تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | الديوان الملكي “يوبخ” بن كيران و”يكلف” بنموسى بدل لقجع ووهبي في حالة شرود

التوجيهات العليا تسقط فوق رؤوس السياسيين

إعداد: سعيد الريحاني

 

    لم يكن الأسبوع الجاري ليكون باردا سياسيا مثل الأسابيع التي سبقته، في هذا الزمن الذي وصل فيه عزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة على ظهر الحمامة(..)، ذلك أن المتتبعين فوجئوا صباح يوم الإثنين المنصرم، بصدور بلاغ عاجل من الديوان الملكي، في الساعات الأولى من الصباح، نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، مسبوقا بمقدمة، لم يعرف أحد ما إذا كانت جزء من البلاغ الأصلي، أم إضافة من طرف الكاتب(..)، وهي الفقرة التي تقول: ((أصدرت مؤخرا، الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بيانا يتضمن بعض التجاوزات غير المسؤولة والمغالطات الخطيرة في ما يتعلق بالعلاقات بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل، وربطها بآخر التطورات التي تعرفها الأراضي الفلسطينية المحتلة)).

وجاءت التتمة كما يلي: ((في هذا الصدد، يؤكد الديوان الملكي على ما يلي: أولا: إن موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية لجلالة الملك، أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس، الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة، وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسوية أو للحملات الانتخابية الضيقة. ثانيا: إن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص جلالة الملك نصره الله، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية. ثالثا: إن العلاقات الدولية للمملكة لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز من أي كان ولأي اعتبار، لاسيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة.

ومن هنا، فإن استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطيرة ومرفوضة. رابعا: إن استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل تم في ظروف معروفة وفي سياق يعلمه الجميع، ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 10 دجنبر 2020، والبلاغ الذي نشر في نفس اليوم عقب الاتصال الهاتفي بين جلالة الملك نصره الله، والرئيس الفلسطيني، وكذلك الإعلان الثلاثي المؤرخ في 22 دجنبر 2020، والذي تم توقيعه أمام جلالة الملك.. وقد تم حينها، إخبار القوى الحية للأمة والأحزاب السياسية وبعض الشخصيات القيادية وبعض الهيئات الجمعوية التي تهتم بالقضية الفلسطينية، بهذا القرار، حيث عبرت عن انخراطها والتزامها به)) (المصدر: الموقع الرسمي لوكالة المغرب العربي للأنباء/ 13 مارس 2023).

هكذا إذن، لم يكن أي واحد من المتتبعين و”التابعين” يتوقع أن ينطلق الأسبوع بتوبيخ شديد اللهجة من الديوان الملكي لحزب العدالة والتنمية، الذي يقوده عبد الإله بن كيران، بمعنى أن التوبيخ موجه لبن كيران أولا، بحكم منصبه السياسي، ووقوفه وراء بلاغات الحزب، ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحا: ماذا فعل بن كيران حتى استحق هذا التوبيخ، فحزبه لا زال ضعيفا من الناحية السياسية بعد أن قضت الانتخابات الماضية.

الجواب والتفسير الظاهر لخلفيات صدور بلاغ من قبل الديوان الملكي، هو صدور بلاغ سابق عن حزب العدالة والتنمية عقب اجتماع 4 مارس الجاري، انتقد فيه ما سماه: ((المواقف الأخيرة لوزير الخارجية ناصر بوريطة الذي يبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الإفريقية والأوروبية، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي على إخواننا الفلسطينيين، ولا سيما في نابلس الفلسطينية)).

من هنا يظهر أن الذين يقفون خلف بلاغ الديوان الملكي بهذه الطريقة، يهدفون أولا إلى الدفاع عن الوزير بوريطة، علما أن بلاغهم صدر بعد حوالي أسبوع من صدور “بلاغ بن كيران”، الذي لم يكن لينتبه إليه إلا عدد قليل من المواطنين، بسبب تدني شعبية قادة هذا الحزب، واختفاء جلهم عن الأنظار، كما أن البلاغ المذكور أكبر بكثير من المرحلة التي يمر منها حزب العدالة والتنمية المفكك.

صدور بلاغ عن الديوان الملكي في هذا الوضع المعقد، خلف عدة ردود أفعال تتراوح كلها في طرح مجموعة من الأسئلة، من يقف وراء البلاغ؟ ولماذا الديوان الملكي هو الذي تكلف بالإجابة؟ أين الأحزاب الأخرى وما موقفها؟ وهل معنى ذلك دعوة إلى الكف عن التدخل في الشؤون الدبلوماسية؟ وإذا كان ذلك صحيحا، لماذا يتم تشجيع ما يسمى بـ”الدبلوماسية الموازية” وهي مجرد “بدعة” غير حقيقية؟ وأخيرا، إن تعامل حزب العدالة والتنمية مع القضية الفلسطينية معروف ولا حاجة لتوضيحه، كما أن الحزب المذكور هو الذي وقع الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل، وإذا حصل أي انزلاق، يجب أن يكون مصيره النقاش السياسي بين الأحزاب، وأقصى درجة يمكن للحكومة أو أحزاب الأغلبية أن تتعاطى مع الأمر، كما أن حزب العدالة والتنمية لو بقي في الحكومة، لوقع عشرات الاتفاقات الأخرى مع إسرائيل كما هو الشأن بالنسبة لحركات الإسلام السياسي في الخارج، وقتها سيجدون المبررات للتقارب مع إسرائيل(..).

وانظروا لظاهرة “قلي السم” عند إخوان بن كيران في طريقة تفاعلهم مع بلاغ الديوان الملكي، حيث قالوا: ((تلقت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بكل ما يليق من تقدير، البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، باعتبار مكانة جلالة الملك حفظه الله وانطلاقا مما يكنه الحزب لجلالته من توقير واحترام، وتؤكد أن الحزب لا يجد أي حرج في تقبل ما يصدر عن جلالته من الملاحظات والتنبيهات، انطلاقا من المعطيات المتوفرة لديه، وباعتباره رئيس الدولة وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها))، قبل أن يضيفوا فقرة لا علاقة لها بما سبق، تقول: ((إن بلاغات الأمانة العامة مقيدة بما يخوله الدستور لأي حزب سياسي من كون الأحزاب تؤسس وتُمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون، وفي إطار حرية الرأي والتعبير المكفولة بكل أشكالها بمقتضى الدستور))، وأخيرا تم تتويج بلاغ العدالة والتنمية بالقول: ((تؤكد الأمانة العامة بأن بلاغها الأخير لا يخرج عن مواقف الحزب الثابتة والمتواترة في دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ورفض التطبيع، وهو ما يعبر عنه الحزب باستمرار وفي كل مناسبة عبر مؤسسات الحزب وهيئاته، وفي إطار الإجماع الوطني، وأنه بلاغ يأتي في سياق تفاعل الحزب المباشر مع تصريحات السيد وزير الشؤون الخارجية، باعتباره عضوا في الحكومة، يخضع كباقي زملائه في الحكومة للنقد والمراقبة على أساس البرنامج الحكومي، الذي يتضمن الخطوط الرئيسية للعمل الحكومي في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية)) (المصدر: بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الصادر عقب اجتماعها الاستثنائي يوم الثلاثاء 14 مارس 2023).

في نفس الأسبوع، يبقى أغرب تفاعل مع البلاغ الصادر عن الديوان الملكي ضد بن كيران، هو الذي صدر عن “صديقه” السابق أو ربما الحالي(..)، عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، حيث قالت مصادر إعلامية: ((إن عبد اللطيف وهبي طالب إدارة حزبه من العاصمة البرتغالية لشبونة، حيث كان يشارك في مؤتمر انطلاق برنامج “الجنوب الخامس”.. (طالب) بتعميم قرار داخلي بعدم التصريح في موضوع بلاغ الديوان الملكي الموجه إلى حزب العدالة والتنمية، قبل أن يضطر لسحبه بعد دقائق من إعلانه، والمصادر ذاتها أضافت أن ضغوطات تنظيمية داخلية قادتها فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، لدفع وهبي إلى سحب توجيهه، معتبرة أن الحزب ليس طرفا في هاته النازلة وليس في حاجة إلى إصدار تعميم يمنع قواعد “البام” من التعليق)).

إرشادات عبد اللطيف وهبي تؤكد أنه في حالة شرود، ذلك أن التنافس السياسي واعتماد خط سياسي مغاير، قريب من إسرائيل، يفرض على العكس التفاعل مع هذه الواقعة واستغلالها سياسيا، أما تقليد بن كيران بشكل اعتباطي، فهذا الأمر لم ينجح، بسبب الفرق الكبير بين الشخصين من حيث التراكم السياسي، والعمق الفكري(..).

الوزير شكيب بنموسى لحظة تسلم جائزة «التميز» باسم الملك محمد السادس

بعيدا عن السياسة، وحيث لا يصدر الديوان الملكي بلاغات سياسية إلا نادرا(..)، فقد كان لافتا للانتباه تكليف وزير النموذج التنموي(..) شكيب بنموسى، بالذهاب إلى العاصمة كيغالي، لحضور حفل تتويج جلالة الملك محمد السادس بجائزة “التميز” الرياضي من طرف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، يوم الثلاثاء 14 مارس 2023.. ورغم أنه وزير مكلف بالرياضة، إلا أنه كان من الممكن تكليف فوزي لقجع بهذه المهمة، بحكم قربه من المجال ورئاسته لجامعة كرة القدم، إلا أن ذلك لم يحصل، بل إن شكيب بنموسى هو الذي أعلن باسم الملك محمد السادس عن ترشيح المغرب لاستضافة نهائيات مونديال 2030 انطلاقا من رواندا.

دخول المغرب على خط كأس العالم لتعويض الترشيح السابق لأوكرانيا إلى جانب البلدين السابقين، يعد بمثابة “ضربة دبلوماسية قوية”، حيث أنه يرسخ على الأرض علاقات التعاون الممتازة بين البلدان الثلاثة، ويجعلها في صف القضية الوطنية، كما يعقد وضعية خصوم المغرب الذين يحاولون عزل المغرب عن محيطه.

كما أن بنموسى هو الذي تكلف بإلقاء رسالة ملكية قوية من رواندا، جاء فيها ما يلي: ((ما زلت متشبثا بالقناعة التي عبرت عنها في خطابي بمناسبة القمة التاسعة والعشرين لقادة دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في سنة 2017، والذي أكدت فيه أن مستقبل إفريقيا يبقى رهينا بشبابها، وأن انتهاج سياسة إرادية موجهة نحو الشباب من شأنه تركيز الطاقات على التنمية.. وقد أثبتت المملكة المغربية، في مناسبات عديدة، وبالعمل الملموس، أنها تضع إمكانياتها وبنياتها التحتية وتجربتها، لاسيما في مجال الكرة القدم، رهن إشارة جميع البلدان الإفريقية الشقيقة الراغبة بدورها في جعل الشباب دعامة للأمل والنمو، وذلك لأن طموحي من أجل بلدي لا يضاهيه في جوهره سوى طموحي من أجل القارة الإفريقية)).. هكذا تحدث الملك محمد السادس عن إفريقيا قبل أن يضيف: ((من هذا المنطلق، أعلن أمام جمعكم هذا، أن المملكة المغربية قد قررت، بمعية إسبانيا والبرتغال، عن تقديم ترشيح مشترك لتنظيم كأس العالم لسنة 2030، وسيحمل هذا الترشيح المشترك، الذي يعد سابقة في تاريخ كرة القدم، عنوان الربط بين إفريقيا وأوروبا، وبين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه، وبين القارة الإفريقية والعالم العربي والفضاء الأورومتوسطي، كما سيجسد أسمى معاني الالتئام حول أفضل ما لدى هذا الجانب أو ذاك، وينتصب شاهدا على تظافر جهود العبقرية والإبداع وتكامل الخبرات والإمكانات)).

يذكر أن الأسبوع الجاري، كان حافلا بتحركات الديوان الملكي التي توزعت بين الرياضة والسياسة، وهي الدينامية التي سقطت فوق رؤوس السياسيين المغاربة بشكل مباغت، الأمر الذي تسبب في “جلبة” لم تكن متوقعة(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى