تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | وصفة مغربية أمريكية لمواجهة تنامي العداء الجزائري

ما بعد لقاء الحموشي ومدير C.I.A

وقعت مؤخرا بعض التطورات في الجارة الشرقية بداية من رسالة الرئيس الجزائري إلى مجلس الأمن حول محاربة الإرهاب في إفريقيا، مرورا بخطاب رئيس أركان الجيش الجزائري، الذي صرح من خلاله بشأن معارضة الجزائر لأي تدخل أجنبي في محاربة الإرهاب بإفريقيا، نهاية بتسريب خبر حول محاولة اغتيال قائد الجيش الجزائري من طرف الجناح المحسوب على روسيا داخل الجيش الجزائري.. فما علاقة هذه التطورات بأمريكا والمغرب؟ وهل كانت هذه الأحداث وراء زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وليام بورنز، إلى المغرب مؤخرا؟ وهذا ما سيتطرق له هذا الملف.

أعد الملف: سعد الحمري

هكذا تبنت أمريكا والمغرب مقاربة الدعم الاقتصادي لإفريقيا للقضاء على الإرهاب

تتمة المقال تحت الإعلان

    لا يخفى على أحد ما خلفته بداية تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا.. فقد كان من أبرز النتائج وجود فراغ أمني ساهم في نمو الحركات المتطرفة، وعلى هذا الأساس، حاولت عدة قوى استغلال الوضع ومن ضمنها روسيا عبر شركة “فاغنر” التابعة لها، إضافة إلى كل من الصين وتركيا ودول أخرى، وإلى جانب ذلك، حاولت الجزائر التنسيق مع روسيا من أجل إيجاد موطئ قدم لها.

وفي خضم هذه التحولات، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على الخط، وأبدت اهتماما واضحا بالمنطقة من خلال تنظيم القمة الأمريكية-الإفريقية، ثم تحول الاهتمام إلى خطوات فعلية، حيث بدأت أمريكا في التنسيق مع المغرب من أجل محاربة الإرهاب، وقد تجلى ذلك بقوة من خلال زيارة المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية يومي 13 و14 يونيو من العام الماضي، قام خلالها بجلسات عمل ومباحثات مع كل من أفريل هاينز، مديرة أجهزة الاستخبارات الأمريكية، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بورنز، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي.

وكان الهدف من هذه الزيارة واضحا.. فقد ذكر بيان للمديرية العامة للأمن الوطني، أن ((اللقاءات ناقشت مختلف التهديدات الأمنية والمخاطر المستجدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما تمت مناقشة الآليات والسبل الكفيلة بمواجهة هذه المخاطر من منظور مشترك)).

تتمة المقال تحت الإعلان

يبدو واضحا من خلال هذا البيان، أن المغرب وأمريكا كانا منكبين على إعداد خارطة طريق ومقاربة جديدة طويلة الأمد، ومغايرة عن المقاربة الفرنسية التي أمضت ثماني سنوات من المواجهات المسلحة مع الجماعات المتطرفة في عدد من دول المنطقة، كمالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو وإفريقيا الوسطى، حيث لم تنجح في الحد من نشاط وتمدد الجماعات المسلحة، وهو ما دفع هذه الدول إلى مطالبة باريس بالخروج وسحب قواتها تماما.

أما المنظور المشترك الذي تم الاتفاق عليه بين المغرب وأمريكا، فهو تقديم المساعدات الاقتصادية للدول الإفريقية بدل مدها بالسلاح لمواجهة الجماعات المسلحة، وقد تزامنت هذه المقاربة مع التقرير الصادر مؤخرا عن هيئة الأمم المتحدة الذي رأى أن الفقر هو الدافع الرئيسي لانضمام الأفارقة إلى الجماعات المتطرفة، وليس بفعل التدين.

تطبيق أمريكا لسياسة المساعدة الاقتصادية بداية من السنة الحالية

تتمة المقال تحت الإعلان

    ومن هذا المنطلق، كثفت الولايات المتحدة الأمريكية من نشاطها في إفريقيا منذ مطلع السنة الحالية، وخصوصا في دول الساحل، فقد زارت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، دولة غانا الشهر الماضي، في إطار حملة للولايات المتحدة من أجل التقدم في القارة، وقد أعلنت عن تقديم مائة مليون دولار على مدى عشر سنوات، لتعزيز الصمود في منطقة غرب إفريقيا الساحلية، كما بدأت الولايات المتحدة في إعداد مساعدة طويلة الأمد لساحل العاج والبنين والطوغو، مع تزايد المخاوف من أن يمتد العنف الجهادي في منطقة الساحل إلى الساحل الغربي لإفريقيا.

وإلى جانب ذلك، بدأ مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية في دراسة منح تمويل إضافي يركز جزئيا على معالجة الفجوات الاقتصادية التي من شأنها أن تساعد على تجنيد متطرفين، في استراتيجية شاملة جديدة لمنع الحرب وتعزيز الاستقرار، وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الخارجية – خلال شهر مارس الماضي – تقريرا بعنوان: “ساحل غرب إفريقيا أولوية للعقد المقبل”، جاء فيه: ((إن منطقة الساحل وصولا إلى الشمال المتاخم، تعرضت لهجمات إرهابية أكثر من أي منطقة أخرى، لذلك من الضروري منع نشوب نزاعات عنيفة أو امتدادها إلى جميع أنحاء المنطقة))، كما صرح مايكل هيث، نائب مساعد وزير الخارجية، المسؤول عن غرب إفريقيا لمحطة “فرانس بريس” قائلا: ((إنه تهديد كبير ومتزايد.. إنها مسألة تثير قلقنا لأن قدرات الحكومات الموجودة حاليا لم تواجه تهديدا كهذا من قبل))، بينما رأى غريغوري لوجيرفو، المسؤول الكبير في مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، والذي شارك في الرحلة، أنه ((من الواضح أننا نريد مساعدة هذه الحكومات المهتمة أكثر باتباع نهج شامل وحكم رشيد في معالجة مشاكل الشمال حيث الموارد شحيحة)).

هاريس

استمرار التنسيق بين المغرب وأمريكا من أجل مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل

تتمة المقال تحت الإعلان

    بالموازاة مع تحركات الولايات المتحدة الأمريكية المكثفة في إفريقيا، استمر التنسيق مع المغرب على المستوى الاستخباراتي في إشارة واضحة إلى أن المملكة ستكون الشريك الرئيسي في المقاربة الجديدة.. فقد استقبل المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني عبد اللطيف الحموشي، يوم 21 فبراير الماضي، بمكتبه بمدينة الرباط، كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، الذي قام بزيارة عمل إلى المملكة المغربية على رأس وفد رفيع المستوى.

وذكر بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، أن ((المباحثات المشتركة بين الجانبين انصبت على دراسة الآليات الكفيلة برصد ومواجهة حركية المقاتلين في التنظيمات الإرهابية عبر المنافذ الحدودية، وتبادل المعلومات بشأن هؤلاء المقاتلين، وتدعيم التعاون العملياتي لمكافحة التهديدات المرتبطة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية، علاوة على توسيع نطاق التعاون الثنائي المتميز في مجال مكافحة الإرهاب ليشمل منطقة الساحل)).

ارتباك الجزائر أدى إلى تصريحات سعيد شنقريحة

تتمة المقال تحت الإعلان

    في ظل هذا التحول والتعاون المغربي-الأمريكي والذي بدأت ملامحه تبرز منذ مطلع السنة الجارية، وظهرت بقوة من خلال زيارة نائبة الرئيس الأمريكي إلى غانا، وزيارة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي إلى المغرب، بدأ الخناق يشتد على الجارة الشرقية، ما جعلها تقدم على خطوتين: الأولى يوم 28 مارس، عندما وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بصفته منسق الاتحاد الإفريقي حول مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، رسالة إلى جلسة النقاش رفيعة المستوى لمجلس الأمن للأمم المتحدة، اقترح من خلالها إجراء مراجعة لخطة عمل قوات حفظ السلام الأممية لتشمل عمليات مكافحة الإرهاب، خصوصا في دول القارة الإفريقية.

وجدد تبون التزام الجزائر بدعم دول الجوار في منطقة الساحل لمكافحة التنظيمات الإرهابية النشطة في المنطقة، عبر تفعيل عمل لجنة العمليات المشتركة التي أنشئت في أكتوبر الماضي، بين الجزائر وثلاثة من دول الساحل، هي مالي والنيجر وموريتانيا، كما اقترح أن تتم ((بلورة جيل جديد لعمليات حفظ السلام، بحكم أن النموذج التقليدي لهذه العمليات لم يعد يتماشى مع الواقع والتهديدات الجديدة، لاسيما مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة)).

ثم تحرك الحاكم الفعلي رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة، ليقدم على خطوة جديدة أبرزت بما لا يدع مجالا للشك خوف الجزائر من هذا التنسيق المحكم بين المغرب وأمريكا فيما يخص مكافحة الارهاب بمنطقة الساحل والصحراء.. فقد استغل قائد الجيش الجزائري زيارة قام بها لمقر قيادة القوات البرية، ولقائه القيادات العسكرية، ليصرح بأن ((الجزائر ترفض أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في منطقة الساحل والصحراء، لأنها مقاربة أثبتت فشلها الذريع))، مشيرا إلى أنه ((يتعين في المقابل وضع خطط لمكافحة الإرهاب في المنطقة، بالاعتماد على المبادرات المحلية والتعاون الإقليمي، خاصة وأن الأحداث الماضية والجارية أثبتت أن مكافحة هذا الإرهاب في حاجة إلى تنسيق إقليمي)).

تتمة المقال تحت الإعلان

وأكد القائد العسكري الجزائري أن ((الجزائر تطرح في هذا السياق مبادرة تهدف إلى إضفاء ديناميكية جديدة على جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، والتي تمت المصادقة عليها في شهر أكتوبر 2022، من قبل الدول الأعضاء في لجنة الأركان العملياتية المشتركة، التي تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر))، وتعتمد هذه الآلية الإقليمية على ((استراتيجية تهدف بالدرجة الأولى إلى تكفل كل بلد على حدة بمواجهة التهديد الإرهابي ضمن إقليمه الوطني، اعتمادا بصفة أساسية على قدراته ووسائله الذاتية، مع انضمامه – بطبيعة الحال – إلى ديناميكية جماعية أساسها تظافر الجهود والتنسيق والتعاون المتبادل، والابتعاد عن أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي بحجة مكافحة الإرهاب، لأنها مقاربة أثبتت التطورات الأخيرة الحاصلة في المنطقة فشلها الذريع)).

وأشاد شنقريحة بالرسالة التي وجهها الرئيس عبد المجيد تبون إلى الاجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن للأمم المتحدة حول الإرهاب في إفريقيا، والتي أكد من خلالها ((سعي الجزائر الحثيث لمساندة جيرانها ودول القارة الإفريقية في حربها ضد الإرهاب والتطرف العنيف، وتفعيل خطط الاتحاد الإفريقي لمحاربة الإرهاب، خاصة ما يتعلق بتعزيز دور لجنة التنسيق الاستخباراتي في إفريقيا ووضع لائحة للتنظيمات الإرهابية النشطة في القارة)).

تبون وشنقريحة

رد أمريكي ومحاولة جزائرية للتضحية بالعلاقات مع روسيا من أجل أمريكا

تتمة المقال تحت الإعلان

    تزامن تصريح رئيس أركان الجيش الجزائري مع صدور حكم قضائي ضد الصحافي الجزائري إحسان القاضي بخمس سنوات سجنا منها 3 سنوات نافذة، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تقوم برد مباشر على تصريحات شنقريحة، حيث غرّدت السفارة الأمريكية في الجزائر، عقب صدور الحكم على حسابها على “تويتر”، داعية إلى احترام حرية التعبير في الجزائر، وقالت السفارة التي تقودها إليزابيث مور أوبين: ((إن حرية التعبير حق أساسي معترف به من قبل الأمم المتحدة))، وتابعت ((لقد أوضحت إدارة بايدن وستواصل التوضيح، بأن حرية الصحافة وحرية التعبير من أولويات الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الجزائر”.

وبعد هذه التغريدة بساعات، سربت عدة مواقع إلكترونية جزائرية، ومن ضمنها موقع Algeriatimes، أخبارا تقول بأن “قائد الجيش الجزائري تعرض لمحاولة اغتيال من طرف بعض صقور الجيش المحسوبين على الجناح الروسي”، ليطرح تسريب هذا الخبر أكثر من علامة استفهام حول أسباب اتهام الجناح الروسي داخل الجيش الجزائري.

وقد حلل موقع “الصحراء ويكيليكس”، المحسوب على جبهة البوليساريو، هذا التطور كما يلي: ((يتضح أن التسريب الجزائري للاغتيال يحمل الكثير من رسائل الاعتذار للإدارة الأمريكية، وأن مجرد تغريدة على حساب السفارة الأمريكية بالجزائر، كادت أن تفكك أركان بلاد الشهداء، وزعزعت ثقة قائد الجيش الجزائري وسلبته كبرياء “النيف”، حيث أمر بتسريب خبر محاولة الاغتيال وكشف نشاط الجناح الروسي داخل الجيش الجزائري، وحتى إظهار مصدر التحذيرات (باريس)، كي يخبر شنقريحة الأمريكيين، أنه صادق، وأنه رجل المعسكر الغربي في المنطقة، وأن تواجده على رأس الجيش الجزائري يزعج موسكو ويزعج التيار الموالي للكرملين داخل الجزائر)).

تبدو هذه القراءة منطقية وواقعية، ويبدو أن أمريكا لم تقف عند حد الرد على الجزائر عن طريق تغريدة عبر “تويتر”، بل اتخذت خطوات عملية، تعطي دلالة واضحة على عزمها، إلى جانب المغرب، على محاربة الإرهاب عبر المساعدات الاقتصادية، وتجلى ذلك من خلال استقبال عبد اللطيف الحموشي لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليام بورنز، الذي كان مصحوبا خلال هذه الزيارة بعدد من كبار مساعديه وبسفير الولايات المتحدة الأمريكية المعتمد بالرباط.

وأكد بلاغ المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أن ((زيارة وليام بورنز إلى المغرب، تأتي في سياق الاجتماعات الثنائية بين الطرفين، كما أنها تشكل مناسبة لمتابعة تنزيل مخرجات زيارة العمل التي قام بها المدير العام لمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال يومي 13 و14 يونيو 2022، والتي التقى فيها بكل من السيدة أفريل هاينز، مديرة أجهزة المخابرات الأمريكية، والسيد وليام بورنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، والسيد كريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي))، وأضاف البلاغ أن ((المباحثات الثنائية بين عبد اللطيف الحموشي ووليام بورنز، تمحورت حول تقييم الوضع الأمني والمخاطر المرتبطة به على المستويين الإقليمي والجهوي، ودراسة التهديدات والتحديات الأمنية الناجمة عن توتر الأوضاع في بعض مناطق العالم، فضلا عن رصد واستشراف مخاطر التنظيمات الإرهابية، خاصة بمنطقة الساحل والصحراء)).

يتضح من خلال بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، أن الجهود من أجل محاربة الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء، مستمرة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وأن الشراكة في بدايتها، بما معناه إبعاد الجزائر من لعب دور حتى في دول محاذية لها كالنيجر ومالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى