تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | هل يتبنى المغرب المقاربة الصينية والروسية في مجال حقوق الإنسان ؟

أقطاب الدبلوماسية الحقوقية يفضحون "الغرب"

غالبا ما يرتبط رفض “الوصاية الغربية على حقوق الإنسان” و”الوصاية الغربية على الديمقراطية” بدول كبيرة مثل الصين وروسيا، لذلك فلا غرابة أن نقرأ مثل ما يلي عن الدول الغربية وأمريكا: ((تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الأخرى، أكبر مخالف للمبادئ الديمقراطية.. إن الديمقراطية هي قيمة مشتركة للبشرية جمعاء، وهي تعني على الصعيد المحلي، أن الشعب هو سيد البلاد، أما على الصعيد الدولي، فهي تعني دمقرطة العلاقات الدولية، التي تشمل مساواة السيادة ومعالجة القضايا الدولية عبر التشاور بين دول العالم على قدم المساواة، وذلك يعد تطلعا سائدا للمجتمع الدولي.. من الحروب في سوريا والعراق وليبيا، إلى “الربيع العربي” و”الثورات الملونة” التي تسببت في موجات اللاجئين والاضطرابات في المنطقة، تمارس الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى “الهيمنة” بشكل تعسفي تحت غطاء “الديمقراطية”، وتفرض معاييرها حول “الديمقراطية” على الدول الأخرى عبر طريقة تتنافى مع الديمقراطية)).

 

إعداد: سعيد الريحاني

    ((إن مسرحيات “الديمقراطية” السخيفة التي تخرجها الدول الغربية، تكون بطبيعتها ممارسة سياسة الكتل وإثارة المجابهة بين المعسكرات تحت غطاء الديمقراطية، وهي تتعارض مع تطلعات الشعوب والتوجه السائد لدمقرطة العلاقات الدولية. في عام 2021، عقدت الولايات المتحدة ما يسمى بـ”القمة من أجل الديمقراطية”، ومن السخرية أنه لم تتلق إلا بعض الدول التي تعترف الولايات المتحدة بأنها ديمقراطية، الدعوة لحضور هذه “القمة المناهضة للديمقراطية”، وفي “حادثة الشغب بشأن التعديلات المقترحة على قانون تسليم المجرمين” في هونغ كونغ، اتهمت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى، الصين، بذريعة الحفاظ على ما يسمى بـ”الديمقراطية وسيادة القانون”، ووصفت نانسي بيلوسي الشغب في شوارع هونغ كونغ بـ”المنظر الجميل”، أما بالنسبة للشغب في “الكابيتول هيل”، فوصفته الولايات المتحدة بـ”محاولة انقلاب فاشلة”، الأمر الذي يكشف بجلاء عن طبيعتها في التلاعب السياسي باستخدام “المعايير المزدوجة”، وقامت نانسي بيلوسي مؤخرا بزيارة إلى منطقة تايوان الصينية تحت ستار “الديمقراطية”، بغض النظر على النصائح والمعارضة من قبل الصين ومعظم الدول، فإن تصرفات القرصنة التي تمارس الديمقراطية المزيفة والهيمنة الحقيقية، تشكل انتهاكا خطيرا للمبادئ الديمقراطية في العلاقات الدولية)) (المصدر: مقال: الغرب وجرائمه باسم “النظام” و”الديمقراطية” و”حقوق الإنسان”/ منتدى التعاون العربي الصيني).

كل ما سبق، يصب في اتجاه ما يقوله – على سبيل المثال – الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: ((إن عقيدة حقوق الإنسان الدولية تهدف إلى تبرير الهيمنة الغربية))، لكن دولة مثل المغرب، ظلت دائما تتجنب انتقاد “الأسلوب الغربي” في موضوع حقوق الإنسان رغم الضرر الكبير الذي تم حصده من هذا التوجه(..)، وربما انتبهت المملكة إلى خطورة استمرار ذلك، فغيرت من لهجتها على لسان وزير الخارجية ناصر بوريطة، هذا الأخير لا يمكنه أن يقول مثل هذا الكلام من تلقاء نفسه ودون مصادقة وتوجيه من الجهات العليا، وهكذا اهتمت الصحف العالمية بما جاء على لسان بوريطة، فقالت: ((المغرب يرفض الوصاية الغربية واحتكار القوى العالمية لقضايا حقوق الإنسان))، بل إن الموقع الروسي الأكثر شهرة “روسيا تو داي”، نقل عن موقع “هسبريس” المغربي، قصاصة جاء فيها: ((عبر وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، عن رفض بلاده أن تستأثر القوى العالمية بدور من يملك شرعية تقييم حقوق الإنسان في العالم، وقال بوريطة في افتتاح منتدى الرباط العالمي لحقوق الإنسان: “لا يمكن لأحد أن يجزم بأنه هو الذي يملك شرعية تقييم حقوق الإنسان”.. وأشار إلى أنه “لا مجال إطلاقا لممارسة الوصاية على قضايا حقوق الإنسان، ولا شرعية تلقائية لإملاءات تقييمية خارجية، ولا بديل عن التمكين الجاد التدريجي والفردي والجماعي لكونية حقوق الإنسان”.. وذكر أن المنتدى العالمي لحقوق الإنسان المزمع انعقاده في الأرجنتين شهر مارس 2023، سيكون مناسبة لدول القارة الإفريقية للتعبير عن إرادتها وسعيها نحو جعل القارة مزدهرة ومستقرة ومنعمة بالسلام، وخدمة مصلحة شعوبها، كما دعا إلى خلق نقاش أكثر حيوية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في الوقت الذي يتعمق فيه يوما بعد يوم غياب المساواة الاجتماعية، ويتزايد انعدام الأمن العالمي..

وختم بوريطة بالقول: إن المغرب مدعو إلى مواصلة الجهود التي يقوم بها في مجال حقوق الإنسان، لتعزيز الإنجازات المحققة، وخلق فرص جديدة على الصعيد الإقليمي والجهوي والدولي)) (المصدر: موقع هسبريس).

وبلغة دبلوماسية، قالت وزارة الخارجية المغربية: ((أفضل أداة متاحة للمجتمع الدولي، تظل – بلا شك – الدبلوماسية الطموحة والصبورة والمدروسة التي تبني، من خلال الحوار والتعاون، نظاما دوليا لحقوق الإنسان أكثر توازنا، والذي يجد أيضا السبيل لإثارة نقاش أكثر فعالية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بينما تتعمق التفاوتات الاجتماعية العالمية وانعدام الأمن الاقتصادي العالمي أمام أعيننا يوما بعد يوم.. ففي الواقع، البعض ممن نصبوا أنفسهم كمقيمين لحقوق الإنسان في قارتنا، يرتكنون إلى مواقف تضع جانبا الحوار والتعاون كأساس لحماية وإعمال حقوق الإنسان، ليتبنوا، للأسف، مواقف قائمة على ازدواجية المعايير والتسييس، والتي تضعف أسس حقوق الإنسان عوض خدمة قضاياها.. ولا مجال إطلاقا لممارسة الوصاية على قضايا حقوق الإنسان، ولا شرعية تلقائية لإملاءات تقييمية خارجية، ولا بديل عن التمكين الجاد التدريجي والفردي والجماعي لكونية حقوق الإنسان)).. هكذا صار يتحدث الوزير بوريطة قبل أن يضيف: ((إن مسارنا التأكيدي في المشهد العالمي، لا يمكن أن يكون رهين منطق المواجهات الذي يغذي عمليات التصدع، مما يزيد من إضعاف التضامن الدولي في الدفاع عن حقوق الإنسان)) (المصدر: الموقع الرسمي لوزارة الخارجية).

إذن، هذا أول تصعيد دبلوماسي مغربي، وإشهار لورقة “دبلوماسية حقوق الإنسان” في وجه آليات الدعاية الغربية، ومؤشر كبير على تغيير في السلوك المغربي إزاء التعاطي مع المنتوجات الغربية، خاصة وأن نفس اللقاء شهد تدخل أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي انتقدت “التفاوت بين الدول المتقدمة والنامية بخصوص الالتزام ببعض المعايير الدولية لحقوق الإنسان، واحترام قضايا الهجرة والتغييرات المناخية”.. وقالت بوعياش في تصريحات صحفية على هامش المنتدى، أنه ((في الوقت الذي وقعت فيه الدول النامية على الاتفاقية الدولية لحماية المهاجرين وعائلاتهم، لم توقع عليها الدول التي تسمى ديمقراطية))، في إشارة إلى الدول المتقدمة، وأشارت إلى أن ((الدول النامية في إفريقيا تخضع لنفس معايير إجراءات محاربة التلوث رغم أن نسبة انبعاث الغاز الكربوني فيها ضعيف جدا مقارنة مع الدول المتقدمة))، واعتبرت بوعياش أن ((التزام الدول النامية بمسار الديمقراطية وتطوير آليات وقيم حقوق الإنسان، أكثر بكثير مما تقوله الدول التي تسمى ديمقراطية)) (المصدر: وكالات).

رسم كاريكاتوري يبرز نموذج الوصاية الغربية على العالم

هكذا إذن، غير المغرب لهجته إزاء التناول الغربي لحقوق الإنسان، ولم يقف الأمر عند حدود ذلك، فقد تزعم شوقي بنيوب، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان خلال الأيام الأخيرة، موجة الانتقاد الرسمي لمنظمة العفو الدولية (أمنيستي)، وهي إحدى أذرع الغرب في مجال حقوق الإنسان(..)، هاته الأخيرة والتي تورطت في صراعات كبيرة مع المملكة، هاجمت المغرب انطلاقا من إسبانيا، حيث ((عبرت المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، عن رفضها جملة وتفصيلا لما ورد في المنشور الذي أصدرته منظمة العفو الدولية (أمنيستي) في 20 فبراير الجاري، وأوضحت المندوبية في بيان لها بعنوان: “وأخيرا يسقط القناع عن أمنيستي”، أن “المنشور الذي أصدرته المنظمة لم يفصح عن شكله، لا كبيان أو كتقرير، كما جرت العادة، مفضلة صيغة خطاب سياسي تحريضي، ومتعمدة بموجبه، مواصلة الانخراط في حملاتها المضادة للمغرب، التي وقع الرد عليها سابقا”، لافتة إلى أن “أمنيستي” اختارت هذه المرة، التصعيد، خطابا واستهدافا، من حيث الشكل والموضوع، وأضاف المصدر ذاته، أنه، ونظرا لهذا التحول المتعمد في خطها التحريري المتناقض مع أدبياتها وما ادعته لعقود في مجال حماية حقوق الإنسان، فإن المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، تتقدم بجملة من الاعتراضات، أولها أن “المنشور كتب بأسلوب تعمد اللبس والغموض على مستوى الجهة المصدرة والشكل، حيث يبدو معها إقحام فرعها بإسبانيا عملا شاذا، لأنه كان من السليم أن تفصح المنظمة عن مواقفها مباشرة، لا أن يجتر فرعها ادعاءات سابقة، خاصة وأنه لم يعتد تتبع حالة حقوق الإنسان في المغرب ولا حضر وقائع بشأنها ميدانيا، ولا التمس بيانات وتوضيحات بخصوصها، وبالتالي، فمن حق المندوبية الوزارية أن تعتبر لجوء مركز المنظمة إلى فرعها المذكور، تعبيرا عن فشل بيّن في الرد على ما قدمته لها السلطات العمومية المغربية من توضيحات متواترة حول وضعية حقوق الإنسان، وتصرف الفرع، هذا الذي لا صفة ولا صلاحية له، يجعل المنظمة الأم في وضعية الجُبن السياسي ما دامت قد اختارت أسلوبا تحريضيا مباشرا عوض النهج الحقوقي الذي ادعته منذ زمن طويل”، وأشار الاعتراض الثاني إلى أن “المادة المنشورة تصر بصفة عمدية، انسجاما مع ما سلف ذكره، على التعامل مع الحالات العشر الواردة بها بطريقة كيدية، جمعت بشكل تعسفي بين تطويع سياسي لموقفها المنحاز لأعداء الوحدة الترابية وبين إطلاق ادعاءات باطلة عرضت للفحص وثبت زيفها على مستوى القضاء، كما كان معظمها موضوع تتبع من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ويشكل كل ذلك انحيازا، وبوجه مكشوف، إلى جانب طرف في صراع إقليمي تخوضه بلادنا دفاعا عن وحدتها الترابية، نزاع معروض على أنظار مجلس الأمن في إطار البحث عن مساعي الحل السلمي، وقد قدمت بشأنه مبادرة الحكم الذاتي التي وصفت بالواقعية والجدية وذات المصداقية، وحازت اعترافات دولية كبيرة وواسعة ووازنة وغير مسبوقة.. فعن أي سند شرعي؟ وبموجب أي منطوق للقانون الدولي ونهج تدبير النزاعات المعروضة على الأمم المتحدة تعطي أمنيستي لنفسها صلاحية الإفتاء السياسي الخاص حول نزاع من هذه الطبيعة، لا سيما وأنها ظلت تردد لسنوات طوال، اقتصار نشاطها على المجال الحقوقي! وحيث أن ما ورد من ادعاءات للانتهاكات على هذا المستوى، تصبح بالنتيجة فاقدة للمصداقية، لأنها مستمدة من قول باطل بفعل الانحياز لطرف ضد آخر؟”، وضمن الاعتراض الثالث، سجل البيان أن “المادة المنشورة تصر، وعلى نحو غريب، عند إثارة مزاعم انتهاكات، على تفادي تقديم أي حجة أو دليل، فلا المنظمة قامت بتجميع بيانات في عين المكان، ولا تتبعت بصفة مباشرة أو بواسطة الغير، جلسات أطوار ملفات قضائية لاستخراج ملاحظاتها بشأنها، ولا هي قامت بقراءة وتحليل الأحكام والقرارات القضائية المتعلقة بثمانية أشخاص من أصل الحالات العشر الواردة في منشورها، ولأنها اختارت النهج السياسي التحريضي، فقد كان من الطبيعي ألا تطلع على ما جرى على مستوى عمل المحاكم”)) (المصدر: موقع الأحداث المغربية/ الأحداث أنفو، 27 فبراير 2023).

سواء تعلق الأمر بناصر بوريطة، أو بأمينة بوعياش، أو شوقي بنيوب، فإن استعمال ورقة “الدبلوماسية الحقوقية في هذا التوقيت الذي يتعرض فيه المغرب لحملة ممنهجة، يكشف توجها حقوقيا جديدا للمغرب في مجال حقوق الإنسان، كما أن استعمال الغرب للورقة الحقوقية لم يعد ينطلي على أحد(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى