ملف الأسبوع

ملف الأسبوع | انعكاسات الاتفاق السعودي-الإيراني على دعم إيران لجبهة البوليساريو

شكل إعلان كل من إيران والمملكة العربية السعودية، يوم الجمعة الماضية، عن استئناف علاقتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ سنة 2016، إثر مفاوضات استضافتها ورعتها جمهورية الصين الشعبية، (شكل) مفاجأة كبرى في الأوساط الدولية، حيث توقف العديد من المحللين عند نقطة معينة، ألا وهي رعاية الصين لهذا الاتفاق التاريخي، الذي أنهى سبعة أعوام من القطيعة.

أعد الملف: سعد الحمري

    لقد أفردت الكثير من الصحف الدولية، وخصوصا الأمريكية، مساحات كبيرة لهذه الجزئية وما تحمله من دلالات، وفي مقدمتها تعاظم الدور الصيني اقتصاديا وسياسيا في الشرق الأوسط على حساب ضعف النفوذ الأمريكي في تلك المنطقة الاستراتيجية، حسبما رأت صحيفة “نيويورك تايمز”.

وفي نفس الإطار دائما، وصفت صحيفة “الواشنطن بوست” هذا التطور بأنه “اختراق كبير لتنافس مرير لطالما قسم الشرق الأوسط”، ولفتت إلى فشل محاولات إدارة الرئيس باراك أوباما إصلاح العلاقات بين السعودية وإيران، والذي كان يرى أن الصراع بينهما يمثل “مصدرا للتوتر الطائفي في المنطقة”، ورأت الصحيفة أن التركيز على الدور الذي قامت به الصين في هذا الاتفاق، ربما يستهدف توجيه رسالة للقوى العظمى، ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية، مفادها أن “محور الشرق الأوسط يتغير”، حسبما ذكرت ماريا لويزا فانتابي، المستشارة الخاصة لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “مركز الحوار الإنساني” بجنيف.

تتمة المقال بعد الإعلان

ارتباطا بالموضوع، ومن زاوية أخرى، لا شك أن لهذا الاتفاق ارتدادات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. ففي الشرق الأوسط، هل يمكن اعتبار أن السعودية بهذه المصالحة المفاجأة تخلت عن الإمارات العربية المتحدة والبحرين وباقي دول المنطقة التي تتعرض لتهديدات إيرانية تمس وحدتها الترابية؟ وبخصوص شمال إفريقيا، هل أغفلت المملكة العربية السعودية الملف المغربي، وتخلت عن المغرب مقابل المصالحة مع إيران؟ علما أن المملكة المغربية تتعرض لتهديدات إيرانية صريحة، ذلك أن هذه الأخيرة تدعم جبهة البوليساريو بالأسلحة والعتاد والتدريب، وآخرها تزويد الجبهة الانفصالية بالطائرات المسيرة، كما أنها بدأت تتوسع في دول غرب إفريقيا، ومؤخرا، وجهت دعوة إلى الرئيس الموريتاني ليقوم بزيارة لإيران.

وعموما، يحاول هذا الملف تسليط الضوء على أثر هذا المستجد على المغرب، وهل من شأن هذه الاتفاقية أن تنهي الأطماع الإيرانية في شمال إفريقيا، أم أنها تفتح المجال لإيران للتركيز أكثر على التوسع في شمال إفريقيا ؟

هل المغرب خاسر من الاتفاق السعودي الإيراني ؟

تتمة المقال بعد الإعلان

    منذ اليوم الأول للإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بدأ الحديث عن ارتداد هذا الحدث على المغرب، وخاصة بعدما كانت الجارة الشرقية من أوائل المرحبين بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث اعتبرت أن ذلك يسهم في تعزيز السلم والأمن بالمنطقة وفي سائر العالم.

ويمكن وصف بيان الخارجية الجزائرية بالملتبس، حيث أنه موجه بطريقة غير مباشرة للمملكة المغربية، غير أنه بعد ذلك، هاجمت المنابر الإعلامية الجزائرية المملكة المغربية، وأكدت أن الخاسر الأكبر من الاتفاق السعودي الإيراني هو المغرب، والدليل على ذلك، أن المملكة لم تصدر أي بيان يرحب بهذه الخطوة. وفي المقابل، ذكرت صحيفة “الشروق” الجزائرية، أن ((الجزائر وسعت خلال الفترة الماضية من دائرة علاقاتها وشراكاتها مع فاعلين كبيرين في العالم الإسلامي، هما السعودية وإيران، وأكدت أنه كان من صور تعزيز العلاقة مع الرياض، إعلان هذه الأخيرة، الأسبوع الماضي، عن إنشاء مجلس تنسيق أعلى سيمثل إطار التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي بينها وبين الجزائر بعد خمس سنوات من استحداثه، في خضم تطور لافت للعلاقات بين البلدين خلال الفترة الأخيرة)) (المصدر: الشروق الجزائرية، 11 مارس 2023).

وفي ذات السياق، ذهب المعلق الجزائري الشهير حفيظ الدراجي، الذي أصبح بوقا من أبواق النظام الجزائري ضد مصالح المغرب، في قراءته لهذا الاتفاق، (ذهب) إلى أبعد مما ذهبت إليه “الشروق”، وقال في تغريدة له في حسابه على “تويتر”: ((مصالحة سعودية/ إيرانية بوساطة صينية ودعم روسي، مزعجة لأمريكا وإسرائيل والمطبعين، ستقلب الموازين، وتخلف تداعيات جيوسياسية تقوي السعودية وإيران، وتزيد من عويل الدول الوظيفية التي تاجرت في الأزمة لسنوات))، وأضاف: ((ضغطوا على السعودية للتطبيع مع إسرائيل فردت عليهم بالتطبيع مع إيران)).

أما بالنسبة للجانب المغربي، فرغم عدم صدور بيان رسمي بشأن هذا المستجد كما فعلت عدة دول عربية، فقد رصدت بعض التحليلات مدى تأثير هذا الاتفاق على المغرب، ومن ذلك التحليل الذي قدمه الكاتب مصطفى كرين، الذي قال في هذا الصدد: ((بالنسبة إلينا، فإن هذا الاتفاق يعتبر نذير شؤم لأنه سيعزز مكانة الجزائر، حليفة إيران، في التحالف الدولي، وسيفك الارتباط بين موقف الملكيتين في المغرب والسعودية بخصوص إيران، وقد يتسبب في بعض الفتور أو على الأقل انخفاض دعم الخليج للموقف المغربي دوليا، خصوصا وأن المغرب ذهب بعيدا جدا في علاقاته مع إسرائيل والولايات المتحدة، بما يجعل المغرب والسعودية تقريبا في ضفتين مختلفتين دوليا، على اعتبار أن المسار الذي أخذه المغرب منذ سنوات، يجعل من التصالح بين المغرب وإيران أمرا شبه مستحيل، لأنه لن يحظى لا بقبول إسرائيل وأمريكا ولا بقبول الجار الجزائري، بل إن التوافق الإيراني الجزائري على دعم البوليساريو، سيجد في هذا الاتفاق مبررا للمضي قدما في عداوته مع المغرب)) (المصدر: العمق المغربي، 10 مارس 2023).

ومن جانب آخر، ذهب الباحث محمد شقير في تعليقه على انعكاسات هذا الاتفاق على المغرب، في تصريح للموقع الإلكتروني “هبة بريس”، إلى القول بأنه ((بالنسبة للمغرب وشمال إفريقيا، فهذا سياق آخر، وهو السياق الذي يعرف تحالفا أمريكيا مغربيا إسرائيليا، لمواجهة المد الإيراني في المنطقة، وما يعززه على الصعيد المحلي، هو أن إيران تسلح الجزائر بمجموعة من طائرات الدرون، التي يمكن أن توظف من طرف ميليشيات البوليساريو لتهديد استقرار المغرب، وهذا ما يجعل أن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية ليست له علاقة بشكل أوتوماتيكي ومباشر بالمغرب، خاصة في الظرفية الحالية على الأقل)) (المصدر: هبة بريس، 12 مارس 2023).

إهمال أسباب ودوافع الاتفاق السعودي-الإيراني ؟

    وعلى نقيض ذلك، أهملت معظم التحليلات الهدف من وراء الاتفاق السعودي-الإيراني، الذي يعد اتفاقا براغماتيا للجانبين بامتياز، على اعتبار أن البلدين يعيشان أوضاعا غير مريحة منذ مدة، وخصوصا الجانب الإيراني، فهذه الأخيرة تعيش على وقع تحرّكات شعبية داخلية أرهقت الحكومة والقوى الأمنية، تُضاف إلى اقتصاد منهك بعقوبات غربية شلت عجلة الصناعة والتجارة والدورة الاقتصادية، وانعكست سلبا على حياة المجتمع الإيراني الذي يرزح أساسا مع حكومته تحت ضغوط غربية، إثر تعثر المفاوضات النووية مع مجموعة 5″+1″ في فيينا، ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وزادت الضغوط عندما لوّحت إسرائيل باللجوء إلى القوة لوقف المشروع النووي الإيراني ومشروع الصواريخ الباليستية والطيران المسيّر الذي دخل الحرب الأوكرانية إلى جانب الروس، الأمر الذي زاد من غضب الغرب المتحفّز لفرض عقوبات جديدة على إيران.

كما ذكر تحليل لـ”معهد السلام والدبلوماسية” الأمريكي، صيف العام الماضي، أن إيران كانت بحاجة ملحة للمصالحة مع السعودية، وأن الرغبة الإيرانية في تحسين العلاقات مع السعودية جاءت بعد خوفها من تنامي النفوذ الإسرائيلي في دول الخليج، ولفت إلى أنه بينما ترحب طهران بمثل هذا التحول في النهج الإقليمي السعودي، فإنها لا تتوقع أكثر من انفراج وعودة إلى حقبة ما قبل الربيع العربي مع الرياض، ومعنى هذا، أن إيران تهدف من وراء هذا الاتفاق إلى تنفس الصعداء والتخلص من الأزمة الداخلية، وليس التفرغ للمغرب كما روج البعض.

ومن جانب آخر، تعيش المملكة العربية السعودية وضعا مريحا ما يجعلها في موقع قوة بالمقارنة مع إيران، ومن تم، توقيع الاتفاقية من موقع قوة، رغم أن هناك من يقول بأنها غرقت في أوحال حرب استنزاف في اليمن غير معروفة النهايات، وأن ما تصرفه آلة الحرب في جيشها دعما للشرعية اليمنية ولمتطلبات الأمن القومي السعودي، كان يجب أن يُصرف على مشاريع اقتصادية تنعكس إيجابا على حياة مواطنيها، وتساهم في تحقيق خطة 2030 التي طرحتها القيادة السياسية السعودية، وزادت التعقيدات من خلال التهديدات المباشرة التي طالت منشآتها النفطية والصناعية، خصوصا بعد تعرّض منشآتها النفطية وبعض المواقع الحيوية والخدماتية داخل المملكة، لعدة هجمات، أخطرها الهجوم على منشآت “أرامكو” عام 2019، والذي وُجّهت الاتهامات في حينها لإيران بأنها الفاعل أو الموجّه أو الداعم.

بيان اللجنة الرباعية العربية وبيان الاتفاق السعودي-الإيراني يتضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب

    لا بد من قراءة متأنية في هذا المستجد، وخصوصا الوثائق المتعلقة به، والأحداث السابقة له المرتبطة به، لفهم هل كان لقضية التهديد الإيراني للمغرب حضور في هذا الاتفاق أم لا؟

إن أول ما يثير الانتباه في هذا الاتفاق التاريخي بين الرياض وطهران، هو البيان الثلاثي الذي كان مقتضبا، ولم يتضمن تفاصيل كبيرة حول القضايا التي تم الاتفاق عليها، فقد جاء فيه ما يلي: ((تعلن الدول الثلاث أنه تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وتمثيلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية…)).

يمكن ملاحظة أن أهم ما نص عليه البيان، هو احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها، ومن المعلوم أن هذا الشرط يهم إيران بالدرجة الأولى، التي تتدخل في الشؤون الداخلية للدول أكثر من غيرها.. فهل معنى هذا أن الشرط الأول والأخير الذي وضعته السعودية لعودة العلاقات بينها وبين إيران وبرعاية وضمانة صينية، هو احترام وحدة وسيادة دول المنطقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ رغم خروج بعض المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي الذين يرددون أسطوانة جديدة، وهي أن السبب الرئيسي الذي جعل المملكة العربية السعودية تقوم بتوقيع هذا الاتفاق، هو الانتقام من الإمارات العربية المتحدة وتركها وحيدة في مواجهة إيران، وهو سبب غريب وبعيد كل البعد عن الواقع.

كما يمكن القول أن هذا الشرط هو الأساس الذي وضعته المملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى، ويمكن ملاحظة ذلك، إذ أنه قبل هذا المستجد الهام بيومين، انعقدت أشغال اللجنة الوزارية الرباعية العربية المعنية بإيران، برئاسة السعودية وعضوية الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر، فضلا عن الأمين العام لجامعة الدول العربية، وصدر عن الاجتماع بيان أعربت من خلاله اللجنة عن قلقها البالغ إزاء ما تقوم به إيران من تأجيج مذهبي وطائفي في الدول العربية، بما في ذلك دعمها وتسليحها للميليشيات الإرهابية في بعض الدول العربية وما ينتج عن ذلك من فوضى وعدم استقرار في المنطقة يهدد الأمن القومي العربي، الأمر الذي يعيق الجهود الإقليمية والدولية لحل قضايا وأزمات المنطقة بالطرق السلمية، وقد أفرد البيان فقرة لكل دولة عربية تعاني من التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية على حدة، وهذه الدول هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والجمهورية اليمنية وسوريا.

وبخصوص المملكة المغربية، فقد تضمن البيان فقرة حولها جاء فيه ما يلي: ((أكدت اللجنة على تضامنها مع المملكة المغربية في مواجهة تدخلات النظام الإيراني وحليفه “حزب الله” اللبناني في شؤونها الداخلية، خاصة ما يتعلق بتسليح وتدريب عناصر انفصالية تهدد وحدة المغرب الترابية وأمنه واستقراره، وتؤكد أن هذه الممارسات الخطيرة والمرفوضة تأتي استمرارا لنهج النظام الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار الإقليمي)).

يمكن استخلاص أن هذا البيان وضع قائمة الدول المعنية بالدرجة الأولى بعدم تدخل إيران في شؤونها الداخلية، ومن ضمنها المغرب، وعندما يتم الحديث عن تسليح إيران لجبهة البوليساريو، فهذا اتهام مباشر للجزائر بدعم إيران في شمال إفريقيا.

عموما، يتضمن الاتفاق الابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لكن معضلته تكمن في التطبيق رغم التعهد الصيني بالإشراف على التنفيذ.. فهل تكون الصين قادرة على كبح جماح الطموح الإيراني اللامتناهي، أم أن هذا الاتفاق السعودي-الإيراني سيكون مآله كغيره من الاتفاقات السابقة التي لم تصمد طويلا؟

وإذا نجحت الصين في الإشراف على تنفيذ هذا الاتفاق.. هل يكون الدور على قضايا إقليمية أخرى عصية مثل قضية المغرب والجزائر، مع العلم أن موقف الصين من قضية الصحراء المغربية داعم للمغرب، وأنها تعتبر البلدين بوابة إفريقيا بامتياز، ومن مصلحتها إنهاء المشاكل بينهما لتتوسع اقتصاديا ؟

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

تعليق واحد

  1. لقد اعطيت بايران قيمة وأهمية اكبر من حجمها ، فلو كانت ايران بهذه القوة التي تصورها لنا او تريد تسويقها لنا اردت على الاقل على الضربات التي تلقتها من إسرائيل مؤخرا داخل الأراضي الإيرانية وداخل التراب السوري ، لنكن واقعيين فتحالف ايران والسعودية وحتى لو زدت عليهم كل دول الخليج والشرق الأوسط لن يصل في أهميته الى تحالف الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل.
    تحالف ايران والسعودية جاء بسبب أنهما انهكا في حرب اليمن ويريدون انهاءها بطريقة تحفظ كرامتهما ولو نسبيا . فهذه الحرب قد استنزفتهما معا وليست ايران من تعاني وحدها بل حتى السعودية تعاني اقتصاديا و الضحية هم المقيمون فيها والمواطنون البسطاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى