
كشف زلزال الحوز عن قيم تضامن المغاربة الذين قدموا درسا جديدا للعالم، كما كشف عن عمق الأزمة التي بين المغرب وفرنسا، والصدمة التي أصابت فرنسا بعد رفض المغرب مساعداتها، والواقع أن الخطاب الفرنسي المستفز الذي يخاطب به المغرب وكأنه ما زال مستعمرة فرنسية، كان حاضرا في عدة محطات في تاريخ العلاقات بين البلدين منذ استقلال المغرب، يحاول هذا الملف استعراض أهم الأزمات التي نشبت بين البلدين بسبب الخطاب الفرنسي المتعجرف للمغرب، وكيف كان رد فعل المغرب على ذلك.
أعد الملف: سعد الحمري
أزمة 1965.. عندما أمر دوغول الحسن الثاني بإقالة أوفقير فرد عليه بتعليق العلاقات بين البلدين
أول مناسبة حاولت فيها فرنسا معاملة المملكة المغربية كالدولة الاستعمارية التي مازالت تتحكم في سيادة المغرب، وتتدخل في شؤونه الداخلية، كانت سنة 1965، وبالضبط خلال أزمة اغتيال الزعيم الاتحادي المهدي بنبركة في أكتوبر من نفس السنة.. فقد تم اغتيال الرجل فوق التراب الفرنسي، وبالضبط في العاصمة باريس، ومباشرة بعد هذا الحادث، طلب الجنرال دوغول الرئيس الفرنسي آنذاك، وبصيغة الأمر، من خلال مؤتمر صحفي أقامه بباريس، طلب من المغرب إعفاء وزير الداخلية محمد أوفقير، وإرساله إلى فرنسا من أجل التحقيق، غير أن الملك الحسن الثاني رفض الأوامر والإملاءات الفرنسية القاضية بإعفاء أوفقير من منصبه، كما قرر عدم إرساله لباريس من أجل التحقيق معه.
ويقول الحسن الثاني في كتاب “ذاكرة ملك” بخصوص لهجة دوغول التي خاطبه بها: ((لقد كان دوغول رجل أسرار، إذ كان يحب كثيرا الدبلوماسية الموازية والمبعوثين غير المتوقعين، ولقد التقيت بالعديد منهم.. ذاك هو نهج دوغول، كان بإمكانه أن يبعث أحدا ليقول لي: هذه هي الحجج والعناصر المتوفرة ضد أوفقير وأطلب من جلالتكم أن تقوموا بصفتكم صاحب السيادة، ومن جانبكم على انفراد، بالبحث عن طريقة لعزل أوفقير في انتظار تسليط الضوء على هذه القضية، فلو قام الجنرال دوغول بذلك لما ترددت لحظة في تلبية طلبه، ولكن أن يتوجه بلهجة عنيفة إلى عاهل تربطه به صداقة، فهذا ما لم أستسغه، خاصة وأنه كان يكن لي على مر السنين تقديرا خاصا)) (المصدر: كتاب “ذاكرة ملك” الصفحة 68).
وقد أدى تشبث الطرفين بموقفيهما إلى دخول البلدين في قطيعة وأزمة سياسية استمرت من سنة 1965 إلى 1972، أي مرحلة حكم الجنرال شارل دوغول ونصف مرحلة حكم الرئيس جورج بومبيدو (1969-1972)، وخلال هذه المرحلة، نجد من خلال وثائق وزارة الخارجية الفرنسية، كيف أن فرنسا تخوفت من استمرار الخلاف مع المملكة المغربية ونتائج ذلك على نفوذها داخل المغرب.. فقد بدأت التقارير تقول بأن الحسن الثاني والدائرة المقربة منه، أصبح لديهم توجه نحو التقارب مع أمريكا وجعلها الشريك الأول للمغرب، واعتماد اللغة الإنجليزية كلغة ثانية في البلاد عوض اللغة الفرنسية، كما تشير بعض الوثائق إلى أن فرنسا خلال هذه المرحلة، انتظرت بعض الوساطات ومنها وساطة ملك الأردن الحسين بن طلال، إلا أن السلطات المغربية، وخاصة بعض المقربين من الملك الحسن الثاني، نفوا بصفة قطعية أن يكون القصر الملكي قد طلب من ملك الأردن التوسط بين الطرفين.
أما من الجانب المغربي، فقد أكد الحسن الثاني أنه خلال الأزمة بين البلدين، أراد المغرب أن يبني سدا، وقدم طلبات عروض دولية، وتقدمت ثلاث شركات واحدة ألمانية والباقي فرنسية، وأضاف الملك الراحل أن الشركتين الفرنسيتين قدمتا عرضا أقل بملياري سنتيم عن الشركة الألمانية، إلا أنه قرر جمع الوزراء وخاطبهم بأنه إذا أراد المغرب استقلاله الاقتصادي فعليه أن يقبل العرض الألماني رغم أنه مرتفع، ليكون ذلك بداية التخلص من فرنسا، وأوضح أن الوزراء صوتوا بالإجماع لصالح العرض الألماني.
ولم تعد العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها إلا خلال عهد الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو، وذلك سنة 1972، يحكي الحسن الثاني، أنه عندما قام بزيارة إلى فرنسا في شهر يوليوز 1972، ولقائه مع الرئيس الفرنسي، اتفق الطرفان على إعادة العلاقات بين البلدين، ويوم 13 يوليوز 1972 وبينما كان الحسن الثاني في إقامته بباريس، اتصل به الرئيس الفرنسي وطلب منه أن يلتقي الوزير الأول الفرنسي بيير ميسمير، فوافق الحسن الثاني على اللقاء، وخلاله أخبر الوزير الأول الفرنسي العاهل المغربي بالتالي: ((“إن لي خبرا سارا أود أن أزفه إليكم، لقد عثرنا في الأرشيف على مرسوم يخول لرئيس الجمهورية الفرنسية إصدار العفو عن كل شخص وإن كان غير فرنسي، يكون قد قدم لبلادنا خدمات جليلة”، وسألته باستغراب: “وفيم يهم هذا؟”، فأجاب: “إن الأمر يتعلق بأوفقير.. فقد سبق له أن قدم خدمات جليلة في صفوف الجيش الفرنسي، فهو الذي كان يحمل العلم الفرنسي عندما دخلت قواتنا روما، ولذا فإني سعيد بأن أخبركم بأننا…”))، يقول الحسن الثاني، مضيفا أنه أجاب الوزير الأول الفرنسي بالقول: ((إذا ارتأيتم العفو عنه، فذلك سيريح الجميع، وماذا تنتظرون أن يكون ردي؟ ومما أثار استغرابي هو قيام أوفقير بعد ثلاثة أسابيع بإصدار أوامره لإسقاط الطائرة التي كانت تقلني، الشيء الذي سبب لي العديد من المشاكل فيما بعد)).
أزمة 1981.. عندما أمر الحزب الحاكم في فرنسا الحسن الثاني بإطلاق سراح عبد الرحيم بوعبيد
استمرت العلاقات بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية بعد أن عادت المياه إلى مجاريها، غير أنه حصل شيء ما في فرنسا بعد ذلك بتسع سنوات، غيّر مجرى العلاقات بين البلدين كليا.. فقد جرت الانتخابات الرئاسية لسنة 1981، وانتهت بفوز فرانسوا ميتران الذي هزم فاليري جيسكار ديستان، صديق الملك الحسن الثاني، وبهذا أصبح فرانسوا ميتران يوم 10 ماي من نفس السنة، أول رئيس اشتراكي للجمهورية الفرنسية.
وفور فوز الحزب الاشتراكي الفرنسي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بدأ يلوح في الأفق تطور جديد في العلاقات بين المغرب وفرنسا، حيث ظهر تقارب واضح بين الحزب الحاكم الجديد في فرنسا والجزائر، وترجم ذلك بسرعة من خلال دعوة الحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي أصبح يتوفر على أغلبية برلمانية جديدة، إلى تقرير المصير في الصحراء المغربية الذي كانت تنادي به الجزائر وجبهة البوليساريو، وقد كان هذا الأمر بمثابة المنعطف في علاقة الرباط بباريس، ولم يمض الكثير من الوقت على بداية الصراع بين المغرب والحزب الاشتراكي الفرنسي، حتى دعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى شن إضراب عام يوم 20 يونيو 1981، بسبب الارتفاعات الصاروخية في أسعار السلع الأساسية، وجراء ذلك، عرفت مدينة الدار البيضاء أحداثا دامية، وطالت حملة القمع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث تم القبض على قادة المنظمتين ومحاصرة مكاتبهم، كما تم توقيف جريدتي الحزب الناطقة بالعربية وهي “المحرر” و”ليبراسيون” لسان حال الحزب بالفرنسية بتاريخ 5 شتنبر.
كما جرى بالموازاة مع ذلك، تطور جديد على المستوى الخارجي.. فقد وافق المغرب على مخطط لمنظمة الوحدة الإفريقية، وذلك أثناء انعقاد قمة المنظمة في العاصمة الكينية نيروبي، على شروط إجراء استفتاء في الصحراء المغربية، وقد أعرب وقتها المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي عن تحفظه بشأن قبول هذا الاستفتاء في بيان مؤرخ بـ 5 شتنبر 1981، وعلى إثر ذلك، ألقي القبض على عبد الرحيم بوعبيد وأعضاء المكتب السياسي للحزب، وحوكموا، وأثناء المحاكمة، قال عبد الرحيم بوعبيد: ((هذه المحاكمة سيكون لها تاريخ، فأنتم لكم الأمر ونحن نقول: رب سجن أحب إليّ من أن ألتزم الصمت وألا أقول رأيي في قضية وطنية مصيرية..))، فصدر الحكم على عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي ومحمد لحبابي بالسجن لمدة سنة حبسا نافذا، ونقل الثلاثة إلى معتقل إقليم ميسور بعد احتجازهم لمدة شهر في سجن لعلو بالرباط.
كان الحزب الاشتراكي الفرنسي ينتظر الفرصة السانحة لمهاجمة المغرب، ولم يجد أفضل من هذه الأحداث، لذلك أصدر بلاغا نشره يوم 9 شتنبر 1981، طالب من خلاله بإلحاح بإطلاق سراح عبد الرحيم بوعبيد وبقية أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، غير أن هذا البلاغ لم يكن كباقي البلاغات.. فقد جاء فيه أن ((الإفراج عن المعتقلين المذكورين سيقيم أمام الحزب الاشتراكي الفرنسي البرهان على أنه لا تزال بالمغرب بعض أثار نظام ديمقراطي للحكم))، وهكذا يظهر من خلال المفردات المستعملة، أن الحزب الحاكم في فرنسا استعمل مفردات لا تليق بمخاطبة دولة لها سيادتها.
ولم تتأخر الحكومة المغربية في الرد.. فقد نشرت تصريحا يوم 10 شتنبر 1981، ردا على بلاغ الحزب الاشتراكي الفرنسي، اعتبرت من خلاله أن ((هذا التدخل، سواء بالنظر إلى حجمه أو إلى جسارة صيغته، يستدعي من قبل الحكومة المغربية تقديم بعض الملاحظات حوله، وكانت كالتالي:
– أولا: إن المغرب لا يقبل بتاتا أي خرق لحرمة مبيتة، وأي تدخل في شؤونه مهما كان البلد المسؤول عن ذلك، اللهم إلا إذا لحق ضرر أو كاد بالمصالح الحيوية أو المعنوية أو المادية لذلك البلد.
– ثانيا: تلاحظ الحكومة المغربية بأسف عميق، أن الحزب الاشتراكي الفرنسي إذ يستعمل عبارة “المطالبة بإلحاح”، فهو يتخذ في ذات الوقت موقفا منافيا للواقعية، وموصوفا بجهل تام للقواعد والأعراف الجاري بها العمل في العالم.
– ثالثا: يحق للحكومة المغربية – وهذا أقل ما يمكن أن يقال – أن تتساءل باستغراب صادق كيف أجاز الحزب الاشتراكي الفرنسي لنفسه أن يدافع دفاعا أعمى ومسبقا وغير منطقي عن موقف مناهض للاستفتاء في الصحراء المغربية؟
– رابعا: إن الحكومة المغربية فيما يخصها، تتأسف بصدق لهاته المجاملة التي لا موضوع لها والتي تثير الأسى، وتأمل سياسيا أن يتخلى الحزب الاشتراكي عن أسطورة ازدواجيته الشخصية، وذلك لخير العلاقات المغربية الفرنسية)).
وبعد ذلك، قام الحسن الثاني بزيارة إلى فرنسا يوم 29 يناير 1982، وخلالها عقد مؤتمرا صحفيا بمدينة باريس، لتقديم أهم ما خرجت به الزيارة الملكية إلى فرنسا، وكان من بين الأسئلة التي طرحت على الملك، هو ما إذا كانت قضية بوعبيد قد سممت العلاقات المغربية الفرنسية في بداية عهدة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران؟ فأجاب الملك مؤكدا أنه ((على مستوى الرئيس الفرنسي وبالنسبة لي أنا شخصيا، لم يتم التعرض لقضية بوعبيد، إن فرانسوا ميتران بوصفه رئيسا للجمهورية ورجل دولة، يعرف بشكل دقيق الفرق بين ما هو أساسي وما هو ثانوي، إنني لا أرفض التعرض لأي مشكل ولو كانت المشاكل خاصة على أساس أن يكون ذلك على نفس المستوى، وأظن أن المشاكل الخاصة المغربية أو الفرنسية يجب معالجتها بين ملك المغرب ورئيس الجمهورية فقط، لكن في قالب لا علاقة له باستعمال مفردات، كـ”أريد” أو “أريد بإلحاح” أو “أرفض”، وهي مفردات أجهلها كما يجهلها السيد الرئيس، ولهذا فنحن لم نجتمع للتحادث حول السيد بوعبيد، ولو حدث ذلك فعلا، لكان الحديث عن السيد بوعبيد حقيقة حديثا محدودا)).
وخلال نفس اليوم، أدلى الملك بحديث صحفي لإذاعة “فرنسا الدولية”، ومرة أخرى طرح عليه من طرف المحاور السؤال التالي وبصيغة فيها نوع من الوصاية: “أعتقد أنه لا يخفى على أحد أن فرنسا تنتظر منكم إصدار عفوكم عن المعارضين المسجونين؟“، فكان جواب الحسن الثاني بنفس صيغة السؤال: ((لا أرى سببا لحرص فرنسا على ذلك، لأنني لا أعتقد أن لها وصاية تمارسها، وإني أؤكد لكم أن الأمر مضر جدا بالمسجونين، فباستمراركم في المطالبة بإطلاق سراحهم، لا تسدون إليهم معروفا، ذلك أن ستة أشهر يستطيعون إنهاءها، ولكن ماذا بعد ذلك، أفلا تبقى مشكلة ما يقال عن تدخلكم؟ إنها قضية مغربية يجب ترك تسويتها للمغاربة، فملك المغرب أب للجميع، وهو أدرى من غيره بمعرفة الوقت المناسب لإصدار عفوه)).

أزمة 2014.. استدعاء عبد اللطيف الحموشي للتحقيق بطريقة مهينة
بعد هذا الحدث، دخل المغرب في عدة أزمات مع فرنسا، لكن لم يحدث وأن حاول أي رئيس أو مسؤول فرنسي مخاطبة المغرب بطريقة مستفزة، إلى أن جاءت سنة 2014، عندما بدأ الحديث بقوة عن محاولة المغرب الخروج من فلك فرنسا وتنويع شركائه، وفي خضم هذا النقاش، الذي بدأ مع مرحلة الرئيس فرانسوا هولاند، ظهرت أزمة جديدة أرادت من خلالها فرنسا معاملة المغرب بطريقة مهينة، حيث انتهزت منظمة اجتماعية غير حكومية فرصة وجود مدير المخابرات المغربية عبد اللطيف الحموشي في فرنسا، لتطلب من السلطات الفرنسية التحقيق معه على خلفية اتهامات حول ضلوعه في قضية “تعذيب مفترض”، وعلى الفور، توجه سبعة شرطيين إلى مقر إقامة سفير المغرب في باريس، ليسلموا الاستدعاء للحموشي، الذي كان وقتها بالعاصمة الفرنسية رفقة وزير الداخلية المغربي للمشاركة في القمة الأمنية التي كانت ستجمع كلا من فرنسا والمغرب وإسبانيا والبرتغال.
ومثلما كان متوقعا، أثار الاستدعاء الفرنسي الموجه لعبد اللطيف الحموشي، المسؤول الأول عن حماية التراب الوطني، غضب الرباط، إذ كانت إساءة غير متوقعة وغير مبررة من صديق و”حليف استراتيجي”، فاستدعت وزارة الخارجية المغربية يوم الجمعة 21 فبراير 2014، شارل فري، السفير الفرنسي بالرباط، وأبلغته ((الاحتجاج الشديد للمملكة المغربية على إثر معلومات تهم شكاية ضد المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني، حول تورطه المزعوم في ممارسة التعذيب بالمغرب)).
وجاء في بلاغ رسمي، أن امباركة بوعيدة، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية، المكلفة بالشؤون الخارجية، أوضحت للسفير الفرنسي بالرباط أن ((المغرب يرفض رفضا باتا المسطرة الفجة التي تم اتباعها والمنافية لقواعد الدبلوماسية المعمول بها، والحالات القضائية التي تم التطرق إليها، والتي لا أساس لها))، وأكدت بوعيدة أن ((هذا الحادث الخطير وغير المسبوق في العلاقات بين المغرب وفرنسا، من شأنه المساس بجو الثقة والاحترام المتبادل الذي ساد دائما بين البلدين))، وطالبت بإلحاح بتقديم توضيحات عاجلة ودقيقة بشأن هذه الخطوة غير المقبولة وبتحديد المسؤوليات.
وبعد ذلك، جرى اتصال هاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، يوم الإثنين 24 فبراير 2014، تطرقا فيه إلى ((وضع العلاقات المغربية الفرنسية، على إثر الأحداث التي شهدتها الأيام الأخيرة))، واتفق الطرفان – حسب بلاغٍ للقصر الملكي – على ((مواصلة الاتصالات خلال الأيام المقبلة على مستوى الحكومتين والعمل وفق روح العلاقات المتسمة بطابع التميز التي تجمَع البلدين)).
ويوم الأربعاء 26 فبراير 2014، أعرب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، عن أسفه للمنعطف الذي اتخذته الخصومة الدبلوماسية الفرنسية المغربية، في حين نفت وزارته تصريحات ساخرة نسبت إلى دبلوماسي فرنسي وقال: ((.. بالفعل، كان هناك في الأيام الأخيرة نوع من التوتر))، مضيفا: ((لقد قدمنا توضيحات مفيدة وعبرنا عن الأسف لحوادث قد تكون حصلت، وعبرنا عن الأسف لمنح هذا الوضع أهمية ما كان ينبغي أن تمنح له، وآمل أن يصبح كل هذا، إن لم يكن أصبح بالفعل، من الماضي)).
ورغم ذلك، دخل المغرب وفرنسا في أزمة دبلوماسية، جمدت خلالها الرباط العمل باتفاقية التعاون القضائي، واستمرت الأزمة ما يقارب السنة كاملة، والتي انتهت حين قامت الحكومة الفرنسية بتكريم عبد اللطيف الحموشي في شهر فبراير 2015، ومنحته وسام استحقاق من درجة ضابط جوقة الشرف.
سنة 2020.. عندما أمر ماكرون السلطات المغربية بتنظيم رحلات للرعايا الفرنسيين من أجل إعادتهم إلى فرنسا
بعد ظهور وباء “كورونا” وإعلان المغرب عن حالة الحجر الصحي، كباقي بلدان العالم، بقي العديد من السياح عالقين داخل المغرب ومن ضمنهم السياح الفرنسيين.. يومها ظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وخرج بتغريدة على “تويتر” قال فيها: ((إلى مواطنينا العالقين في المغرب، يجري تنظيم رحلات جوية لنقلكم إلى فرنسا.. أطلب من السلطات المغربية الحرص على القيام بما يلزم لتحقيق ذلك في أسرع وقت)).
لم تتحرك الحكومة المغربية للرد على ماكرون، غير أن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي تكفلوا بالرد عليه، وقد أثارت تغريدته موجة كبيرة من الانتقادات من عشرات المغردين والمدونين على وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب، وانتقد هؤلاء طريقة ماكرون التي خاطب بها السلطات المغربية، موجهين انتقادات لاذعة لنبرة الرئيس الفرنسي في مخاطبة دولة ذات سيادة، وكان هؤلاء المغردون من فئات مهنية مختلفة، ومنهم محامون ورؤساء شركات وطلبة، ومؤثرون على مواقع التواصل، ورؤساء تحرير مؤسسات إعلامية، وأساتذة علوم سياسية وباحثون، ومشاهير في مجال الموسيقى وغيرهم، وتراوحت ردود فعل الرافضين لطريقة تعامل ماكرون مع المغاربة، بين استعمال الخطاب المباشر واللغة التي استعملها وكأنه يوجه أوامره للسلطات المغربية، ومغردين عابوا عليه الافتقاد للكياسة الدبلوماسية في مخاطبة دولة ذات سيادة، استقلت عن الاحتلال الفرنسي منذ عام 1956، واعتبر العديد من المتفاعلين أن تغريدة ماكرون تنطوي على “عجرفة وفجاجة”، كما قارن البعض بين اللغة المستعملة في تغريدته الموجهة للمغرب، والتغريدة التي تحدث فيها في اليوم نفسه عما دار بينه وبين الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا في محادثة هاتفية بشأن تعاون بين باريس وروما لمواجهة أزمة “كورونا”.
واليوم.. استمر نفس الرئيس في استفزاز المغرب، على خلفية زلزال الحوز، عندما رفض المغرب المساعدات الفرنسية، حيث هاجم الإعلام الفرنسي المغرب بقوة، ووجه ماكرون خطابا مباشرا إلى المغاربة من أجل قبول المساعدات، وأعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، عن زيارة مقررة للرئيس الفرنسي للمغرب، غير أن الحكومة المغربية ردت على هذه الأخبار بنفي برمجة أي زيارة للرئيس الفرنسي إلى المغرب.. فإلى متى ستستمر فرنسا في مثل هذا الأسلوب المتعجرف؟ وهل سيأتي يوم تفهم فيه أن التاريخ تجاوزها كقوة كبرى، وأن سياستها الإمبريالية تقودها إلى الحضيض ؟