تحليل إخباري | “بلوكاج” حكومي جديد بين الأحرار والاستقلال والاتحاد الاشتراكي
أخنوش يستعمل "الاشتراكيين" كفزاعة للحفاظ على الأغلبية

إعداد: سعيد الريحاني
كل التوقعات كانت تذهب في اتجاه حصول تعديل حكومي بالتزامن مع الدخول السياسي لتحريك المشهد السياسي “الراكد”، لكن لا شيء من ذلك حدث، بل إن الصحافة باتت تتحدث عن وزراء طالبوا بإعفائهم من مناصبهم ولم يسمع أحد نداءهم(..)، وكتبت جريدة “الأحداث المغربية” أن هناك “تذمر بعض أعضاء الحكومة من الانتقادات التي تطالهم من وسائل الإعلام، ومن مواقع التواصل الاجتماعي” وأن “المقاعد الحكومية لم تعد محفزة لهؤلاء بعد الهجومات الحادة التي تلقوها سواء داخل البرلمان أو خارجه”.. فـ((بعض أعضاء الحكومة تعرضوا للكثير من الانتقادات والهجومات، خاصة في ظل انغلاقهم التام وعدم تواصلهم، وهي السمة السائدة بين الكثير من أعضاء الحكومة، الذين يفضلون مواجهة الرأي العام بالصمت المطبق في الوقت الذي تقتصر فيه الحكومة على قنوات تواصل محدودة في بلاغات المجالس الحكومية وتصريحات الناطق الرسمي)) (المصدر: الأحداث المغربية /عدد 5 شتنبر 2023).
وانظروا لهذا النوع من الوزراء، الجاثمين على القلوب(..) عندما تكتب نفس الجريدة أنه، ((.. وفي ظل محاصرتهم بالانتقادات، صارح بعض الوزراء مقربين منهم بندمهم على تقلد المناصب الحكومية، وتخليهم عن مناصب، سواء في القطاع الخاص أو العام، كانت تعويضاتهم فيها تعادل خمسة أضعاف ما يتلقونه وهم وزراء)).. هل يعقل التعامل مع المناصب الوزارية بهذا الاستخفاف وكأن المغاربة مصابين بالعقم؟ لماذا لا يفتح الباب على مصراعيه لطرد هذا النوع من الوزراء الذين لا يصلحون للعمل السياسي؟ هل يعقل أن يقبل المغاربة بهذا النوع من الوزراء الذين يمنون علينا بأن بإمكانهم الحصول على أجر أكبر؟ لماذا دخلوا أصلا للحكومة؟ ولماذا قدموا ترشيحاتهم.. ألم يكن هنالك رجل رشيد ليشرح لهم معنى هذه التصرفات والتصريحات التي تسيء لصورة البلاد داخليا وخارجيا؟
ويبقى السؤال مطروحا حتى الآن: هل يوجد هنالك تعديل حكومي قريب أم لا؟ والجواب الذي حصلت عليه “الأسبوع”، هو أن هناك تعديلا حكوميا يمكن أن يقع في أي لحظة، وأن رئيس الحكومة توصل وناقش عدة اقتراحات بهذا الخصوص، بل إن حزب الأحرار توصل بعدة طلبات للاستوزار، ونفس الأمر يحصل داخل حزب الاستقلال، رغم أن هذا الأخير يتحتم عليه تفكيك “القنبلة الداخلية” التي تمثلها قوة تيار حمدي ولد الرشيد، الذي انتشر داخل مفاصل الحزب، حيث أن نزار البركة يواجه ضغطا كبيرا للحفاظ على وجاهة هذا التيار، الذي يربط استمرار الأمين العام الحالي في القيادة بمجموعة من الشروط، قد تؤدي في النهاية إلى سقوط “نزار ومن معه”.

موضوع حمدي ولد الرشيد يستحق ملفا لوحده، تعود إليه “الأسبوع” بالتفصيل في عدد قادم(..)، لكن ذلك لا يعني أنه العقبة الوحيدة في طريق نزار.. فقد كشفت مصادر مطلعة، أن حزب الاستقلال معرض من جديد لظاهرة الوزراء المصبوغين، الذين تم اقتراحهم من جديد للاستوزار باسم الحزب، وهي الظاهرة التي كانت لها تكلفة سياسية كبيرة بالنسبة لداخل الحزب وخارجه.. نفس المصادر تقول إن هناك خلافا كبيرا بين رموز قيادة حزب الأحرار وقيادة حزب الاستقلال حول مسألة التعديل الحكومي، لكنه لم يخرج للعلن بعد(..).
وقليلة هي المقالات التي تتحدث عن أزمة التعديل الحكومي داخل حزب الاستقلال، وهي أزمة ليست جديدة، وطرحت منذ التفكير قبل أشهر في التعديل الحكومي المتوقع، ومنها ما صدر تحت عنوان: “التعديل الحكومي يقربل الاستقلال وطلبات الاستوزار/السفراء تتقاطر على البركة”، فـ((سباق الاستوزار في التعديل الحكومي المرتقب انطلق داخل حزب الاستقلال المشارك في الحكومة، وكشف مصدر من داخل الحزب، أن السير الذاتية لأطر الحزب بدأت تتقاطر على مكتب الأمين العام نزار البركة، وزير الماء والتجهيز، من بينها سير ذاتية لأشخاص محسوبين على تيار الأمين العام السابق للحزب حميد شباط.. وأوضح المصدر، أن الأمين العام للحزب نزار البركة توصل منذ مدة ولا زال يتوصل بسير ذاتية لأطر الحزب التي تأمل في الحصول على منصب عالٍ داخل القطاعات الوزارية التي يسيطر عليها وزراء مصبوغين بلون حزب الاستقلال أو مناصب سفراء كما هو الشأن بالنسبة لقيادي سابق كان يشغل مهمة الناطق الرسمي باسم الحزب.. وأكد المصدر ذاته، أن صراع تيار ولد الرشيد المتشعب والممتد داخل الحزب، وبقايا تيار حميد شباط، والنواة الحزبية الضيقة (تيار لا هوادة) الملتفة حول نزار البركة، عاد بقوة على خلفية فتح نقاش الترشيحات المقترحة للاستوزار في التعديل الحكومي المرتقب.
ومن جهة أخرى، ووفق ذات المصدر، يروج داخل كواليس الحزب، أن بعض القيادات التي فضلت الظفر بمنصب وزاري أو بعضوية اللجنة التنفيذية، تتزلف هذه الأيام لنزار البركة وتظهر له الدعم لولاية ثانية، في إطار صفقة تعني تضييق الخناق على حمدي ولد الرشيد الذي يتزايد نفوذه بشكل تصاعدي مقابل عزلة نزار البركة، لا سيما بعد تداعيات المشاركة في الحكومة وكلفتها السياسية، التنظيمية، والاجتماعية..
وحسب ذات المصدر، فإن نزار البركة يستعين هذه الأيام في الخفاء بعبد القادر الكيحل وعبد اللطيف معزوز وعمر احجيرة، وبعض البرلمانيين لمواجهة تيار ولد الرشيد، موزعا وعودا لبعضهم بطرح أسمائهم للاستوزار، ما يعني إعدام سيناريو استوزار اسم بارز من الصحراء)) (المصدر: موقع الزنقة 20).
والفقرات الأخيرة ليست سوى نموذجا لمقالات الصحافيين الذين باتوا يعرفون أن أزمة نزار البركة داخل حزب الاستقلال لم تعد سوى مسألة وقت فقط، وكما لو أن الزمن السياسي يعيد نفسه، فجل الاتحاديين يقفون على باب الحكومة في انتظار الدخول بعدما فكوا ارتباطهم بالمعارضة، غير أن احتمال دخول الاتحاد الاشتراكي ليس عنوانا لتوسيع الأغلبية الحالية، بل هو عنوان لـ”بلوكاج” جديد، حيث بات رئيس الحكومة عزيز أخنوش ومن معه، يستعمله كفزاعة ضد الأحزاب المشاركة، بحيث أنه يحافظ على التحالف الثلاثي من خلال إشهار إمكانية إدخال الاتحاديين ولا شيء حصل من ذلك حتى الآن، بل إن المفاوضات التي يقودها إدريس لشكر بين الفينة والأخرى، لا تعطي أهمية إلا لبعض مقربيه، ما يعطي للأحرار فرصة لرفض المقترحات عمليا، والاكتفاء بترويجها عند الخصوم(..).
إن ما يجعل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يلعب دور الفزاعة حتى الآن(..)، هو إعلانه عن رغبته في تعديل الحكومة بشكل منفصل عن باقي أحزاب المعارضة.. فقد ((طالب الحزب يوم الأربعاء الماضي، بتعديل حكومي يستجيب لتطلعات الشعب المغربي، وقال الحزب في بيان أصدره عقب انعقاد مكتبه السياسي: إنّ كل المؤشرات الحالية وقراءتها في ظل عمل الحكومة، تدعو إلى إحداث رجة من خلال تعديل حكومي.. وقال المكتب السياسي للحزب، إنّه انطلاقا من هذه المؤشرات، واستحضارا لما تُنبئ به معطيات المستقبل القريب، لا سيما إنتاج المحروقات وأسعارها في العالم، يجب إحداث رجة من أجل تنشيط دورة القرار الحكومي بما يؤهل الحكومة للدخول في دينامية المرحلة الجديدة.. وفي وقت يبقى فيه الترقب سيد الموقف، على اعتبار أن تحديد موعد التعديل الحكومي رهين بمتطلبات تتجاوز رئيس الحكومة، فإن الانتقادات طالت الحكومة خلال الأشهر الماضية من جميع فئات الشعب، وكذا من مسؤولين كبار في الدولة، على غرار والي البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري، والمندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي)) (المصدر: العربي الجديد/ 7 شتنبر 2023).
لم يحدث التعديل الحكومي حتى الآن.. لكن جل المؤشرات تصب في اتجاه حدوثه: فـ((الأوساط داخل حزب الأصالة والمعاصرة تتحدث عن برود شديد في العلاقات بين مكونات الأغلبية، وعن توقف لقاءات أحزاب الأغلبية، بل وتكشف عن توقف الاتصال عبر الهاتف بين رئيس الحكومة ووزراء الأصالة والمعاصرة بالشكل الذي دفع المكتب السياسي لهذا الحزب إلى إصدار بيان يتضمن نقدا سياسيا حادا لرئيس الحكومة لا يختلف في كثير من نقطه عن نقد أحزاب المعارضة له، فانتقد في الحكومة ضعف التواصل الداخلي فيما بين أعضائها فيما يخص تسريع الأوراش الإصلاحية، وهي العبارة التي فهم منها عدم تقديم رئيس الحكومة أي دعم سياسي للتعديلات التي يعتزم وزير العدل عبد اللطيف وهبي ضمها إلى مدونة الأسرة والقانون الجنائي، كما انتقد البيان ضعف الحوار الداخلي الفعال بين الحكومة وبين وزراء الأصالة والمعاصرة، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى تحميل الحكومة مسؤولية انتشار الإشاعات والأخبار الزائفة عن أدائها، بسبب ضعف تواصلها الخارجي، وعدم تحمل رئيس الحكومة مسؤولية الخروج إلى المواطنين للتواصل معهم، وتمكينهم من حقهم في المعلومات الصحيحة… المؤشر الثاني، الذي يقوي فرضية إمكانية إجراء تعديل حكومي وشيك، هو الاستفسار الذي وجهه الملك محمد السادس، عند بداية أشغال المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 19 مايو، إلى وزير الفلاحة حول نتائج الموسم الفلاحي الحالي والتدابير التي ستتخذها الحكومة لدعم الفلاحين بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية الفلاحية، وكذا الإعداد الجيد للموسم الفلاحي المقبل، والمؤشر الثالث، هو الحركية الداخلية التي يعرفها حزب الأصالة والمعاصرة، والتي تؤشر على حالة التوتر الداخلي، ووجود قوى داخل الحزب لم تعد تقبل باستمرار عبد اللطيف وهبي على رأس الحزب، فبعد أن أقال عبد اللطيف وهبي مدير فريق حزبه بمجلس المستشارين، قرر خلال الأيام القليلة الماضية، إعفاء رئيس الفريق بمجلس المستشارين، الخمار المرابط، دون أن يقدم أي تعليل لذلك، فيما تربط أوساط داخلية قرار وهبي بتزايد نفوذ الجبهة المعارضة له داخل الحزب، وتمكنها من كسب مواقع مهمة في البنية المؤسسية التشريعية، أما المؤشر الرابع، فيرتبط بموقف حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي لم يعد مكتفيا بالتصريح بأن التعديل الحكومي يتوقف على المقتضيات الدستورية، وإنما زاد إلى ذلك تلطيف لغة المعارضة، والحديث عن اختلاف المعارضات، واستعداد حزبه للعمل لمصلحة المغرب من أي موقع، فقد بدا الخروج الإعلامي للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، في برنامج “نقطة إلى السطر” في القناة الأولى، أشبه ما يكون بغزل تجاه رئيس الحكومة، يقدم فيه الضمانات الكافية لدخوله إلى الحكومة ودوره المرتقب في تقوية عملها، وهو الغزل الذي جر عليه انتقاد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران، الذي تحدث في خطاب أمام حزبه، بأنه لا يعرف في السياسة كيف تتحول المعارضة إلى حزب سياسي يطلب ود الحكومة من أجل تمكينه بمواقع داخله)) (المصدر: تعليق المحلل والباحث بلال التليدي).
التحليل أعلاه يرجع إلى شهر يونيو الماضي، لكن المعطيات لم تتغير في عمومها.. وتبعا لهذه المؤشرات، يروج “تعديل وزاري يروح ضحيته وزراء من الأصالة والمعاصرة، وأيضا وزير الفلاحة، وربما قد يشهد المشهد السياسي السيناريوهات التالية: قبول الأمين العام للأصالة والمعاصرة بخروجه من الحكومة وبقاء حزبه فيها مع دخول الاتحاد الاشتراكي، أو رفض الأمين العام للأصالة والمعاصرة بقاء حزبه في الحكومة في حال دعوته إلى مغادرة الحكومة، وفي هذه الحالة، يمكن أن نرى احتمالين اثنين: حدوث دينامية داخلية في الحزب تفضي إلى رحيله من قيادة الحزب، أو حدوث تعديل جوهري في أحزاب الأغلبية الحكومية وخروج نهائي للأصالة والمعاصرة من الحكومة)) (نفس المصدر).
أما الاحتمال الأخير، فيبقى مرتبطا بحزب الاستقلال.. ماذا لو تسبب الصراع الداخلي في خروج نزار البركة إلى المعارضة رفقة تيار ولد الرشيد في انتظار حسم المعركة الكبرى التي تختلط فيها حسابات الصحراء وحسابات الرباط(..)؟