تحليل إخباري | أكبر أطروحة جامعية تضع بن كيران بين دور الضحية والجلاد
"البيجيدي" واستغلال الدين في السياسة
حج العشرات من المسؤولين الظاهرين والمتخفين والفضوليين(..)، فضلا عن الأساتذة الجامعيين، وبعض الأطر العليا، يوم السبت المنصرم، إلى رحاب كلية الحقوق (أكدال) التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، وكان الغرض هو متابعة تفاصيل مناقشة وتقديم دكتوراه غير مسبوقة تتناول بالتحليل المستفيض “ظاهرة الخطاب التواصلي لحزب العدالة والتنمية” تحت عنوان: “استعمال المتغير الديني في التواصل السياسي بالمغرب/ دراسة حزب العدالة والتنمية”، بل إن الأطروحة التي قدمها الدكتور إدريس بنيعقوب (حصل على اللقب يومها)، اكتسبت قيمتها أيضا من حجم الأساتذة المشرفين عليها (فضلا عن المواكبين)، وعلى رأسهم الرئيس أحمد بوجداد، والمشرف عبد الرحيم المنار السليمي، والأستاذ محمد الغالي، والأستاذ سعيد الصديقي، والأستاذ عمر الشرقاوي، والأستاذ امحمد جبرون، بالإضافة إلى حضور وازن للدكتور عبد الله بوصوف، المعروف بمؤلفاته الكبيرة فيما يتعلق بالشأن الديني وإمارة المؤمنين وتحليل الخطاب السياسي داخليا وخارجيا.
الرباط الأسبوع
تركز الأطروحة المذكورة على تجربة الخطاب التواصلي لحزب العدالة والتنمية، لا سيما بعد سنة 2011، وقد كان من الطبيعي أن يحجز عبد الإله بن كيران مكانا كبيرا ضمن المناقشة وفي فقرات التحليل، وكان لافتا تطبيق إدريس بنيعقوب لنظرية “المثلث الدرامي” للعالم الألماني ستيفن كاربمان على خطاب بن كيران، ما يفسر تقمصه لثلاثة أدوار في نفس الوقت، حيث يكون هو الضحية والمنقذ والجلاد.. (التفاصيل من فقرات الأطروحة بعده).
في التفاصيل، يشرح بنيعقوب (ضمن فقرات تنقلها “الأسبوع” بأمانة من البحث) أن ((هذه النظرية تعود إلى العالم الألماني ستيفن كاربمانStephen Karpman، حول التفاعلات الاجتماعية تحت عنوان: “المثلث الدرامي”، وهو مثلث من ثلاثة أضلاع يلعب أدواره “المنقذ، والجلاد” على مستوى واحد من المثلث، ويأتي في الزاوية السفلى دور “الضحية” وحيدا، وذلك لأن كلا من “المنقذ والجلاد” يرون أنفسهم أقوى وأجدر من الضحية الذي يوجهون جل اهتمامهم وأدائهم في اتجاهه.
– المنقذ: أو المساعد، فهو الشخص الذي يقدم نفسه على أنه مستنير واستراتيجي، وأنه يقدم يد المساعدة للآخرين، من خلال ما يقوم به لإنقاذ ضحية ما.. فهذا المنقذ بواسطة هذا العمل يعطي لنفسه إحساسا بأهميته، وأنه شخصية إنقاذ لا يمكن أن تكون مكان الضحية.
يرى “المنقذ” نفسه على أنه بطل والناس من حوله يهللون له ويمتدحوه على سلوكه، لذا نجده دائما يبحث عن “ضحية” كي يرعاها ويحميها، كما أنه يشعر بالخوف من أن يصبح وحيدا، ويؤمن أن قيمته تأتي من كونه منقذا ومساعدا للآخرين، ولذلك يضع نفسه في موضع الذي لا يمكن الاستغناء عنه، ولكي يتفادى الهجر، “يبحث عن الشعور بالأهمية”.
– الجلاد: أو الظالم والشرير، يصفه كاربمان بأنه ذلك الشخص الذي تعرض للتعنيف الجسدي أو النفسي في طفولته، فيشعر بعدم القيمة ويخفي ألمه من خلال “العنف والقسوة”، ويفضل تصنيف نفسه على أساس أنه صاحب سلطة ونفوذ حتى ولو بالقوة، لذا نجده يرهب الناس ويعاقبهم ويكثر من ملامتهم، وذلك ناتج عن خوفه من أن يكون “عديم القوة، وعاجزا”، ويلاحظ أنه يصنف نفسه كـ”ضحية” ويصف “جلده للآخرين” بأنه رد فعل لحماية نفسه، ولا يتحمل مسؤولية إيذاء الآخرين، لأنه يعتقد أنهم يستحقون ذلك، فهو يرى الناس لا يستحقون الثقة، وبذلك يرى أنه يجب عليه أن يهاجمهم قبل أن يهاجموه.
وتصنيف “الجلاد والمنقذ” في أعلى الهرم، يعني أنهم يرون أنفسهم على أنهم الأذكى والأقوى، فهم متحدون، مما يدفع الضحية للشعور بالضعف والدونية، وذلك يحوله فيما بعد لدور “الجلاد”.
– الضحية: أو المطارد المراقب، هو شخص بحاجة دائمة للدعم، حيث أن قلقه الدائم يدفعه للبحث عمن هو أقوى منه “ليحميه”، وذلك ناتج عن قناعته بأنه شخص “مُدمر، قليل الحيلة، لا يمتلك الذكاء الكافي ولا القدرة للنجاة بنفسه”، ويعود السبب في ذلك إلى أنه تلقى حماية زائدة في طفولته، وفي الغالب يقع هذا الشخص “ضحية” لتعنيف الذات والمقامرة)) (المصدر: فقرات من رسالة الدكتوراه لإدريس بنيعقوب).
تعد أطروحة بنيعقوب كما شهد بذلك بعض الدكاترة، من أضخم الأطروحات، لذلك تبقى تغطية جانب واحد هي في نفس الوقت إهمال لعدة جوانب أخرى لا يتسع المجال لذكرها(..)، ولكن قصة حزب العدالة والتنمية – بلسان الباحث بنيعقوب – من سنة 2011 إلى اليوم.. لا تخرج عن السياق التالي (انظر فقرات الأطروحة بعده):
أولا: السياق
منذ سنة 2011، وتحديدا منذ ما اصطلح عليه بالربيع العربي وما رافق ذلك من مد احتجاجي ضد الأنظمة السياسية في المنطقة العربية بطرق غير معهودة، وما أفرزه هذا السياق من مطالب شعبية تنادي بالديمقراطية والحرية.. منذئذ عرف المغرب ظهورا أكثر كثافة لخطاب الإسلام السياسي كفاعل مهم في التأثير على مواقف الرأي العام المغربي، وعلى الاندفاع نحو السلطة من أجل تقديم مطالب الدمقرطة والحرية والمشاركة السياسية بشكل أوسع، وبالتالي، أصبح هذا التيار الإسلامي أحد العناصر التي من شأنها، في سياق مضطرب، أن تساهم بشكل أو بآخر في تثبيت النظام والحفاظ على استقراره مقابل السماح له بحيازة مساحة أكبر داخل الفضاء التدبيري العمومي، وداخل المشهد السياسي تحديدا، الشيء الذي أسفر عنه تصدر حزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي، للمشهد الحزبي.
تميز سياق الانتخابات التشريعية لسنة 2011، التي أفرزت تصدر الحزب الإسلامي للمشهد الانتخابي والسياسي، وتحقيق حزب العدالة والتنمية الفوز بالرتبة الأولى بـ 107 مقعدا في مجلس النواب، في سياق احتجاجات الربيع العربي لعدد من الشعوب العربية وسقوط أنظمة ورؤساء دول عربية بسبب هذا الغليان الاجتماعي، وفي المغرب، كان النشاط الاحتجاجي قد تمثل في حركة 20 فبراير، التي رفعت شعارات إصلاحية في مواجهة الفساد بمختلف مظاهره، كما أن هذه الاستحقاقات الانتخابية جاءت في ظل دستور جديد.
ظهرت حركة 20 فبراير بالمغرب نتيجة لعوامل، من بينها ما يمكن أن نسميه “العدوى الاحتجاجية” على غرار الأحداث في المحيط الإقليمي، بسبب اندلاع موجة من الاحتجاجات الشعبية في كل من تونس وليبيا ومصر، وغيرها، والتي غيرت معالم الأنظمة السياسية لهذه البلدان، وانطلقت هذه الحركة في المغرب بعد نداءات على مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت بشكل أكثر وضوحا بتاريخ 14 فبراير 2011، بعد إصدار نشطائها الشباب البيان الأول، بعد ما اجتمعوا لهذا الغرض، ثم جاء اجتماعهم بتاريخ 16 فبراير من نفس السنة، الذي أسفر عن وضع ما أسموه “ميثاق الحركة” التي تميزت باشتغالها خارج إطارات حزبية أو نقابية، رغم التحاق عدد من التنظيمات الشبابية تنتمي لأحزاب العدالة والتنمية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وجماعة “العدل والإحسان”.
وقد تميزت الحركة بكونها “شبكة وطنية فضفاضة دون قيادة مركزية، مكونة من خليط هجين من الإسلاميين واليساريين والأمازيغيين والمستقلين”، لم تكن لها قيادة مؤسساتية مركزية تمثلها ولم تتمكن من إنتاج خطاب موحد المرجعية، إضافة إلى كونها تميزت بخليط من المطالب منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو سياسي، وما هو اقتصادي، ومنها ما هو فئوي كبعض المطالب النقابية مثلا، ومنها ما هو آني، وما هو بعيد المنال، وغيرها من الشعارات والمطالب..
وفي 19 فبراير 2011، تحولت الأمور إلى تعبئة عن طريق وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي أساسا، تستهدف كل فئات المجتمع، مما خلق حالة من التأهب في صفوف مؤسسات الدولة، وبعد ذلك بيوم، أي في 20 فبراير، انطلقت شرارة الاحتجاجات الأولى في جل مدن المملكة، وتم رفع شعارات منددة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية مطالبة بالتغيير السياسي من قبيل “الشعب يريد إسقاط الحكومة”، “الشعب يريد إسقاط الفساد”، “الشعب يريد تغيير الدستور”، وغيرها من الشعارات.
وفي التاسع من مارس 2011، جاء الخطاب الملكي ليعلن عن مجموعة من الإجراءات الجديدة، في مقدمتها إجراء تعديل دستوري شامل يبدأ بتشكيل لجنة لمراجعة الدستور والالتزام بعدة أمور، من بين أبرزها “تقويم الاختلالات”، ورغم مضامين الخطاب الملكي التي جاءت في تفاعل مع مطالب الحركة وفي مقدمتها تعديل الدستور، إلا أن وتيرة الاحتجاجات بقيت مرتفعة.
فتحت اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور باب استقبال مقترحات الأحزاب والنقابات والمنظمات غير الحكومة، وأعضاء حركة 20 فبراير، وعبرت المذكرات التي تقدمت بها الأحزاب السياسية عن رغبتها في تعزيز صلاحيات البرلمان، خاصة في مجال التشريع ومراقبة عمل السلطة التنفيذية.
وجاء في مذكرة حزب العدالة والتنمية تأكيده على الحاجة الماسة للمغرب لـ”دستور ديمقراطي يستند على المرجعية الإسلامية، ويؤهله لكسب تحديات التنمية الصالحة والعدالة الاجتماعية، ويعزز إشعاعه الحضاري المرتكز على رصيده التاريخي وتنوعه الثقافي”، كما أن “رهان الإصلاح الديمقراطي المطروح اليوم، يضع المغرب على أبواب الملكية المغربية الثانية لدولة ما بعد الاستقلال، وهو أفق واعد وتاريخي واستراتيجي ينبغي خوضه بكل جرأة وإبداع ومسؤولية ووضوح، دون خوف أو تردد، فنحن في زمن المراجعة الحقيقية والشاملة وليس المراجعة التقنية الجزئية، والتي ستنقل الدولة المغربية من دولة التحكم إلى دولة التشارك بين مجموع مكوناتها في القرار خدمة للصالح العام”، وفيما يتعلق بتعديل الفصل 19 من الدستور، ابتكر حزب العدالة والتنمية مطلب إرساء ملكية ديمقراطية قائمة على إمارة المؤمنين.
وفي الفاتح من يوليوز 2011، تم إجراء الاقتراع على الدستور والذي تم تبنيه بنسبة 98.49 %، وفي 25 نونبر 2011، جرت انتخابات تشريعية تميزت عن سابقاتها بكونها جرت في سياق وطني وإقليمي استثنائي، فشكلت بذلك منعطفا دقيقا في تاريخ الحياة السياسية بالمغرب مقارنة مع نظيرتها لسنة 2007، حيث اتسمت بشيوع العديد من المفاهيم وبروز العديد من الأوراش بما فيها الورش الدستوري، الذي شكل نقلة نوعية متميزة في الحياة السياسية بالمغرب، كما تميزت بظروف تنظيمية طبعتها الدعوة الحادة إلى المقاطعة من لدن الحركات الاحتجاجية التي تحمل العديد من المطامح وتعكس الكثير من المطالب.
لقد عرفت هذه الانتخابات التشريعية فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى بـ 107 مقاعد متبوعا بحزب الاستقلال بـ 60 مقعدا، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار بـ 52 مقعدا، فيما احتل حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يخوض أول انتخابات تشريعية له، المرتبة الرابعة بـ 47 مقعدا.
من أهم خلاصات هذه الانتخابات، هو ما تعلق بعدد المقاعد التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية والتي بوأته المرتبة الأولى، ثم عدد المقاعد التي حصل عليها حزب الأصالة والمعاصرة الذي احتل الرتبة الرابعة، رغم أن الكثير من المتتبعين للمشهد السياسي المغربي كانوا يرشحونه لتبوء المرتبة الأولى، وهو الذي بدأ يشق طريقه السياسية بشعار كبير يهم حداثة ودمقرطة الدولة والمجتمع ليصطدم بأزمة الاحتجاجات سنة 2011، وهو الحزب الذي فور نشأته بأشهر، استطاع أن يحصل على المراتب الأولى في الانتخابات الجماعية لسنة 2009 حيث حصل على 6015 مقعدا رغم حداثة نشأته، في سياق كان يراد منه التمكين لهذا الحزب لصدارة المشهد وتعويض الأحزاب الإدارية التقليدية التي لم تعد قادرة على أداء مهام التأطير والتعبئة، وغير قادرة على مواجهة الأحزاب المصنفة “إسلامية”، كحزب العدالة والتنمية، التي تتأسس على نوع من التنشئة الدينية وتتميز بالقدرة على التعبئة الجماهيرية.
تتميز هذه المحطة الانتخابية بكونها حملت مستجدات للخريطة السياسية، ببروز خطابات سياسية جديدة تستند إلى خطاب الحركات الاحتجاجية التي جاءت الانتخابات في سياقها، كما تتميز بكون نسبة المشاركة فيها عرفت ارتفاعا، حيث تم تسجيل نسبة مشاركة وصلت إلى 45.4 % مقارنة بالانتخابات التشريعية لسنة 2007 والتي لم تتجاوز فيها نسبة المشاركة 37 %.
لم يتوان قياديو حزب العدالة والتنمية وأعضاؤه في الحكومة، وعلى رأسهم رئيسه عبد الإله بن كيران، في الاستعمال غير المنتظم للمرجعية الإسلامية كأسلوب يزاوج بين الوعظ الديني الأخلاقي الجماهيري والتسويق السياسي لصورة تنظيم سياسي يتبنى دين الشعب، ويحرص على ربط الحياة والسلوك به، في إطار قاموس الحلال والحرام، والخوف من الله، وما إلى ذلك من القيم الإسلامية، مع تعبيرهم في نفس الوقت عن موقفهم الرافض للتطرف والعنف، وتبني الخيار الديمقراطي والعمل من داخل المؤسسات الرسمية للدولة خلافا لجماعات أخرى لم تحسم خياراتها بعد.
ومن أهم ما يعزز موقع حزب العدالة والتنمية داخل المشهد السياسي والحزبي بالمغرب، هو إسناده من قبل جماعة “التوحيد والإصلاح” ذات التوجه الإسلامي الحركي، التي لا تتطابق دائما مع التوجه المذهبي الفقهي للدولة، بل إن بعض قيادييها يعبرون أحيانا عن عدم انصياع للمؤسسات الدينية للدولة ولمذهبها المالكي الصوفي، وتتعدى ذلك إلى ممارسة “الدعوة الإسلامية” وإبداء الآراء والفتاوى الفقهية خارج مؤسسات تدبير الدين الرسمية، وأيضا تنظيم الحلقات والدورات التكوينية الفقهية للمواطنين عموما ولمنتسبيها تحديدا، الذين يشكلون الخزان الرئيسي للمتعاطفين والناخبين في مختلف الاستحقاقات، إضافة إلى كونهم يشكلون امتدادا للحزب في المجال الإعلامي والاجتماعي والخيري، وكذلك النضالي، حول مختلف القضايا، وأنهم يوجدون في حالة تعبئة دائمة من أجل دعم الحزب في مهامه التدبيرية العمومية. (المصدر: أطروحة الدكتوراه للباحث إدريس بنيعقوب).
ولم يكن الباحث ليمر على حزب العدالة والتنمية دون إجراء تلك المقارنة بين شخصية عبد الإله بن كيران وشخصية سعد الدين العثماني، ولعل المرور من مرحلة بن كيران في قيادة الحكومة والحزب إلى مرحلة العثماني، أعادت إلى الأذهان فترة ترؤس هذا الأخير للحزب في بداية الألفية الثانية قبل عقد من الزمن على فترة الربيع العربي، وما تحمله من مهادنة ومرونة وتوافق مع السلطة ومع باقي الفاعلين، وتميزت فترة العثماني أيضا بقدرات تواصلية وخطابية أقل حدة وانتشارا، بعد مرحلة مواجهة وعناد ومحاولة هيمنة خلال فترة بن كيران، فكان من الصعب على العثماني أن يتعامل مع حالة يمكن وصفها بالحالة النفسية، التي عبر عنها أعضاء الحزب الذين ظلت حاضرة في مخيالهم الجمعي والشخصي، تلك المقارنة بين زمن وشخصية بن كيران وبين زمن وفترة العثماني الذي اتهموه بالاستفراد بالقرار هو وفئة صغيرة مساندة له، ووصفوه بأنه قدم تنازلات كثيرة لخصوم الحزب، منها قبول ما رفضه بن كيران للتحالف مع إدريس لشكر، وأغرق الحكومة بوزراء بدون انتماء حزبي، يجسد هذا المعطى فهما لطرق تكوين هؤلاء المناضلين في هذا الحزب الإسلامي، التي ربما تأسست على الميل إلى طاعة شخصية الزعيم الذي يملك كاريزما وأسلوب خطابة عاطفي وصدامي.
كان الغضب داخل صفوف مناضلي الحزب واضحا جراء هذا الوضع، وعبر عدد منهم عن ذلك بشكل قوي، وحاولوا جمع نصاب عددي طبقا لنظام الحزب، لعقد اجتماع للمجلس الوطني لمناقشة تطورات تشكيل الحكومة وقواعدها، لكنهم فشلوا في ذلك.
تميزت هذه الفترة بمواجهات موسعة داخل الحزب، فظهرت فجوة بين قياديي حزب العدالة والتنمية المساندين لسعد الدين العثماني، وبين انتظارات المنتسبين للتنظيم، والذين عاشوا انخراطا كبيرا في أسلوب خطاب بن كيران، ويمكن القول أن هاجس القياديين المساندين للعثماني، كانت رؤيتهم تتأرجح بين محاولة التوافق والاندماج داخل الدولة وداخل النظام السياسي ونيل الشرعية القانونية والسياسية، وبين نظرية الانخراط المتدرج في مسلسل الإصلاح من داخل المؤسسات تحت مظلة أمير المؤمنين، لم يراع هؤلاء القياديون طموحات الأجيال الجديدة داخل الحزب، خصوصا أولئك الذين التحقوا مع زمن الربيع العربي، فوجد هؤلاء القياديين أنفسهم أمام جيل جديد تربى على الشحن و”التجييش” العاطفي والسياسي لفائدة بن كيران، ونشأ عندهم سقف مطالب عال في التغيير والإصلاح، مما خلق تناقضات كبيرة وفجوات تؤكد على سؤال إمكانية تغيير هوية الحزب وقناعاته في المستقبل (المصدر: فقرات من رسالة الدكتوراة تحت عنوان: “استعمال المتغير الديني في التواصل السياسي بالمغرب”/ الباحث إدريس بنيعقوب).