
احتفلت وكالة الأنباء التركية المعروفة(..)، بالتهنئة الصادرة عن عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق، بعدما سبق هذا الأخير الجميع، ليصدر بلاغا يهنئ فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لتركيا، الأمر الذي جلب عليه نقمة الجناح الرافض لعودة لحزب العدالة والتنمية المغربي، حيث نشرت عدة مقالات تؤكد على صدور “شهادة وفاة البيجيدي” في الانتخابات التشريعية الماضية.. ورغم أن السياسة لا تعترف بالموت الحزبي، إلا أن صدور مثل هذه المقالات يعني محاولة تكريس الوضع الحالي لحزب “المصباح” في أفق اندثاره(..).
إعداد: سعيد الريحاني
نقلت وكالة الأنباء التركية تهنئة عبد الإله بن كيران كما نقلت معها تصريحات رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، فكتبت ما يلي: ((هنأ عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي (معارض)، الرئيس رجب طيب أردوغان، بتصدره نتائج الانتخابات الرئاسية التركية.. وقال بن كيران: على إثر الفوز المستحق لحزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية، والفوز البين في الانتخابات الرئاسية، فإنني أود أصالة عن نفسي ونيابة عن أعضاء حزب العدالة والتنمية بالمغرب، أن أتقدم لكم بأحر التهاني والتبريكات.. وأعلن بن كيران عن تقديره لما قدمه حزب العدالة والتنمية لتركيا، وما قدمه أردوغان لتركيا ولقضايا الأمة الإسلامية.. كما أعرب عن اعتزازه بالعلاقات الأخوية التي تجمع بين الحزبين، مشيدا بالعلاقات المتينة التي تجمع البلدين على جميع الأصعدة.
ومن جانبه، هنأ سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية السابق، الرئيس رجب طيب أردوغان بتصدره نتائج الانتخابات الرئاسية التركية، وجاء ذلك في تصريح أدلى به العثماني لوكالة “الأناضول”، عقب ظهور النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية التركية في جولتها الثانية التي جرت يوم الأحد.. وقال العثماني: أتوجه بأحر التهاني للشعب التركي، فهو الفائز الأكبر في هذه الانتخابات الرئاسية التي تابعها العالم بأسره، ورسخت تركيا كواحدة من الديمقراطيات العريقة والصلبة، كما أتوجه بالتهاني لحزب العدالة والتنمية، على فوزه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وللرئيس رجب طيب أردوغان على نيله الثقة الشعبية لولاية جديدة.. وتابع العثماني: هذه الانتخابات الرئاسية ربما هي الأصعب في تاريخ تركيا، نظرا لتحالف عدة عوامل وتحديات تعيشها تركيا داخليا وخارجيا، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ولأول مرة تُحسم عبر جولتين.. ويرى رئيس الوزراء المغربي السابق، أن الانتخابات الرئاسية التركية جدد فيها الشعب التركي الثقة في حزب العدالة والتنمية، وفي شخص أردوغان الذي يقود البلاد لمدة ناهزت ربع قرن)).
وليست هذه المرة الأولى التي يحرص فيها حزب العدالة والتنمية، خاصة في شخص بن كيران، على إبداء إعجابه و”اصطفافه” إلى جانب حزب العدالة والتنمية التركي، فقد كان بن كيران من أوائل من هنئوا أردوغان على فشل الانقلاب العسكري في تركيا، وكتبت الصحافة وقتها: ((نشر عبد الإله بن كيران على صفحته الرسمية بـ”الفايسبوك”، نص رسالة التهنئة التي بعثها بصفته أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي قاده بعض قادة الجيش التركي.. وهنأ بن كيران في رسالته كافة مكونات الشعب التركي الذي أبان – حسبه – عن عظمته ووعيه في الدفاع عن الديمقراطية والشرعية، واستجاب لنداء رئيسه المنتخب، وتصدى للدبابات والرصاص بصدر عار في شجاعة نادرة، مما كان له دور كبير في إجبار عناصر الجيش على الانسحاب من الشوارع وإحباط المحاولة الانقلابية)).
هناك من يقول بارتياح كبير، أن عبد الإله بن كيران انتهى سياسيا، بمبرر أنه تقاعد، وأنه أجهز على القدرة الشرائية للمغاربة، رغم أن ما فعله أخنوش أكثر بكثير مما فعله بن كيران.. ولكن بحكم الواقع، بن كيران وأردوغان في نفس تاريخ الازدياد، ومن هنا لا يمكن القول أن بن كيران انتهى بينما رفيقه في الميلاد يتولى رئاسة دولة، علما أننا نتحدث في المغرب عن رئاسة حكومة فقط.
إن انتعاشة بن كيران سياسيا مع فوز أردوغان، تأتي كذلك من أسلوبهما الشعبوي، ومعلوم أن الأسلوب الشعبوي يبقى دائما مثل الخطر الخامد، الذي يمكن أن يعود للوجود في أي لحظة (مع أي أزمة)، بل إن الأسلوب الشعبوي هو الذي ضمن بقاء أردوغان في السلطة حتى الآن، وقد يكون سببا في عودة بن كيران نفسه.

وانظروا لما تكتبه الصحافة عن شعبوية أردوغان في مواجهة أوروبا: ((الصورة قاسية، لكنها تقول كل شيء عن سوء التفاهم بين أوروبا وتركيا.. نرى رجلين: الرئيس التركي ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، يجلسان بهدوء على كرسيين، محاطين بعلم تركيا وأوروبا، بينما تجلس رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على أريكة، في مقعد سفلي، والطريف أن اجتماع أردوغان بقادة الاتحاد الأوروبي كان الغرض منه هو تجديد العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والاتحاد، لكن المشهد الذي بدا فيه إذلال رئيس المفوضية الأوروبية من قبل رئيس تركي يظهر بوضوح أن رجب طيب أردوغان نجح مرة أخرى في جلب الانتباه له بالطريقة التي يريدها: رجل قوي يستخف بمحاوريه.. هكذا يبني أردوغان مجد نظامه الأوتوقراطي: ليس بسعادة الشعب، ولا بالنجاح الاقتصادي أو بالتأثير الدولي، لا بالسلام مع جيرانه أو بجاذبية هذا البلد العظيم الذي هو تركيا، ولكن من خلال قدرة القائد على إنتاج صور شعبوية تثير اهتمام ناخبيه.. فما وراء المسرحية الأردوغانية يوجد في هذا المشهد المثير للشفقة أكثر بكثير من الذكورية.. هناك تجلٍ للمأزق الدبلوماسي، فمن الخطأ اختزال هذه الحادثة بالرغبة في تأكيد سيادة حكم الرجل على النساء وفق القراءة السطحية التي يرسمها الإسلاميون للدين ومن بينهم أردوغان، وصحيح أن لحظة الازدراء هذه تتماشى مع خروج تركيا من اتفاق إسطنبول لمناهضة العنف ضد المرأة، في 19 مارس الماضي، لكن يمكن للمرء أن يرى أن هناك رغبة في تسجيل نقاط للأغراض الانتخابية، وبما أن تكتيك أردوغان يقوم على إنتاج الصور الشعبوية، يجب على المرء أن يتوقع خطوات مذلة أخرى.. فالرئيس التركي يقوم من خلال الصورة الرمزية، بعمل سياسي يتفق مع سلوكه تجاه أوروبا.. لقد أهانها عمدا وأخبرها برأيه في مبادئها وسيادتها، مصورا القوة الإسلامية وشرعيتها في رفض منح المرأة المساواة، بل وحتى الاحترام.. إنه يفعل ذلك رغم حاجته إلى حليف في الوقت الذي تهدده الولايات المتحدة بعقوبات اقتصادية، ومع ذلك لا يمكننا أن نعثر على صورة تعبر عن ازدراء سلطان أنقرة للضعف السياسي لأوروبا أفضل من مشهد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وهي تجلس على أريكة منخفضة أمامه)) (المصدر: وكالات).
طبعا، لا يمكن أن تعترف مثل هذه القصاصات بأن رجلا مثل أردوغان يملك منهجا متكاملا، ويعتبر أن اتفاقيات التمييز ضد المرأة هي التي ساهمت في تفكك الأسر، وتشريد الأطفال.. وبالتالي، كان الحل هو الانسحاب منها، كما أن الحديث عن “دكتاتورية” بينما نحن أمام إرادة شعبية معبر عنها بالانتخابات، يجعل الكلام غير منطقي اللهم فيما يتعلق بشعبوية أردوغان، وهي سلاحه الناجح(..).
إن شعبوية بن كيران تكاد تشبه شعبوية أردوغان، مع اختلاف السياق، والسياق هذه المرة تؤكده العناية الملكية بموضوع نجاح أردوغان، حيث أن الملك محمد السادس بعث لتركيا رسالة معبرة عقب الانتخابات، أعرب فيها عن “تهانيه الحارة” لأردوغان، راجيا له “كامل التوفيق في مواصلة قيادة الشعب التركي لتحقيق ما يصبو إليه من مزيد التقدم والرخاء”.. ومما جاء في برقية الملك محمد السادس: ((.. وإنني إذ أبارك لفخامتكم هذه الثقة المتجددة، لا يفوتني أن أعبر لكم عن بالغ ارتياحي للمستوى الرفيع الذي بلغته علاقات التعاون البناء بين بلدينا، بفضل حرصنا المشترك على المضي قدما في تعزيزها والارتقاء بها في مختلف المجالات))، وأضاف الملك: ((من هذا المنطلق، أؤكد لكم حرصي على مواصلة العمل سويا مع فخامتكم من أجل تمتين هذه العلاقات المتميزة والارتقاء بها في مختلف المجالات بما يستجيب لتطلعات شعبينا الشقيقين، ويسهم في ترسيخ جسور التضامن والتآزر بين شعوب أمتنا الإسلامية)).
هي إذن، رسالة واضحة في زمن تيار أخنوش الذي يعادي أردوغان(..)، بقي شيء واحد، وهو خروج بن كيران من الحصار التنظيمي داخل حزبه، حيث تؤكد جل مصادر “الأسبوع”، أن مشكلة عبد الإله بن كيران اليوم تتعدى التصور.. فقد أصبح “محاصرا” داخل حزبه بفعل التضييق الداخلي من قبل ما تبقى من أعضاء الحزب، حيث أصبح هذا الأخير مطالبا بأخذ الحساب لكل كلمة يقولها، سواء تعلق الأمر بالاجتماعات الداخلية أو خارجها، كما أن تراجع مستوى الثقة في التنظيم، بفعل “الاختراقات”(..)، جعل مهمة إنقاذ الحزب عسيرة جدا، وقد تنتهي بمغادرة حزب “المصباح” من طرف بن كيران، بتعبير واحد من مصادر “الأسبوع”.