ملف الأسبوع | هل تدفع اتفاقية الصيد البحري الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بمغربية الصحراء ؟
وقع، مؤخرا، حدثان مهمان مترابطان، لهما تأثير مباشر على المغرب: الأول هو انتهاء العمل بالبروتوكول الملحق باتفاقية الصيد البحري المبرمة ما بين المغرب والاتحاد الأوروبي سنة 2019، والثاني يتعلق بالانتخابات الإسبانية المبكرة، التي أفرزت مجددا فوز الحزب الحاكم بالانتخابات، الذي عليه أن يقوم بتحالفات ماراثونية من أجل تشكيل الحكومة مجددا.
أعد الملف: سعد الحمري
كما هو معلوم، فإن ملف الصيد البحري جوهري بالنسبة لإسبانيا بالدرجة الأولى، وهي التي تضغط دائما من أجل تجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن، وتبدو هذه السنة مختلفة بالنسبة للمملكة الإسبانية، حيث أنها تترأس الاتحاد الأوروبي، كما أنه كيفما كان توجه الحكومة المشكلة في الجارة الشمالية، فإن ملف تجديد اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب سيكون لا محالة من أولى أولوياتها، لأنه يهمها بالدرجة الأولى، ونتطرق من خلال هذا الملف لمحطتين هامتين من تاريخ مرير بين المغرب والاتحاد الأوروبي من أجل تجديد اتفاقية الصيد البحري، وكيف أن الضغوط الإسبانية أدت مرة إلى الدخول
في إحدى أقوى الأزمات بين البلدين، ومرة أخرى كان توقيع المغرب على هذه الاتفاقية بمثابة هدية لملك إسبانيا الجديد فيليبي السادس.
الخلاف حول تجديد اتفاقية الصيد البحري أصل مشكلة جزيرة ليلى بين المغرب وإسبانيا
نريد من خلال استعراض محطة انتهاء اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي سنة 1999 ومحاولة إسبانيا تجديدها بكل الوسائل، أن نوضح أن ملف تجديد اتفاقية الصيد البحري كان هو أصل الأزمة بين المغرب وإسبانيا في بداية الألفية الثالثة والتي تعرف بأزمة جزيرة ليلى.
وقبل بداية استعراض ما حدث، لا بد من التذكير بأن آخر اتفاقية للصيد البحري وقعها المغرب مع الاتحاد الأوروبي خلال القرن الماضي، كانت سنة 1995، والتي تقرر أن تمتد لمدة أربع سنوات، وقتها اعتبر المسؤولون الحكوميون المغاربة أنها آخر اتفاقية ستجمع المغرب مع الاتحاد الأوروبي، وجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية وقعت في الأشهر الأخيرة لوجود الاشتراكي فيليبي غونزاليس في السلطة، وعندما جاء رئيس الوزراء الجديد اليميني خوسي ماريا أثنار، سعى إلى تجديدها مع قرب انتهاء صلاحيتها في شهر نونبر 1999.
وعليه، بدأت الدبلوماسية الإسبانية تركض ضد الساعة، لأن الملف بالنسبة لها كان يكتسي أهمية خاصة في العلاقات المغربية-الإسبانية، فمدريد تعتبره ملفا أساسيا لكونه يوفر مناصب شغل مهمة، خصوصا في أقاليم الأندلس وغاليسيا وجزر الخالدات، والمرتبطة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالصيد في المياه المغربية.
ورغم أن تصريح الوزير الأول المغربي عبد الرحمان اليوسفي في مدريد، خلال اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية الإسبانية، كان واضحا بقوله: ((لقد نبه المغرب سنة 1995 إلى أنه لن يجدد اتفاقية الصيد البحري، ولم أفهم كيف أن الصيادين يرفعون صوتهم عاليا كوسيلة للضغط على حكومتهم على بعد سبعة أشهر من انتهاء صلاحية الاتفاقية))، وزاد الطين بلة بالنسبة للإسبان، أن الاتحاد الأوروبي لم يخصص في ميزانيته لسنة 2000 جزء خاصا باتفاقية الصيد البحري مع المغرب، وهو ما أغضب الدبلوماسيين الإسبان الذين ضغطوا من أجل تخفيض ميزانية الاتفاقية المحتملة.
وعلى الرغم من الوضع الذي فرضه المغرب والاتحاد الأوروبي على إسبانيا، فقد تعددت اللقاءات بين الدبلوماسيين الإسبان والمغاربة خلال الأشهر الأخيرة قبل وفاة الحسن الثاني لتجديد اتفاقية الصيد البحري، وخلال زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب، أعد التهامي الخياري، الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الصيد البحري، بأمر من الملك الحسن الثاني، عرضا حول اتفاقية جديدة، لكن العرض لم يلق استحسانا لدى الطرف الإسباني، لدرجة أن الملك خوان كارلوس – الذي تسلم العرض مكتوبا بالمطار أثناء مغادرته المغرب بعد حضور احتفالات الملك الحسن الثاني بعيد ميلاده السبعين – لم يسلم تلك الوثيقة أبدا إلى رئيس وزرائه خوسي ماريا أثنار.
وبعد ذلك، زار وزير الصيد البحري الإسباني خيسوس بيسادا المغرب، ما بين 13 و14 يوليوز 1999، واستطاع أن ينتزع بعض الضمانات بالشروع في مفاوضات، غير أن وفاة الملك الحسن الثاني بعد أسبوعين، قلبت الأمور رأسا على عقب، وفي هذا الإطار، قال نبيل دريوش، صاحب كتاب “الجوار الحذر”، أن “رئيس الوزراء الإسباني كان يضع نصب عينه تجديد اتفاقية الصيد البحري أثناء حضور جنازة الملك الراحل الحسن الثاني، لكن اللحظة لم تكن مناسبة للخوض في أي قضية سياسية”.
وذكر صاحب الكتاب المذكور آنفا، أن محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي خلال تلك المرحلة، حكى له ما يلي: ((إنه يوم جنازة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، وخلال مراسيم الدفن، أمرني جلالة الملك محمد السادس بالوقوف مع الضيوف الأجانب، وكان هناك عدد كبير منهم جاؤوا من مختلف ربوع العالم، وفجأة أحسست بيد توضع على كتفي، وعندما استدرت، وجدته الملك خوان كارلوس الذي خاطبني قائلا: بن عيسى، هل يمكنك أن تسدي لي معروفا؟ فقلت له: بطبيعة الحال يا صاحب الجلالة، فقال لي: سأحاول تدبر الأمر، فالآن تمر مراسيم الجنازة، وربما الظرف غير ملائم، فقال لي: تقوم بذلك عندما تستطيع)).
وبعد مرور الجنازة بقليل، عرض وزير الخارجية المغربي الأمر على الملك محمد السادس، الذي وافق على اللقاء على أن يكون يومي 16 و17 غشت 1999، وفعلا زار الوزير أثنار المغرب في الموعد المحدد، وحظي باستقبال حافل، إلا أن جلسة الرجل وعرضه أظهرا نوعا من التعالي، ويعود السبب في ذلك إلى أن الرجل كان يعتقد في قرارة نفسه أن المغرب بلد فقير وفي حاجة إليه، كما أنه كان ملحا على ضرورة تجديد اتفاقية الصيد البحري في الوقت الذي كان فيه المغرب رافضا لهذا التجديد.
وقد اعتبرت شخصيات من المحيط الملكي وقتها، أن اللقاء الأول بين الطرفين كان حاسما في تحديد المسار الذي اتخذته العلاقات الثنائية بين البلدين، فالخشونة والاستعجال من جانب خوسي ماريا أثنار والروية التي نظر إليها الإسبان كنوع من اللامبالاة من الجانب المغربي في حل قضية الصيد البحري، دفعت رئيس الحكومة الإسبانية إلى التصلب في مواقفه، خصوصا وأن الأحداث التي وقعت بعد ذلك باعدت كثيرا في المواقف وقادت الجارين إلى الدخول في متاهة من الأزمات، وقد تجلت أول محطة من التباعد، في الزيارة التي قام بها خوسي ماريا أثنار إلى مدينة سبتة المحتلة في 9 يناير 2000، وصرح بأن المدينتين المحتلتين إسبانيتان، ومن هنا بدأت قصة أول أزمة في الألفية الثالثة التي كانت أزمة جزيرة ليلى أهم تجلياتها، عندما وقف البلدان على حافة الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة.. لولا التدخل الأمريكي.
وعلى الرغم من أن المياه عادت إلى مجاريها نسبيا بعد قمة مراكش بين إسبانيا والمغرب، بيد أنه وجب انتظار مجيء الحكومة الاشتراكية بقيادة لويس رودريغيز ثباتيرو، من أجل أن تتخذ المفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوروبي اتجاهها صوب تجديد الاتفاقية في ملف يتحكم فيه المناخ السياسي أكثر من الإجراءات التقنية، لذلك أدت جولات المفاوضات إلى التوقيع على اتفاقية للصيد البحري بين الرباط وبروكسيل في يوليوز 2005، ومعنى هذا أن الملف ظل معلقا مدة 6 سنوات كاملة، بعد أن كان سببا مباشرا في هذه الأزمة، وجدير بالذكر أن الاتفاقية الجديدة دخلت حيز التنفيذ في 28 فبراير 2007، لفترة تمتد على مدى أربع سنوات، وذلك إلى غاية 28 فبراير 2011.
عندما أهدى الملك محمد السادس اتفاقية الصيد البحري للملك الإسباني الجديد فيليبي السادس
جاءت بعد حكومة خوسي ماريا أثنار حكومة جديدة بقيادة الاشتراكي لويس رودريغيز ثباتيرو، وهي التي وقع المغرب في بدايتها على اتفاقية صيد بحري جديدة مع الاتحاد الأوروبي، ولم تكن علاقة المغرب مع هذه الحكومة مثالية، بل شهدت توترات في مناسبات عديدة، وبعد نهاية هذه الاتفاقية، تم التوصل إلى اتفاق جديد قبل نهاية الاتفاقية بأيام قليلة لتمديد سريان هذا البروتوكول لسنة إضافية بالشروط نفسها، واستمر العمل به إلى غاية دجنبر 2011، إذ رفض البرلمان الأوروبي المصادقة على البروتوكول، وبادرت السلطات المغربية، ممثلة في وزارة الفلاحة والصيد البحري، إلى مطالبة الأسطول الأوروبي بمغادرة المياه المغربية بعد قرار البرلمان الأوروبي، وبطبيعة الحال، كانت إسبانيا الأكثر تضررا من هذا القرار، إذ أن البواخر الإسبانية تمثل حوالي 90 في المائة من العدد الإجمالي للبواخر الأوروبية التي يخول لها الاتفاق الصيد بالمياه المغربية، وظلت إسبانيا تضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل تجديد الاتفاقية، كما تطالبه، في انتظار التوصل إلى اتفاق، بتعويض أرباب البواخر المتضررة.
ورغم مجيء حكومة جديدة إلى إسبانيا، إلا أن الرغبة في استئناف المفاوضات بسرعة بشأن تجديد اتفاقية الصيد البحري ظلت على حالها، وكان موقف المغاربة ما صرح به سعد الدين العثماني وزير الخارجية المغربي خلال تلك الفترة لصاحب كتاب “الجوار الحذر”، وهو كالتالي: ((إن المغرب مبدئيا غير رافض لاستئناف المفاوضات بشأن الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، لكننا قلنا للإسبان أنه من غير المعقول أن نتفاوض ويأتي البرلمان الأوروبي في النهاية للتصويت ضد الاتفاقية المتوصل إليها، وطالبناهم بأن يقوموا بالمفاوضات داخل الاتحاد الأوروبي، ويعملوا على تصفية خلافاتهم الأوروبية الداخلية، لأننا نتفاوض مع الاتحاد الأوروبي وليس مع دولة داخل الاتحاد الأوروبي لا تستفيد من اتفاقية الصيد البحري التي يمولها الاتحاد، وهي خلافات داخلية، مثلما أن هناك أطرافا أخرى تحس أن مصالحها تتضرر من هذه الاتفاقية وتلجأ إلى إثارة قضايا البيئة، وبمعنى أن التصويت ضد البروتوكول لم يكن بسب الصحراء وحدها)).
رمى المغرب بعد ذلك الكرة في الملعب الأوروبي، وطالب المفوضية الأوروبية بفتح قنوات التواصل مع البرلمان الأوروبي حتى تحظى المفاوضات التي تفتحها معه بالقبول السهل من طرف البرلمان، وبالتالي، اعتبر أن ((الجمود الحاصل في الملف ليس مسؤولية المغرب، بل هو مشكلة أوروبية داخلية محضة، لذلك تأخر التوصل إلى اتفاق بحكم أن المغرب كان متشددا في هذه النقطة، وأيضا لتركيزه على الإطار السياسي الذي كان يجب ألا يضر بالسيادة المغربية))، يضيف سعد الدين العثماني.
وبعد ذلك، قامت إسبانيا بحملة داخل الاتحاد الأوروبي من أجل إقناع البرلمانيين الأوروبيين بضرورة الدخول مع المغرب في مفاوضات من أجل تجديد اتفاقية الصيد البحري، وبعد جلسات ماراثونية، اقتنع البرلمان الأوروبي بالمطالب الإسبانية، وبدوره دخل مع المغرب في جولات من المفاوضات دامت ست جولات انتهت بتوقيع وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي عزيز أخنوش وماريا دامانكي، المفوضة الأوروبية في الصيد البحري، يوم 24 يوليوز 2013 اتفاقية جديدة للصيد البحري، وجاء ذلك بعد الزيارة التي قام بها العاهل الإسباني إلى المغرب مرفوقا بعدد مهم من الوزراء الإسبان، للدفع بالتعاون الاقتصادي بين البلدين، وكانت تلك هدية من المغرب إلى إسبانيا وإشارة ودية تجاه العاهل الإسباني.
وانتظرت الاتفاقية إلى يوم 10 دجنبر من نفس السنة، لتتم المصادقة عليها داخل قبة البرلمان الأوروبي، حيث حصلت على 310 أصوات مقابل رفض 204 برلمانيا أوروبيا، واعتبر المغرب الاتفاقية بمثابة النصر الكبير، لأن مناورات الجزائر والبوليساريو من أجل استثناء المياه المقابلة للصحراء المغربية من الاتفاقية، فشلت فشلا ذريعا.
ورغم تصويت البرلمان الأوروبي على الاتفاقية، إلا أن مصادقة البرلمان المغربي على الاتفاقية عرف تأخرا لعدة أشهر، وهو ما دفع المتحدثة باسم شؤون الصيد والنقل البحري في الاتحاد الأوروبي، هيلين بانر، إلى أن تصرح بأنه حان الوقت ليصادق البرلمان المغربي على الاتفاق.
كان هدف المغرب من التأخر هو تقديم التوقيع على الاتفاقية كهدية للعاهل الإسباني الجديد فيليبي السادس عشية زيارته للمغرب.. ففي يوم زيارة هذا الأخير للمغرب يوم 14 يوليوز 2014، وقع الملك محمد السادس على اتفاقية الصيد البحري لتخرج إلى حيز التنفيذ، ويعلن عن كونها هدية للعاهل الإسباني بمناسبة أول زيارة يقوم بها للمغرب كأول بلد من خارج المنظومة الأوروبية، ولم تستطع السفن الإسبانية العودة إلى الصيد إلا يوم 15 شتنبر 2014، بعدما ثار الكثير من اللغط.
هكذا استعرضنا حالتين تاريخيتين تهمان ظروف تجديد المغرب لاتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، والتي كانت إسبانيا غالبا الخاسر الأول اقتصاديا فيها، نظرا لأن العديد من المقاطعات الإسبانية مرتبطة بالصيد البحري بصفة عامة والصيد في المياه الإقليمية المغربية بصفة خاصة، وقد تبين من النموذجين أن تجديد الاتفاقية عادة ما تطلب وقتا طويلا نظرا لعدم استعجال المغرب، كما كان تجديد الاتفاقية تارة سببا في أزمات كبرى بين المغرب وإسبانيا، وأخرى عاملا في التقارب بين البلدين.
لا شك أنه مهما كان توجه الحكومة التي ستقود الجارة الشمالية في السنوات الأربع القادمة، فإنها ستسعى جاهدة من أجل دفع الاتحاد الأوروبي إلى تجديد الاتفاقية مع المغرب، ومعلوم أن المملكة تضع قضية الصحراء كأولوية كبرى، فهل سيدخل ملف الصيد البحري المغرب في أزمة جديدة مع إسبانيا، أم سيكون سببا في دعم الاتحاد الأوروبي لمخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب ؟
وهل الصحراء الغربية أصلا مغربية لكي يعرف بها الاتحاد الاروبي !!!