تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | هل يؤثر تصالح إيران والسعودية على مصالح المغرب في جامعة الدول العربية؟

عندما يحل شهر أبريل من كل سنة، يجتهد المغاربة – في إطار المزاح – في اختراع بعض الأخبار الكاذبة عملا بالمقولة المأثورة “كذبة أبريل” التي تحل كل سنة، وبما أن أبريل من هذه السنة حل في شهر رمضان، فقد غابت “كذبة أبريل” وحضر “المعقول”، غير أن حلول هذا الشهر من هذه السنة، التي يعيشها المغرب، على غرار باقي دول العالم، أزمة اقتصادية مرتبطة أساسا بالتضخم، حيث شهدت الأسعار مستويات قياسية، لم يكن كسابقيه.. فقد شهدت المنطقة العربية أثناء اليوم الأول منه تطورات هامة استدعت الوقوف عندها، لأنه ومن دون شك سوف يكون لها ما بعدها من تأثيرات على المغرب.

أعد الملف: سعد الحمري

ثلاث تطورات مع بداية أبريل قد يكون لها ما بعدها

تتمة المقال تحت الإعلان

    إن أولى هذه التطورات، هو ما ذكرته وكالة “رويترز” للأنباء، يوم فاتح أبريل الجاري، بناء على “ثلاثة مصادر مطلعة” من داخل مراكز صناعة القرار في المملكة العربية السعودية، حيث أشارت الوكالة إلى أن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل فرحان، سيتوجه إلى دمشق في الأسابيع القليلة المقبلة، لتسليم الرئيس السوري بشار الأسد، دعوة رسمية لحضور القمة العربية المقرر عقدها يوم 19 ماي المقبل، في خطوة من شأنها إعادة سوريا لجامعة الدول العربية، وإنهاء عزلتها الإقليمية رسميا، وهي التي دامت ما يقارب عشر سنوات.

وفيما يتعلق بثاني هذه التطورات، فقد نشرت “رويترز” أيضا في نفس اليوم الذي نشرت فيه الخبر الأول، قيام وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بزيارة رسمية إلى الجمهورية المصرية، حيث التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري في القاهرة، وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، أن الوزيرين اتفقا على تكثيف قنوات التواصل بين البلدين على مختلف الأصعدة خلال المرحلة القادمة، وذلك بهدف تناول القضايا والموضوعات التي تمس مصالح البلدين والشعبين المصري والسوري، وهو ما معناه تطبيع العلاقات بين مصر وسوريا بشكل رسمي، بعدما كانت العلاقات منقطعة بينهما منذ ما يقارب عقد من الزمن.

أما بخصوص ثالث هذه التحولات، فبعد يوم واحد من الحدثين الأولين، أي يوم الأحد ثاني أبريل، قررت دول أعضاء في منظمة “أوبك +”، الإعلان عن خفض إنتاجها من النفط ابتداء من شهر ماي القادم إلى غاية نهاية العام الجاري.. حيث قادت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة خفضا منسقا للإنتاج النفطي اليومي لدى عدد من دول الشرق الأوسط، في خطوة اعتبرت ظاهريا “إجراء احترازيا” لتحقيق “الاستقرار والتوازن” في أسواق النفط الخام.

تتمة المقال تحت الإعلان

وقد قررت السعودية والإمارات إلى جانب الكويت، بشكل منسق، خفض إنتاجها اليومي من النفط بإجمالي 772 ألف برميل يوميا، بدء من شهر ماي المقبل إلى نهاية السنة الحالية، وحذا العراق حذو الدول الثلاث بعد ذلك بدقائق، فيما أعلنت الجزائر خفضا “طوعيا” مقداره 48 ألف برميل يوميا في الإطار الزمني نفسه، وذكرت الدول الثلاث أنّ هذا الخفض يضاف إلى الخفض الذي أعلنته منظمة الدول المصدّرة للنفط وشركائها “أوبك” في أكتوبر 2022، والذي يقضي بخفض مليوني برميل يوميا حتى نهاية سنة 2023.

يمكن القول أن الحدثين الأولين مرتبطين ببعضهما البعض، وهو سعي المملكة العربية السعودية إلى إعادة النظام السوري لحظيرة جامعة الدول العربية، وبالتالي تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد من جديد، والسير على خطى الإمارات العربية المتحدة والجزائر وعدة دول عربية قامت بتحركات قوية من أجل إعادة النظام السوري لجامعة الدول العربية، وهو الهدف الذي برز من خلال التحرك المصري خلال نفس اليوم الذي أفادت فيه وكالة “رويترز” للأنباء عزم السعودية على توجيه الدعوة لسوريا من أجل حضور القمة العربية المقبلة، وفي ذات السياق، قال مصدر أمني مصري لـ”رويترز”: ((إن الزيارة كانت تهدف إلى اتخاذ خطوات لعودة سوريا إلى الجامعة العربية بوساطة مصرية وسعودية)).

ورغم أن الحدث الثالث بعيد عن الحدثين الأولين، المرتبطين بتطبيع العلاقات مع سوريا وعودتها لجامعة الدول العربية، فإن هناك نقطة مشتركة بين الأحداث الثلاثة بقوة، ويتعلق الأمر بتحدي الولايات المتحدة الأمريكية المستمر من طرف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ذلك أن موقف الولايات المتحدة من القضايا الثلاثة، هو نقيض ما ذهبت له المملكة السعودية وخلفها العديد من الدول العربية.. فمن جهة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص الملف السوري: ((ما لم نفعله ولن نفعله، هو إبداء أي دعم لجهود التطبيع أو رد الاعتبار للدكتاتور الغاشم بشار الأسد، أو رفع عقوبة واحدة عن سوريا، أو تغيير موقفنا في معارضة إعادة إعمار سوريا إلى أن يحدث تقدم لا رجعة فيه صوب حل سياسي))، كما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من المملكة العربية السعودية، التريث في هذا الملف، إلا أن هذه الأخيرة خالفت الطلب الأمريكي.

تتمة المقال تحت الإعلان
بايدن

أما بخصوص قرار خفض إنتاج النفط المتخذ يوم الأحد الماضي، فقد ردت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على هذا القرار، وقالت: ((إن التخفيضات المفاجئة في إنتاج النفط والتي أعلنت عنها السعودية ودول أخرى في “أوبك +” اليوم الأحد، غير منطقية))، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي: ((لا نعتقد أن التخفيضات منطقية في هذا التوقيت، بالنظر إلى حالة عدم اليقين التي تكتنف السوق، وقد أوضحنا ذلك)).

ومعنى هذا، أن تحدي السعودية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة للولايات المتحدة الأمريكية، مازال مستمرا، بل إنه أصبح واضحا للعيان وأخذ صيغة جديدة منذ إعلان السعودية عن تخفيض إنتاجها من النفط خلال بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما اعتبر وقتها بداية اتجاه المملكة السعودية للبحث عن حلفاء جدد، خاصة بعد تخلي الولايات المتحدة عن السعودية خلال الهجمات التي استهدفت منشآت نفطية سعودية في شرق البلاد خلال شهر شتنبر 2019، أدّت إلى خفض إنتاج الخام إلى النصف مؤقتا، وقد أعلن الحوثيون المدعومون من طرف إيران، مسؤوليتهم عن تلك الأحداث، وهو الحدث الذي يقول محللون ودبلوماسيون أنه غير من قواعد اللعبة، ما دفع السعودية إلى اتباع مسار آخر.

وانتابت المسؤولين السعوديين وقتها خيبة أمل شديدة، بسبب الرد الفاتر من إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، وقال دبلوماسي عربي مقيم في الرياض لـ”فرانس بريس”: ((لقد صُدم السعوديون لأن الأمريكيين لم يفعلوا شيئا لحمايتهم، وتكشّف مشهد متناقض مشابه العام الماضي في جدة، ثاني أكبر مدينة سعودية والواقعة على ساحل البحر الأحمر، حين قصف الحوثيون منشأة نفطية بالقرب من حلبة سباق الفورمولا 1 في الوقت الذي كان فيه السائقون في المضمار))، وهو الأمر الذي جعل الرياض تقود مبادرة خفض إنتاج النفط والغاز الطبيعي خلال بداية الحرب الروسية الأوكرانية، متحدية الولايات المتحدة الأمريكية، كما فاجأت الرياض أمريكا مجددا عندما وقعت اتفاقية إعادة العلاقات مع إيران، ثم قامت الآن بقيادة مبادرة من أجل تخفيض إنتاج النفط إلى جانب دول أخرى في “أوبك +”، في تحد جديد لأمريكا.

تتمة المقال تحت الإعلان

ما موقع المغرب من هذه التحولات ؟

    هل المغرب راض أو منخرط في هذه التحولات؟ لا يبدو ذلك.. فقد ظهر ذلك واضحا من خلال المؤشر الأول، وهو موقفه من عودة العلاقات السعودية الإيرانية، حيث كتب علي أنوزلا ما يلي: ((رحّبت دول عديدة بالتقارب السعودي الإيراني، بما فيها التي عانت من التدخلات الإيرانية في شؤونها، بدء من دول الخليج كافة إلى مصر والعراق ولبنان والأردن وسوريا وتونس والجزائر والسودان وموريتانيا، وحتى أمريكا، لكن دولة عربية وحيدة التزمت الصمت حيال هذا الاتفاق، وهي المغرب، الذي لم يصدر عنه إلى حين كتابة هذا المقال، أي رد فعل تجاه اتفاق لقي ترحيبا كبيرا من قبل دول المنطقة ومن القوى العالمية الكبرى، ويطرح استمرار هذا الصمت أسئلة عديدة بشأن تموقع المغرب مستقبلا)) (المصدر: العربي الجديد/ 22 مارس 2023).

أما فيما يتعلق بموقف المغرب من عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، من بوابة القمة التي يتم التحضير لها بقوة خلال هذه الأيام، فلم يدل المغرب بأي تصريح، كما أنه لم يتخذ أي موقف واضح من هذا الأمر، وهناك حديث عن “فيتو” مغربي قطري في وجه عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومن المعلوم أن النظام السوري يعترف بجبهة البوليساريو، فمن شأن عودته إلى حظيرة جامعة الدول العربية أن يضيف صوتا آخر داعما للجمهورية الوهمية من داخل الجامعة العربية، كما من شأن عودة سوريا دعم حضور البوليساريو في القمة العربية الإفريقية الخامسة التي من المقرر أن تستضيفها المملكة العربية السعودية، بعدما تم تأجيلها خلال مناسبتين، 2019 و2020، في ظل ضغط كل من الجزائر وجنوب إفريقيا من أجل حضور جبهة البوليساريو في القمة.

تتمة المقال تحت الإعلان

أما فيما يخص القضية الثانية، وهي موقف دول الخليج بزعامة المملكة العربية السعودية، من أمريكا، وتحركهم بشكل واضح خلال الأشهر الأخيرة من أجل البحث عن تحالفات جديدة، لعل أهمها التوجه نحو كل من روسيا والصين، واتخاذ مواقف تصالحية تجاه كل من النظامين السوري والإيراني، فالملاحظ أن المغرب منخرط بقوة في “اتفاقات أبراهام”، وأصبحت أمريكا حليفه الأول، وهو سبب مشاكله مع فرنسا.

وأصبح المسؤولون العسكريون الكبار الأمريكان، يقومون بزيارات مكثفة إلى المغرب، من أجل الترتيب لدور أمريكي جديد في إفريقيا تلعب فيه المملكة دورا إقليميا رغم وجود بعض المشاكل بين البلدين، من بينها إصدار الخارجية الأمريكية لتقريرها حول حقوق الإنسان بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى واشنطن، وهو التقرير الذي جمع المتناقضات، بين إشادة بالجهود التي يبذلها المغرب في هذا المجال، وبين توجيه النقد للوضعية الحقوقية، دفعت المغرب هذه المرة – مراعاة للديناميات التي تترتب – أن يصدر الرد عن التقرير عبر المندوب العام لإدارة السجون، محمد التامك، الذي حذر في مقال وقعه باسمه الشخصي، من خطورة هذا التقرير، معتبرا أنه تقرير لا يبشر بالخير، وأنه يمثل تراجعا مفاجئا لواشنطن عن مواقفها الإيجابية تجاه المملكة.

تتمة المقال تحت الإعلان

فهل يصبح المغرب معزولا داخل جامعة الدول العربية التي أصبحت معظم دولها تبحث عن تحالفات جديدة بديلة لأمريكا ؟ فقد نشر موقع”موند أفريك” الفرنسي، تقريرا تحدث فيه عن نسف النهج الدبلوماسي الذي تتبعه إدارة جو بايدن للتحالف العربي الإسرائيلي الذي تشكل أثناء رئاسة سلفه دونالد ترامب، أم أن المغرب سباق لتنويع الشركاء منذ مدة، وعلى رأسهم الصين، وهو ما جدد الخطاب الملكي التأكيد عليه في القمة العربية الصينية الأولى المنعقدة في دجنبر الماضي بالعاصمة السعودية الرياض، حيث جاء في خطاب الملك محمد السادس: ((إن من بين ركائز السياسة الخارجية للمملكة المغربية، تطوير التعاون جنوب-جنوب، وتنويع الشركاء، والانفتاح على المجموعات الإقليمية، حيث تربط المملكة بعدد كبير منها علاقات صداقة وتضامن وتعاون مثمر، وبالخصوص تلك المنتمية لدول الجنوب، وفي هذا الصدد، نود التعبير عن ارتياحنا العميق لما يطبع العلاقات المغربية الصينية من صداقة تاريخية متينة، وتعاون مثمر في مختلف المجالات، ومن تنسيق وتشاور بناء بخصوص مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وبما يتقاسمه البلدان من رغبة أكيدة وصادقة في تطويرها)).

يبدو أن القمة العربية القادمة بالسعودية – خلال شهر ماي القادم – ستقدم إجابات واضحة، أو رسائل مشفرة لموقع المغرب داخل هذا التكتل العربي المهم، ليتضح مدى استمرار دعم وحدة المغرب الترابية، أم أن حضور كل من سوريا والجزائر سيشهد مناورات جديدة؟ كما ستكون القمة العربية الإفريقية المزمع تنظيمها بالمملكة العربية السعودية محطة هامة لقياس نفوذ المغرب داخل جامعة الدول العربية حول ما إذا كان سينجح الضغط الجزائري الجنوب إفريقي، وربما السوري، في إحضار الجمهورية الوهمية للقمة.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى