ملف الأسبوع | حكاية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني
مؤتمر القمة العربية بالرباط عام 1974..

قبل أيام قليلة، وعلى إثر العدوان الإسرائيلي المرتكب في حق الشعب الفلسطيني، كادت أن تندلع حرب كلامية بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك على خلفية تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، صرح من خلالها بأن ((سياسات وأفعال حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، وأن برامج وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمثل الشعب الفلسطيني بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني))، وعقب ذلك، عدلت وكالة الأنباء الفلسطينية هذا النص، واكتفت بالقول: ((إن عباس أكد أن سياسات وبرامج وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمثل الشعب الفلسطيني بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وليس سياسات أي تنظيم آخر)).
ومن المثير للانتباه، أن قرار اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، اتخذ في الرباط خلال مؤتمر الرباط سنة 1974، ويحاول هذا الملف تسليط الضوء على هذه القضية.
أعد الملف: سعد الحمري
تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية قبل مؤتمر القمة العربية بالرباط بسنة
تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 من أجل تأسيس دولة فلسطينية، وكان هدف المنظمة هو تحرير فلسطين عن طريق الكفاح المسلح، وقد عقد أول اجتماع للمنظمة في 28 ماي 1964، بعد اجتماع 422 شخصية فلسطينية بارزة لانتخاب أول رئيس للمنظمة، وهو أحمد الشقيري، كما أسسوا هيئة تشريعية للمنظمة، هي: المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والصندوق الوطني، وجيش التحرير الفلسطيني، ووضعوا المسودة الأولى للميثاق الوطني والقانون الأساسي، الذي يهدف إلى تحرير فلسطين وتنفيذ حق العودة وممارسة حق تقرير المصير.
وبعد ذلك بسنة واحدة، احتضن المغرب لأول مرة القمة العربية الثالثة في شتنبر 1965 بالدار البيضاء، وهو المؤتمر الذي عرف أول حالة مقاطعة من دولة عربية، ويتعلق الأمر بالجمهورية التونسية، نظرا لخلافها مع مصر، وقد شهد المؤتمر موافقة المجلس على ميثاق التضامن العربي والالتزام به، ودعم قضية فلسطين في جميع المحافل الدولية، وتأييد نزع السلاح ومنع انتشار الأسلحة النووية، وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية.
هكذا تدخل الملك الحسن الثاني لدى ملك الأردن من أجل عدم إعدام أحد قادة تمرد “أيلول الأسود”
بعد قمة الدار البيضاء سنة 1965، شهدت الساحة العربية عدة تحولات لعل أهمها هزيمة العرب في حرب 1967 ضد إسرائيل، أما على الصعيد الفلسطيني، فقد قدم أحمد الشقيري استقالته خلال نفس السنة، وتسلم رئاسة المنظمة يحيى حمودة، وخلفه بعد ذلك ياسر عرفات عام 1969، وخلال هذه المرحلة شهدت منظمة التحرير الفلسطينية عدة مستجدات.. فقد أصبحت هي المظلة التنظيمية لمختلف الفصائل الفلسطينية، ولعبت دورا رئيسيا في تعبئة الفلسطينيين في شتى أنحاء العالم وتركيز الدعم الدولي لقضيتهم، كما أسست منظمة التحرير أقساما متعددة لتوفير التعليم والصحة والخدمات الأخرى للفلسطينيين، كما أنشأت شبه حكومة مصغرة بتأسيسها لقوتها الأمنية الخاصة ومكاتب إعلامية وتحديد سياستها الخارجية.
كما أنه بعد أن فقد الأردن السيطرة على الضفة الغربية لمصلحة إسرائيل عام 1967، نقل الفدائيون الفلسطينيون قواعدهم إلى الأردن وصعَّدوا هجماتهم على إسرائيل والأراضي المحتلة، وتطور رد الفعل الإسرائيلي إلى هجوم انتقامي على معسكر لمنظمة التحرير في الكرامة، وهي بلدة أردنية على طول الحدود مع الضفة الغربية، وتحولت الأحداث إلى معركة واسعة النطاق، وقد أدى الانتصار الفلسطيني الأردني المشترك في معركة “الكرامة” في عام 1968 إلى زيادة الدعم العربي للمقاتلين الفلسطينيين في الأردن.
وخلال نفس السنة، احتضن المغرب للمرة الثانية في تاريخه، قمة عربية، وهي مؤتمر القمة العربي العادي الخامس الذي عقد بالعاصمة الرباط، وجرت أشغال هذه القمة في أجواء أكثر توترا، ذلك أن المؤتمر لم تكتمل أعماله، كما أنه لم يصدر عنه بيان ختامي نتيجة الصراع الذي أشعله رئيس دولة عربية شاب، لم يكن سوى العقيد الراحل معمر القذافي، الذي أطاح بالملكية في ليبيا، وقد شهدت القمة خلافات عميقة حول طريقة مناقشة القضية الفلسطينية، وقد وصف حسنين هيكل، الصحفي المصري الذي عاصر هذه الحقبة، التوتر بين الدول المشاركة قائلا: ((كان أول مؤتمر على مستوى القمة يحضره معمر القذافي بعد انقلابه على الملكية في ليبيا في السنة نفسها، وفي ذلك المؤتمر، وبعد أن ألقى الملك الحسن الثاني الكلمة الافتتاحية، إذا بالقذافي يبدي ملاحظة مخاطبا الملك الحسن قائلا “يا حسن…”.. هذا الأمر أزعج ملك المغرب جدا، فطلب فورا من الرئيس جمال عبد الناصر أن يساعده على ضبط سلوكيات الضيف الجديد، ولم تمض إلا دقائق حتى ارتكب معمر القذافي خطأ آخر جسيما، وذلك عندما أبدى فيصل بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، بعض الملاحظات، فقال له القذافي “يا فيصل”.. فما كان من الملك فيصل إلا أن غادر قاعة المؤتمر، ومع هذا الحادث الثاني اضطر الملك الحسن الثاني إلى رفع الجلسة لتهدئة النفوس)).
بعد هذه القمة، وقع ما يعرف بأحداث “أيلول الأسود” أو الحرب الأهلية الأردنية، وهو الصراع الذي نشب في الأردن بين القوات المسلحة الأردنية بقيادة الملك حسين بن طلال ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات خلال المرحلة الممتدة ما بين 16 و27 شتنبر 1970 مع استمرار بعض المناوشات إلى غاية 17 يوليوز 1971، وذلك بعدما حاولت منظمة التحرير الفلسطينية، المدعومة من طرف سوريا، الإطاحة بالملك حسين والاستيلاء على الحكم في الأردن، وبعد انتصار القوات المسلحة الأردنية في هذه الحرب الأهلية، تم اعتقال العديد من القادة الفلسطينيين المتورطين في الانقلاب، وحكم عليهم بالإعدام، وهنا تدخل الملك الراحل الحسن الثاني كوسيط من أجل منع تنفيذ الإعدام في حق المعتقلين.
ويقول الحسن الثاني في كتاب “ذاكرة ملك”: ((لقد كان القائد الفلسطيني أبو إياد، الرجل الثاني في أحداث “أيلول الأسود”.. لذلك اعتقله الملك حسين وحكم عليه بالإعدام، وتدخلت في هذه القضية لدى الملك حسين.. فقد اتصلت به هاتفيا، ومنذ أن تعارفنا أنا والملك حسين وكلانا يخاطب الآخر بصيغة المفرد، ويكن كل واحد منا للآخر مشاعر مودة ومحبة عميقة، قلت له: “سأوفد إليك مبعوثا”، وسألني: “لأي غرض؟”، فأجبته: “سترى، ولكن اصغ إليه بإمعان”… إنني لا يمكنني أن أطلب من الملك حسين تبرئة أبو إياد، لقد كان هذا الأمر مستحيلا، كما أنني لم أستعمل مع الملك حسين حججا سياسية، ولدى استقباله لمبعوثي الخاص، توجه إليه المبعوث بالقول: “صاحب الجلالة، إن ملفكم غير قابل بتاتا للطعن، إن لكم الحق في شنق أبو إياد في أي لحظة، بيد أن صاحب الجلالة الحسن الثاني يعتقد أن عليكم أن تنظروا إلى المشاكل من زاوية أخرى، لقد كان جدكم وجد جلالته رسول الله صلى عليه وسلم قدوة في الصفح، وهذه المبادرة تنم عن مسامحة أصيلة وفرصة سانحة لتؤكدوا أنكم من سلالة رسول الله”.. وهكذا أفرج الملك حسين عن أبو إياد، وشاءت الأقدار أن يلتقيا مرات عديدة بعد ذلك، كما كان أبو إياد يربط علاقات وطيدة ومطبوعة بالإخلاص مع مصالح المخابرات الفرنسية)).
مقررات مؤتمر الرباط ورواية الحسن الثاني حوله
بعد هذا النزاع، حصلت تطورات مهمة على الساحة العربية والدولية.. فقد دخل العرب سنة 1973 في حرب مع إسرائيل، حيث اتحدت 13 دولة عربية لإنجاح الحرب، من بينها المغرب، وتقييد قوة إسرائيل، حقق العرب خلالها انتصارا كانت من أبرز نتائجه، استرداد سيادة مصر الكاملة على شبه جزيرة سيناء وعلى قناة السويس، وأيضا استرداد سوريا قبضتها على جزء من مرتفعات الجولان بما فيها مدينة القنيطرة وعودتها للسيادة السورية، كما أنهت حرب أكتوبر أسطورة “جيش إسرائيل الذي لا يقهر” ودحضت توهم إسرائيل بعدم قدرة العرب على مواجهة إسرائيل خوفا منها، إذ أعلنت مصر الضربة الاستباقية المعلنة لبدء الحرب، وبالموازاة مع ذلك، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في 14 أكتوبر 1974.
وقبل ذلك، وجه الملك الحسن الثاني رسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، يوم 22 غشت 1974، دعاه من خلالها إلى ضرورة عقد مؤتمر قمة عربي، واقترح تاريخ 24 أكتوبر من نفس السنة كموعد لذلك، على اعتبار أن ((الظروف الراهنة التي يمر بها العالم العربي وما جد من أحداث في منطقة الشرق الأوسط، سواء بالنسبة لدول المواجهة أو بالنسبة للقضية الفلسطينية، أصبح يفرض انعقاد مؤتمر لأقطاب العرب))..
وقد تمت الموافقة على عقد المؤتمر في التاريخ الذي اقترحه الملك الحسن الثاني، وجرت أشغاله في جو يسوده الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية، ورغم ذلك، كان من أهم نتائج المؤتمر التأكيد على ضرورة الالتزام باستعادة كامل الأراضي العربية المحتلة في عدوان يونيو 1967، وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بالسيادة العربية على مدينة القدس.
وإلى جانب ذلك، قرر مؤتمر القمة، بشأن اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، ما يلي: ((إن مجلس القمة العربي السابع، وبعد المذاكرات المستفيضة والمفصلة التي أجراها أصحاب الجلالة والسيادة والسمو الملوك والرؤساء والأمراء، حول الموقف العربي بشكل عام، وقضية فلسطين بشكل خاص، في إطارهما القومي والدولي، وبعد الاستماع إلى البيانات التي عرضها جلالة الملك حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وسيادة الأخ ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبيانات أصحاب الجلالة والسيادة الملوك والرؤساء، في جو من الصراحة والصدق والمسؤولية الكاملة، وتقديرا من القادة العرب لما يترتب عليهم في الوقت الراهن في مواجهة العدوان وواجبات التحرير من مسؤوليات قومية مشتركة تفرضها وحدة القضية العربية ووحدة النضال في سبيلها، وإدراكا منهم جميعا للمحاولات والمخططات الصهيونية التي ما زالت تستهدف إلغاء الوجود الفلسطيني ومحو الكيان الفلسطيني الوطني، وإيمانا منهم بضرورة إحباط هذه المحاولات والمخططات والرد عليها بدعم هذا الكيان وتقويته والالتزام بمتطلبات نموه وزيادة قدرته لاستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الكاملة، وتحمله مسؤولياته ضمن الالتزام العربي الجماعي للتعاون الوثيق مع أشقائه، وانطلاقا من الانتصارات التي حققها النضال الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني وعلى المستويات العربية والدولية في الأمم المتحدة، وما يستوجبه ذلك من مواصلة العمل العربي المشترك لتنمية هذه الانتصارات وتجسيمها، وبعد أن تلاقت قناعات الجميع على كل ما تقدم، واستطاع المؤتمر إنهاء الخلافات بين الإخوة في إطار تعزيز التضامن العربي، فإن مؤتمر القمة العربي السابع يقرر ما يلي:
– أولا: تأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره؛
– ثانيا: تأكيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أي أرض فلسطينية يتم تحريرها، وتقوم الدول العربية بمساندة هذه السلطة عند قيامها، على جميع المستويات؛
– ثالثا: دعم منظمة التحرير الفلسطينية في ممارسة مسؤولياتها على الصعيدين القومي والدولي في إطار الالتزام العربي؛
– رابعا: دعوة كل من المملكة الأردنية الهاشمية، والجمهورية العربية السورية، وجمهورية مصر العربية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، لوضع صيغة لتنظيم العلاقات بينها على ضوء هذه المقررات، ومن أجل تنفيذها: أن تلتزم جميع الدول العربية بالحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعمل الفلسطيني)).
وهكذا قدم الملك الحسن الثاني روايته حول حيثيات الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، حيث قال في هذا الإطار: ((لقد تم الاعتراف خلال مؤتمر القمة العربي الذي انعقد بالرباط عام 1974 بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وقد كان علي أن أواجه بهذه المناسبة الكثير من سوء التفاهم الذي ليس له مبرر ولا أساس، مما شوش على علاقاتي مع الملك الحسين، ولم تمر الأيام الثلاثة التي استغرقها المؤتمر بدون متاعب. لقد اعتقد الملك حسين أنني كنت منحازا إلى الفلسطينيين ضد الوحدة الترابية للمملكة الأردنية الهاشمية وضد سلطتها، وكانت هذه التهمة لا تستند إلى أي أساس، وطال الحديث بيني وبين الملك حسين حول هذا الموضوع، وكان يشعر في واقع الأمر بأنني قد انتزعت منه ما لم يكن يود التخلي عنه)).
وتابع الملك الحسن الثاني كلامه في هذا الصدد: ((.. لذلك خاطبته قائلا: أعتبر أن عليك أن تتفهم الواقع، لأن الشعب الفلسطيني وممثليه يتطلعون إلى أن يتم اعتبارهم ككيان، ولا يمكنك أن تمنعهم من المطالبة بهذا الكيان والإعلان عن قيامه، ولذلك ستجد نفسك في وضع لا تحسد عليه، وأضفت قائلا: ستكون كل مرة مضطرا للدفاع، لما فيه مصلحتهم، عن طروحات إن كانت معقولة فإنهم سيظلون يعتبرونها غير مرضية، إنك ستجد نفسك في وضع حرج، لذا عليك أن تتركهم يعبرون عن مواقفهم بأنفسهم، ومع مرور الوقت إن هم احتاجوك فسيلجؤون إليك، وإن كان العكس، فمن الأفضل أن تبتعد من الآن، ثم قلت له: إنهم يتناولون المشكل بصورة تكتسي أحيانا نوعا من الخطورة، ومن منطلق نضالي ربما قد لا يكون واقعيا.. ليس حيال إسرائيل ولكن حيال أولئك الذين يساندونها.. لذلك لا أفهم لماذا ستتكفل بتسديد فاتورات ديون ليست مستحقة عليك))، وختم الملك شهادته بالتالي: ((وفي الأخير، اقتنع الملك حسين بهذا المنطق، إلا أن أعضاء الوفد المرافقين له ظلوا أكثر تحفظا)).