الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة | الأسئلة الموجهة للمهدي بنبركة “الحلقة 29”

تنشر لأول مرة

قضية المهدي بنبركة بقيت سرّاً غامضاً رغم انقراض ما يقارب ستة عقود على اختفاء هذا السياسي الكبير، ولكن اختطاف بعض المسؤولين المباشرين، أسهم في إرسال بعض الأضواء على جوانب مظلمة، مما كشف عن نوعية أجواء(…) القضية التي بقيت ماثلة كالطود، من جيل الستينات إلى اليوم.

والسلسلة التي تنشرها لكم “الأسبوع” اليوم وبشكل حصري، مُستخرجة من أوراق تركها مؤسس جريدتنا مصطفى العلوي، في خزانته الغنية، وهو الذي عاش ما قبل الاختطاف، وعايش ظروفه، وتعايش مع الأحداث التي أحاطت به، وجمع على مدى 60 سنة، ما يكفي من البيانات والصور، والوثائق والمراجع، وهي الأوراق نفسها التي نقدمها لكم وللتاريخ، ضمن حلقات “الحقيقة الضائعة”.

بقلم: مصطفى العلوي

    لقد تركزت اهتمامات الصحافة والعدالة والحكومات، وكل الأطراف المهتمة بقضية المهدي بنبركة، عند وثيقة أساسية، عثرت عليها الشرطة في حقيبة الإرهابي “فيكون”، بعد موته الغريب المريب، ويتعلق الأمر بمجموعة أسئلة موجهة للمهدي بنبركة، أثارت الكثير من التفسيرات.. فقد تولت الصحافة الفرنسية شرح وتأويل الأسئلة على أنها موجهة من أوفقير للمهدي بنبركة، وأنها وضعت عليه ساعة تعذيبه، وأنه أجاب عليها تحت الضغوط، وأثارت هذه الأسئلة بعد العثور عليها، سلسلة تفسيرات، سواء أمام المحكمة أو في الشارع العمومي. والعثور على هذه الأسئلة في حقيبة “فيكون” يزيد من قوة الاحتمال بأن آخر من شاهد المهدي بنبركة هو الإرهابي “فيكون”، وأنه قتل نتيجة شيء ما حصل خلال آخر لقاء تم بينه وبين السياسي المغربي، كما أن هذه الأسئلة، بعد تحليل جزئياتها وخلفياتها، تبلور اسم أو أسماء أصحابها، وبالتالي، فهي تفضح المنظمين لاختطاف بنبركة، وتكشف عن النوايا التي من أجلها تم اختطافه.

نفس الأسئلة بعد كشفها عن نفس الأجوبة، تكشف جانبا آخر، هو اهتمام أصحاب الأسئلة بمستقبل المغرب لا بمستقبل المهدي بنبركة ولا بحزبه السياسي، وفيما يلي، النص الكامل لتلك الأسئلة كما هو مدرج كوثيقة تاريخية في ملف المحكمة:

الأسئلة السياسية الموجهة للمهدي بنبركة، والمعثور عليها في حقيبة المتهم الهارب “جورج فيكون” والمتواجدة في ملفات العدالة، مختومة في ملف قضية المهدي بنبركة:

((- لم تحمل الحكومة المغربية مسؤولية أحداث الدار البيضاء، في مارس 1965، للأيادي الأجنبية، فمن أثار تلك الأحداث وذلك الغضب الشعبي؟ وهل هذا صحيح، أم إنه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي مهد لهذه الأحداث ودفع لقيادتها الطلبة والأساتذة؟

– تعرف أن الاتحاد المغربي للشغل أعلن عن سلسلة إضرابات خلال أحداث الدار البيضاء، فهل قام بذلك لإسناد المتظاهرين، أم لمجرد إنقاذ ماء وجهه أمام التحرك الجماهيري. إن المحجوب بن الصديق، لا يحظى حسب ما يبدو بتقدير الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وأحزاب المعارضة الأخرى؟

– صحيح أن المدن المغربية الأخرى لم تحذ حذو مدينة الدار البيضاء، ولم تعلن عن مظاهرات، فهل ذلك نتيجة القمع الشديد. لكن اندلاع نزاع على الحدود المغربية الجزائرية في تلك الفترة، كان من شأنه تشتيت قوات الملك الحسن الثاني، وتعجيز قواته الرادعة، الشيء الذي كان من شأنه تهديد النظام، وبالتالي، فقد كان بإمكان القوات المسلحة المتواجدة بالجزائر أن تتسلل داخل المغرب وتسند المظاهرات، فما رأيكم في دور الرئيس بنبلة في هذا المجال؟

– ما هي الوضعية الحالية للمسلحين المغاربة الموجودين بالجزائر، وهل تعتقدون أن الرئيس بومدين سيقبل كسلفه، تبني هذه العناصر؟

– هل تتحمل الجزائر وحدها مصاريف هذه العناصر المسلحة، وكيف هو تأطيرها، وكيف تتدرب؟

– إذا رفض بومدين بقاء هذه العناصر بالجزائر، فأين ستذهب؟ ومن هي الدولة التي ستقبلها؟ وما هي أسباب هذا القبول؟

– يقال بأن الجمهورية العربية المتحدة تقدم لكم الدعم الكافي، فهل هذا صحيح؟

– ما هي الطرق التي تعتمدونها لمعرفة ما يجري داخل المغرب بصرف النظر عن الصحف والإذاعات؟

– يكثر الحديث هذه الأيام عن وجود تقارب بين القصر الملكي وبين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ويتحدثون حتى عن تأسيس حكومة في القريب العاجل، يكون الاتحاد الوطني مسهما فيها. ما هو رأيكم في هذا الموضوع؟ وهل هناك اتفاق بينكم وأعضاء الاتحاد الوطني ضد النظام، وهل بينكم اتصال؟

– ما هو موقف الاتحاد المغربي للشغل بالتحديد من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهل يمكن أن يتفق معكم المحجوب بن الصديق على الإطاحة بالنظام؟

– تعرفون أن المظاهرات والشغب لا تكفي للإطاحة بالنظام، خصوصا وأنه (كلمة ناقصة) مع الحركة الشعبية وحزب الاستقلال؟

– هل نظمتم بالمغرب، بصرف النظر عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، هياكل سرية مسلحة لإضعاف النظام، ومن يراقب هذه الهياكل ومن يمولها؟

– من يعطيها الأوامر؟ وإذا كانت موجودة، فلماذا لم تشارك في الأحداث وهي تحظى بدعم ما من شخصيات سياسية وعسكرية بالمغرب؟

– هل سبق لكم أن نظمتم مؤامرة ضد الملك الحسن الثاني ومتى؟ وهل أنتم تعقدون حاليا النية على القيام بعمل من هذا النوع؟

– ما هو شكل المساعدات التي تحصلون عليها من دول أوروبا الشرقية ومن بعض الدول العربية؟

– للقيام بتمرد مسلح، هل خزنتم أسلحة بالمغرب؟

– ما هي الوضعية الحالية لعلاقتكم مع بومدين؟ وهل يظهر عليه استعداد لدعمكم مثل بنبلة؟

– هل يمكن لكم يوما أن تتفاهموا مع الملك الحسن الثاني، وفي أية ظروف؟

– هل يسندكم ضباط من الجيش، يمكن أن يساعدوكم يوما على تحقيق أهدافكم؟

– وهل لكم عناصر في جهاز الشرطة؟

– ما هي مشاريعكم السياسية بالنسبة للمستقبل؟

– هل تعتقدون أن قادة الاتحاد الوطني بإمكانهم التأثير على الجماهير المغربية وتأليبها ضد النظام؟

– نعرف أن بعض المغاربة لجؤوا إلى الجزائر وهم بصدد تشكيل قوات مسلحة لمواجهة النظام، فماذا عملت هذه العناصر لحد الآن؟

– يقال أن الكولونيل السابق بن حمو، هو الذي يشرف على هذه العناصر، فهل هو قادر على خوض المعركة، وهلا تعتقدون أنه سينقلب عليكم وينفرد بالعمل لوحده؟

– من هم رؤساء الدول الذين يسندونكم؟

– ما هي نتائج المؤتمرات العربية؟

– ………… اجتماع الإليزي ……. الجنرال ……. بومبيدو …… فري …… فوكار…… لومارشان)).

تلك كانت الوثيقة المدرجة في ملف قضية المهدي بنبركة، والتي أثارت الأسئلة المطروحة فيها موجة من التساؤلات والتخمينات المصيرية في استكناه السر الكامن وراء اختطاف بنبركة، وهي وثيقة تستدعي طرح العديد من التساؤلات:

– أولا: إذا كانت هذه الأسئلة هي المقصودة من العملية والحصول على الإجابة عنها هو الهدف من اختطاف السياسي المغربي، بينما يظهر من أسلوبها أن المسؤول ستتاح له فرصة الحياة فيما بعد.. أفلم يكن من الممكن طرحها على المهدي بنبركة من طرف صحفي في جنيف أو لاهافان؟

– ثانيا: ولقد نسبت أجهزة المخابرات الفرنسية هذه الأسئلة إلى منظم العملية حسب قولها، وهو أوفقير، ولكن، هل أوفقير وقد كان أكبر رجل استعلامات في المغرب، له إمكانيات الاستنطاق والتعذيب والتجسس، وبحاجة إلى تكليف مجموعة من الإرهابيين الأجانب لإلقاء هذه الأسئلة على المهدي بنبركة؟

– ثالثا: وإذا راعينا جانب الأحداث التي عرفها المغرب بعد سبع سنوات من تحرير هذه الأسئلة، ومحاولة أوفقير سنة 1972، والاتصالات السرية بين سفير المغرب في باريس، الأمير مولاي علي مع المهدي بنبركة، والتي يظهر أنها تمت خفية عن أوفقير، اتضح أن أوفقير كان بواسطة ضباط المخابرات الفرنسية، يريد أن يعرف ما يحاك بين القصر والمهدي بنبركة (السؤال التاسع)، ولكن أوفقير نفسه، صرح لأحد الصحفيين في أعقاب ذلك مجيبا على موضوع الأسئلة بقوله: “هل أنا بحاجة إلى وضع هذه الأسئلة التي لا يعرف الإجابة عنها أي واحد أكثر مني؟”.

– رابعا: وهذه الأسماء المذكورة في نهاية الأسئلة.. الجنرال “بومبيدو”، “فري”، “فوكار”، “لومارشان”.. ماذا تعني، هل تعني أسماء المعنيين بالإجابة عن هذه الأسئلة، ومن بينهم “لومارشان” المحامي المدبر للعلمية، والذي وضع اسمه بجانب أسماء المسؤولين الرئيسيين الأربعة في النظام الفرنسي، أم أن فرنسا وأجهزتها كانت ترغب في تنفيذ مخطط بالمغرب، تعتبر هذه الأسئلة والإجابة عنها عناصر أساسية لتنفيذه.. مادامت هذه الأسئلة ليست من النوع الذي يطرحه المغاربة فيما بينهم؟

– خامسا: وإذا راعينا حملة الاعتقالات التي نظمها أوفقير في أعقاب أحداث مارس 1965، والاستنطاقات التي انتزعت من المعتقلين، فهل يبقى مبرر لوضع هذه الأسئلة؟

أسئلة وتساؤلات تفقد قيمتها، وتغني عن كل استمرار في البحث والتفكير أمام العنصر الجديد الذي كشفت عنه وثيقة رسمية فرنسية، أمضاها مراقبان شرعيان، وأدرجت بجانب وثيقة الأسئلة في المحكمة.

 

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى