تحليل إخباري | خطير.. مؤسسات الدولة تفتح ملف الأقليات الدينية
بعد لقاء مجلس حقوق الإنسان مع "مسيحيين مغاربة"

إعداد: سعيد الريحاني
المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة تابعة للدولة المغربية، وواحد من أذرعها الحقوقية في المحافل الدولية(..)، وكل تحركاته محاطة بالكثير من الحيطة والحذر، وأحيانا تكون الكواليس أكبر بكثير مما تم الإعلان عنه، وهو أمر مطلوب في عمل من هذا النوع، وقد شهدت الأيام الأخيرة اجتماعا لم تنتبه له وسائل الإعلام المغربية رغم “حساسيته” و”خطورته”، وتكاد القصاصة الوحيدة التي كتبت في الموضوع هي التالية (تنشرها “الأسبوع” دون زيادة أو نقصان): القصاصة تقول: ((عقد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، صباح الأربعاء 14 يونيو الجاري، لقاء تواصليا في شخص كل من حمضي عبد الرفيع، خالد أوحو، وبشرى العمراوي، نيابة عن رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، مع “تنسيقية المسيحيين المغاربة”، وذلك قصد التداول في عدة مطالب متعلقة بحرية الاعتقاد، والتي تقدمت بها التنسيقية على شكل كتاب تواصلي يتضمن عدة مطالب، نذكر منها أساسا ممارسة الشعائر الدينية، وولوج الكنائس دون عراقيل، وتسمية أبنائهم بأسماء مسيحية، وكذلك دفنهم بالمقابر المسيحية.. وقد صرح المنسق الوطني لـ”تنسيقية المسيحيين المغاربة”، بأن هذا اللقاء جاء بدعوة من التنسيقية، ولقي ترحيبا كبيرا من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث دام النقاش خلال هذا اللقاء لأزيد من ساعة ونصف.. وأوضح أنه خلال اللقاء، تقدم بكتاب تواصلي، يعرض مطالب المؤمنين المسيحيين على المجلس الوطني لحقوق الإنسان بصفته مؤسسة دستورية، متمنيا أن تقوم بدورها في إعمال وتنزيل مبادئ الدستور المغربي لسنة 2011، وأن تبت في مطالبهم، وتعمل على تحقيق مبدأ حرية الاعتقاد تحت إمارة الملك محمد السادس، بصفته أمير جميع المؤمنين مهما اختلفت دياناتهم)) (المصدر: موقع “دابا بريس”/ 14 يونيو 2023).
من حيث الشكل، تكمن أهمية اللقاء من خلال الشخصيات التي مثلت المجلس في هذا اللقاء وعلى رأسها حمضي عبد الرفيع، وهو رمز القوة الهادئة داخل المجلس، والصرامة الصامتة، لذلك لا غرابة أن ينتهي اللقاء بضرورة تقديم من سموا أنفسهم “المسيحيين المغاربة”، تقريرا مفصلا (أي مكتوب) عن “المسيحية في المغرب”، أما من حيث المضمون، فإنه من الضروري التوقف عند بعض المطالب التي أعلنت فيما سمي بـ “كتاب تواصلي”، وهو عنوان غير مستعمل في تقنيات التواصل بالمغرب(..)، ومن المطالب الأساسية: “حرية ممارسة الشعائر الدينية، وولوج الكنائس دون عراقيل، وتسمية أبنائهم بأسماء مسيحية، وكذلك دفنهم بالمقابر المسيحية..”.
هل سمعتم في حياتكم عن تدخل أي مغربي لعرقلة “مؤمن” من أجل دخول أي كنيسة؟ منذ متى كان أبناء المغاربة يسمون بأسماء مسيحية ممنوعة؟ وهل سمعتم عن منع دفن مواطن لأنه مسيحي؟
إن إعلان “المطالب” في ظل عدم وجود الموضوع في كثير من الحالات، يطرح حتما عدة أسئلة حول مخاطر تحركات من هذا النوع، في ظل نظام عالمي جديد يتميز بتحركات “اليد الثالثة” داخل جل البلدان لتفكيكها(..).
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المصادر سالفة الذكر، أكدت أن ((التنسيقية تعتزم خوض مزيد من المعارك النضالية السلمية واللقاءات التواصلية مع كل الفاعلين الذين من شأنهم تحقيق مطالبهم المشروعة والحقوقية))، حسب نفس المصدر.

وليست هذه المرة الأولى التي يدخل فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان على خط الإنصات لـ”المطالب المسيحية”، لولا أنه هذه المرة استقبل من سموا أنفسهم “المسيحيين المغاربة”، ما يعطي طابع المفاجأة للموضوع(..)، أما فيما يتعلق بالجالية المسيحية المقيمة في المغرب، فقد ((سبق لرئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان السابق، إدريس اليزمي، أن حذر من مغبة أن يجبر الأجانب، وخاصة من بين أفارقة جنوب الصحراء، على التعبد في أماكن سرية كما كان الحال مع مسلمي أوروبا في سبعينات القرن الماضي، في إشارة إلى ما كان يعرف حينها بمساجد الطوابق تحت أرضية، وأوضح إدريس اليزمي في وقت سابق، أن المغرب في حاجة إلى بناء كنائس جديدة قادرة على استيعاب العدد المتزايد للمسيحيين المقيمين فوق تراب المملكة، وأبرز توصل المجلس بعدد مهم من طلبات تجاوز الخصاص المسجل بهذا الخصوص، موضحا أن إعادة فتح الكنائس المغلقة لن يفي بالغرض، وذلك في إشارة إلى ضرورة الإسراع ببناء أخرى جديدة)) (المصدر: صحف وطنية).
إذن، هذه أول مرة يتم فيها الحديث عن وجود “تنظيم لمسيحيين مغاربة” (دون الكشف عن هوياتهم)، وليسوا أجانب من داخل مؤسسة وطنية، وهو ما يعني “دق ناقوس الحذر” إزاء هذا النوع من المقاربات.. فقد سبق لـ”الأسبوع” أن نبهت إلى خطر “الأقليات الدينية”، عندما تمت الدعاية سنة 2016، إلى اعتداء على “مواطن مغربي مسيحي”.. وقتها كتبت “الأسبوع”: ((لا بد من الانتباه أيضا إلى الدعاية لخبر من هذا النوع، تواكبها الدعاية لخبر آخر، وهو أن “المسيحيين المغاربة” يستعدون للخروج إلى العلن والاحتفاء بالقداس))، كما كشفت مصادر متطابقة، أن ((المسيحيين المغاربة سيخرجون إلى العلن، ويحتفلون بالقداس يوم 25 دجنبر المقبل في الدار البيضاء.. وأوضحت نفس المصادر، أن المسيحيين المغاربة لم يعودوا يتقبلون ممارسة شعائرهم الدينية في سرية، مضيفة أنهم قرروا الخروج إلى العلن، ولن يثنيهم عن ذلك أي شيء، والقداس أو الأفخارستيا، تعني الشكر، حسب المصطلحات الكنسية، ويطلق اسم الأفخارستيا على سر القربان، وذلك لأن المسيحيين يشكرون الله لمنحهم هذا السر، وتقام الأفخارستيا ضمن القداس الإلهي حصرا، ولا يمكن أن تقام خارجه)) (المصدر: موقع “كشك”).
فمنذ متى كانت لدى المسيحيين هذه الرغبة في الخروج إلى العلن بالمغرب؟ وما الذي يمنع من ذلك؟ ومن دفعهم إلى ذلك؟ هل سمعتم في حياتكم أن المغرب قام بإغلاق كنيسة مثلا؟ هل سمعتم في حياتكم عن منع مواطنين أجانب أو مغاربة من ولوج إحدى الكنائس؟ ولكن الدعاية قد تجعل من هذه الحوادث المختومة بطابع ديني، محطة للاصطدام(..)، وإلى هنا يطرح سؤال: كم عدد المسيحيين في المغرب؟
لا يوجد جواب رسمي، والمؤهل للإجابة عليه هو أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، في حين تقول المواقع الإلكترونية: ((إن عدد المسيحيين المغاربة يتجاوز 150 ألف نسمة، فيما يبلغ عدد المسيحيين في المغرب حوالي 1.1 في المائة من عدد السكان، أي حوالي 380 ألف نسمة، طبقا لتقديرات عام 2009، والمسيحيون في المغرب من أصول أوروبية أو إفريقية أو أمريكية، يحق لهم ممارسة شعائرهم بشكل علني في الكنائس، لكن المسيحيين من المواطنين المغاربة، الذين اعتنقوا المسيحية، سواء من العرب أو الأمازيغ، يمارسون طقوسهم الدينية بشكل سري)) (المصدر: موقع “كشك” التابع لمجموعة آخر ساعة)/ تفاصيل أرشيف “الأسبوع”).

هناك فرق كبير بين معطيات سنة 2016 ومعطيات 2023، ولعل المحطة الفارقة كانت هي زيارة البابا فرانسيس للمملكة المغربية، وبينما كانت زيارة البابا مناسبة لتأكيد قيم التسامح الراسخة في المملكة المغربية، فإن الحديث عن “أقليات مسيحية مغربية يأخذ الفهم إلى اتجاه آخر”، وتكفي المقارنة مع خلاصات زيارة بابا الفاتيكان إلى المغرب، والتي انتهت بتوقيع “نداء” مشترك مع الملك محمد السادس، حول فلسطين والقدس الشريف.. فقد دعا البابا فرنسيس والملك محمد السادس، إلى “الحفاظ على القدس تراثا مشتركا للديانات التوحيدية الثلاث”، وذلك في وثيقة مشتركة وقعاها السبت في الرباط.. وأورد “النداء”: ((نعتقد أن من المهم “الحفاظ على مدينة القدس الشريف تراثا إنسانيا مشتركا، وخصوصا لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث”، داعيا إلى “حماية الطابع الخاص المتعدد الأديان والبعد الروحي والهوية الثقافية الخاصة للقدس”.. وأضاف “النداء”: “إننا نؤكد على أهمية المحافظة على مدينة القدس الشريف باعتبارها تراثا مشتركا للإنسانية وبوصفها أرضا للقاء ورمزا للتعايش السلمي لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ومركزا لقيم الاحترام المتبادل والحوار”، وإلى “صون وتعزيز الطابع الخاص للقدس الشريف كمدينة متعددة الأديان، إضافة إلى بعدها الروحي وهويتها الفريدة”، وعبر عن الأمل في أن “تكفل داخل المدينة المقدسة حرية الولوج إلى الأماكن المقدسة لفائدة أتباع الديانات التوحيدية الثلاث”)) (المصدر: عدة وكالات).
التحركات المسيحية، وبعدها تحركات أتباع الديانة اليهودية، فيما يتعلق بـ”المكون العبري”.. كلها تحركات يجب أن تكون مؤطرة بدستور 2011، وبذلك تكون ((المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوأ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء، والإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية)) (المصدر: دستور 2011).
إن خطورة فتح ملف الأقليات الدينية في زمن حكومة ليبرالية، يقول أحد وزرائها، أنه سيغير أحكام مدونة الأسرة، وأنه بصدد كتابة تاريخ جديد للأمة(..)، لا يكمن فقط في خطورة التوقيت، بل إن “الأسبوع” سبق أن نبهت إلى الخطر الداهم سنة 2016، مع ضرورة التفريق بين احترام الآخر واستغلال موضوع الأقليات للتأثير على السلم الاجتماعي: فـ((خروج المسيحيين إلى العلن، أو المطالبة بحقوق اليهود أو ديانات أخرى، ومطلب حرية المعتقد، ومطلب “تجريم التكفير”.. كلها قنوات ووسائل يتم استعمالها لإثارة موضوع “الأقليات الدينية”، وموضوع “الأقليات الدينية” – في عدة حالات – هو أحد أدوات الاختراق الأجنبي، حيث يتحول مطلب الأقليات إلى مطلب “انفصال”، أو مطلب “تقرير المصير”، وهنا يمكن التساؤل بشكل ساذج: “هل أمريكا تقبل بحق تقرير المصير للسود أو الكاثوليك أو السبانك؟ وهل تقبل فرنسا بحق تقرير المصير للكورسيكيين والباسك أو إسبانيا للباسك؟ إن محاولة اختلاق موضوع الأقليات الدينية بافتعال حوادث مؤطرة للموضوع، هو تجميع لحطب الفتنة الحقيقية، فإذا كان المغرب قد نجا لحد الآن من خطر الفتنة العرقية، فإن الحرص واجب لتفادي خطر فتنة “الأقليات الدينية”)) (المصدر: “الأسبوع”/ عدد 18 نونبر 2016).