تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | المغرب يهزم الجزائر في القمة العربية بالسعودية

دون حاجة للكلام

لا علاقة لأوكرانيا بالدول العربية.. ولكن قمة جدة، المنعقدة مؤخرا، شكلت مناسبة لحضور الرئيس فولوديمير زيلينسكي، من أجل مواصلة استعطاف العالم للتورط في الصراع مع روسيا، فقد حضر زيلينسكي القمة العربية بالسعودية يوم الجمعة الماضية، وكان من بين الحضور الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أيد علنا الغزو الروسي لأوكرانيا.

إعداد: سعيد الريحاني

    كان من المفروض أن توجه الأنظار إلى بشار الأسد، الذي استرجع مكانة سوريا في الجامعة العربية بعد أن فشلت خطة إسقاط نظامه منذ سنة 2011(..)، غير أن حضور زيلينسكي، ساهم في إفشال القمة العربية ككل، بل إن حضوره شكل إحراجا كبيرا للسعودية، وخسرت عدة نقط بعد أن ظهرت في الفترة الأخيرة كقوة قادرة على التمرد على “الإملاءات الغربية”، ولكن حضور الرئيس الأوكراني كان بالتأكيد “إملاء” أمريكيا على العرب كما جرت العادة(..).

تتمة المقال بعد الإعلان

لا علاقة لأوكرانيا بالعرب، لكن زيلينسكي وقف وسط الجميع، ليلقي باللوم على بعض الدول العربية، حيث قال على سبيل المثال: ((لسوء الحظ، هناك البعض في العالم وهنا من بينكم (في إشارة للدول العربية) من يغضون الطرف عن أقفاص (أسرى الحرب) والضم غير القانوني لأراض أوكرانية))، كما هاجم زيلينسكي في كلمته أمام القمة العربية إيران، التي ليست عضوا في جامعة الدول العربية، لتزويدها روسيا بطائرات شاهد بدون طيار، وغير ذلك من “الاتهامات” التي تزيد من ورطة العرب مع الدول الغربية، كما تورطها في خلاف مع القوى العظمى في العالم وعلى رأسها الصين وروسيا، وباقي الدول التي لم تنطل عليها حيلة الحرب الأوكرانية(..).

وجود زيلينسكي في القمة العربية كان بمثابة مسمار في حذاء هذه الدول، لأن وجوده يعني وجود متناقضات عملاقة تمنع أي تصالح في المستقبل القريب.. كيف يمكن لرئيس مثل بشار الأسد أن يصطف إلى جانب أوكرانيا، وهو الذي لم يكن ليعيش إلى هذا اليوم لولا الدعم الروسي؟ وكيف يمكن لدول تنظر بعين معطوبة للقضية الفلسطينية، أن تفهم الصراع الجيوستراتيجي بين الكبار في العالم؟ كيف يمكن أن تشرح أبعاد الصراع بالنسبة لدولة مثل هذا النوع توجد خارج مؤشرات التنمية، وقد كان المغرب أحد أسباب غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن القمة، إذ أن حضوره كان سيكلفه غاليا، حيث كان سيسمع بأم أذنيه كيف تدعم الدول العربية بشكل واضح مغربية الأقاليم الجنوبية، وضرورة احترام السيادة المغربية، علما أن الذي مثل المغرب في القمة هو شقيق الملك محمد السادس، الأمير مولاي رشيد، هذا الأخير تجنب الكلام، وإذا كان الكلام من فضة، فإن السكوت في القمة العربية من ذهب(..)، وكل ما تم نشره هو استقبال الأمير مولاي رشيد لدى وصوله إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي، من طرف الأمير بدر بن سلطان بن عبد العزيز، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، وأمين محافظة جدة صالح بن علي التركي، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجمهورية العراقية، عبد العزيز بن خالد الشمري..

ولم يقف انتصار المغرب في القمة العربية عند حدود استمرار اعتراف الدول الخليجية بمغربية الصحراء، وبالدعم الكامل لسيادته على الأقاليم الجنوبية، بل إن بيان القمة 32 كان متوافقا مع توجه السياسة الخارجية للمغرب في كثير من القضايا الدولية كما يلي، ومنه:

تتمة المقال بعد الإعلان

* التأكيد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية.

* التأكيد على احترام قيم وثقافات الآخرين واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها.

* رفض دعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة.

تتمة المقال بعد الإعلان

* دعم استدامة سلاسل إمدادات السلع الغذائية الأساسية للدول العربية.

* تثمين اهتمام وحرص السعودية على توفير الظروف الملائمة لتحقيق النمو الاقتصادي في المنطقة.

زيلينسكي يسرق الأضواء من بشار الأسد في القمة العربية (صورة مركبة)

ونفس الشيء يمكن ملاحظته فيما يتعلق ببيان القمة العربية إزاء عدة قضايا ذات بعد استراتيجي ودولي، منها:

تتمة المقال بعد الإعلان

– القضية الفلسطينية

* التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية عربيا، وعلى المبادرة العربية كسبيل لحلها.

* التأكيد على أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.

تتمة المقال بعد الإعلان

– سوريا

* تكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها.

* تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا.

– السودان

* رفض أي تدخل خارجي في الشأن السوداني، لتفادي تأجيج الصراع.

* اعتبار اجتماعات الفرقاء السودانيين في جدة، خطوة يمكن البناء عليها لإنهاء الأزمة.

* التأكيد على ضرورة التهدئة في السودان وتغليب لغة الحوار.

– ليبيا

* ضرورة حل الأزمة الليبية في الإطار الليبي، ودعم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية كحل للخروج منها.

* دعم جهود البعثة الأممية في ليبيا، والتأكيد على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.

* دعم جهود توحيد القوات المسلحة الليبية، وتثبيت وقف إطلاق النار.

– اليمن

* دعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية.

* دعم مجلس القيادة الرئاسي في اليمن لإحلال الأمن والاستقرار.

– لبنان

* الدعوة إلى انتخاب رئيس للبنان، وتشكيل الحكومة في أسرع وقت.

– السعودية

* الترحيب بالاتفاق الذي تم بين السعودية وإيران لتفعيل اتفاقية التعاون الأمني والاقتصادي بينهما.

انتصار المغرب في القمة العربية لم يقف عند هذا الحد بعد أن فشلت الخطة الجزائرية للدعاية لمحور ممانعة جديد(..)، بل إن أوكرانيا جاءت إلى المغرب لتدعم الحكم الذاتي مباشرة بعد القمة العربية.. فقد أعربت أوكرانيا، يوم الإثنين 22 ماي 2023، عن دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، كأساس “جدي وذي مصداقية” من أجل التسوية “الناجحة” لقضية الصحراء المغربية، وعبر عن هذا الموقف وزير الشؤون الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، الذي قام بزيارة عمل للمملكة، خلال ندوة صحافية مشتركة مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في أعقاب المباحثات التي أجرياها بالرباط.. وعلاوة على ذلك، أكد كوليبا أن كلا من أوكرانيا والمغرب يدركان قيمة السيادة والوحدة الترابية، وأشار رئيس الدبلوماسية الأوكرانية أيضا إلى أن بلاده تدعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، والهادفة إلى إيجاد حل سياسي واقعي ودائم ومقبول من قبل الأطراف، وذلك وفقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (المصدر: القنوات الرسمية).

أوكرانيا تدعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية، لكن هذا الدعم وإن كان يعكس انتصار المغرب في الفترة التي تلت القمة العربية ويفسر بعض جوانب الحضور المغربي، إلا أن أوكرانيا نفسها تحتاج إلى الدعم بعد أن ورطت نفسها في حرب مع روسيا، نتيجة تصديق آليات الدعاية الغربية، والتبعية المفضوحة لزيلينسكي لمحور الدول الغربية.

وزير الخارجية الأوكراني يعلن عن اقتناع بلاده بالحكم الذاتي في ندوة رفقة وزير الخارجية بوريطة

في قمة جدة، لم تستطع الجزائر فرض إملاءاتها، وبغض النظر عن كون محمد بن سلمان لا ينظر بعين الرضى إلى التجربة الجزائرية، بدليل غيابه عن القمة الماضية بالجزائر العاصمة وتغييب الجزائر عن التحضير للقمة العربية في جدة، وعدم الموافقة على تنظيم ندوة للمجتمع المدني العربي على الهامش، وهو ما يعني أن الجزائر كانت تحاول الدعاية للبوليساريو على هامش اللقاءات الرسمية تحت ذريعة المجتمع المدني، وهذا ما تؤكده التسريبات الجزائرية نفسها، ويكفي أن تفهم ما وراء السطور عن مبررات غياب الرئيس عبد المجيد تبون، من خلال النص الآتي، وهو مقتبس من الإعلام الجزائري: ((حددت مصادر مطلعة جزائرية في حديث مع موقع “كل شيء عن الجزائر”، الأسباب الرئيسية التي دفعت الرئيس تبون للتغيب عن قمة جدة، فهذا القرار اتخذ – حسبها – قبل أيام، بل أشهر، بالنظر لعدة معطيات تتعلق بطبيعة العلاقات الجزائرية السعودية والأحداث التي صاحبت الرئاسة الجزائرية لدورة القمة العربية، وذلك قبل ظهور خبر حضور زيلينسكي القمة.. وقالت المصادر إن أول الأسباب هو التمسك بمبدأ المعاملة بالمثل الغالي على الدبلوماسية الجزائرية، ففي قمة الجزائر في نونبر 2022، لم يكن محمد بن سلمان حاضرا، وعلل ذلك بعارض صحي يمنعه من ركوب الطائرة، في حين سافر بعد ذلك بأيام فقط في جولة لدول آسيوية.. أما العامل الثاني، فهو تعمد السعودية إقصاء الجزائر من اجتماع جدة الشهير الذي ناقشت فيه عدة دول مسألة عودة سوريا للجامعة العربية، على الرغم من أن الجزائر كانت رئيس دورة الجامعة على مستوى القمة، ناهيك عن أن عودة سوريا كانت القضية التي عملت عليها الجزائر منذ سنوات قبل أن تراجع باقي الدول العربية المؤثرة مؤخرا موقفها منها، وبدا واضحا في هذا الشأن، أن تحرك السعودية باتجاه الجزائر في الأيام الأخيرة قبل انعقاد القمة، من خلال إيفاد مسؤولين رفيعين، مثل رئيس مجلس الشورى ووزير الخارجية مع الحرص على حضور الرئيس عبد المجيد تبون شخصيا لقمة جدة، لم يجد نفعا في استرضاء الطرف الجزائري. والسبب الثالث، وفق نفس المصادر، هو عدم تنظيم السعودية ندوة للمجتمع المدني العربي قبل بدء القمة في جدة، وهو ما اعتبرته الجزائر تنصلا مما اتفق عليه في القمة التي جرت على أراضيها)).

لم يكن المغرب في حاجة للكلام في القمة العربية بمدينة جدة، ولكن الجزائر التي احترفت الصراخ، خسرت أمام المغرب والسعودية، حتى أن وسائل الإعلام كتبت أن “تبون قلق من قمة جدة بلا سبب”، وشرحت الأمر كما يلي: ((سعت وسائل الإعلام الجزائرية إلى تأكيد انزعاج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مما جرى قبل قمة جدة وخلالها، فالسعودية سعت لإظهار دورها الدبلوماسي المتزايد في القضايا الإقليمية والدولية في وقت يتساءل فيه المراقبون عن أسباب الانزعاج الجزائري، وهل أن الرياض مجبرة على أن تشاور الجزائريين في مختلف التفاصيل بما في ذلك قائمة الضيوف.. وكان يتوقع أن يقوم الرئيس الجزائري بتسليم رئاسة القمة العربية بصفة شخصية إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، لكن دعوة وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان لنظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن العراق والأردن ومصر، لبحث عودة سوريا إلى الجامعة العربية، أثارت غضب الجزائريين بالرغم أن الاجتماع تشاوري ومن حق السعودية أن تدعو من تشاء في أي وقت ولمعالجة أي قضية..

وحرصت المصادر الإعلامية الجزائرية على أن تظهر انزعاجا إضافيا، بالإشارة إلى أن مسودة البيان الختامي للقمة تجاهلت كليا مبادرة لمّ الشمل الفلسطيني التي رعاها الرئيس تبون، وذلك على الرغم من أن إعداد الخطوط العريضة للمسودة تم بمشاركة وزير الخارجية الجزائري، وتضمن “إعلان جدة” إشارة إلى دعم القمة للوصاية الهاشمية لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وإدارة أوقاف وشؤون الأقصى التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، بصفتها صاحبة الصلاحية الحصرية، وكذلك دور “لجنة القدس” التي يرأسها العاهل المغربي الملك محمد السادس، و”بيت مال القدس” في الدفاع عن مدينة القدس وصمود أهلها، وهو ما تم تفسيره على أنه سبب آخر للانزعاج، ولكن الحقيقة هي أن هذا النص ثابت بين القمم العربية، وأشار إليه “إعلان قمة الجزائر” نفسه بالحرف.. أما أن الجزائر كانت تتطلع إلى أن تشير مسودة “إعلان جدة” إلى دورها في تحقيق المصالحة الفلسطينية ودعوتها إلى الاستمرار في هذا الدور، فالحقيقة بشأنها هي أن هذا الدور لم يحقق شيئا، ويقول مراقبون إنه بدلا من أن توجه الجزائر اللوم إلى السعودية بتجاهل دورها، فإنها كان يجب أن تلاحظ أن المنعطف بالنسبة إلى سوريا جاء بعد زلزال 6 فبراير الماضي، وهو أمر ساهم في تغيير المعادلات من نواحيها الإنسانية قبل السياسية.

كما أن الفصائل الفلسطينية المتنازعة هي التي أحاطت جهود الجزائر بالفشل، لأن الأساس الذي اقترحته الجزائر لم يكن قابلا للتطبيق من جانب السلطة الفلسطينية نفسها، وهو الذي كان يقوم على مبدأ إجراء انتخابات لا تريد سلطة الرئيس محمود عباس خوضها)) (المصدر: جريدة العرب/ الأحد 2023.05.21).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى