الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة | بدأت تونس والجزائر تتخلص من الديكتاتورية

بقلم: مصطفى العلوي

نماذج الوزراء الكبار، الذين تعبوا من العمل مع الملك الأكبر، الحسن الثاني، كثيرة ومتعددة، وإن كان من الصعب العثور على من تعب من العمل مع الحسن الثاني، بينما الذين طال عملهم مع هذا الملك العظيم، تمتعوا بالامتيازات وطول التكليف، وربما ثقل المسؤوليات.

ولكن المذكرات المنشورة، تركت لنا هذه السوابق، لتؤكد أن الاستثناءات كانت على أيدي وزراء أقطاب، عاشروا الحسن الثاني طويلا، مثل الوزير عبد اللطيف الفيلالي، الذي عاشره طويلا منذ أيام شبابه، إلى أن فاجأنا في مذكراته التي نشرت أخيرا(…)، بأنه كتب بصراحة متناهية “اشمئزازه(…)” من العمل مع الحسن الثاني، وفرحته(…) بالعثور على عمل في باريس، حسبما أخبر الملك العظيم صديقه ووزيره كريم العمراني، قائلا له: ((يبدو أن صديقك عبد اللطيف الفيلالي وجد عملا في باريس حسبما كتبه في مذكراته، وهو الذي كتب: لقد بدأت حياة جديدة في بيت زوجتي بباريس)).

وربما كان الوزير عبد اللطيف الفيلالي، قد تفادى أن يقول له الملك النموذجي، بعد أن يستدعيه يوما ليقول له ما سبق أن قاله الملك لصديقه الوزير الآخر، رضى جديرة: ((صديقي العزيز، أعرفك منذ سنة 1945، والآن إذا أردت أن تذهب فلن أمنعك لأني لا أتعاون مع من لا يسمح لهم ضميرهم بهذا)) (مذكرات الوزير الفرنسي لوران).

نموذج للوزراء الكبار الذين تعاونوا بنبل مع هذا الملك الأعظم، تذكيرا للنموذج السافل لبعض كبار المتعاونين من الأجيال الجديدة(…)، حين قال أحد كبار المتعاونين مع الملك، وقد نشرت عنه وكالة الأنباء “بلو مبريج” أنه بعد تحمل مسؤوليات كبرى في المجال السياحي، قد حكى ماضيه في سنة 2010 بقوله: ((اللوكس بالنسبة لي في المناصب، هو أن أجد من يمسح لي حذائي بالشامبانيا(…)، وأن أجد خادما يطوي لي أقمصتي الحريرية قبل أن يضعها في الحقيبة الجلدية)).

جانب قبيح لنماذج كبار مساعدي الملك الظريف، غطى عن أعين الشعب كثيرا، هذا الشعب الذي لم يكن له رأي عن حقيقة الرجال المتعاونين مع الملك.

لنعود سريعا إلى أيام رجال الاستثناء، أيام القطب عبد الرحمان اليوسفي، رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي يبقى نموذجا راقيا مقارنة مع النماذج الأخرى لبعض الوزراء المفششين المخنثين، والذين حصلوا على مناصبهم بمقتضى الترشيحات الملكية، الخارجة عن التقاليد المخزنية(…)، وهو الموضوع الذي يرجع بنا إلى حتمية الإصلاح النموذجي الذي أصبحت تفرضه الظروف الحاضرة، الداعية بصوت مرتفع إلى التغيير، الظروف الحاضرة التي أصبحت تحتم وضع التجارب المخزنية في الرفوف التاريخية، بعد أن أصبح الأمر المنطقي يحتم التعاون مع الرجال الذين تضمنهم فقط ضمانات الانتماءات الحزبية المتطابقة مع الالتزامات الدستورية للدولة المغربية، وكل دولة محترمة ترفض التعامل مع الوزراء الداسرين أو الذين يستغلون غيبتهم عن الحضور الملكي لإطلاق الشتائم، ولماذا لا يدخل المغرب عهد التعامل الحزبي مع الحاجيات المخزنية، مادامت التقاليد المخزنية تبقى لها أطرها التقليدية المحصورة في الاحترام المخزني، الذي لا يتطابق مع الحاجيات السياسية التي تفرضها التطورات العالمية، ومقاييس التعامل مع الولايات المتحدة وروسيا ومجلس الأمن والسوق الأوروبية والمناورات الدولية، خصوصا وها هي المقاييس والاحتجاجات والمحاكمات أصبحت تعطينا نماذج عن بعض رجال المخزن، الذين يرتكبون أخطاء فادحة تقودهم إلى المحاكمات الدولية، ثم إن الخريطة السياسية المغربية المنشورة على الصعيد العالمي، أصبحت تحتم مراجعة صريحة للأساليب المتبعة على الصعيد الداخلي والخارجي، بينما هذه الخريطة على الصعيد الدولي، أصبحت تحتم بعض المراجعة سواء في السياسة الداخلية، وبالأسبقية المراجعة للتناسق بين الحاجيات المنطقية، وخاصة مراجعة لدور الأحزاب التي يعطيها الدستور المغربي دورا أساسيا في الحضور الداخلي والخارجي، بينما تشهد الحوادث على غياب شبه مطلق لما نسميه بالإجماع الوطني، وغياب أكثر من مطلق لدور الأغلبية الحزبية الشبه منقرضة، وتكريس مفضوح للحضور الحزبي في أغلب القرارات المتخذة من قبيل نموذج الوزير الشاب، المعين في الحكومة العثمانية الحالية، والذي لم تمض أيام طويلة على وصف رئيسه العثماني له بأنه الوزير المعجزة، حتى كتب عنه صحفي مشهور في افتتاحيته: ((إن هذا الشاب أمكراز لم يستوعب أنه أصبح وزيرا))، وهو نموذج من الوزراء الرافضين رفضا مطلقا للتعامل مع المكونات الحزبية التي لا تقدم ولاءها للسياسة المخزنية(…)، ولا لبعض أقطاب المخزن المشهورين.

وها هو المغرب أصبح مسرحا للصراع الفردي بين أقطاب الأحزاب السياسية فيما بينهم بعيدا عن خريطة الإجماع الوطني، المحصورة في الصراعات الداخلية بين أطراف حزب العدالة(…) المتهربين عن كل تقدير لأقطاب هذا الحزب المبعدين(…)، وتكريس الغضبة المفروضة على بعض أقطاب الأحزاب الذين لا يحظون بالرضى لدى بعض الجهات، لنصل إلى هذه النتيجة التي أدت إلى هذا النفور المصنوع، والموت للأحزاب التقليدية التي لعبت أدوارا مصيرية في التاريخ الماضي والحاضر، ولنراجع هياكل الأحزاب الاصطناعية وهياكل الحكومة الحالية التي يرأسها الدكتور العثماني، والتي لا تشكل إطلاقا الصورة الحقيقية للأحزاب المتواجدة صوريا في الحكومة الحالية، والمتمثلة حكوميا في مشاركة وزارات لا علاقة لها بالأحزاب الحقيقية، ووزراء نزلوا على أرضية الحكومة الحالية بالإرادة الحتمية في تحضير وزراء للانتخابات المقبلة، أغلبهم لا حالة حزبية سياسية لأعضائها، وكأن المخطط لهذه الخريطة الفاسدة، لا علم له بما يمهد لحروب فتنوية في العراق، ولبنان، وليبيا، وموريطانيا، رغم المحاولات الذكية لإنقاذ الخريطة السياسية في تونس والجزائر على أبواب المغرب، حيث أصبحنا نسمع بدء المتدخلين في التصريحات المستنكرة للحكم الفردي الذي بدأ يختفي في الجزائر وتونس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى