ملف | أمازيغيون يدقون ناقوس الخطر ويحذرون من تطرف “الحركة الأمازيغية”
يأتي هذا المقال في إطار تتمة ملف الأسبوع “من الدفاع عن العربية و الإسلام إلى تقليد كردستان” فقط على alousboue.com
تقول إحدى الناشطات واسمها مليكة على صفحتها في “الفيس بوك”: “كل حركات التحرر في العالم التي تحترم قضاياها وتؤمن بعدالتها، بدأت سلمية ثم انتهت إلى العمل المسلح لتحقيق أهدافها بعد أن اضطرت إلى ذلك اضطرارا.. الحركة التحررية الأمازيغية إذا كانت ما تزال تجتر شعاراتها في المسيرات الاحتجاجية السلمية، ولا تمر إلى التصعيد والعمل المسلح، هل تظنون أنها ما تزال تستحق اسمها؟ شخصيا لا أعتقد، إنها والحالة هذه يمكن تسميتها بأي شيء إلا بكونها حركة تحررية حقيقية…”.
عند البعض، لم تعد الفكرة إذن مجرد صراع من أجل تنزيل الدستور، الذي رسمت من خلاله اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية، بل تطور الأمر إلى حد المطالبة برفع السلاح، وهو الأمر الذي لم يسبق أن حدث في المغرب حتى في عز الاستعمار، فالأمازيغ والعرب وغيرهم كانوا يدا واحدة كفيلة بخلط حسابات أي تدخل أجنبي، بل إن شرارة الاحتجاجات التي انطلقت من سلا ضد ما سمي بالظهير البربري(..)، “ما لبتت أن انتشرت في بقية المدن تحت شعار واحد يتمثل في قراءة اللطيف، جمع هذا الشعار بين المجددين والمحافظين، وجند الجماهير في المعركة ضد الاستعمار فكانت أماكن العبادة، مقرا لهذا الاحتجاج، ومن مسجد إلى مسجد كانت الحناجر تصدح بنفس الكلمات: يا لطيف، اللهم نسألك اللطف في ما جرت به المقادير، وأن لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر”. (كتاب تاريخ المغرب، إشراف وتقديم: محمد القبلي).
إن حس الالتفاف حول الدين هو الذي حال دون تشتت الجسد المغربي، “فقد وجد الوطنيون في الدين، الوسيلة الناجعة لتعبئة الجماهير.. وقد كان رد الإقامة العامة عنيفا، وهي تصف شباب الحركة الوطنية المنحدرين من البورجوازية الحضرية، الذين كانوا ينعتون في أوساط المعمرين بأنهم: شرذمة من المنحرفين الحاملين لبعض الشهادات الابتدائية، ويريدون أن يلعبوا دور غاندي وزغلول في المغرب”.
“الربيع العربي” اختبار مختبر لشعار التقسيم
لا يجد بعض النشطاء أي حرج في التواصل مع أكراد العراق وغيرهم، حتى أن بعضهم بات يتداول بشكل علني خطابات موجهة تحمل عنوان “رسائل على الشعوب الأصلية”، جاء في إحداها: “يا شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المستعمرة! أيها البُلوش، والكُرد، والمَندائيون! أيها الكلدان، والسريان، والآشوريون! أيها الموارنة، والنوبيون والأقباط، والأمازيغ!.. نحن ملح هذه الأوطان الممتدة من مشارف السند شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، أسلافنا صناع تاريخ هذه المنطقة، فيها أقاموا الحضارة، وفيها تأسست هوياتنا القومية، ولغاتنا وموسيقانا وأزياؤنا، نحن وهذه الأوطان جسد واحد وتاريخ واحد ومستقبل واحد. ومنذ قرون ونحن في قبضة المحتلين الفرس والعرب والترك؛ أوطاننا مسلوبة، ثرواتنا منهوبة، لغاتنا مقموعة، تراثنا مسروق، تاريخنا مطموس، هوياتنا القومية تشوه، قيمنا القومية تدمر، عقولنا وعضلاتنا تعمل في خدمة المحتلين، شبابنا يحاربون من أجل المحتلين، فإلى متى الصبر على هذه العبودية؟!”. (مقتطف حرفيا من الرسالة المذكورة).
شكل الربيع العربي فرصة لاختبار مدى التجاوب مع هذه الشعارات، فتم الترويج لصور حركات أمازيغية في ليبيا وهي تحمل السلاح في وجه الأنظمة الحاكمة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بعد أن انقشع سحاب ما سمي بـ”الربيع”، أين هي الحركات الأمازيغية في ليبيا مثلا، ولماذا لا يكاد يظهر لها أي دور في ظل الخراب المستشري في تلك البلاد…
إن عدم التجاوب مع شعارات التفرقة هو الذي دفع المحللين إلى كتابة ما يلي: “كانت ثورة الشعوب في الجمهوريات العربية الملكية (مصر وتونس واليمن، وليبيا) تتحرك بسرعة ونجاح وإصرار شديد رغم الصلف والعنف والقتل من الحكام.. أما الثورة في البلدان العربية الملكية كالبحرين، وسلطنة عمان، والكويت، والأردن، والمغرب، والسعودية، فإن الأحداث أخذت منحى آخر خلال الشهور الثلاثة الأولى من عام 2011..” (كتاب مؤامرة تقسيم الوطن العربي لمحمد إبراهيم بسيوني).
أمازيغيون يحذرون من استغلال الأمازيغية
في المغرب لا ينظر كثير من الفاعلين بارتياح لتطورات الوضع باسم الحركة الأمازيغية، فهذا الناشط أحمد ويحمان، وهو أمازيغي الأصل يقول: “يجب أن ننتبه إلى ما يروج له تحت مصطلحات تشكل طمعا للشباب المتمرد بطبيعته، على غرار جمهورية الريف، التي يحضرون لها في “الفيس بوك”.. فالقصد هو جزء مما يسمى في منطقتنا بالشرق الأوسط الكبير بالفوضى التي تحدثت عنها كونداليزا رايس، ونظر لها شمعون بيريز.. المهم بالنسبة لهذا المشروع أن تنفصل الريف، لأنهم سيضمنون بذلك قرنا من الاقتتال الداخلي على حدودها”، (حوار مع أحمد ويحمان، الأسبوع، عدد: 19 شتنبر 2013).
هل تعتبر أن الحديث عن إحياء جمهورية الريف، مخطط إسرائيلي يجري تنفيذه بالمغرب؟ هذا السؤال وجهته “الأسبوع” إلى ويحمان فقال: “ما في ذلك شك، بل إن هناك مخططا آخر يستهدف المغرب الشرقي، الذي انتشرت فيه مجموعة من الجمعيات التي تبدو في ظاهرها مهتمة بالعمل الجمعوي والتراث الثقافي الأمازيغي، لكنها تحضر في الحقيقة لأجندة صهيونية، من أجل تمزيق، وتفخيخ عرى التنوع الثقافي، الذي كان دائما عاملا خصبا لهويتنا الحضارية والثقافية بالمغرب، هم يحاولون أن يجعلوا منها تناقضات للمستقبل على غرار ما يجري في الشرق..”.
بعض الأمازيغيين لم يقف انتقادهم عند حدود الحركة الأمازيغية، بل عن بعضهم كانوا يستشفون خطرا قادما من خلال أنشطة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، في هذا الصدد سبق أن قال الباحث الأمازيغي موحى أوهتيت، “إن نشاط المعهد، سيتسبب في مشكل كبير بين القبائل العربية والقبائل الأمازيغية، وقد يصبح المغرب عبارة عن دويلات.. دعني أسأل: لماذا عبد الكريم الخطابي الذي هزم الجيوش الفرنسية الإسبانية، وكان قاضيا في سبتة لم يكن يقضي بحرف تيفيناغ، رغم أصوله الأمازيغية، التي لم تمنعه من الكتابة باللغة العربية وحفظ القرآن الكريم”، (حوار مع موحى أوهتيت، الأسبوع، عدد: 31 أكتوبر 2013).
بل إن أوهتيت يقول أيضا: “إن الدعاية للأمازيغية تتضمن إحياء للدعوات الانقلابية، وتشويشا خطيرا على العرش، في هذه الظروف الصعبة التي تجتازها البلاد، وتمر منها قضية الصحراء..”.
بعض منتسبي المعهد لم يكونوا ليقبلوا كلام أوهتيت لكن التطورات ذهبت في اتجاه إعطاء الاعتبار لكلامه، فقد صدرت الأوامر من الديوان الملكي بحل المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، خلال شهر نونبر الماضي(..)، دون أي تفسير، لينضاف ذلك إلى مجموعة أسرار هذه المؤسسة التي تأسست في ظروف وحدهم المشاركون في التحضير لها يعرفونها(..).
مزايدات.. من كردستان إلى الهوتو والتوتسي
قد لا يختلف اثنان في خطورة تبني بعض النشطاء، لأفكار كردستانية، قادمة من إقليم يسعى للانفصال عن العراق، ومدعوم بالسلاح الأمريكي والألماني، حسب تصريحات المسؤولين، لكن أخطر ربط للوضع المغربي مع وضع أجنبي هو ذلك الذي ورد على لسان الفقيه أحمد الريسوني، الأمين العام السابق لحركة التوحيد والإصلاح، والذي حذر من “تنامي التيار الأمازيغي المتطرف من داخل النقاش العمومي، على حساب السواد الأعظم، من الأمازيغ الذين قبلوا بالإسلام، دينا لهم، ويتعايشون مع المغاربة بمختلف أطيافهم، بشكل عادٍ منذ قرون من الزمن، لكن إصرار النزعة التي تحقد على العروبة والإسلام، يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل السلم الاجتماعي للمغاربة.. مذكرا باعتزاز المغاربة والعرب بالتراث الأمازيغي الغني، باعتباره يدخل ضمن المشترك لدى الإنسانية، والإسلام الذي لا يقبل المزايدة، من فئة تصر وتريد الزج بالمغرب في حرب الهوتو والتوتسي”. (هبة بريس، 3 مارس 2013).
هذا التصريح الخطير لم يأخذ حقه من النقاش العمومي، وربما نسي معظم الذين يتحدثون عن “الهوتو والتوتسي” الحكاية الأليمة التي كانت رواندا مسرحا لها، فماذا حدث في هذا البلد؟ الجواب باختصار مؤلم: لقد “قتل خلال مئة يوم فقط من المذابح الجماعية في رواندا نحو 800 ألف شخص في رواندا في عام 1994، على يد متطرفين من قبائل الهوتو الذين استهدفوا أفراد أقلية التوتسي بالإضافة إلى خصومهم السياسيين الذين لا ينتمون إلى أصولهم العرقية”. (قناة بي بي سي العربية).
الأرضية السياسية وفكرة حسن أوريد
لا يخفى على كثير من المتتبعين ترابط مشاريع بعض الحركات الأمازيغية في دول مختلفة، من تم لا يمكن الاستهانة بتطورات القضية الأمازيغية في الجزائر، والتي ترجمت مؤخرا في أحداث ومواجهات عنيفة(..)، بل إن أسماء بعض النشطاء في المغرب أثيرت أسماؤهم بمناسبة التحقيق في أحداث غرداية(..).
إلى هنا يطرح سؤال: ماذا يريد النشطاء باسم الأمازيغية، الجواب على لسان أحمد الدغرني وهو أحد المحسوبين على التيار المتطرف بسبب مجاهرته بالعلاقة مع إسرائيل في وقت سابق: “الأمازيغيون تضرروا كثيرا عندما تم توزيع ملكية المياه والغابات والمعادن والبحار.. والمشكل ليس قائما بين القبائل الأمازيغية والمعربة..”، هل تريدون تقسيم البحار والغابات من جديد؟ تسأل “الأسبوع”، فيجيب الدغرني: “المقصود هو حماية المصالح.. الأمازيغيون يطلبون شيئا واحدا وهو حق الوجود السياسي وليس الوجود الثقافي والاعتراف بهم كمكون أساسي.. (المصدر حوار الدغرني مع الأسبوع، عدد: 20 مارس 2014).
الأمازيغي سبق له أن حاول تأسيس حزب لكن الداخلية قامت بحله(..) إلى هنا يطرح سؤال لماذا لم تنجح الأصوات الأمازيغية إن كانت لها مطالب معقولة في الالتفاف داخل حزب سياسي؟ الجواب على لسان الناشط الثقافي أحمد عصيد المعروف بهجومه على نسب الدولة (..): “أعتقد أن الأمازيغيين لا يتوفرون على قيادة سياسية تاريخية، ذات امتداد في الحركة الوطنية أو ذات مصداقية نضالية في العمل السياسي ذي الحساسية أو الطابع الأمازيغي، فالكثير من القادة السياسيين المنحدرين من الحساسية الأمازيغية اشتغلوا في إطار خطاب القومية العربية، أمثال محمد الفقيه البصري، ومحمد بن سعيد أيت إيدر.. الذين يتحركون ليست لهم المصداقية المطلوبة في العمل السياسي، والتي تعتبر لبنة في تأسيس حزب أمازيغي، وهناك مشكل خطاب بأي خطاب سيتوجهون للناس، هل بخطاب سياسي أم بخطاب الهوية؟ وهل هو نافع في العمل السياسي، أم بخطاب سياسي مغاير؟”. (حوار مع أحمد عصيد، جريدة الأحداث المغربية، عدد: 13 غشت 2005).
بخلاف ما سبق، أشارت بعض الكتابات مؤخرا، إلى تحركات أمازيغية على مستوى أكثر من إقليم للتوافق على أرضية سياسية، وهو مشروع تم ربطه بحسن أوريد، المستشار الملكي السابق، وهو أحد العارفين بخبايا الملف(..)، وهو بخلاف ما يقوله عصيد عن الفعاليات الأمازيغية وبخلاف الدغرني الذي يوصف بالمتطرف، يحظى بثقة كبيرة لدى كثير من الأطياف السياسية، ومن تم قد تكون أرضيته إحدى المحاولات التي يمكنها أن تضع حدا للمبالغات(..). فخروج الجيش الملكي لمواجهة خطر داهم من الخارج يفترض بالمقابل ترتيب البيت الداخلي لتفادي ضربات من الداخل(..).
——————
مشروع تقسيم المغرب والجزائر و تونس ومصر..
لا يختلف اثنان حول الخطر القادم إلى المنطقة العربية بعد سقوط بغداد، والذي يتمثل في فرض رؤية أمريكية صهيونية محددة المعالم والتفاصيل على المنطقة العربية لتمكين أمريكا من السيطرة على منابع النفط والاستغلال الكامل للموارد الطبيعية الأساسية، لتحقيق الحلم الإمبريالي الأمريكي في السيطرة على العالم.
وتعتمد الخارطة الأمريكية الجديدة للوطن العربي على ركيزتين أساسيتين هما: أولا: إنشاء دولة للطوائف تدمر الكيانات السياسية العربية القائمة، وتنسف التاريخ الوطني والاستقلالي للدول والحكومات العربية طوال مئات الأعوام الماضية.
ثانيا: استبدال الحدود السياسية للدولة وفق المفهوم المستقر عالميا، والتي تمثلها الحدود المحروسة بالقوات وبوابات الجوازات، وغيرها بشكل جديد هو الحدود باستخدام الطرق والشوارع الضخمة الاتساع والتي تمثل طرق برية دولية بدأ العمل فيها، بالفعل منذ منتصف التسعينيات، وتصر أمريكا على استكمالها حاليا، وتمثل هذه الطرق في المستقبل فواصل بين مناطق نفوذ دولية فاصلة بين الدويلات الجديدة التي لن يكون لها شكل سياسي واضح، وإنما مجرد سلطات حكم محلي تحت وصاية وسيطرة أمريكية مباشرة.
في خرائط البروفيسور الصهيوني البريطاني الأصل “برنارد لويس” التي وضعها في مطلع الثمانينيات، نجد تقسيما للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث يفتتها إلى سبع دويلات، وهو ما أشار له الكاتب “زبيجينيو بريجنسكي” مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق للأمن القومي في تصريحات متعددة.. وتقسيم سوريا إلى خمسة أجزاء بطريقة عشوائية تستند على الطوائف فأعطوا شمالها للأكراد، وجنوبها للسنة، وسيتم تقسيم لبنان إلى ثمان دول، كما يشمل مخطط التقسيم الدول العربية الإفريقية، حيث يتم التخطيط لتقسيم مصر إلى ثلاث دويلات “دويلة سنية في الشمال تشمل نصف الدلتا الغربي والساحل الشمالي، وتمتد إلى ليبيا وعاصمتها الإسكندرية، ودولة مسيحية في صعيد مصر تقسم عرضيا ولها منفذان؛ أحدهما على البحر الأبيض المتوسط، والآخر على البحر الأحمر وعاصمتها أسيوط..، ودولة النوبة جنوب مصر).
أما السودان فسيتم تقسيمها إلى خمس دول.. أما دول المغرب العربي فهي الأخرى سوف تشهد تقسيما عرضيا، حيث ستقام دولة البربر على مساحة عرضية تشمل غرب وجنوب ليبيا، وجنوب الجزائر، وجنوب المملكة المغربية، وشمال موريتانيا.. والغريب أن الخريطة الصهيونية تقسم تونس إلى دولتين.
مقتطف من كتاب: ثورة الجماهير العربية تفسد مؤامرة تقسيم الوطن العربي لمحمد إبراهيم بسيوني.