ملف الأسبوع | استهداف السمارة يفرض التنسيق العسكري بين المغرب وموريتانيا
تداعيات ما بعد ضربة البوليساريو

يعتبر استهداف مدينة السمارة من قبل جبهة البوليساريو، مرتين متتاليتين، بمثابة بداية مرحلة ونهاية أخرى، ولا شك أن الحدث سيكون له ما بعده، ومن ضمن ذلك ضرورة التنسيق العسكري بين المملكة المغربية والجمهورية الموريتانية، من أجل حماية الحدود الجنوبية الشرقية للمغرب، والتي تحدها موريتانيا، من تسلل ميليشيات الجبهة الانفصالية، ويتعرض هذا الملف لكيف سيكون التنسيق العسكري بين البلدين، مع استعراض تجارب سابقة بينهما.
أعد الملف: سعد الحمري
هل نشهد تنسيقا عسكريا بين المغرب وموريتانيا رغم تأرجح مواقف موريتانيا من قضية الصحراء المغربية ؟
لا يمكن فهم تأرجح العلاقات المغربية الموريتانية بين الإيجابية والسلبية على الدوام.. فإذا أخذنا فقط الفترة الممتدة من بداية العقد الحالي والتي بدأت مع انتخاب الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ ولد الغزواني، فيمكن ملاحظة أنها غير مستقرة، إذ بعد أشهر قليلة من صعود الرجل إلى سدة الحكم في بلاده، وقع حدث أنذر بأن تحولا مهما واقع لا محالة في العلاقات بين البلدين، وهو انعقاد الاجتماع الأول للجنة العسكرية المختلطة المغربية الموريتانية يوم الأربعاء 29 يناير 2020، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على بداية تعاون عسكري وثيق بين المغرب وموريتانيا، وبداية حقبة جديدة.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الرباط تحرص على إنشاء علاقات استثنائية مع نواكشوط، ظهر أن سياسة النظام الموريتاني لم تتغير تجاه ملف الصحراء المغربية.. فقد أكد محمد ولد الشيخ ولد الغزواني، الرئيس الموريتاني الجديد، أن بلاده تعترف بـ”الجمهورية الوهمية”، وذلك في أول خروج إعلامي له مع وسائل إعلام موريتانية منذ انتخابه رئيسا للبلاد خلال شهر مارس من نفس السنة، حيث قال ولد الغزواني: ((إن موقف موريتانيا من قضية الصحراء الغربية لم يتغير ولن يتغير، وهو الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، لأنه موقف من ثوابت السياسة الخارجية للبلد، بغض النظر عن الحاكم أو التطورات الحاصلة في الملف)).
ولم تكد تمر مدة طويلة على هذين الحدثين، حتى ظهرت أزمة الكركرات خلال سنة 2020، ومعها بدى أنه رغم اجتماع اللجنة العسكرية المختلطة بين البلدين، إلا أن ميليشيات البوليساريو تسللت إلى الحدود بين البلدين وخلقت أزمة عمرت مدة من الزمن.
ومع نهاية الأزمة بانتصار المغرب عسكريا ودبلوماسيا، والتي انتهت بتحرير المغرب لهذا المعبر الحدودي الاستراتيجي، بدأ الحديث عن عزم الجارة الجنوبية سحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، وتجلى ذلك من خلال اتصال بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني، عبر من خلاله الملك عن استعداده لزيارة موريتانيا، كما دعا العاهل المغربي الرئيس الموريتاني من أجل القيام بزيارة إلى المغرب، ورغم كل هذه التطورات، إلا أن الموقف الموريتاني انقلب رأسا على عقب، حيث استقبل الرئيس الموريتاني بعد أيام من ذلك، وفدا ممثلا للجبهة الانفصالية، الأمر الذي حول التقارب بين البلدين إلى تباعد وتنافر، وما زاد من حدة التنافر هو تداول وسائل إعلام رسمية مغربية عزم المملكة على بناء ميناء في مدينة الكويرة، وإعادة إعمارها من أجل جعلها قطبا اقتصاديا إلى جانب مدينة الداخلة.
ولقد انتهى هذا النقاش بعد حصول تحول جديد، وهو قصف القوات الملكية المسلحة لبعض المرتزقة من جبهة البوليساريو، خلال يناير 2021، والذين دخلوا إلى المنطقة العازلة على الحدود الجنوبية الشرقية مع موريتانيا.. يومها أعلنت الجارة الجنوبية عن إجراء تمت قراءته على أنه في مصلحة المغرب، حيث أعلنت عن بداية مشروعها الكبير على مستوى حدودها الشمالية مع المغرب، وصادقت حكومة نواكشوط على مشروع مرسوم يقضي بإنشاء ما أسمته “منطقة دفاع” حساسة شمال البلاد بمحاذاة الحدود المغربية، واعتبرت السلطات الموريتانية أن المنطقة المعنية بهذا المشروع “خالية أو غير مأهولة، وقد تشكل أماكن للعبور بالنسبة للإرهابيين ومهربي المخدرات وجماعات الجريمة المنظمة”.
وحدد مشروع المرسوم، وفق ما يوضحه بيان صادر عن اجتماع المجلس الحكومي، نشرته الوكالة الموريتانية للأنباء، “إحداثيات المعالم البرية التي تجسد حدود هذه المنطقة، التي تقع في الشمال وتعتبر خالية أو غير مأهولة، وقد تشكل أماكن للعبور بالنسبة للإرهابيين ومهربي المخدرات وجماعات الجريمة المنظمة”، واعتبر متتبعون أن موريتانيا تحاول من خلال تشييد منطقة دفاع في شمال البلاد، سد المنافذ البرية التي تستغلها البوليساريو للوصول إلى المناطق العازلة، وهي منطقة تشكل مطمعا للإرهابين ومهربي المخدرات وجماعات الجريمة المنظمة.
وابتداء من هذه المرحلة، أخذت العلاقات بين البلدين منحى إيجابيا، حيث تم تنظيم النسخة الثانية من المنتدى الاقتصادي الموريتاني المغربي خلال شتنبر 2022، الذي شارك فيه حوالي 140 من الفاعلين الاقتصاديين الموريتانيين، بينما شارك من الجانب المغربي 400 مقاولة، إلا أن هذه الدينامية عطل سرعتها ما وقع يوم 14 مارس 2023، عندما استقبل الرئيس الموريتاني بالقصر الرئاسي في العاصمة نواكشوط، ممثل جبهة البوليساريو، محمد سالم ولد السالك، الذي سلمه رسالة خطية من زعيم الجبهة إبراهيم غالي، وفقا لخبر الوكالة الموريتانية للأنباء.
ثم جاء التحدي الجديد، وهو أحداث السمارة الأخيرة.. فقد أشارت تقديرات أولية إلى أن الجماعة المسلحة التابعة لجبهة البوليساريو، تسللت عبر الحدود المغربية الموريتانية متخفية بين المنقبين الموريتانيين عن الذهب، وهو ما طرح من جديد إشكالية مراقبة الحدود بين البلدين، وعلى هذا الأساس، انعقد الاجتماع الرابع للجنة العسكرية المختلطة المغربية الموريتانية، الذي أعلن أن هدفه هو تعزيز التعاون العسكري الثنائي في مختلف مجالات التكوينات والتدريبات المشتركة.. فهل يكون هذا الاجتماع بداية تنسيق حقيقي بين الطرفين من أجل قطع الطريق على مرتزقة البوليساريو من التسلسل عبر الحدود الشمالية الشرقية لموريتانيا ؟ الواقع أنه كانت هناك سابقة تاريخية تم فيها التنسيق بين البلدين.

تجارب سابقة نجح فيها التنسيق العسكري بين المغرب وموريتانيا
ليست هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن إمكانية التنسيق بين المغرب وموريتانيا من أجل حماية الحدود، فقد حدث ذلك فعلا بعد المسيرة الخضراء، في إطار تنسيق الجهود بين البلدين من أجل مواجهة جبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر، وقد بدأت أولى الخطوات سنة 1976، عندما وقع البلدان اتفاقية تتعلق بترسيم الحدود يوم 16 أبريل 1976، ثم قام الرئيس الموريتاني، المختار ولد دادة، بزيارة رسمية إلى المغرب ما بين 21 و23 يوليوز 1976، انتهت بإصدار بلاغ مشترك وجه من خلاله قائدا البلدين نداء حارا إلى الصحراويين الذين ذهبوا إلى تندوف والذين يتكونون من مغاربة وموريتانيين، من أجل الرجوع إلى أوطانهم، وجاء في البيان أن ((واجب الصحراويين ليس الاستمرار في العيش على الصدقات الدولية في البلاد الأجنبية، بل أن يعودوا إلى ديارهم)).
لقد كانت هذه الزيارة بداية لسلسة متوالية من الزيارات بين الطرفين من أجل التنسيق لمواجهة جبهة البوليساريو، حيث استقبل الرئيس الموريتاني المختار ولد دادة، الوزير الأول المغربي أحمد عصمان، الذي كان على رأس وفد مغربي هام، في الفترة من 21 إلى 23 يناير 1977، وصدر بلاغ مشترك، جاء فيه: ((أعرب الطرفان عن انشغالهما بالتوتر السائد في المنطقة نتيجة خلق مشاكل مصطنعة يترتب عنها تأخر في تشييد صرح المغرب الكبير، مجددين – بهذه المناسبة – النداء الذي وجهه رئيسا الدولتين إلى المنظمات الإنسانية الدولية في هذا الصدد)).
وفي ظل هذا التوافق الذي أضحت عليه العلاقات بين البلدين، أصبحت موريتانيا تتعرض لهجومات قوية من قبل جبهة البوليساريو في وقت كان عدد الجنود الموريتانيين ألفي جندي فقط، ومن هذا المنطلق، التجأت موريتانيا إلى المغرب، الذي أصبح حليفها، لتطلب مساعدته في مواجهة البوليساريو، وقد استجاب المغرب لطلبها، وتم تتويج ذلك بـ”اتفاق التعاون المشترك في مجال الدفاع” المبرم بالعاصمة نواكشوط يوم 12 ماي 1977 بين موريتانيا والمغرب، والذي قضى بأن ((يقوم الجيش المغربي بالتمركز في الأراضي الموريتانية من أجل التصدي لهجومات مرتزقة البوليساريو)).
وفي ذات الإطار، حل الرئيس الموريتاني المختار ولد دادة بأرض المملكة، يوم الخميس 9 فبراير 1978، وفي اليوم الموالي عقد مع الملك الحسن الثاني محادثات، وبعدها صدر بلاغ مشترك أكد من خلاله الجانبان أن ((زيارة الرئيس الموريتاني للمغرب تأتي في إطار التشاور الدوري الذي يتم بين المغرب وموريتانيا))، وأكد البلاغ أن ((قائدا البلدين استعرضا الوسائل التي من شأنها أن تجعل التعاون المغربي الموريتاني أكثر فعالية وأشمل نفعا في جميع المجالات))، وأضاف: ((إن رئيسي الدولتين وجدا أن وجهة نظرهما متطابقة تمام التطابق، سواء بالنسبة للمشاكل المحلية أو بالنسبة للقضايا الدولية التي تم تناولها)).
وفي ذات السياق، ترأس الملك الاجتماع الثاني لمجلس الدفاع المشترك المغربي الموريتاني بفاس يوم 19 أبريل 1978، حيث حضر الاجتماع بعض أعضاء الحكومتين، المغربية والموريتانية، ومستشارو الملك، وشخصيات أخرى، وفي ختام اجتماعات هذا المجلس، أدلى حمدي ولد مكناس، وزير الدولة الموريتاني للشؤون الخارجية، بتصريح أكد من خلاله أنه تم تدارس حصيلة سنتين من التعاون والتنسيق الأخوي في إطار اتفاق الدفاع الذي يجمع البلدين، وأوضح أن الحصيلة جد إيجابية، وأن البلدين يعملان على مواصلة التنسيق على مستوى مجموع المؤسسات المنشأة بواسطة اتفاق الدفاع، وبفضل ذلك، سيتمكن البلدان من الوقوف ضد العدوان، كما صرح الوزير الموريتاني بالتالي: ((.. وأريد هنا أن أوجه عبارات التقدير إلى الوحدات المغربية المتواجدة في موريتانيا، التي تظهر كل يوم إلى جانب أشقائها الموريتانيين بكل انضباط وإخلاص وشهامة التضامن الأخوي بين الشعبين المغربي والموريتاني)).
وفي ختام الاجتماع، صدر بلاغ مشترك، جاء فيه أنه ((طبقا لاتفاق التعاون المشترك في مجال الدفاع المبرم بنواكشوط يوم 12 ماي 1977 بين موريتانيا والمغرب، وفي إطار العلاقات الأخوية بين البلدين، أعرب الجانبان عن ارتياحهما لروح التفاهم المشترك الذي سمح بالتوصل إلى نتائج إيجابية))، وسجل الجانب الموريتاني ارتياحه الكامل لحسن التعامل ومثالية السلوك الذي يتحلى به ضباط وجنود القوات المسلحة الملكية المرابطة في موريتانيا، كما عبر عن امتنانه للتضامن الفعال الذي أظهره المغرب، حكومة وشعبا، في الدفاع عن سيادة ووحدة تراب موريتانيا، وفي الأخير، أكد الجانبان أن ((العدوان الموجه ضد أحد البلدين يعتبر بمثابة عدوان ضد البلد الآخر)).
تدخل الجزائر أنهى التنسيق العسكري المغربي الموريتاني
لم يبق الأمر على حاله.. فقد وقع تحول مهم كان له ما بعده، حيث أنذر يوم 10 يوليوز 1978 بوقوع تحول جوهري على مستوى شمال إفريقيا، بعد أن استفاقت موريتانيا على وقع تغيير جذري في سياستها، ويتعلق الأمر بالانقلاب العسكري الذي قاده العقيد في الجيش الموريتاني المصطفى بن محمد السالك، للإطاحة بالرئيس المختار ولد دادة، الذي كان يعتبر حليفا للمغرب.
وفور وقوع الانقلاب، صرح المغرب غير ما مرة على لسان الملك الحسن الثاني، بأن العلاقات بين البلدين ستصبح أفضل بعد هذا التحول المفاجئ في الجارة الجنوبية، وبالفعل، فقد كانت زيارة الرئيس الموريتاني الجديد للمغرب إشارة قوية على تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة وأنها كانت بعد شهر فقط من توليه مقاليد السلطة، وخلال زيارته، صرح بأنه عاقد العزم إلى جانب العاهل المغربي، على إزالة التوتر وإعادة السلام والهدوء إلى المنطقة على أساس الاحترام المتبادل للسيادة والوحدة الترابية لبلديهما، ومعنى هذا، استمرار البلدين في التحالف ضد العدو المشترك، وهو البوليساريو، غير أن مواقف هذا الرجل عجلت برحيله بعد عشرة أشهر فقط قضاها في الحكم، حيث أجبر على الاستقالة من السلطة في أبريل من عام 1979، وخلفه العقيد أحمد ولد بوسيف، الذي مات في ظروف غامضة بعد شهر فقط من توليه السلطة، عندما سقطت الطائرة التي كانت تقله إلى العاصمة السنغالية دكار، وما زال لغز موته محيرا إلى الآن..
بعد ذلك، برز على الساحة السياسية نجم محمد خونه ولد هيدالة، الذي أصبح رئيس البلاد ابتداء من 31 ماي 1979، وكان هذا الأخير مدعوما من طرف قصر المرادية، وفور أخذه مقاليد السلطة، ظهرت بسرعة بوادر تنصل حكام موريتانيا الجدد لالتزاماتهم مع المغرب.. فقد قرر هذا الأخير التخلي عن المعاهدة الثلاثية بينه وبين المغرب وإسبانيا، المعروفة بـ”اتفاقية مدريد” الموقعة يوم 14 نونبر 1975.
فقد توجه إلى الجزائر التي رعت المفاوضات بين موريتانيا وجبهة البوليساريو، وانتهت بتوقيع اتفاقية السلام بين موريتانيا وجبهة البوليساريو يوم 5 غشت 1979، والتي نصت على انسحاب القوات الموريتانية من إقليم وادي الذهب وتركه لميليشيات البوليساريو، غير أن المغرب كان له رأي آخر، حيث قام يوم 14 غشت من نفس السنة باستعادة إقليم وادي الذهب، ثم أعلن بعد ذلك عن سحب جنوده من موريتانيا يوم 9 شتنبر 1979.
أمكن استعراض واقع الأمس من الخلاصة بأن المغرب وموريتانيا لهم سابقة تاريخية تمثلت في استعانة موريتانيا بالجيش الملكي من أجل حمايتها من هجومات جبهة البوليساريو، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا بعد تدخل الجزائر التي دعمت انقلابا عسكريا في موريتانيا، وأنهت التحالف المغربي الموريتاني، ومن المؤكد أن القيام بهذه الخطوة اليوم لن يحدث بأي حال من الأحوال، لكن كيف سيكون التنسيق العسكري بين المملكة المغربية والجمهورية الموريتانية مستقبلا من أجل منع مرتزقة البوليساريو من التسلل عبر حدودها ؟