، الذي نقل إليه من “دار المقري”، وربما كانت الغاية، حسب أجهزة أوفقير، رميه في الحدود الجزائرية وإطلاق الرصاص عليه، فـ((التصفية الجسدية للتخلص مني كانت الوسيلة الوحيدة لتبرئة أوفقير من اختطافي، ليقال بأني كنت أقاتل مع الجزائريين في تلك الأيام التي كانت فيها حرب الرمال مستعرة بين المغرب والجزائر، أكتوبر 1963)).. هكذا يتحدث العلوي في مذكراته مع الحسن الثاني قبل أن يقول: ((لا أدري، وربما أستبعد أن يكون الحسن الثاني هو صاحب فكرة رميي في الحدود، حيث أنقذت نفسي بجرأة متناهية قال لي عنها الكوميسير الذي كان يعتقلني بوجدة واسمه العزاوي، بأن هذا هو العجب، فقد كنت في المعتقل الوجدي وأنا أرى وأسمع، أشاهد كيف تذهب سيارة الشرطة محملة بالمتهمين بالتعاون مع الجزائر، في اتجاه الحدود، وتعود فارغة، وجاء دوري مرة، وكنت معتقلا تحت اسم مستعار، هو الجيلالي، لازال مسجلا في الكوميسارية المركزية بوجدة في تلك الليلة من 28 أكتوبر 1963، وعند قرار إرسالي في اتجاه الحدود ذات عشية، نقلوني أولا إلى الإدارة العامة لشرطة وجدة، حيث كان المحضر باسم آخر غير اسمي، فانفرطت من مكتب المدير وهربت في الممر الطويل لهذه الكوميسارية، والمكاتب يمينا ويسارا، وأنا أصيح: أنا مصطفى العلوي، أنا الصحفي مصطفى العلوي، ليتم اعتقالي بعد الفضيحة وإرجاعي إلى المعتقل السري الذي أخذت منه، وكان معتقلا معي، المناضل الاتحادي الوجدي، الحاج العربي، الذي هنأني لأني نجوت من الموت)) (نفس المصدر).

قصص المعاناة كثيرة، ومعاناة العلوي في “دار المقري”، أو معتقل وجدة حيث تم التخطيط لنهايته(..)، كان لها طعم آخر، بسبب ما واكبها من مناورات من طرف المخابرات التي أطلقت في شأنه، خبر تواجده بالجزائر، بينما كانت حرب “الرمال” مع الجزائر، فرصة سانحة لتضع زوجة الراحل مصطفى العلوي قدماها في قلب المحنة.

يحكي الراحل العلوي: ((كانت زوجتي تجوب المكاتب والكوميساريات، وتسمع من المسؤولين عنها أنه لا علم لهم، ليتضخم علمها، وتدخل بدورها تاريخ المعاناة الصحفية، كما توسع في ذلك صحفي كبير، رئيس تحرير جريدة “العلم”، الفقيد عبد الجبار السحيمي، الذي حكى بنفسه هذه المرحلة الحالكة في النضال الصحفي لزوجتي، وكان يتكلم في الندوة التي أقامتها لتكريمي خمسين عاما بعد الاعتقال، مجلة “نوافذ” لمناقشة موضوع “الصحافة المستقلة”، وهي الندوة التي حكى فيها عبد الجبار السحيمي: ((غير مسموح لي ألا أحيي السيدة الفاضلة زهور، حرم الأخ مصطفى، وقد لمست مدى معاناتها بإصرار وشجاعة، وكنت شاهدا إلى جوارها، ونحن نقتحم مكتب أحمد مجيد بن جلون، الوكيل العام بمحكمة الاستيناف، نسأل عن مصطفى العلوي، في أي معتقل أو في أي قبو، فكان مجيد بن جلون يجيبنا: لا أعلم)) (نوافذ. يناير 2006).. ((ولما كثر المنكرون تجاه زوجتي، لمعرفتهم عن مصيري، ساورها هي أيضا الشك، أن يكون اختطافي حصل بأمر من الملك الحسن الثاني، فقررت طرق أبواب القصر، لإخبار الملك باختطاف زوجها الصحفي)) (المصدر: كتاب الحسن الثاني الملك المظلوم).

يلخص الراحل مصطفى العلوي قصة إنقاذه من معتقل وجدة بطرق أبواب زوجته لأبواب القصر، بعد أن ساورها الشك(..)، لتصدر الأوامر بعدها، للاتصال بأوفقير وسؤاله عن مصير الصحفي العلوي.. ((وأفاجأ في صباح اليوم الموالي بحلاق، قيل لي إنه يهودي، جاء ليحلق لي لحيتي الطويلة في معتقل وجدة، وكنت لم أحلقها لمدة أزيد من ثلاثة شهور، وأكد لي الكوميسير العزاوي، أن الجنرال أوفقير قال له: إذا لم يقبل حلق لحيته فسيبقى معتقلا)) (نفس المصدر).

وقد يكون العالم مجرد قرية صغيرة بالنسبة لصحافي، فالحلاق الذي حلق لحية العلوي وهو معتقل بوجدة، لم يكن يهوديا.. وقد تأكد من ذلك بعد خمسين عاما من هذه الحلاقة، فـ((عندما حضرت الموت بوجدة أحد الحلاقين الجزائري الأصل، واسمه محمد العبيد، وهو الذي أصبح فيما بعد بالجزائر حلاقا خاصا للرئيس بوتفليقة، وجاء ليموت في أرض ولادته وجدة، وقبل الموت، يوم 25 أبريل 2010، استدعى صحفيا من جريدة “الرأي الحر” بوجدة، التي كتبت في عدد 5 مايو 2010، أن الحلاق محمد العبيد قال لهم: أقول لمصطفى العلوي بأن الرجل الذي حلق لك رأسك في تلك المحنة، هو أنا، العبيد محمد، وأتأسف كثيرا لمحنتك)).

هكذا يصنع الرجال التاريخ، فكل من الرئيس الراحل حسني مبارك والملك الراحل الحسن الثاني الذي وصفه الراحل مصطفى العلوي بالمظلوم، لم يكونا ليلتقيا في حكاية واحدة مع حلاق الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة، لكن الخلطة اجتمعت في حكاية واحدة عند الراحل قيدوم الصحافيين مصطفى العلوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى