تحليل إخباري | هل يتسبب تلاعب نتنياهو بالصحراء في إلغاء الاتفاق بين المغرب وإسرائيل ؟
مؤشرات غياب الثقة تخرج للعلن

إعداد: سعيد الريحاني
من الناحية الرسمية والشكلية والدبلوماسية، تعترف إسرائيل بمغربية الصحراء، لكن التصرف الشخصي الصادر مؤخرا عن بنيامين نتنياهو، بإشهاره لخريطة المملكة المغربية مبتورة(..)، أدخل العلاقات بين البلدين في دائرة الغموض، وكتبت الصحافة المغربية: ((لم يكن استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لرئيسة وزراء إيطاليا جورجا ميلوني، ليمر بسلاسة بين المغاربة، وذلك بعدما برزت خريطة المغرب منقوصة من الصحراء.. الواقعة أثارت سخط وتذمر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين انبروا إلى شجب هذه الممارسات الإسرائيلية، مؤكدين أن المغرب في غنى عن اعتراف الكيان المحتل بمغربية الصحراء.. وظهر نتنياهو في صور على موقع “إنستغرام” يستقبل ميلوني وملامح الحزن تعتري محياه، وعلى جدار مكان اللقاء، خريطة تتضمن الأراضي المغربية منقوصة من الأقاليم الجنوبية للمملكة)) (المصدر: موقع هسبريس/ 22 أكتوبر 2023).
تصرف نتنياهو غير مقبول، ويتعين على القارئ أن يتمتع بقدر كبير من الغباء لتصديق المبررات الإسرائيلية لهذا التصرف.. فقد ((نفت وزارة الخارجية الإسرائيلية وجود أي تغيير في الموقف الرسمي لتل أبيب بشأن اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.. وأكد حسن كعيبة، المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، في تصريحات صحفية يوم الأحد المنصرم، أن “لا تغيير في موقف إسرائيل حول سيادة المملكة المغربية على كامل أراضيها”، مشددا على أن “الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء تم توضيحه بشكل رسمي في إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشكل لا يقبل الشك”، لافتا في الوقت ذاته إلى أن “خريطة المغرب التي ظهرت في مكتب نتنياهو دون صحرائه، هي خريطة قديمة لا تعكس مطلقا موقفنا الواضح تجاه هذه القضية”)) (المصدر: موقع روسيا اليوم/ هسبريس).
عليك أن تصدق أن كل الجهات الأمنية في إسرائيل لم تنتبه لوجود خريطة قديمة في مكتب نتنياهو، كما يتعين عليك أن تصدق أن زاوية التصوير كانت بريئة، والأدهى من هذا كله، هو أن الصور نشرت على “الإنستغرام”، ما يعني أنه تم التأكد من محتواها قبل النشر، ولنفترض أن الأمر يتعلق بخطأ، فلماذا لم تعتذر إسرائيل؟ لماذا لم يتم حذف الصور المنشورة؟ ولماذا تم السعي إلى التبرير بدل “قطع الشك باليقين”؟ وكانت “الأسبوع” قد نبهت إلى التصرفات الانتهازية لإسرائيل (انظر الصورة رفقته).

قمة المفارقة، والتناقض، يجسدها شخص نتنياهو، فهو نفسه الذي أرسل رسالة إلى الملك محمد السادس يعلن فيها اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، وكان الديوان الملكي قد تكلف بنشر فحوى الرسالة خلال شهر يوليوز الماضي، من خلال قصاصة تقول: ((ذكر بلاغ للديوان الملكي، أن الملك محمد السادس توصل برسالة من الوزير الأول لدولة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ومن خلال هذه الرسالة، رفع الوزير الأول الإسرائيلي إلى العلم السامي لصاحب الجلالة، نصره الله، قرار دولة إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء.. وفي هذا الصدد، أكد الوزير الأول الإسرائيلي أن موقف بلاده هذا سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة، وشدد أيضا، على أنه سيتم إخبار الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية، والدولية، التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية، بهذا القرار..
وفي رسالته إلى الملك محمد السادس، أفاد الوزير الأول الإسرائيلي بأن إسرائيل تدرس، إيجابيا، فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، وذلك في إطار تكريس قرار الدولة هذا..)).
أي نوع من الرؤساء هذا، الذي يعلن الشروع في دراسة فتح قنصلية في الداخلة ويعترف بمغربية الصحراء، ثم يصر على أن يظهر إلى جانب خريطة المغرب مبتورة.. ماذا يمكن أن يفهم المغرب من هذا السلوك إذا لم يكن يتعلق الأمر بابتزاز مكشوف(..)؟ ويا لها من مفارقة بين “الالتزامات الملكية” والتزامات “رئيس حكومة” يخضع للأهواء السياسية، ويمكن فهم ذلك من رسالة سابقة بعثها الملك محمد السادس لبنيامين نتنياهو، عقب اعترافه بمغربية الصحراء، حيث وصف هذا القرار بـ”الصائب والمتبصر” (قرار الاعتراف بمغربية الصحراء)، وقال: ((… هو قرار صائب كونه يدعم الأسانيد القانونية الحقة والحقوق التاريخية الراسخة للمغرب في أقاليمه الصحراوية))، وأن ((السيادة الفعلية للدولة المغربية وروابط البيعة القانونية التي ظلت تربط منذ عهود سلاطين وملوك المغرب والسكان المغاربة بهذه الأراضي العزيزة على قلوبهم، هي عناصر ثابتة لا يرقى إليها الشك.. وهو قرار متبصر أيضا كونه ينسجم مع الدينامية الدولية القوية التي اعتمدتها دول عديدة من مختلف جهات العالم في اتجاه دعم حل سياسي نهائي لهذا النزاع الإقليمي الذي طال أمده، على أساس المبادرة المغربية القاضية بمنح الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية.. فمنذ دجنبر 2020، لم تفتأ العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل تتوطد في جميع المجالات)) (المصدر: رسالة الملك محمد السادس إلى نتنياهو).
إن تصرفات نتنياهو، وهو الذي سبق أن تمت دعوته لزيارة المغرب، قبل التطورات الأخيرة التي نجم عنها “إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي” في الرباط، من الناحية العملية بعد سحب الموظفين منه، ومغادرة رئيس المكتب ديفيد غوفرين مثقلا بالفضائح(..)، أصبحت تهدد الاتفاق الثلاثي الموقع بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب وإسرائيل، وقد كان المغرب محقا في تشبثه بالقضية الفلسطينية، وإدانته لسلوك الجيش الإسرائيلي في غزة، إذ لا يمكن بناء علاقات الثقة في ظل وجود مؤشرات عدم الثقة، ومن ذلك التصرفات الأخيرة لنتنياهو، خاصة بعد تجدد الصراع في منطقة الشرق الأوسط على خلفية عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حماس.

ويقول الخبير المغربي أوهادي سعيد: ((“إن الحرب المعلنة بين حماس وإسرائيل تمثل امتحانات مهمة لمن لا زال لم يفهم الموقف المغربي الرسمي من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي”، وأضاف، أنه “منذ أن سوق خطأ الاتفاق الثلاثي الأمريكي المغربي الإسرائيلي، ظن العديد من المتتبعين أن المملكة المغربية قايضت القضية الفلسطينية بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهو غير صحيح بالمرة”، وتابع: “بيان الديوان الملكي واضح بشأن الموقف المغربي الثابت في هذه القضية، وهو تأييد حل الدولتين مع دعم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”، واستطرد: “منذ اندلاع الحرب الحالية، سارعت المملكة إلى موقف أكثر توازنا، وهو التنديد بالعنف في حق المدنيين من الطرفين، والتأكيد أن حل الدولتين هو الذي بإمكانه تفادي المزيد من الدماء والضحايا الأبرياء”.. وبشأن مصير الاتفاق بين المغرب وإسرائيل، أوضح أوهادي، أن “المملكة المغربية لم تسمح بفتح سفارة بالرباط والإبقاء فقط على القائم بالأعمال، كما أنها لم تتردد في التنديد بالممارسات الإسرائيلية المستفزة، والسعي إلى مزيد من الاستيطان وقتل المواطنين الفلسطينيين العزل”، وأشار إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية حاولت الضغط لدفع المملكة المغربية وبعض الدول العربية إلى التنديد بما قامت به حركة حماس يوم السابع من أكتوبر، إلا أن المملكة المغربية رفضت قطعا ذلك، وهو ما يبين أن المغرب مستعد لإيقاف تنفيذ الاتفاق الثلاثي إذا تطورت الأمور إلى تغيير في الوضع الميداني، ومحاولة إسرائيل التوسع أكثر وتغيير الخريطة الحالية”)) (المصدر: تصريحات نقلتها وكالة سبوتنيك).
إن تجاوز نتنياهو لحدوده في إشهار خريطة مبتورة للمغرب، في مبادرة لا علاقة لها بالاتفاق الثلاثي مع أمريكا، لا يضاهيها من حيث نسبة “التطاول” إلا تصرفات رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط (غوفرين)، الذي اشتهر مؤخرا بفضائحه(..)، ومنها نشره لبيان وصف بـ”الاستفزازي” توعد فيه الفلسطينيين بـ”رد قاس” من قلب العاصمة المغربية التي يرعى عاهلها الملك محمد السادس، بصفته رئيسا للجنة القدس، قضيتهم، بل ويضعها موضع قضية الصحراء المغربية ومن ثوابت سياسته الخارجية، كما تحظى بمكانة رمزية لدى المغاربة.. وفضلا عن تهديده للفلسطينيين ولدول ينسج مع بعضها المغرب علاقات خاصة، زاد من حدة غضب فعاليات سياسية وحقوقية ومدنية مغربية، تقديم غوفرين نفسه للرأي العام بصفته سفير تل أبيب لدى الرباط، بالرغم من أن التمثيل الدبلوماسي يقتصر على مكتبي اتصال بين الجانبين (المصدر: موقع العربي الجديد).
إن إمكانية الإغلاق النهائي لمكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، ليست مستبعدة بشكل كبير.. فقد سبق للمغرب أن فعلها في عهد الملك محمد السادس سنة 2000، وها هو حزب العدالة والتنمية الذي وقع اتفاق “التطبيع” مع إسرائيل، يطالب بطرد ممثلها من الرباط، وقالت الأمانة العامة للحزب، في بيان لها: ((إن غوفرين تجرأ على إصدار بلاغ (بيان) صحافي من قلب العاصمة الرباط، يتهجم فيه بوقاحة على المقاومة الفلسطينية الشريفة، ويصفها بأقدح النعوت، ويحملها بكل وقاحة المسؤولية على ما يجري على أرض فلسطين المحتلة من مجازر وانتهاكات للمدنيين الفلسطينيين، وأضافت أنه توعد “المقاومة بضرب التجمعات السكنية للمدنيين بزعم أنها تتخذ كذروع بشرية، ويحرض عليها المجتمع الدولي.. كل ذلك من قلب الرباط، في انتهاك وتجاوز لكل الأعراف، وفي تحد للشعور الوطني والمواقف المغربية الرسمية الثابتة من القضية الفلسطينية)).