تحليل إخباري | هل يتجاوز المغرب مقترح الحكم الذاتي ويعلن استعداده للحرب ؟
الجزائر تورط شمال إفريقيا في صراع الشرق والغرب

الأنظمة العريقة، وهي أنظمة معدودة على رؤوس الأصابع في العالم، لا تتشابه مع الأنظمة المستحدثة(..)، ومن ثم، فإن كلام الملوك يفوق من حيث أبعاده ووقعه، كلام أصحاب الكلمات السطحية، القائمة على “تدبير رد الفعل”.. فبينما كان البعض يتوقع انغماس الخطاب الملكي في “الإشارة” إلى أحداث السمارة وتداعياتها على الأمن في منطقة الصحراء المغربية، كان لافتا للانتباه انتقال الملك محمد السادس إلى خطوة غير متوقعة، بإعلانه الشروع في استكمال تهيئة الواجهة الأطلسية، حيث قال: ((غايتنا أن نحول الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي)).
إعداد: سعيد الريحاني
الحديث عن تنمية الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية، هو في حقيقة الأمر انتقال نحو “الحسم النهائي” لملف الصحراء المغربية، لا سيما وأن الملك محمد السادس ربط تأهيل المنطقة بمشاريع عملاقة، منها إحداث أسطول بحري مغربي (وهي إحدى نقط ضعف التجارة المغربية، والشروع في التنقيب عن الثروات الطبيعية)، حيث قال الملك محمد السادس: ((غايتنا أن نحول الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي.. لهذا نحرص على استكمال المشاريع الكبرى التي تشهدها أقاليمنا الجنوبية، وتوفير الخدمات والبنيات التحتية المرتبطة بالتنمية البشرية والاقتصادية.. وكذا تسهيل الربط بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي، وتوفير وسائل النقل ومحطات اللوجستيك، بما في ذلك التفكير في تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي.. ولمواكبة التقدم الاقتصادي والتوسع الحضري، الذي تعرفه مدن الصحراء المغربية، ينبغي مواصلة العمل على إقامة اقتصاد بحري يساهم في تنمية المنطقة، ويكون في خدمة ساكنتها.. اقتصاد متكامل قوامه تطوير التنقيب عن الموارد الطبيعية في عرض البحر، ومواصلة الاستثمار في مجالات الصيد البحري، وتحلية مياه البحر، لتشجيع الأنشطة الفلاحية، والنهوض بالاقتصاد الأزرق، ودعم الطاقات المتجددة، كما ندعو إلى اعتماد استراتيجية خاصة بالسياحة الأطلسية، تقوم على استثمار المؤهلات الكثيرة للمنطقة، قصد تحويلها إلى وجهة حقيقية للسياحة الشاطئية والصحراوية)) (المصدر: الخطاب الملكي السامي/ 6 نونبر 2023).
ولا شك أن المتتبع للخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، ورغم الهدوء الذي يطبع الخطب الملكية، قد لاحظ الاقتصار على ذكر المقترح المغربي للحكم الذاتي في كلمة واحدة ضمن فقرة واحدة صغيرة في الخطاب، وردت في آخر النص، وجاء فيها: ((.. وقد اعترفت، والحمد لله، العديد من الدول بمغربية الصحراء، وعبرت دول أخرى كثيرة وفاعلة، بأن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الوحيد لتسوية هذا النزاع الإقليمي المفتعل)).
إن قوة الخطاب الملكي الأخير، والذي تزامن مع إحياء الذكرى الثالثة لمعركة الكركرات، تكمن في “أبعاد الكلمات”، فالحديث عن الشروع في التنقيب وتنمية الواجهة الأطلسية هو تكريس للسيادة المغربية على أرض الواقع، وغلق نهائي للمجال أمام أي “فكرة انفصالية وهمية”، والأكثر من ذلك، يؤشر الشروع في العمل على الأرض، استعداد المغرب للحرب(..) بعد أن وصل إلى أقصى حد للتفاوض، وهو “ليس تفاوضا من أجل مغربية الصحراء” طالما أن مغربية هذه الأقاليم حقيقة ثابتة(..).
الشروع في تنزيل الرؤية المغربية لتأهيل الواجهة الأطلسية، وهي الواجهة المقابلة لأمريكا، بعد أن ظل التركيز لسنوات على تأهيل الواجهة المقابلة لأوروبا، هو شروع عملي في تنزيل الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، وترجمة عملية للاعترافات الأخيرة(..)، بالتزامن مع التصعيد الجزائري، الذي وصل إلى حد خرق الاتفاق الأممي لوقف إطلاق النار، ودفع البوليساريو لقصف المدنيين في مدينة السمارة..
هل يمكن أن تشهد المنطقة حربا في مستقبل الأيام، بعد الدور الجزائري؟ هل يعقل أن يستمر المغرب في سياسة ضبط النفس أمام كل هذه الاستفزازات؟ ألا تكفي مجرد “حركة” واحدة من الجيش الملكي المغربي المرابض في الصحراء، لتطهير المنطقة من أنصار الوهم؟ كلها أسئلة تطرح نفسها في الوقت الراهن، الذي يتسم باحتدام الصراع بين الشرق والغرب في عدة مناطق من العالم، بما فيها أوكرانيا وفلسطين (ملحوظة: المغرب لا يتنازل بأي حال من الأحوال عن الفلسطينيين).

يقول المحلل الاستراتيجي المصطفى كرين، وأحد كبار المتخصصين في دراسة “الشرق والغرب”، في جوابه عن إمكانية اندلاع حرب في الصحراء، في تصريح خص به “الأسبوع”: ((هناك مبدأ عاما يؤطر ويحكم اشتعال بؤر الصراعات المسلحة حاليا عبر العالم، وهو الصراع الوجودي بين الشرق بقيادة روسيا والصين، والغرب بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، وبين هذا وذاك، هناك شعوب ودول وحضارات تذهب أدراج الرياح، وهذا المبدأ الذي تكلمنا عنه هو الذي كان وراء اشتعال الحرب الأوكرانية بسبب تمدد الحلف الأطلسي في الجوار الروسي ومحاولات محاصرة روسيا، وهو الذي يقف خلف اشتعال الحرب الجارية حاليا في منطقة الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بسبب الدور الإسرائيلي في أوكرانيا وتوتر العلاقات الروسية الإسرائيلية، والإيرانية الإسرائيلية، ورغبة موسكو في تحويل وتشتيت جهد واشنطن العسكري والاقتصادي، وهو الذي سيستمر في إشعال بؤر دمار أخرى، ويعتبر بحر الصين الجنوبي، وهنا في شمال إفريقيا، المرحلة المقبلة في عملية كسر العظام هذه بين القطبين، والمخاطر التي تحيط بشمال إفريقيا وغرب المتوسط بشكل عام، تأتي بسبب الدور الجزائري الإيراني الروسي في الشرق الأوسط)).
بالنسبة للمصطفى كرين، فالمخاطر إذن، تأتي من الدور الجزائري الإيراني، وقد سبق للمغرب أن اتهم إيران رسميا بدعم البوليساريو، بل إن السلاح الإيراني وصل إلى البوليساريو، ناهيك عن التناغم الحاصل من حيث العداء للمصالح المغربية على المستوى الدولي بين إيران والجزائر(..)، ماذا لو كانت التطورات الأخيرة – أحداث السمارة على سبيل المثال – عنوانا لحرب مقبلة؟ فمن المرجح أن تنهي أسطورة البوليساريو، لأن بلدا مثل الجزائر لا يمكنه الصمود في حرب، لعدة اعتبارات، منها عجزه عن توفير الغذاء للشعب، فدخول الحرب بالنسبة لدولة جائعة هو بمثابة انتحار (ملحوظة: جل التقارير الدولية تصنف الجزائر في مقدمة الدول المستوردة للغذاء، ومعلوم أن من نتائج الحرب قطع الإمدادات).
وفي تعليقه عن أحداث السمارة، يقول المصطفى كرين: ((أعتقد شخصيا أن النية وراء ما وقع في السمارة هي الدفع في اتجاه نشوب نزاع مسلح بالوكالة بين القطبين، الشرق والغرب، في محاولة منهما لإضعاف واستنزاف بعضهما البعض، ولا أجد شخصيا فرقا كبيرا بين الدور الإيراني في اليمن ولبنان وبين دورها في المناطق الجنوبية للمغرب، حيث تقوم، بالتعاون مع الجزائر، بتهيئة ظروف الحرب المقبلة في المنطقة، ويجب ألا ننسى في هذا الإطار، أن اندلاع الأزمة الحالية في الشرق الأوسط جاء على خلفية التئام الفصائل الفلسطينية بالجزائر، بعد اجتماعاتها في طهران بحضور وتأثير مباشر وعلني من طرف القيادات السياسية والعسكرية في إيران)).
هذا بالنسبة للمشكل، فما هو الحل؟.. ((أظن أن المغرب يجب أن يذهب في اتجاه استرجاع المنطقة العازلة في أقرب وقت، ورفع سقف المفاوضات حول اقتراح الحكم الذاتي، وأظن أن الاقتراح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي هو فرصة سياسية هائلة يوشك نظام الجزائر وصنيعته على تفويتها، لأن المغرب لا يمكن أن يظل إلى الأبد مرتهنا لعودة هؤلاء إلى جادة العقل والصواب)) (المصدر: تصريح المصطفى كرين لـ”الأسبوع”).

وقد لا يكون هناك متسع من الوقت لمزيد من الوهم مستقبلا.. فقد توالت الدعوات المغربية إلى ضرورة تحرك الجيش المغربي، لإلغاء ما يسمى بالمناطق العازلة، على خلفية الهجوم على المدنيين في مدينة السمارة، وهو ما يعني عمليا إمكانية تجاوز مبادرة الحكم الذاتي، وقد ((اعتبر محمد الشيخ بيد الله، الوزير السابق والعضو المؤسس للبوليساريو، أن أحداث السمارة هي هجمات إرهابية، تم خلالها استهداف مساكن مدنية لا توجد بها بنية تحتية عسكرية.
وقال بيد الله، رئيس مجلس المستشارين الأسبق، في حوار للزميلة “ماروك إيبدو”، أن ((جبهة البوليساريو، من خلال هذه الهجمات، تبعث بثلاثة رسائل، وهي: “الرغبة في تخويف المستثمرين”؛ و”إرهاب الصحراويين الوحدويين”، الذين يدافعون عن مغربيتهم والذين يشاركون بشكل كبير في تنمية المغرب؛ وثالثا، “محاولة تخويف المغاربة ككل وإرسال إشارة إلى بعثة “المينورسو” بأن حالة الحرب قائمة، عشية التصويت على القرار 2703 بشأن الصحراء من قبل مجلس الأمن.. وأكد بيد الله، أنه حان الوقت لكي يستعيد المغرب المنطقة العازلة والدفع بالجدار إلى الحدود الجزائرية، لوضع حد لهذه الاستفزازات، وشدد على أنه لا يمكننا أن نقبل أن يتم اغتيال مواطنينا بإطلاق نار داخل أراضينا)) (المصدر: عن موقع الزنقة 20).
كلام بيد الله، الذي سبق له أن تولى مهمة ممثل للإدارة الترابية، ولا شك أنه لا ينطق عن الهوى(..)، بالإضافة إلى كونه تحذير لقوم يعرفهم جيدا(..)، فإنه يعني عمليا دعوة إلى تحرك الجيش الملكي المغربي، فتطهير المناطق العازلة لا يحتاج بالتأكيد إلى منظفات منزلية، بل إلى عسكر وعتاد حربي وجنود(..).